أرشيف المقالات

ذلك بما قدمت يداك

مدة قراءة المادة : 4 دقائق .
2﴿ ذَلِكَ بِمَا قَدَّمَتْ يَدَاكَ ﴾   قد يبدو ما أكتبُه غريبًا، ولكن الغريب بالنسبة إليَّ هو ما يستحقُّ الكتابة، فالمعروف مألوف، كتبَه الكثيرون حتى صار كالسَّيْل العرم الذي يجري دون أن يلتفت إليه أحدٌ، أو يُفكِّر في الذي يحمله أو يُخبِّئه من مكنونات، جواهرَ كانت أم أحجارًا، أكتب اليوم ليبقى ما كتبْتُ؛ بل ليخلد، وإن مرَّ مرورَ الكرام، فلا بُدَّ من شخص كريم استرق النَّظَر إليه، فتفقَّه فيه، أو اعتبَر به، أو شعَر بما أَوَدُّ إيصاله إلى القُرَّاء المتفكِّرين.   كثيرًا ما نجد من أصحاب العقول الحكيمة الذين مَنَّ الله عليهم بنعمة العقل والذَّكاء، يكونون في لَجج الهموم والغموم، لا تنفَكُّ عنهم، ولا ينفكُّون عنها؛ بل يفتقدونها إن صحَّ لنا القول، ويبحثون عنها، وليس في ذلك عيب؛ لأنهم يُفكِّرون في التَّطُوير، في استثمار أنفسهم وذواتهم، فمن يعرف نفسه، ينشغل فيها وبها، فتكفيه عيبوبه وأخطاؤه عن محاولة النَّظَر، أو البحث عن عيوب الآخرين، واصطياد هَفواتهم، فما أجمل الشَّقاء بهذا النَّعيم؛ نعيم العقل والعلم والعمل على نعيم الجهل والكسل! وصدق من قال: "ذو العقل يَشْقَى في النَّعيم بعقلِه *** وأخو الجهالةِ في الشَّقاوة يَنْعَم".   إن الكثير من الأسئلة تدور في خلد أي مُتفكِّر في هذه المسألة؛ بل القضية التي لا بد من أن نُعيرَها انتباهنا؛ أعني: مسألة التَّقديم للآخرة، ففي كُلِّ عام نزداد عُمْرًا، فهل من عمل يُرافقه؟ هل من إنجاز نفتخر به؟ هل من ذكر أو عمل صالحٍ أكثرنا القيام به؟ تكثر الأسئلة وتُعَلَّق الإجابات في الأذهان إلى إشعار آخر، فالكثير يتذكَّر يوم ميلاده، فهل تفكَّر يومًا في هذه الآية ﴿ ذَلِكَ بِمَا قَدَّمَتْ يَدَاكَ ﴾ [الحج: 10]؟   هل قدَّمنا ما يجب علينا القيام به؟ هل من شيء عظيم فعلناه يشفَع لنا أمام خالقنا، تبارَكَ اسمُه، وتعالى جدُّه، ولا إله غيره؟ كم من الفرائض التي تأخَّر بعضُنا في أدائها، فضلًا على عدم قيام البعض بها؟! كم تصدَّقنا؟ كم عفونا؟ كم كنا كما يجب علينا أن نكون مُسلمين؟   وتسقط تساؤلات الكم ها هنا في غياهب الجُبِّ، فهل من قافلة تستخرج لنا الإجابات؟ أسئلة تدور في فلك مجهول، والشبكة تبدو عالقة منذ فترة طويلة، والخطوط متقطعة؛ لسوء تطبيق الأمور الدينية، والابتعاد عن الشرع، ديننا ليس دين حرامٍ وحلال، دين فرض وقوانين وإلزامٍ فقط؛ بل هو دين شَقَّ اسمه الباري من السلام، دين رَحْب، يطير بجناحي السلام في بقاع الأرض؛ لينشر السَّلام، فمن نحن حتى نخرج عن دين الإسلام، ونمثِّله بالسُّوء؟ لِمَ نُصوِّر الإسلام بصورة بشعة إن كانت المرآة الحقيقة الخاصة بنا هي المشوهة لا الإسلام؟ كم نحن بحاجة إلى التَّغيير، إلى التَّأثير، إلى استنهاض الهمم، كفانا جُبْنًا، وعارًا، وذِلةً، وخِذْلانًا، كفانا تواكُلًا على الغير، كفانا انتظارًا للفرصة التي تُشرق بها الأكوان، فرصتك الحقيقية هي استثمارك لشبيبتك، لعُمرك، أن تستغلَّ كل لحظة من حياتك؛ لتطوير ذاتك ونفسك، أن تزداد قُرْبًا من الرحمن القوي، الفعَّال لما يريد، هذا ما نحتاجه، نحن بحاجة إلى التطوير والتفكُّر، وبحاجة إلى الالتزام والتطبيق، لعلنا نخرج من الظلمات التي بقينا فيها عددَ سنين، وتبقى مسألة قبول تلك النوايا والأعمال الصَّالحة بيد المولى، فكم قدَّمت الأيدي أمورًا، فهل ستقبل؟ هنا وادٍ جديد، وأمر مهيب، فاللهم تقبلًا للصالحات، وغفرانًا للذنوب، وتجاوزًا عن السيئات، "فأنت أكرم من يُرجى ويُرتقَب".



شارك الخبر

ساهم - قرآن ٣