أرشيف المقالات

إعداد القائمة بدعوة الطالبات في المرحلة الثانوية

مدة قراءة المادة : 27 دقائق .
إعداد القائمة بدعوة الطالبات في المرحلة الثانوية

تعدّ القائمة بدعوة الطالبات العمود الفقري في العملية الدعوية، لأنها تنفرد بالتأثير والتوجيه لدى الطالبات بشكل كبير، مما يجعل العناية بإعدادها إعداداً شاملاً متكاملاً أمراً بالغ الأهمية، وإلا أخفقت العملية الدعوية وضعف أثرها، وإعداد الداعية يعني تزويدها بأسلحة شتى تدافع بها عن دينها، (وأول هذه الأسلحة - ولا ريب - سلاح الإيمان، فبدونه يبطل كل سلاح، وتفشل كل ذخيرة، وليس الإيمان بالتمني، ولكن ما وقر في القلب وصدقه العمل، وثاني هذه الأسلحة هو: الأخلاق، وهي من لوازم الإيمان الحق وثماره، وأكمل المؤمنين إيمانا أحسنهم خلقا)[1].
 
إن قوة إيمان الداعية وسمو أخلاقها هما شرطان لتكوين القاعدة الأساس للبناء والإعداد الدعوي، وبتوافرهما يتم الاختيار للداعية التي تقوم بدعوة الطالبات في المرحلة الثانوية، ثم يكمل الإعداد الدعوي بتسليحها بسلاح العلم والمعرفة والثقافة، ثم بالإعداد السلوكي، والإعداد المهني، فهذه الثلاثة تمثل أهم الجوانب التي يسعى المسؤولون من خلالها إلى إعداد القائمة بالدعوة إعدادا يليق بمهمتها، وهي كالآتي:
أولا: الإعداد العلمي:
يأتي الإعداد العلمي في المقام الأول ضمن برامج إعداد القائمات بدعوة الطالبات في المرحلة الثانوية، لعظم الأمانة ومسؤولية التبليغ عن رب العاملين، وللتأكيد على أن العلم يسبق العمل، قال تعالى: ﴿ فَاعْلَمْ أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَاسْتَغْفِرْ لِذَنْبِكَ وَلِلْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ ﴾ [2] وقد تفطّن السلف رحمهم الله إلى أهمية التزود العلمي قبل التصدر للدعوة، فقد بوّب الإمام البخاري - رحمه الله - جامعه الصحيح بابا بعنوان: (باب العلم قبل القول والعمل)، وهذا يؤكد أهمية الإعداد العلمي حيث إنه (أراد أن الشيء يُعلم أولا، ثم يُقال ويُعمل به، فالعلم مقدم عليهما بالذات، وكذا مقدم عليهما بالشرف، لأنه عمل القلب وهو أشرف أعضاء البدن)[3].
 
كما جاءت الأحاديث النبوية تؤكد أهمية هذا الأساس الدعوي، حيث قال النبي - صلى الله عليه وسلم: ((من يرد الله به خيرا يفقهه في الدين))[4]، كما قال عمر بن الخطاب - رضي الله عنه -: ( تفقهوا قبل أن تسوّدوا)، وعقّب الإمام البخاري - رحمه الله - على ذلك بقوله: (وبعد أن تسودوا، وقد تعلم أصحاب النبي - صلى الله عليه وسلم في كبر سنّهم)[5]، فلم يمنعهم عامل السن أو تأخر بعضهم في الإسلام من التفقه في الدين ثم الدعوة إلى الله.
 
ولا شك أن تزود الداعية بالعلم الشرعي من الأمور الضرورية، لأن من تصدى للدعوة دون أن يتحلى بالعلم، يُخشى عليه أن يجادله أحد خصومه، فتضيع حجته فيهلك، فلا بد أن يكون عنده من العلم ما يدفع به الشبهات، ويفحم به الخصم، وذلك لا يكون إلا بمعرفة ما هو عليه من الحق، وما عليه خصمه من الباطل، ليتمكن من دحض حجته[6].
 
إضافة إلى أن قيام الدعوة على الأساس العلمي المتين الصحيح يؤتي ثمارا زكية مباركة، بخلاف قيامها على الجهل والقصور في العلم، فالدعوة إلى الله تقوم على أساس العلم به تعالى وبدينه القويم، والعلم هو (العدّة الفكرية للداعية بجوار العدّة الروحية والأخلاقية، والدعوة عطاء وإنفاق، ومن لم يكن عنده علم لإنفاقه كيف يعطي غيره؟ وفاقد الشيء لا يعطيه، ومن لم يملك النصاب كيف يزكي؟)[7].
 
وكلما زاد نصيب الداعية العلمي؛ عظم أثرها في طالباتها، وصارت أكثر قدرة على الإجابة على تساؤلاتهنّ الملحة، ومساعدتهنّ في مشكلاتهنّ، أما إذا قلّ زادها العلمي، فإن الطالبات يشعرن باستغنائهنّ عنها، ويكتشفن ضعف قدرتها، وكانت أبعد عن التجديد والابتكار، وأقرب إلى تكرار المعلومات القليلة التي تملكها.
 
ويرتكز الإعداد العلمي على محورين:
• الإعداد العلمي المتعلق بالعلوم الدينية.
• الإعداد العلمي المتعلق بالعلوم الدنيوية.
 
والأصل في هذين المحورين التلازم والتكامل، فحياة المسلم في الدنيا محاطة بإطار الشريعة من جميع جوانبها، والعلوم الدنيوية تخدم العلوم الدينية، وتعين المسلم على تحقيق عبوديته لله تعالى، وأساس بناء الداعية هو علوم الدين، ذلك (أن العلم الذي هو محل الثناء هو العلم الشرعي، الذي هو فقه كتاب الله وسنة رسوله - صلى الله عليه وسلم، وما عدا ذلك فإما أن يكون وسيلة إلى خير، أو وسيلة إلى شر، فيكون حكمه بحسب ما يكون وسيلة إليه)[8].
 
والمقصود بالعلوم الدينية: العلوم التي محورها الإسلام: مصادره وأصوله والعلوم المتعلقة به، وبتعلمها تكون الداعية على: ﴿ عَلَى بَيِّنَةٍ مِنْ رَبِّهِ ﴾ [9]، وبها تكون الداعية على سبيل النبي - صلى الله عليه وسلم الذي وصفه تعالى: ﴿ عَلَى بَصِيرَةٍ ﴾ [10] (وهذا يدل على أن الدعاء إلى الله تعالى إنما يحسن ويجوز مع هذا الشرط، وهو أن يكون على بصيرة مما يقول، وعلى هدى ويقين، فإن لم يكن كذلك فهو محض الغرور)[11].
 
وأهم العلوم الدينية التي يلزم الداعية تعلمها والنهل منها ما استطاعت ما يأتي:
1- القرآن الكريم وتفسيره وعلومه.
2- السنة والسيرة النبوية المطهرة.
3- العقيدة الإسلامية.
4- الفقه أصوله.
5- علم الدعوة والتربية الإسلامية.
6- علم الأخلاق الإسلامية.
 
وأهم هذه العلوم معرفة الوحيين، فهما مصدرا التشريع، وهما أساس بقية العلوم الدينية، ولا غنى للداعية عنهما بحال من الأحوال[12]، وهما زاد الداعية الذي يقوى بهما إيمانها، وتسمو روحها، وتحمى بهما عاطفتها الدينية فتحمل هم الدعوة وتمضي بعزيمة وحماس في مهمتها.
 
أما العلوم الدنيوية، فهي العلوم التي تتعلق بجوانب الحياة المختلفة، وأهمها للداعية: العلوم الإنسانية: كعلم النفس، وعلم الاجتماع، وعلم التربية، وعلم اللغة العربية، وعلم التاريخ، والعلوم البحتة، والمذاهب السياسية والدينية المعاصرة، وعلوم الواقع المعاصر، مثل: واقع العالم الإسلامي، وواقع الأقليات الإسلامية، واقع التيارات الفكرية المعارضة للإسلام والقوى المعادية له..
إلى غير ذلك من العلوم التي تحتاجها الداعية بقدر ما يعينها على دعوتها.
 
و تأخير هذه العلوم الدنيوية عن العلوم الشرعية لا يعني إهمالها أو عدم أهميتها، بل إنه من الضروري إكساب الداعية الثقافة العامة والمعرفة المتجددة المستمرة، لأن نجاحها في دعوتها يعتمد إلى حد كبير على مدى سعة ثقافتها العامة، ووعيها بمشكلات طالباتها ومجتمعها وأمتها والعالم الواسع الذي تعيش فيه، فالثقافة العامة ضرورة لكل داعية، وكلما ازدادت المعلومات عندها؛ كانت أقدر على نيل ثقة الطالبات والتأثير فيهنّ، ومن ناحية أخرى فإن الثقافة العامة المتنوعة تساعد الداعية على نضوج شخصيتها، وسعة إدراكها، مما يخلصها من روح التعصب والانحصار داخل تخصصها العلمي أو ميدان عملها المحدود[13].
 
ثانيا: الإعداد السلوكي:
يعدّ الإعداد السلوكي من المقومات الهامة في بناء المعلمة الداعية، فهو الجزء الظاهر المرئي أمام الطالبات المدعوات، ويعني إعداد القائمة بالدعوة سلوكيا: أن يكون سلوكها وتصرفاتها وفق شريعة الإسلام، تتجلى قيمه ومبادئه في أقوالها وأفعالها، وحركاتها وسكناتها، واعتقاداتها وتصوراتها، حتى يظهر أثر الإسلام على سلوكها، ولا تكون مجرد ناقلة لشرائعه بقولها فقط، بل تسبق أفعالها أقوالَها، فتكون أول من يلتزم بفعل ما تأمر به، وأول مجتنب لما تنهى عنه، وتكون جامعة في دعوتها بين القدوة والدعوة، فتستحق ثناء الله تعالى عليها، قال تعالى: ﴿ وَمَنْ أَحْسَنُ قَوْلًا مِمَّنْ دَعَا إِلَى اللَّهِ وَعَمِلَ صَالِحًا وَقَالَ إِنَّنِي مِنَ الْمُسْلِمِينَ ﴾ [14]، قال الحافظ ابن كثير - رحمه الله -: (وهو مهتد في نفسه، فنفعه لنفسه ولغيره لازم ومتعدّ، وليس هو من الذين يأمرون بالمعروف ولا يأتونه، وينهون عن المنكر ويأتونه، بل يأتمر بالخير ويترك الشر، ويدعو الخلق إلى الله تبارك وتعالى، وهذه عامة في كل من دعا إلى خير وهو في نفسه مهتد)[15].
 
ومن الأمور السلوكية المهمة التي يجب مراعاتها عند إعداد الداعية ما يأتي:
1)) أن تلتزم الداعية في سلوكها الظاهر والباطن بأخلاق الإسلام وآدابه وقيمه:
لأن واقع الحال أبلغ من واقع المقال، ويؤكد ذلك ما يشاهد لدى الطالبات من اهتمام بالغ وارتباط وثيق بأعمال الداعية، ويتجلى هذا في عدة صور منها:
• مراقبة الطالبات لأعمال وأقوال الداعية.
• توقعهنّ رؤية الصورة التطبيقية العملية لما تدعو إليه.
• الاستجابة للدعوة بالقدوة أكثر وأسرع من الاستجابة للدعوة بالقول فقط.
• أن مخالفة الداعية لما تدعو إليه في هيئتها وأفعالها يدعو إلى مخالفة أمرها وعدم الاستجابة لها[16].
 
والداعية إلى الله (إذا خالف علمه عمله، وكذب فعله قوله، كان ممقوتا في الأرض والسماء، ومضلة لمن رام به الاقتداء، وإذا أمر بغير ما يعمل مجت الأسماع كلامه، وقلّت في الأعين مهابته، وزالت من القلوب مكانته) [17].
 
2)) أن تحرص الداعية على تزكية نفسها ظاهرا وباطنا:
فالقائمة بالدعوة نفس بشرية غير معصومة من الخطأ، قابلة للتوجه للخير والتوجه للشر، فإن أمسكت بزمام نفسها ووجهتها إلى طريق الخير؛نالت السعادة والفلاح، وإن اتبعت نفسها هواها؛ خابت وخسرت، كما قال تعالى: ﴿ وَنَفْسٍ وَمَا سَوَّاهَا * فَأَلْهَمَهَا فُجُورَهَا وَتَقْوَاهَا * قَدْ أَفْلَحَ مَنْ زَكَّاهَا * وَقَدْ خَابَ مَنْ دَسَّاهَا ﴾ [18].
 
ومعنى تزكية النفس كما يقول شيخ الإسلام ابن تيمية - رحمه الله -: (أصلها النماء والبركة وزيادة الخير..
والتزكية: جعل الشيء زكيا، إما في ذاته، وإما في الاعتقاد والخبر، كما يقال: عدّلته: أي جعلته عدلا في نفسه، أو في اعتقاد الناس)[19]، كما تعرّف تزكية النفس بأنها: (تطهير النفس من نزعات الشر والإثم، وتنمية فطرة الخير فيها، مما يؤدي إلى استقامتها وبلوغها درجة الإحسان)[20].
 
وتحصل التزكية للداعية أولا إذا قوي إيمانها بالله وصدق يقينها وتوكلها عليه، فإن أصل التزكية هو: (التوحيد والإيمان الذي يزكو به القلب، فإنه يتضمن نفي إلهية ما سوى الحق من القلب، وإثبات إلهية الحق في القلب، وهو حقيقة لا إله إلا الله)[21]، أما كيف تزكو نفس الداعية، فيوضحه شيخ الإسلام ابن تيمية بقوله: (تزكو بترك المحرمات مع فعل المأمورات...وذلك أن ترك السيئات هو من أعمال النفس، فإنها تعلم أن السيئات مذمومة مكروه فعلها، ويجاهد نفسه إذا دعته إليها إن كان مصدقا لكتاب ربه، مؤمنا بما جاء به نبيه - صلى الله عليه وسلم، ولهذا التصديق والإيمان والكراهة وجهاد النفس أعمال تعملها النفس المزكاة، فتزكو بذلك أيضا، بخلاف ما إذا عملت السيئات، فإنها تدنس وتندس وتنقمع)[22].
 
ومما يزكي النفس الإكثار من الطاعات والعمل الصالح، وطلب العلم النافع، ومحاسبة النفس ومجاهدتها، والتفكر في مخلوقات الله، ومرافقة الصالحين، وتذكر الموت وأهوال القيامة، وقراءة القرآن وحفظه وتدبره، وغير ذلك فهذه لها أثر كبير في تزكية نفس الداعية والتأثير على سلوكها، يقول شيخ الإسلام ابن تيمية عن أثر العامل الصالح في ذلك: (وقوله تعالى: ﴿ خُذْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ ﴾ دليل على أن عمل الحسنات يطهر النفس ويزكيها من الذنوب السالفة، فإنه قال بعد قوله: ﴿ وَآخَرُونَ اعْتَرَفُوا بِذُنُوبِهِمْ ﴾ فالتوبة والعمل الصالح يحصل بهما التطهير والتزكية) [23].
 
3)) أن تحسن الداعية تعاملها مع الآخرين وتكسب قلوبهم:
إن حسن تعامل الداعية مع الآخرين وكسبها لقلوبهم يقوي الصلة بينهم، وينمو هذا الحس الخلقي عند الداعية بالاطلاع على فنون التعامل مع المدعوات، والتدرب عليها والتخلق بها، حتى يصبح الإحسان إلى الناس عادة راسخة في نفسها، وأساس ذلك أن تعامل الناس كما تحب أن يعاملوها به في شتى المواقف، كما قال النبي - صلى الله عليه وسلم: ((وليأتِ إلى الناس الذي يحب أن يأتوا إليه))[24]، فهذه قاعدة مهمة عادلة سهلة التطبيق: أن تنظر الداعية إلى ما تتطلع إليه من معاملة حسنة عند الآخرين وتودّ أن يقابلوها به، ثم تلزم نفسها بمعاملة الآخرين بذلك الخلق الذي انتظرته منهم.
 
وهناك العديد من الكتب التي تبين الأساليب التي يحب الناس أن يعاملوا بها، والأساليب التي يبغضونها وينفرون منها، ومن ذلك أن الناس يحبون من يحترمهم ويقدرهم، ويحبون من يفهم نفسيتهم ويراعي أحوالهم، كما يكرهون النصيحة العلنية والتشهير بالخطأ، ويكرهون من يحتقرهم ويسارع إلى توبيخهم وتأنيبهم، ويكرهون من يركز على سلبياتهم دون حسناتهم..
إلى غير ذلك مما تستفيده الداعية من القراءة وسعة الاطلاع، ومن تجارب الآخرين وخبراتهم في هذا المجال، ومن تكرار اللقاء مع الداعيات والمربيات الأعلى قدرة وخبرة وعلما[25].
 
4)) أن تتحلى بالعاطفة الإيمانية الصادقة القوية:
العاطفة الإيمانية وقود الدعوة الذي يشعل الحماس في الداعية لترتقي بنفسها في العبادات وتبذل مهجتها لنصرة دينها، وتؤثر تأثيرا بالغا في حياتها، ولبناء الداعية على أساس حي متين لا بد من (بناء هذه العاطفة الإيمانية القوية في النفوس، وتربيتها على كثرة الذكر والخشوع والانكسار والخضوع بين يدي الله تبارك وتعالى، والاهتمام الشديد بأحوال المسلمين، والتعاضد والتناصر والإخاء..
وينتج عن هذا عاطفة إيمانية آسرة لا يقوم لها شيء، ويتأثر بها كل من رآها وخالطها أحسن التأثر وأجمله وأفضله)[26].
 
وللعاطفة الإيمانية - إذا تحلت بها الداعية - آثار زكية منها: حسن التأثير في الطالبات، لأن صاحبة العاطفة الإيمانية القوية إنسانة مؤثرة بلا ريب، يجتمع الطالبات حولها، وينبسطن لها، ويرتحن إليها، وهل تريد الداعية لنفسها شيئا من الناس إلا هذا، إذ هو مفتاح الاستجابة[27].
 
كما أن العاطفة الصادقة توقد الحماسة وتورث الجدية في الذود عن الشريعة، والثبات عند الابتلاء، واستشعار المسؤولية الدعوية، وما أحوج الداعيات اليوم إلى الشعور بالمسئولية تجاه هذا الدين، فالدعوة إليه لا تعني فقط أن تعظ الداعية طالبة ما، أو أن تلقي محاضرة أو درسا على مجموعة من الطالبات، أو تؤلف كتابا، أو تنكر منكرا، بل إن المطلوب أن تمتلك الداعية الحس الدعوي وتحمل همّ الإصلاح الذي يدفعها لدعوة الطالبات والمجتمع، فالدعوة عمل يتطلب منها البذل المستمر، والتضحية بالوقت وبالمصالح الشخصية والمال والنفس وكل ما تملكه، ومع العطاء لا بد من الصبر والاحتساب للاستمرار في هذا الطريق، لتأدية حق هذه الأمانة، وذلك لا ينبع إلا من شعور قوي بالمسئولية دافع إلى القيام بالمهمة المطلوبة.
 
ثالثا: الإعداد المهني:
الدعوة إلى الله في جوهرها علم تطبيقي، يقوم على بناء علمي نظري، وتهتم العلوم التطبيقية عادة بوصف أفضل السبل إلى تحقيق أفضل أداء ممكن في المواقف التربوية والدعوية، لذا فإن إعداد المعلمة الداعية الكفء ينبغي أن يساعدها على اكتساب مجموعة من المعارف و المهارات والقدرات التي تجعلها قادرة على النهوض بأعباء مهمتها، ويدخل في هذا معرفتها بأهمية الدعوة وأثرها في إصلاح المجتمعات، وكذلك معرفتها بالخصائص الشخصية المتنوعة للطالبات المدعوات في المرحلة الثانوية، إضافة إلى ضرورة اكتسابها مجموعة المهارات اللازمة للنجاح في عملية الدعوة، وتقويم استجابة الطالبات، وعلاج أخطائهنّ وتصحيح سلوكهنّ ومبادئهنّ.
 
وهناك كثير من المهارات المتعلقة بالجانب المهني، والتي يجدر بالداعية تعلمها والتدرب عليها منها على سبيل المثال:
1- مهارة تنظيم الوقت، والارتقاء بالنفس من خلال استغلال وقت الشباب في طلب العلم، والبعد عن التسويف، وقد كان للسلف - رحمهم الله - مبدؤهم في تنظيم أوقاتهم وتقسيمها، واغتنام أفضلها لطلب العلم، ومن توجيهاتهم لطالب العلم ( أن يقسم أوقات ليله ونهاره، ويغتنم ما بقي من عمره...
وأجود الأوقات للحفظ: الأسحار، وللبحث: الإبكار، وللكتابة: وسط النهار، وللمطالعة والمذاكرة: الليل)[28].
 
2- الاستفادة من تقنيات التعليم في الدعوة إلى الله، حيث توفر هذه التقنيات للتعليم والدعوة عنصر التشويق والإثارة والمتعة في التعامل مع أجهزة وبرامج وتقنيات لم تكن المعلمة أو الطالبة تعرفها من قبل، وهذا يحقق فرصة ممتازة للقائمة بالدعوة لكي تؤدي واجبها التربوي والدعوي بصورة أيسر من قبل، كما أنه يساعدها ليكون نشاطها منظما مقننا فعّالا، كما أن هذه التقنيات تساعد الطالبات على التعلم بصورة أفضل، وعلى التفاعل مع البيئة الدعوية باعتبار أن هذه التقنيات تشبع حاجاتهنّ وتتماشى مع قدراتهنّ[29]، فقد (ثبت من واقع التجربة لدى العلماء أهمية التفاعل المباشر بين المعلم والخبرة في الموقف التعليمي، يليه في الأهمية التعامل البديل التمثيلي النموذجي، ثم المرئي المسموع تسجيلا، ثم المتصف بإمكانية الرؤية وحدها، ثم السماع وحده، ثم الشرح اللفظي المسموع ثم المكتوب)[30]، وهذا يؤكد أهمية استخدام حواس الطالبات لفهم المعلومة وحفظها عن طريق تقنيات التعليم، التي عرفها أهل الاختصاص بأنها: (التقنيات العلمية والعملية الواضحة التي يُستخدمها المدرس للقيام بواجبه المهني على نحو أفضل، من خلال اعتماده على أهداف تربوية تعليمية محددة، ثم تحليله لمحتويات المادة وتوزيع ذلك في كراسة التحضير، ثم اختياره لأسلوب التدريس واختياره للوسيلة المناسبة، واستخدامها الاستخدام الأمثل في الفصل، ومناقشته طلبته في الفصل وتقويمهم، كل هذه النشاطات تتفاعل في التنفيذ لتشكل في مجموعها (تقنيات التعليم) أو (تكنولوجيا التعليم)[31]، ومنها: التصوير الضوئي الثابت، والوسائل السمعية المتنوعة، الأشياء الطبيعية والنماذج، الرحلات والزيارات، المعارض والمتاحف، المسرح والتمثيل، التلفزيون والفيديو، الحاسوب [32]..
وغيره.
 
إضافة إلى ما سبق فإن هناك العديد من المهارات المهنية التي يحسن تدريب القائمة بالدعوة عليها، منها - باختصار - ما يأتي:
3- المهارة في تحديد الأهداف الدعوية العامة والخاصة، صياغة وتحديدا وتقويما.
 
4- دقة الإجراءات التعليمية والدعوية، مثل: حسن إدارة الصف وضبطه، البراعة في التحضير والتمهيد للموضوع وعرضه للطالبات، قوة الصوت، الوقفة الجيدة والتمركز المناسب.
 
5- قوة الجاذبية والتحمس أثناء الدعوة، مع حسن اختيار أوقات توجيه الطالبات ونصحهنّ.
 
6- المهارة في ربط موضوع الدعوة بواقع الطالبات وحياتهنّ، والربط بينه وبين غيره من الموضوعات الأخرى وبقية المواد الدراسية.
 
7- المهارة في انتهاز الفرص للتعليم والتوجيه، واغتنام المناسبات الطارئة لتعليم خبرات جديدة، وغرس فضائل إسلامية، وتكوين الاتجاهات الإيجابية السليمة لدى الطالبات.
 
8- القدرة الخطابية والمهارة في التعبير، مع القدرة على الحوار والمناقشة، بلغة عربية فصيحة سهلة مناسبة للطالبات، مع القدرة على الإقناع والتأثير.
 
9- المهارة في إنتاج الوسائل التعليمية والدعوية المساعدة، واستخدام الأجهزة التعليمية التي تتناسب مع طبيعة الدعوة إلى الله عز وجل.
 
10- الخبرة في استخدام أساليب التقويم المختلفة، مع فن طرح الأسئلة.
 
11- القدرة على مراعاة الفروق الفردية بين الطالبات، والتعامل مع كل طالبة حسب استعداداتها وقدراتها ومستوى فهمها، وعدم التجاوز للمستوى العقلي والإدراكي عند الطالبات مما يسبب النفرة والتشويش[33].
 
مما سبق يتبين أن إعداد القائمة بالدعوة عمل كبير ذو مفهوم واسع، لا يتوقف عند معرفة الأهمية والأسس، أو عند تحديد الأهداف والمناهج واختيار الوسائل والأساليب فحسب، بل يشمل جميع العوامل المؤثرة والعمليات التي ترشد وتبني وتوجه الداعية إلى الإحسان في دعوتها، والقيام بما يفرضه عليها دينها.
 
ولا تقل أهمية العناية بإعداد المعلمات القائمات بدعوة الطالبات عن أهمية العناية بالطالبات المدعوات أنفسهنّ، فالدعوة عملية مشتركة بين طرفين: الداعية والمدعو، ولا يمكن تصور نجاح المنهج الدعوي إلا باعتبار جميع الأطراف، أما إذا اقتصر القائمون على برامج الدعوة على الاهتمام على القائم بالدعوة وحده باعتباره الطرف المسؤول والمؤثر في قيادة العملية الدعوية، دون عناية بالطرف المتلقي المتأثر بهذه الدعوة، فإن ذلك يؤدي إلى فشل الجهود الدعوية المبذولة، لذلك على الداعية توجيه العناية الكافية للطالبة المدعوة والتعرف على خصائصها واحتياجاتها الدعوية، وهذا ما يتناوله الفصل الآتي بإذن الله.

[1] ثقافة الداعية: د.
يوسف القرضاوي ص 7، مؤسسة الرسالة، بيروت، ط:5، 1403هـ/1983م

[2] سورة محمد: جزء من آية 19.

[3] عمدة القاري شرح صحيح البخاري المسمى بالعيني على البخاري: الإمام العلّامة بدر الدين محمود بن أحمد العيني 2/39، دار الفكر، ط:بدون، ت: بدون..

[4] صحيح البخاري، كتاب العلم، باب من يرد الله به خيرا يفقهه، ح71 (فتح الباري 1/164).

[5] كتاب العلم، باب الاغتباط في العلم والحكمة، وذكر التعقيب في ترجمته للباب في صحيحه، ينظر( فتح الباري 1/165).
وقال الحافظ ابن حجر: وعقّب البخاري على قوله خشية أن يفهم أحد من ذلك أن السيادة مانعة من التفقه، وإنما أراد عمر أنها قد تكون سببا للمنع، لأن الرئيس قد يمنعه الكبر والاحتشام أن يجلس مجالس المتعلمين، ينظر: فتح الباري ا/166.

[6] ينظر: شرح كشف الشبهات: الشيخ محمد العثيمين ص 70.

[7] ثقافة الداعية: د.
يوسف القرضاوي ص 7.

[8] كتاب العلم: الشيخ محمد العثيمين ص 14.

[9] سورة محمد: جزء من آية 14.

[10] سورة يوسف: جزء من آية 108.

[11] تفسير الفخر الرازي المشتهر بالتفسير الكبير ومفاتيح الغيب: العلامة محمد الرازي 9/223، دار الفكر للطباعة والنشر، لبنان، ط:1، 1401هـ/1981م.

[12] ينظر: ثقافة الداعية:د.يوسف القرضاوي ص 9-101، إعادة بناء منهج إعداد المعلم المسلم: عبد الغفور شودري، ود.غلام نبي ثاقب، ضمن أبحاث كتاب المنهج وإعداد المعلم:د.محمد الأفندي ص 281-283، ومن أسس التربية الإسلامية: د.
عمر الشيباني ص 328-331، وإعداد المعلم من منظور التربية الإسلامية: د.
عبد الله عبد الحميد محمود ص 329-332.

[13] ينظر: من أسس التربية الإسلامية: د.
عمر الشيباني ص 313.

[14] سورة فصلت: آية 33.

[15] تفسير ابن كثير 7/168.

[16] ينظر: السلوك وأثره في الدعوة إلى الله تعالى : د.
فضل إلهي ص40، إدارة ترجمان الإسلام، باكستان ط:1، 1419هـ/1999م.

[17] تنبيه الغافلين عن أعمال الجاهلين: الإمام محي الدين زكريا أحمد بن إبراهيم ابن النحاس الدمشقي ص 130، حققه وعلق عليه: عماد الدين عباس سعيد، دار الكتب العلمية، بيروت ط:1، 1407هـ1987م.

[18] سورة الشمس: الآيات 7-10.

[19] باختصار: مكارم الأخلاق ص 77، تحقيق وإعداد: عبدالله بدران/ ومحمد عمر الحاجي، دار الخير، بيروت، ط:2، 1418هـ1998م.

[20] منهج الإسلام في تزكية النفس: د.
أنس كرزون 1/12.

[21] مكارم الأخلاق: شيخ الإسلام ابن تيمية ص 77.

[22] المرجع السابق ص 89-90.

[23] المرجع السابق ص 93، والآيات في سورة التوبة: 102-103.

[24] صحيح مسلم، سبق تخريجه ص 79.

[25] ينظر للاستفادة: الأخلاق الفاضلة: د: عبد الله الرحيلي، في أخلاقنا كفاية: د.
يحيى اليحي، دار الخضيري المدينة المنورة، ط:1، 1420هـ/1998م، كيف تتعامل مع الناس:دايل كارنيغي دار ومكتبة الهلال بيروت الطبعة الأخيرة 1996م.

[26] باختصار: العاطفة الإيمانية وأهميتها في الأعمال الإسلامية: د.
محمد موسى الشريف ص 12، دار الأندلس الخضراء، جدة، ط:1، 1422هـ/2001م.

[27] ينظر: المرجع السابق ص 19.

[28] باختصار: تذكرة السامع والمتكلم: العلّامة بدر الدين ابن جماعة الكناني ص 72.

[29] ينظر: المدخل إلى التقنيات الحديثة في الاتصال والتعليم: د.
مصطفى بن محمد عيسى فلاتة ص 9-10.مطابع جامعة الملك سعود، ط:3، 1416هـ/1995م.

[30] إعداد المعلم من منظور التربية الإسلامية:د.
عبد الله عبد الحميد محمود ص 297.

[31] المدخل إلى التقنيات الحديثة في الاتصال والتعليم: د.مصطفى فلاتة ص 11.

[32] وقد فصل بعضهم في هذه الوسائل ينظر مثلا :كتاب المدخل على التقنيات الحديثة في الاتصال والتعليم: د.مصطفى فلاته.

[33] للاستفادة : ينظر المرشد النفيس إلى أسلمة طرق التدريس: د.محمد جان ص 150-264.

شارك الخبر

المرئيات-١