أرشيف المقالات

الشهيد الأعزل. .!

مدة قراءة المادة : 7 دقائق .
للأستاذ محمد عبد الله السمان (سيد الشهداء حمزة بن عبد المطلب، ورجل قام إلى إمام جائر فأمره ونهاه.
.
فقتله)
حديث شريف. إن الأسبوع الثاني من شهر فبراير من كل عام، ليحمل في طياته ذكرى هي من أجل الذكريات لدى الشبيبة المسلمة، والقلوب المؤمنة - لا في مصر وحدها - بل في كل بقعة أشرقت بنور الإسلام، وفي كل رقعة سلطت عليها شعاعات التوحيد. أما الذكرى، فهي ذكرى الشهيد الأعزل (حسن البنا)، والحديث عن (حسن البنا) يعتبر جديداً في موضوعه، مهما طال، ومهما تكرر، إذ ليست شخصيته بالشخصية العادية التي يكفيها من الحديث أقله، فقد كان (حسن البنا) ملء السمع والبصر، دوى صوته في الشرق، فاهتزت جوانبه مؤذنة ببعث جديد، ومعلنة ميلاد فجر مشرق، ومنذرة بالرحيل استعماراً بغيضاً أصر على الخلود بين أرجاء الشرق، ليتخذ منه مطية ذلولا، وبقرة حلوبا، وضيعة ضائعة لا صاحب لها، ولا حارس عليها، ولا مسئول عنها، ودوى صوته في المسلمين فأيقظهم من سباتهم، وأزاح عنهم كابوس الدعة، وهيأهم ليليقوا بالإسلام في عزته ورقيه وعظمته. ظل (حسن البنا) زهاء عشرين عاما يدعو إلى الله وحده، ويصيح من أعماق قلبه: الله غايتنا.
.
وتردد وراءه الألوف المؤلفة من الشباب المصوغ في بواتق من الإيمان بالله والثقة به، وظل زهاء عشرين عاما، يدعو إلى الإسلام المصفى.
.
الإسلام الذي يشيد بالعزة والمنعة والقوة، وينفر من الذلة والضعف والمسكنة.
.
الإسلام المرن السمح، الذي لا ثقل فيه ولا تعقيد، ولا جمود ولا تزمت، الإسلام الخالص من شوائب الجهلة من الحمقى، والأنذال من المرتزقة.
. وظل (حسن البنا) زهاء عشرين عاما، يكافح الاستعمار في مصر والشام وجزيرة العرب، والمغرب وجنوبي أفريقيا وجزائر الهند الشرقية وغيرها، فلم يخمد له صوت، ولم تفتر همة، ولم يهن له عزم، ولم تتزعزع له عقيدة، ويكافح الحكم الإقطاعي القائم على استغلال الحكم، كمورد للثروة، ومصنع للجاه، ومرتع قذر للرشوة والمحسوبية، ويكافح ضعف الشعوب المغلوبة على أمرها، حتى تعرف قدر نفسها، وتؤمن بحقها على الحكومات الإقطاعية المسلطة عليها، لتذيقها ألواناً من العنت والتعسف والإرهاق! وظل (حسن البنا) زهاء عشرين عاما، يكافح من أجل الشباب حتى انتشله من حضيض التدهور والتفكك والانحلال، وخلصه من مواخير العربدة والاستهتار والمجون، وغذاه بالمثل العليا والمعاني الحية، وصبه في بواتق من الشرف والإباء والطموح، وأعده إعدادا كاملا للكفاح من أجل الإسلام القابع في زوايا الإهمال، وأوطانه الرازحة تحت أعباء الاستعمار والاحتلال، وتجلت قيمة هذا الشاب فوق تربة فلسطين الذبيحة، وأرض القنال يوم معركة القنال.
كانت كلمة (حسن البنا) شبحا هو مصدر قلق للديمقراطية الفاجرة في إنجلترا وفرنسا وبلاد العم سام، ومصدر قلق للشيوعية المضللة في الصين الشيوعية وروسيا الحمراء، كما كانت مصدر فزع للعروش الاستبدادية، ولذا كانت المؤامرة على دعوة الشهيد الأعزل ثلاثية، الديمقراطية بالإيعاز والإيحاء، والشيوعية بالدس والوقيعة، والدكتاتورية الممثلة في العروش الطاغية بتنفيذ المؤامرة، مستعينة بالحكومات الهزيلة التي لم تكن تملك من أمرها شيئا، ولم نكن نستطيع أن نكون في حكمها أكثر من أداة مسخرة حمقاء! ولقد قامت مصر بدور البطل في المؤامرة على الدعوة الإسلامية ولم يكفها أنها بدأت بالضربة الأولى، بل إنها أخذت على عاتقها أن تريح الاستعمار الممثل في الديمقراطية الفاجرة، والفوضى الممثلة في الشيوعية المضللة، والديكتاتورية الممثلة في العروش المستبدة - أخذت على عاتقها أن تريح هؤلاء جميعا من (حسن البنا) ولتقدم بعدئذ رأسه قربانا للصبي العربيد (فاروق) في عيد ميلاده، ولتضيع دماء (حسن البنا) الشهيد الأعزل هدرا، في غوغاء الاحتفالات، وضوضاء المهرجانات، وزحمة السرادقات التي كانت تملأ شوارع القاهرة، حفاوة بعيد ميلاد الجالس على العرش، الصبي المدلل، والمعتوه المقدس، والملك الخليع الذي ورث عرش مصر عن رع وأمون! وبينما كانت المارة تسمع أزيز دماء الشهيد وهي تنزف في شارع الملكة، كانت الشياطين تصغي لجوانب القصر (الخرب) تتماوج لهواً وفجوراً وعبثاً، لتقدم فروض الولاء والتهنئة للصبي المخلوع.
.! لقد قتل (الشهيد الأعزل) غيلة وغدرا، وظن الصبي الفاجر أن ملكه أقوى وأعز وأمنع من أن تتسرب إليه الشبهات، ولم يكن يدري أن البقية من الشبيبة المؤمنة خارج القضبان، كانت تعد منشورات بعد ساعات من استشهاد الشهيد الأعزل، جاء فيها (لقد قتل حسن البنا، وعرف القاتل، ولكن يدا خبيثة تحميه، ويد الله أقوى منها، ستصل إليه وترديه والله أكبر ولله الحمد)، وظن القتلة السفاكون أنهم سيظلون في حصن منيع، وفي أمن من قبضة القضاء، وأيقنا نحن بأن عين الله لم تنم، وعدالة السماء لم تغفل، والقصاص آت لا ريب فيه.
. ومرت سنون أربع، فإذا الملك المخلوع يحتفل بعيد ميلاده في منفاه على موائد الميسر والخمر، وبين أحضان العابثات والساقطات، وإذا مصر تحتفل بعيد التحرير من سلطان فاجر أبى إلا أن يتربع على عرش من العربدة والفسق والفجور، وحوله شرذمة من الأفاقين، وإذا بالسفاكين المجرمين في قبضة العدالة، وفي انتظار القصاص العادل، الذي ادخرته السماء لمصر حتى تطمئن أرضها، وإذا بالدعوة الإسلامية بخير تؤدي رسالتها، وتقطع منهاجها الذي رسمته لنفسها، وإذا بالقلوب المسلمة في مصر والشرق، لا تكاد تذمر مأساة الملك مخلوع، حتى تذكر دماء الشهيد الأعزل (حسن البنا) الذي خر صريع البغي في سبيل الحق، فلم تنصفه الأرض، وأنصفته السماء.
.! إن استشهاد (حسن البنا) سيظل خالدا إلى أن تقع السماء على الأرض، ورمزا للفكرة الإسلامية التي أخذت على عاتقها أن تحرر الإسلام من الشوائب، وأن تحرر وطنه من جراثيم الاحتلال والاستعمار، ولئن كان من الممكن للتاريخ أن يجور ويظلم، ويتصنع التهاون والإهمال، فلن يقوى بحال من الأحوال أن يجور أو يظلم ذكرى الشهيد الأعزل، أو يتصنع الإهمال والتهاون فيها، لأن ذكر حسن البنا قد سجلت لنفسها الخلود، ونقشت في القلوب، وامتزجت بالعقائد.
.! محمد عبد الله السمان

شارك الخبر

ساهم - قرآن ٢