أرشيف المقالات

من مكروهات الصيام

مدة قراءة المادة : 16 دقائق .
من مكروهات الصيام
المرتع المشبع في مواضع من الروض المربع

الموضع الثامن بعد المئة:
قوله: (ويحْرمُ على الصائم بَلْعُ النخامة، سواء كانت من جوفه أو صدره أو دماغه، ويفطر بها فقط - أي: لا بالريق - إن وصلت إلى فمه؛ لأنها من غير الفم، وكذلك إذا تنجس فمه بدم أو قيء ونحوه فبلعه - وإن قَلَّ - لإمكان التحرز منه)[1].
 
قال في ((المقنع)): ((ويُكره للصائم أن يجمع ريقه فيبلعه وأن يبتلع النخامة، وهل يفطر بهما؟ على وجهين))[2].

قال في ((الشرح الكبير)): ((وإن ابتلع النخامة: فقد روى حنبل، قال: سمعت أبا عبدالله يقول: إذا تنخَّم ثم ازدَرَدَه فقد أفطر؛ لأن النخامة تنزل من الرأس والريق من الفم، ولو تنخع من جوفه ثم ازدرده أفطر[3].

وهذا مذهب الشافعي[4]؛ لأنه أمكن التحرُّز منها أشبه الدم؛ ولأنها من غير الفم أشبه القيء.

وفيه رواية أخرى[5]: لا يفطر، فإنه قال في رواية المرُّوذِي: ليس عليك قضاء إذا ابتلعت النخامة وأنت صائم؛ لأنه معتاد في الفم أشبه الريق.

فصل: فإن سال فمه دمًا أو خرج إليه قَلَسٌ أو قيء فازدرده أفطر وإن كان يسيرًا؛ لأن الفم في حكم الظاهر، والأصل حصول الفطر بكل واصل منه، لكن عفي عن الريق؛ لعدم إمكان التحرز منه فيبقى فيما عداه على الأصل، وإن ألقاه من فيه وبقي فمه نجسًا أو تنجَّس فمه بشيء من خارج فابتلع ريقه فإن كان معه جزء من النجس[6] أفطر بذلك الجزء، وإلا فلا))[7].

وقال في ((الفروع)): ((ولا يفطر من ذَرَعَه القيء، ولو عاد إلى جوفه بغير اختياره، ولو أعاده عمدًا ولم يملأ الفم أو قاء ما لا يفطر به ثم أعاده عمدًا أفطر، كبلعه بعد انفصاله عن الفم، وإن أصبح وفي فيه طعام فرماه أو شق رَمْيُهُ فبلعه مع ريقه بغير قصدٍ، أو جرى ريقه ببقية طعام تعذَّر رميه، أو بلع ريقه عادة لم يُفطر، وإن أمكنه لفظه بأن تميز عن ريقه فبلعه عمدًا أفطر - نَصَّ عليه[8] - وإن كان دون الحِمِّصة.

قال أحمد رحمه الله[9] في من تنخَّع دمًا كثيرًا في رمضان: أجبنُ عنه، ومن غير الجوف أهون، وإن بصق نخامة بلا قصد من مخرج الحاء المهملة ففي فطره وجهان مع أنه في حكم الظاهر، كذا قيل، وجزم به في ((الرعاية))[10] انتهى ملخَّصًا.

قال في ((تصحيح الفروع)): ((أحدهما: لا يفطر بذلك، وهو الصواب))[11].

وقال في ((الفروع)) أيضًا: ((وإن تنجَّس فمه أو خرج إليه قيء أو قَلَس فبلعه أفطر، نَصَّ عليه[12]، وإن قَلَّ لإمكان التحرُّز منه، وإن بصقه وبقي فمه نجسًا فبلع ريقه، فإن تحقق أنه بلع شيئًا نجسًا أفطر[13] وإلا فلا، وهل يفطر ببلع النخامة وفاقًا للشافعي[14] كالتي من جوفه؛ لأنها من غير الفم كالقيء أم لا؛ لاعتبارها في الفم كالريق؟ فيه روايتان، وعليهما ينبني التحريم.

وفي ((المستوعب)): أن القاضي وغيره ذكروا في النخامة روايتين، ولم يفرقوا.

وذكر ابن أبي موسى: يفطر بالتي من دماغه، وفي التي من صدره روايتان[15]))[16] انتهى ملخَّصًا.

قال في ((الاختيارات)): ((ولم يقم دليل على نجاسة القيح والصديد))[17].

وقال ابن رشد: ((وأجمعوا على أنه يجب على الصائم الإمساك زمان الصوم عن المطعوم والمشروب والجماع[18]؛ لقوله تعالى: ﴿ فَالْآَنَ بَاشِرُوهُنَّ وَابْتَغُوا مَا كَتَبَ اللَّهُ لَكُمْ وَكُلُوا وَاشْرَبُوا حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَكُمُ الْخَيْطُ الْأَبْيَضُ مِنَ الْخَيْطِ الْأَسْوَدِ مِنَ الْفَجْرِ ﴾ [البقرة: 187].

واختلفوا من ذلك في مسائل: منها: مسكوت عنها، ومنها: منطوق بها، أما المسكوت عنها: إحداها: فيما يرد الجوف مما ليس بمُغَذٍّ وفيما يرد الجوف من غير منفذ الطعام والشراب مثل الحقنة، وفيما يرد باطن سائر الأعضاء ولا يرد الجوف، مثل أن يرد الدماغ ولا يرد المعدة.

وسبب اختلافهم في هذه: هو قياس المغذي على غير المغذي، وذلك أن المنطوق به إنما هو المغذي، فمن رأى أن المقصود بالصوم معنىً معقول لم يلحق المغذي بغير المغذي، ومن رأى أنها عبادة غير معقولة وأن المقصود منها إنما هو الإمساك فقط عما يرد الجوف سَوَّى بين المغذي وغير المغذي...
إلى آخر كلامه))[19] وقد تقدم[20].

وقال البخاريُّ: (((باب: سواك الرطب واليابس للصائم).

ويذكر عن عامر بن ربيعة، قال: رأيت النبي صلى الله عليه وسلم يستاك وهو صائم ما لا أحصي أو أعدُّ.

وقال أبو هريرة، عن النبي صلى الله عليه وسلم: (لولا أن أَشُقَّ على أمتي لأمرتهم بالسواك عند كل وضوء).

ويُروى نحوه عن جابر وزيد بن خالد عن النبي صلى الله عليه وسلم، ولم يخص الصائم من غيره.
وقالت عائشة، عن النبي صلى الله عليه وسلم: (مطهرة للفم مرضاة للربِّ).
وقال عطاء وقتادة: يبتلع ريقه.
وذكر حديث عثمان[21] في صفة وضوء النبي صلى الله عليه وسلم)).

قال الحافظ: ((قوله: (باب: سواك الرطب واليابس للصائم)، أشار بهذه الترجمة إلى الرد على من كره للصائم الاستياك بالسواك الرطب كالمالكية[22] والشعبي، وقد تقدم قبل باب، قياس ابن سيرين السواك الرطب على الماء الذي يتمضمض به، ومنه تظهر النكتة في إيراد حديث عثمان، فإن فيه أنه تمضمض واستنشق، وقال فيه: (من توضأ وضوئي هذا)، ولم يفرق بين صائم ومفطر.

ويتأيد ذلك بما ذكر في حديث أبي هريرة، قال ابن المنير في ((الحاشية)): أخذ البخاريُّ شرعية السواك للصائم بالدليل الخاص، ثم انتزعه من الأدلة العامة التي تناولت أحوال متناول السواك وأحوال ما يستاك به، ثم انتزع ذلك من أعم من السواك وهو المضمضة إذ هي أبلغ من السواك الرطب.

قوله: (وقال عطاء: يبتلع ريقه)، ومناسبته للترجمة من جهة أن أقصى ما يخشى من السواك الرطب أن يتحلل منه في الفم شيء، وذلك الشيء كماء المضمضة فإذا قذفه من فيه لا يضره بعد ذلك أن يبتلع ريقه))[23].

وقال البخاري أيضًا: ((باب: قول النبي صلى الله عليه وسلم: (إذا توضأ فليستنشق بمنخره الماء)، ولم يميز بين الصائم وغيره.

وقال الحسن: لا بأس بالسعوط للصائم إن لم يصل إلى حلقه ويكتحل.

وقال عطاء: إن تمضمض ثم أفرغ ما في فيه من الماء لا يضره إن لم يزدرد ريقه، وماذا بقي في فيه؟ ولا يمضغ العلك، فإن ازدرد ريق العِلك: لا أقول: إنه يفطر، ولكن يُنهى عنه، فإن استنثر فدخل الماء حلقه لا بأس، لم يملك))[24].

قال الحافظ: ((قوله: (باب: قول النبي صلى الله عليه وسلم: إذا توضأ فليستنشق بمنخره الماء.
ولم يميز بين الصائم وغيره) قاله المصنف تفقُّهًا، وهو كذلك في أصل الاستنشاق، لكن ورد تمييز الصائم من غيره في المبالغة في ذلك، كما رواه أصحاب ((السنن))، وصحَّحه ابن خزيمة وغيره من طريق عاصم بن لقيط بن صَبِرة، عن أبيه: أن النبي صلى الله عليه وسلم قال له: (بالِغْ في الاسْتنشاقِ إلا أنْ تكون صائمًا)[25]، وكأن المصنف أشار بإيراد أثر الحسن عقبه إلى هذا التفصيل.

قوله: (وقال الحسن: لا بأس بالسعوط للصائم إن لم يصل الماء إلى حلقه)، وصله ابن أبي شيبة[26] نحوه.

وقال الكوفيون[27] والأوزاعي وإسحاق: يجب القضاء على من استعط.

وقال مالك[28] والشافعي[29]: لا يجب إلا أن يصل الماء إلى حلقه.

وقوله: (ويكتحل)، هو قول الحسن أيضًا.

قوله: (وقال عطاء...) إلى آخره، وصله سعيد بن منصور، عن ابن المبارك، عن ابن جريج: قلت لعطاء: الصائم يمضمض ثم يزدرد ريقه وهو صائم؟ قال: لا يضره، وماذا بقي في فيه؟[30].
ووقع في أصل البخاري: وما بقي في فيه؟

قال ابن بَطَّال[31]: ظاهره إباحة الازدراد لما بقي في الفم من ماء المضمضة، وليس كذلك؛ لأن عبدالرزاق رواه بلفظ: (وماذا بقي في فيه؟)[32] وكأن ((ذا)) سقطت من رواية البخاري.

قال الحافظ: و(ما) على ظاهر ما أورده البخاري موصولة، وعلى ما وقع من رواية ابن جُريج استفهامية، وكأنه قال: وأي شيء يبقى في فيه بعد أن يَمُجَّ الماء إلا أثر الماء، فإذا بلع ريقه لا يَضُرُّه.

قال ابن المنذر[33]: أجمعوا على أنه لا شيء على الصائم فيما يبتلعه مما يجري مع الريق مما بين أسنانه مما لا يقدر على إخراجه[34].

وكان أبو حنيفة[35] يقول: إذا كان بين أسنانه لحم فأكله متعمدًا فلا قضاء عليه، وخالفه الجمهور[36]؛ لأنه معدود من الأكل))[37].

[1] الروض المربع ص184.

[2] المقنع 1/ 373- 374.

[3] شرح منتهى الإرادات 2/ 361، وكشاف القناع 5/ 281.

[4] تحفة المحتاج 3/ 399، ونهاية المحتاج 3/ 165.

[5] نهاية المحتاج 3/ 165.

[6] في الشرح الكبير: المنجس.

[7] الشرح الكبير مع المقنع والإنصاف 7/ 477.

[8] كشاف القناع 5/ 262.

[9] الإنصاف مع المقنع والشرح الكبير 7/ 432.

[10] الفروع 3/ 55- 56.

[11] تصحيح الفروع 3/ 56.

[12] شرح منتهى الإرادات 2/ 361.

[13] سقطت من الأصل، والمثبت من الفروع.

[14] تحفة المحتاج 3/ 399، ونهاية المحتاج 3/ 165.

[15] الإنصاف مع المقنع والشرح الكبير 7/ 477- 478.

[16] الفروع 3/ 60- 61.

[17] الاختيارات الفقهية ص26.

[18] فتح القدير 2/ 62، وحاشية ابن عابدين 2/ 393- 394، والشرح الصغير 1/ 239، وحاشية الدسوقي 1/ 509، وتحفة المحتاج 3/ 370 و397، ونهاية المحتاج 3/ 148 و164، وشرح منتهى الإرادات 2/ 337، وكشاف القناع 5/ 247.

[19] بداية المجتهد 1/ 269- 270.

[20] 3/ 165.

[21] البخاري 1934.
وأخرجه أيضًا مسلم 226.

[22] التاج والإكليل 3/ 374، وحاشية الدسوقي 1/ 534.

[23] فتح الباري 4/ 158- 159.

[24] فتح الباري 4/ 159.

[25] أبو داود 142، والترمذي 788، والنسائي 1/ 66، وابن ماجه 407، وابن خزيمة 1/ 78 150، وابن حبان 3/ 332 1054، والحاكم 1/ 144.
قال الترمذي: حسن صحيح.

[26] ابن أبي شيبة 2/ 345.

[27] فتح القدير 2/ 72، وحاشية ابن عابدين 2/ 428.

[28] الشرح الصغير 1/ 245، وحاشية الدسوقي 1/ 524.

[29] تحفة المحتاج 3/ 401، ونهاية المحتاج 3/ 166.

[30] انظر: تغليق التعليق 3/ 168.

[31] شرح صحيح البخاري 4/ 67.

[32] عبدالرزاق 4/ 205 7503.

[33] الإجماع 127.

[34] فتح القدير 2/ 66، وحاشية ابن عابدين 2/ 421، والشرح الصغير 1/ 246، وحاشية الدسوقي 1/ 525، وتحفة المحتاج 3/ 405، ونهاية المحتاج 3/ 169- 170، وشرح منتهى الإرادات 2/ 373، وكشاف القناع 5/ 280.

[35] فتح القدير 2/ 66، وحاشية ابن عابدين 2/ 421.

[36] تحفة المحتاج 3/ 407- 408، ونهاية المحتاج 3/ 171- 172، وشرح منتهى الإرادات 2/ 364- 365، وكشاف القناع 5/ 262.
وظاهر مذهب المالكية عدم الفطر حتى بالتعمد، انظر: الشرح الصغير 1/ 129، وحاشية الدسوقي 1/ 523.

[37] فتح الباري 4/ 160.

شارك الخبر

المرئيات-١