الشباب وضياع الوقت
مدة
قراءة المادة :
4 دقائق
.
الشباب وضياع الوقتالوقت نعمة من الله تعالى إذا استغلها الإنسان في طاعة الرحمن، فليس في الوجود أغلى من الوقت، وبه يشتري الإنسان جنَّةً نعيمُها مقيم، وليس في الحياة نعمة بعد الإيمان أعظم من نعمة الصحة والفراغ.
فقد أخرج البخاري من حديث ابن عباس رضي الله عنهما قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "نعمتان مغبون فيهما كثير من الناس: الصحة والفراغ"
• يقول ابن الجوزي رحمه الله كما في "فتح الباري" (11/234):
"قد يكون الإنسان صحيحًا ولا يكون مُتفرِّغًا لشغله بالمعاش، وقد يكون مستغنيًا ولا يكون صحيحًا، فإذا اجتمعت (أي الصحة والفراغ) فغلب عليه الكسل عن الطاعة فهو المغبون، وتمام ذلك أن الدنيا مزرعة الآخرة، وفيها التجارة التي يظهر ربحها في الآخرة، فمَن استعمل فراغه وصحته في طاعة الله فهو المغبوط، ومَن استعملها في معصية الله فهو المغبون؛ لأن الفراغ يعقبه الشغل، والصحة يعقبها السقم، ولو لم يكن إلا الهرم".
• ويقول ابن رجب رحمه الله: "أيام العافية غنيمة باردة، وأوقات السلامة لا تشبهها فائدة، فتناول ما دامت لديك المائدة، فليست الساعات الذاهبات بعائدة"
وكان السلف الصالح أحرص ما يكونون على الوقت:
• فها هو أبو مسلم الخولاني يقول:
"لو رأيت الجنة عيانًا ما كان عندي مستزاد، ولو رأيت النار عيانًا ما كان عندي مستزاد" (صفة الصفوة)
• وقال رجل لعامر بن قيس: "قف أكلمك، قال: فامسك الشمس"
• وكان داود الطائي يستف الفتيت ويقول: "بين سف الفتيت وأكل الخبز قراءة خمسين آية"
• وقال أبو بكر بن عياش: "ختمت القرآن في هذه الزاوية ثمانية عشر ألف ختمة"
• وكان عمير بن هانئ يسبح كل يوم مائة ألف تسبيحة.
والنبي صلى الله عليه وسلم يقول:
"مَن قال سبحان الله العظيم وبحمده؛ غُرست له نخلة في الجنة" (رواه الترمذي من حديث جابر)
فكم ضيَّعنا من نخيل؟؟
• وها هو أبو البركات جد شيخ الإسلام ابن تيمية:
"إذا أراد أن يدخل الحمام للاغتسال؛ يأتي بابنه ويقول: "يا بني اجلس عند باب الحمام واقرأ وارفع صوتك" (حتى يحفظ وهو داخل الحمام)
• وصدق القائل حيث قال:
إذا مر بي يوم ولم اقتبس هدى ♦♦♦ ولم استفد علمًا فما ذاك من عمري
• أما شباب اليوم فقد ماتت فيه الهمم، وخارت العزائم، وأصبح هناك دعة وراحة وتكاسل، تمر الساعات والأيام ولا يحسب لها حساب
ينادى أحدهم على صاحبه قائلًا: "تعال لنضيع الوقت"!
فتضييع الأوقات بمشاهدة المباريات، أو الجلوس في الطرقات، أو المحادثة على الشات، وتضيع الساعات على النت أو الفضائيات، وهذا كله دليل على مقت الله للعبد، كما قيل: "من علامة المقت إضاعة الوقت"
فالمؤمن ليس عنده وقت فراغ، قال تعالى لنبيه صلى الله عليه وسلم: ﴿ فَإِذَا فَرَغْتَ فَانصَبْ وَإِلَى رَبِّكَ فَارْغَبْ ﴾ [الشرح:8]
فَإِذَا فَرَغْتَ من شغلك ومن الناس ومن شواغل الحياة، فتوجه إلى الله تعالى بالطاعة والعبادة.
• يقول الشافعي رحمه الله: "صحبت الصوفية فما انتفعت منهم إلا بكلمتين، سمعتهم يقولون: "الوقت كالسيف إن لم تقطعه قطعك"، "ونفسك إن لم تشغلها بالحق شغلتك بالباطل"
• قال ابن القيم كما في "مدارج السالكين" مُعلقًا على كلام الشافعي:
"يا لها من كلمتين ما أنفعهما وأجمعهما، وأدلهما على علو همة قائلها ويقظته".اهـ
فمن جهل الشباب بقيمة الوقت يفرحون بمغيب شمس كل يومٍ، وهم لا يدركون أن هذا نهاية يوم من أعمارهم لن يعود أبدًا إليهم، صحائف طويت، وأعمال أحصيت، وأنفاس انقضت.