أرشيف المقالات

أمس الحاجة

مدة قراءة المادة : 4 دقائق .
أمسُّ الحاجة


الخَلْقُ كلُّهم بحاجة بعضهم إلى بعض، حتى وإن كان أحدهم يرى نفسه ميسورَ الحال، وفي صحة جيدة، فسُرْعان ما يتحوَّل المال إلى مجرد أوراق لا تجلب له راحة البال، وسُرْعان ما تتحوَّل الصحة إلى مرض وعِلَّة! وقبل أن تطلب حاجتك من العباد، اطلب حاجتك من الخالق الوهَّاب مُسبِّب الأسباب، فنحن في أمسِّ الحاجة إلى تيسير أسبابه، ولعلَّ أبسط تعبير ظاهر لمفهوم الاحتياج هو: "ما يفتقر إليه المَرْء ويطلبه"؛ قد يفتقر المرء إلى الصحة، ويطلب الشفاء من الله الشافي، وقد يفتقر المرء إلى العيش في استقرار، ويطلب من ربه السكينة والطمأنينة، وقد يفتقر المرء إلى العديد من مقومات الحياة التي يصعب حصرها، ويظلُّ الإنسان يفتقر فيرجو رحمة ربه، يفتقر فيطلب عونه، يفتقر فيحتاج إلى كرمه.
لا شكَّ أن الإنسان سوف يحتاج في يومٍ ما إلى طبيب ليُعالجه إذا ازداد الألم، واشتدَّ الوَجَع، وضاقَت النفس، وربما ينجح هذا الطبيب في علاجه بفضل الله أو وربما لم يشأ الله ولم يستطع الطبيب إنقاذ مريضه من مُعاناة المرض الصعبة أو الموت المفاجئ!
 
الطبيب يرى في مُداواة مرضاه سعادةً لا تُوصَف، سعادة تُوضِّح له نتائج تعبه وجهده طوال رحلة علمه، الطبيب مجرد سبب يسَّره الله لك لتُشفى من مرضك، جئته وأنت بحاجة إلى علمه الذي نجح فيه، لينجح هو في علاجك؛ إذًا نحن بحاجة إلى طبيب.
 
وكلنا بحاجة إلى صديق نبوح له بأسرارنا الخفيَّة، شخص يكون لنا بمثابة صندوق الذكريات الذي نحتفظ فيه بكل ذكرى كانت مرحلة فاصلة في حياتنا أو ما زالت عقبة لم نتخطَّها بعد!
 
أنت وصديقك ألَّف الله بين قلبيكما، وحببكما فيه لتكونا أخوين، والصديق الحقيقي يُجبر كسر خاطرك، وهو كما يقال: "أخ لم تلده أمُّك"، بدأ معك رحلة الحياة الشاقَّة منذ الصعود على أول سلمها وحتى الوصول إلى القمة، وتراه دائمًا يقفُ بجانبك، وإن انزلقت قدماك يومًا ما وسقطت سهوًا، فسُرْعان ما تجده يقف بجانبك، ويمدُّ لك يده، لتنهض وتكمل الرحلة؛ إذًا نحن بحاجة إلى صديق.
وبالطبع نحتاج جميعًا إلى المعلم ليدعونا إلى معرفة العلم الشيِّق الذي أخذ من عمره الكثير، وكأنه يُعيد الكرة مرة بعد مرة! المعلم لا يتعب ولا يتأَفَّف من بذل الجهد في سبيل توصيل المعلومة إلى أبواب عقولنا، فبيده مفاتيحُ هذه الأبواب! ويكون في غاية السعادة عندما يُنير هذه العقول، ويُزيل منها جهل الطفولة ليُحوِّله إلى نُضجٍ تامٍّ، ويصل إلى قمَّة الرِّضى عن نتائج علمه عندما يرى ما وصل إليه طلابه من نجاح وتطوُّر ورُقيٍّ، المعلم رجُلٌ يستحقُّ منا التقدير، رجُلٌ صاحب رسالة عالية لا تنحدر أبدًا، وسببٌ يسَّرَه الله لك؛ لتتعلَّم منه الكثير من دروس الحياة؛ إذًا نحن بحاجة إلى معلم.
نحتاج جميعًا إلى من يرشدنا، ويدلنا على الطريق الصحيح، نحتاج إلى هذا الشخص صاحب الأفكار اللامعة الحية، والرؤية الخالصة النقية! قد يكون هذا الشخص رياديًّا، عملَ بكل جدٍّ واجتهادٍ على فكرته، وبدأ من الصفر حتى وصل لهدفه، أو كاتب له قلم لا يجفُّ حبره، يكتب ليُثقِّف، أو حتى فلاح أُمِّي بسيط لا يُجيد القراءة والكتابة؛ ولكن يُجيد الصبر والتفكير، هؤلاء وغيرهم طلبوا من الله الإعانة، فأعانهم؛ ليصبحوا بفضله أصحاب مكانة، الملهم حتمًا سيؤثِّر فيك لتُصبِح على يقينٍ بأن فكرة اليوم مستقبل الغد، ولم لا؟ فقط اجعل ثقتك في الله كبيرة، وحاول ولا تقنط؛ إذًا نحن بحاجة إلى ملهم.
لا ندري في أي يوم تنتهي حاجاتنا، ولا نعلم في أي أرضٍ نموت، ولا ندري متى سوف يتيسَّر لنا سبب يُغيِّر أحوالنا من أسوئها إلى أحسنها، ولا نعلم ماذا سوف يحدث غدًا.
 
وما لنا إلا أن نصبر وننتظر كما ينتظر الطائر الصغير رزقه ورغد عيشه، ولا ننظر للحياة وكأن كل شيء فيها يحدث من باب المصادفة؛ بل كل شيء يحدث بسببٍ يسَّره الله لنا، فاللهم افتح لنا أبوابك، ويسِّر لنا أسباب الخير، فنحن في أمسِّ الحاجة إلى توفيقك.

شارك الخبر

ساهم - قرآن ١