Warning: Undefined array key "sirA3lam" in /home/islamarchivecc/public_html/templates_c/f704007db74beca75b87a603e53b9db7fc676f54_0.file.history.tpl.php on line 73

Warning: Attempt to read property "value" on null in /home/islamarchivecc/public_html/templates_c/f704007db74beca75b87a603e53b9db7fc676f54_0.file.history.tpl.php on line 73

Warning: Trying to access array offset on value of type null in /home/islamarchivecc/public_html/templates_c/f704007db74beca75b87a603e53b9db7fc676f54_0.file.history.tpl.php on line 73


لما قتل علي بن أبي طالب رضي الله عنه بايع أهل الكوفة الحسن بن علي، وأطاعوه وأحبوه, فاشترط عليهم: إنكم سامعون مطيعون، مسالمون من سالمت، محاربون من حاربت.

فارتاب به أهل العراق وقالوا: ما هذا لكم بصاحب.

فما كان عن قريب حتى طعنوه، فازداد لهم بغضا، وازداد منهم ذعرا، فعند ذلك عرف تفرقهم واختلافهم عليه, وكان أهل العراق أشاروا على الحسن أن يسير إلى الشام لملاقاة معاوية فخرج بهم، ولما بلغ معاوية ذلك خرج هو أيضا بجيشه وتقارب الجيشان في مسكن بناحية الأنبار، لما رأى الحسن الجيشان في مسكن بناحية الأنبار هاله أن تكون مقتلة كبيرة تسيل فيها دماء المسلمين فرغب في الصلح، استقبل الحسن بن علي معاوية بن أبى سفيان بكتائب أمثال الجبال، قال عمرو بن العاص لما رأى ضخامة الجيشين: إني لأرى كتائب لا تولي حتى تقتل أقرانها.

فقال معاوية: أي عمرو، إن قتل هؤلاء هؤلاء، وهؤلاء هؤلاء، من لي بأمور الناس؟ من لي بضيعتهم؟ من لي بنسائهم؟ عرض الحسن بن علي على عبد الله بن جعفر أمر الصلح، قال له: إني قد رأيت رأيا، وإني أحب أن تتابعني عليه.

قال: قلت: ما هو؟ قال: قد رأيت أن أعمد إلى المدينة فأنزلها، وأخلي بين معاوية وبين هذا الحديث، فقد طالت الفتنة، وسفكت فيها الدماء، وقطعت فيها الأرحام، وقطعت السبل، وعطلت الثغور.

فقال ابن جعفر: جزاك الله عن أمة محمد خيرا، فأنا معك، وعلى هذا الحديث.

فقال الحسن: ادع لي الحسين.

فبعث إلى حسين فأتاه، فقال: أي أخي، إني قد رأيت رأيا، وإني أحب أن تتابعني عليه.

قال: ما هو؟ فقص عليه الذي قال لابن جعفر، قال الحسين: أعيذك بالله أن تكذب عليا في قبره، وتصدق معاوية!.

فقال الحسن: والله ما أردت أمرا قط إلا خالفتني إلى غيره، والله لقد هممت أن أقذفك في بيت فأطينه عليك حتى أقضي أمري.

فلما رأى الحسين غضبه قال: أمرنا لأمرك تبع، فافعل ما بدا لك.

فقام الحسن فقال: يا أيها الناس، إني كنت أكره الناس لأول هذا الحديث، وأنا أصلحت آخره، لذي حق أديت إليه حقه أحق به مني، أو حق جدت به لصلاح أمة محمد صلى الله عليه وسلم، وإن الله قد ولاك يا معاوية هذا الحديث لخير يعلمه عندك، أو لشر يعلمه فيك، {وإن أدري لعله فتنة لكم ومتاع إلى حين} [الأنبياء: 111].

وبهذا التنازل تحقق في الحسن ما أخبر به النبي صلى الله عليه وسلم بقوله: (إن ابني هذا سيد، ولعل الله أن يصلح به بين فئتين عظيمتين من المسلمين).

ولما تم الصلح بشروطه برز الحسن بين الصفين وقال: ما أحببت أن لي أمر أمة محمد صلى الله عليه وسلم على أن يهراق في ذلك محجمة دم.

وكان يقول: إني قد اخترت ما عند الله، وتركت هذا الأمر لمعاوية.

وأما طلب الحسن لأن تكون الخلافة له من بعده فليست صحيحة، قال جبير بن نفير: قلت للحسن بن علي: إن الناس يزعمون أنك تريد الخلافة.

فقال: كانت جماجم العرب بيدي يسالمون من سالمت، ويحاربون من حاربت، فتركتها ابتغاء وجه الله، ثم أبتزها بأتياس أهل الحجاز!.

وجاء في نص الصلح في إحدى الروايات: بل يكون الأمر من بعده شورى بين المسلمين.


بعد أن تنازل الحسن بن علي رضي الله عنه لمعاوية بالخلافة أصبح معاوية هو الخليفة الشرعي للمسلمين، فكان بذلك أول بداية الدولة الأموية التي كانت عاصمتها دمشق، ومن المعلوم أن هذه الدولة استمرت إحدى وتسعين سنة.


كان أول الخارجين فروة بن نوفل الأشجعي، وكان ممن اعتزل قتال علي والحسن وانحاز معه خمسمائة فارس من الخوارج إلى شهرزور، قائلا: والله ما أدري على أي شيء نقاتل عليا! أرى أن أنصرف حتى تتضح لي بصيرتي في قتاله أو أتابعه.

فلما سلم الحسن الأمر إلى معاوية قالوا: قد جاء الآن ما لا شك فيه، فسيروا إلى معاوية فجاهدوه.

فأقبلوا وعليهم فروة بن نوفل حتى حلوا بالنخيلة عند الكوفة، فأرسل إليهم معاوية جمعا من أهل الشام فقاتلوهم، فانهزم أهل الشام، فقال معاوية لأهل الكوفة: والله لا أمان لكم عندي حتى تكفوهم.

فخرج أهل الكوفة فقاتلوهم.

فقالت لهم الخوارج: أليس معاوية عدونا وعدوكم؟ دعونا حتى نقاتله، فإن أصبنا كنا قد كفيناكم عدوكم، وإن أصابنا كنتم قد كفيتمونا.

فقالوا: لابد لنا من قتالكم.

فأخذ بنو أشجع صاحبهم فروة فحادثوه ووعظوه فلم يرجع، فأخذوه قهرا وأدخلوه الكوفة، فاستعمل الخوارج عليهم عبد الله بن أبي الحوساء، رجلا من طيء، فقاتلهم أهل الكوفة فقتلوهم, ثم تمكن منه المغيرة بن شعبة والي العراق وقتله، وقتل عبد الله بن أبي الحوساء الطائي الذي تولى أمر الخوارج بعده، ثم قتل حوثرة بن وداع الأسدي الذي نصبه الخوارج أميرا عليهم.

ثم خرج أبو مريم وهو مولى لبني الحارث بن كعب، وقد أحب أن يشرك النساء معه في الخروج؛ إذ كانت معه امرأتان: "قطام وكحيلة" فكان يقال لهم: يا أصحاب كحيلة وقطام.

تعييرا لهم، وقد أراد بهذا أن يسن خروجهن، فوجه إليه المغيرة جابر البجلي فقاتله حتى قتله وانهزم أصحابه.

ثم خرج رجل يقال له: أبو ليلى، أسود طويل الجسم، وقبل أن يعلن خروجه دخل مسجد الكوفة وأخذ بعضادتي الباب، وكان في المسجد عدة من الأشراف، ثم صاح بأعلى صوته: لا حكم إلا لله، فلم يعترض له أحد، ثم خرج وخرج معه ثلاثون رجلا من الموالي بسواد الكوفة، فبعث له المغيرة معقل بن قيس الرياحي فقتله سنة 42هـ.


الرواندية أو الرواندية أصلهم من خراسان، وهم على رأي أبي مسلم الخراساني، كانوا يقولون بالتناسخ، ويزعمون أن روح آدم انتقلت إلى عثمان بن نهيك، وأن ربهم الذي يطعمهم ويسقيهم أبو جعفر المنصور.

وأن الهيثم بن معاوية جبريل- قبحهم الله- فأتوا يوما قصر المنصور فجعلوا يطوفون به، ويقولون: هذا قصر ربنا، فأرسل المنصور إلى رؤسائهم، فحبس منهم مئتين، فغضبوا من ذلك ودخلوا السجن قهرا، وأخرجوهم فخرج المنصور إليهم، وخرج الناس وكان منهم معن بن زائدة، الذي قال للمنصور: نحن نكفيكهم فأبى، وقام أهل الأسواق إليهم فقاتلوهم، وجاءت الجيوش فالتفوا عليهم من كل ناحية فحصدوهم عن آخرهم، ولم يبق منهم بقية.


لما رجع أبو جعفر المنصور من الحج مر بالمدينة، ثم توجه إلى بيت المقدس، فصلى في مسجدها، ثم سلك إلى الشام منصرفا حتى انتهى إلى الرقة فنزلها، وكتب إلى صالح بن علي يأمره ببناء المصيصة، ثم خرج منها إلى ناحية الكوفة، فنزل المدينة الهاشمية بالكوفة، وقد فرغ بناء المصيصة على يدي جبريل بن يحيى الخراساني.


كان الفداء بين المسلمين والروم، بعد أن قتلت تدورة- ملكة الروم- من أسرى المسلمين اثني عشر ألفا، فإنها عرضت النصرانية على الأسرى، فمن تنصر جعلته أسوة من قبله من المتنصرة، ومن أبى قتلته، وأرسلت تطلب المفاداة لمن بقي منهم، فأرسل المتوكل شنيفا الخادم، فأذن له فحضره واستخلف على القضاء ابن أبي الشوارب، وهو شاب، ووقع الفداء على نهر اللامس، فكان أسرى المسلمين من الرجال سبعمائة وخمسة وثمانين رجلا، ومن النساء مائة وخمسا وعشرين امرأة.


البجاة هم طائفة من سودان بلاد المغرب، وكذا النوبة وشنون وزغرير ويكسوم، وأمم كثيرة لا يعلمهم إلا الله، وفي بلاد هؤلاء معادن الذهب والجوهر، وكان عليهم حمل في كل سنة إلى ديار مصر من هذه المعادن، فلما كانت دولة المتوكل امتنعوا من أداء ما عليهم سنين متعددة، فكتب نائب مصر إليه يعلمه بذلك، فلما شاور المتوكل في أمرهم أعلموه أنهم في أرض بعيدة، ومن أراد قتالهم عليه التزود كثيرا، وإذا فني الزاد هلكوا بأرضهم، وأنهم يمكنهم الاستنجاد بالنوبة والحبوش، ففتر المتوكل عن قتالهم فتفاقم أمرهم حتى أخافوا الصعيد، فعرض محمد بن عبدالله القمي أن يحاربهم فتجهز لهم بجيش، وأمر أن يبقى بجانب السواحل حتى يأتيه المدد منها، فسار إليهم في جيشه، فلما رأوه على تلك الهيئة بقوا يراوغونه كالثعالب حتى يفنى زادهم فيقتلونهم، ولكن لما رأوا أن المراكب تأتيهم بالمدد من الشاطئ على النيل، أيقنوا أنه لا مفر من حربهم، فكروا إليه وكانت لهم جمال قوية، لكنها سريعة النفور، فأعمل جيش القمي الأجراس والطبول فنفرت إبلهم، فقتل منهم الكثير، ولكن رئيسهم علي بابا هرب، ثم إنه طلب الأمان على أن يعطي ما كان منعه كل تلك السنين وأن يعود على ما كان عليه من الخراج، فأعطاه الأمان وسيره إلى المتوكل الذي أكرمه وأعاده إلى بلاده.


بعد أن وثب أهل حمص العام الماضي على أبي المغيث موسى بن إبراهيم الرافعي، ثم أبدلهم المتوكل بمحمد بن عبدويه الأنباري ورضوا به، لم يسر بهم العامل الجديد سيرة حسنة، بل فعل فيهم الأعاجيب، فوثب أهل حمص بعاملهم الجديد محمد بن عبدويه، وأعانهم عليه قوم من نصارى حمص، فكتب إلى المتوكل، فكتب إليه يأمره بمناهضتهم، وأمده بجند من دمشق والرملة، فظفر بهم، فضرب منهم رجلين من رؤسائهم حتى ماتا وصلبهما على باب حمص، وسير ثمانية رجال وأمر المتوكل بإخراج النصارى منها، وهدم كنائسهم، وبإدخال البيعة التي إلى جانب الجامع إلى الجامع، ففعل ذلك.


هو أبو عبد الله أحمد بن محمد بن حنبل بن هلال بن أسد الشيباني المروزي، نزيل بغداد، أحد الأئمة الأربعة المشهورين في الفقه، ثقة حافظ، فقيه حجة، وهو رأس الطبقة العاشرة، خرجت أمه من مرو وهي حامل به، فولدته في بغداد، في شهر ربيع الأول سنة أربع وستين ومائة، وقيل: إنه ولد بمرو وحمل إلى بغداد وهو رضيع.

نشأ وتعلم ببغداد.

كان مخضوبا، طوالا، أسمر شديد السمرة.

توفي والده وهو شاب, وتزوج بعد الأربعين.

ورحل كثيرا.

وعني بطلب الحديث، تفقه على الشافعي، وكان له اجتهاد حتى صار إماما في الحديث والعلل، إماما في الفقه، كل ذلك مع ورع وزهد وتقشف، وإليه تنسب الحنابلة، هو الذي وقف وقفته المشهورة في مسألة خلق القرآن فأبى أن يجيبهم على بدعتهم، فضرب بالسياط أيام المعتصم والواثق، وبقي قبلها تحت العذاب قرابة الأربع سنين، وكل ذلك هو ثابت بتثبيت الله له، ثم في عهد الواثق منع من الفتيا، وأمر بلزوم بيته كإقامة جبرية، ولم ينفرج أمره حتى جاء المتوكل ورفع هذه المحنة، بقي قرابة الأربع عشرة سنة في هذه المحنة بين ضرب وحبس وإقامة جبرية، فكان من الذين قال الله فيهم: {وجعلنا منهم أئمة يهدون بأمرنا لما صبروا وكانوا بآياتنا يوقنون} [السجدة: 24]، وكان الذين ثبتوا على الفتنة فلم يجيبوا بالكلية: خمسة: أحمد بن حنبل وهو رئيسهم، ومحمد بن نوح بن ميمون الجند النيسابوري- ومات في الطريق- ونعيم بن حماد الخزاعي- وقد مات في السجن- وأبو يعقوب البويطي- وقد مات في سجن الواثق على القول بخلق القرآن، وكان مثقلا بالحديد- وأحمد بن نصر الخزاعي، قتله الواثق، قال يحيى بن معين: "كان في أحمد بن حنبل خصال ما رأيتها في عالم قط: كان محدثا، وكان حافظا، وكان عالما، وكان ورعا، وكان زاهدا، وكان عاقلا" قال الشافعي: "خرجت من العراق فما تركت رجلا أفضل ولا أعلم ولا أورع ولا أتقى من أحمد بن حنبل" وقال المزني: أحمد بن حنبل يوم المحنة، وأبو بكر يوم الردة، وعمر يوم السقيفة، وعثمان يوم الدار، وعلي يوم الجمل وصفين"، وكان- رحمه الله- إماما في الحفظ، قال أبو زرعة: "كان أحمد بن حنبل يحفظ ألف ألف حديث، فقيل: له وما يدريك، قال: ذاكرته فأخذت عليه الأبواب", وقيل لأبي زرعة: من رأيت من المشايخ المحدثين أحفظ؟ فقال: أحمد بن حنبل، حزرت كتبه اليوم الذي مات فيه، فبلغت اثني عشر حملا وعدلا، ما كان على ظهر كتاب منها حديث فلان، ولا في بطنه حديث فلان، وكل ذلك كان يحفظه عن ظهر قلبه", وقال إبراهيم الحربي: "رأيت أحمد بن حنبل كأن الله قد جمع له علم الأولين والآخرين من كل صنف، يقول ما شاء، ويمسك ما شاء".

له كتاب المسند المشهور، وله غير ذلك في الجرح والتعديل والعلل، توفي في بغداد، وكانت جنازته مشهودة, وقيل: لما مات الإمام أحمد صلى عليه ألف ألف وستمائة ألف رجل، وأسلم وراء نعشه أربعة آلاف ذمي من هول ما رأوا.
، فرحمه الله تعالى، وجزاه الله خيرا عن الإسلام والمسلمين.


سار يوسف بن وجيه، صاحب عمان، في البحر والبر إلى البصرة فحصرها، وكان سبب ذلك أن معز الدولة لما سلك البرية إلى البصرة، وأرسل القرامطة ينكرون عليه ذلك، فعلم يوسف بن وجيه استيحاشهم من معز الدولة، فكتب إليهم يطمعهم في البصرة، وطلب منهم أن يمدوه من ناحية البر، فأمدوه بجمع كثير منهم، وسار يوسف في البحر، فبلغ الخبر إلى الوزير الحسن المهلبي وقد فرغ من الأهواز والنظر فيها، فسار مجدا في العساكر إلى البصرة، فدخلها قبل وصول يوسف إليها، وشحنها بالرجال، وأمده معز الدولة بالعساكر وما يحتاج إليه، وتحارب هو وابن وجيه أياما، ثم انهزم ابن وجيه، وظفر المهلبي بمراكبه وما معه من سلاح وغيره.


هو المنصور بالله أبو الطاهر إسماعيل بن القائم أبي القاسم محمد بن عبيد الله المهدي، بويع يوم وفاة أبيه القائم، وكان بليغا فصيحا يرتجل الخطب.

كانت خلافته سبع سنين وستة عشر يوما، وكان سبب موته أنه مرض من البرد الشديد، فلازمه السهر حتى لا يستطيع النوم أبدا، فداواه أحد الأطباء بدواء منوم فمات منه، ولما مات ولي الأمر بعده ابنه معد، وهو المعز لدين الله، وأقام في تدبير الأمور إلى سابع ذي الحجة، فأذن للناس فدخلوا عليه، وجلس لهم، فسلموا عليه بالخلافة، وكان عمره أربعا وعشرين سنة.


اشتد الغلاء بديار مصر حتى بيع الدقيق رطلا بدرهم، واللحم أربع أواق بدرهم، ومات كثير من الناس بالجوع، وبلغت عدة من مات في مدة رمضان وشوال وذي القعدة، مئتي ألف وسبعين ألفا سوى الغرباء، وهم أكثر من ذلك.


هو الحافظ المجود العلامة، محدث أصبهان، أبو بكر أحمد بن موسى بن مردويه بن فورك بن موسى بن جعفر، الأصبهاني، المؤرخ المفسر، من أهل أصبهان.

مولده سنة323.

ويقال له ابن مردويه الكبير؛ ليميز عن حفيده المحدث العالم أبو بكر أحمد بن محمد بن أحمد بن مردويه.

له عدة تصانيف، منها: "التفسير الكبير"، و"التاريخ"، و"الأمالي" "الثلاثمئة مجلس"، و"المسند"، وكتاب "المستخرج على صحيح البخاري"، بعلو في كثير من أحاديث الكتاب، حتى كأنه لقي البخاري.

قال الذهبي عنه: "كان من فرسان الحديث، فهما يقظا متقنا، كثير الحديث جدا، ومن نظر في تواليفه، عرف محله من الحفظ".

قال أبو موسى: سمعت أبي يحكي عمن سمع أبا بكر بن مردويه يقول: "ما كتبت بعد العصر شيئا قط، وعميت قبل كل أحد- يعني من أقرانه، وسمعت أنه كان يملي حفظا بعدما عمي.

ثم قال: وسمعت الإمام إسماعيل يقول: لو كان ابن مردويه خراسانيا، كان صيته أكثر من صيت الحاكم".

مات عن سبع وثمانين سنة


زاد شغب الأتراك بهمذان على صاحبهم شمس الدولة بن فخر الدولة، وكان قد تقدم ذلك منهم غير مرة، وهو يحلم عنهم بل يعجز، فقوي طمعهم، فزادوا في التوثب والشغب، وأرادوا إخراج القواد القوهية الأكراد من عنده، فلم يجبهم إلى ذلك، فعزموا على الإيقاع بهم بغير أمره، فاعتزل الأكراد مع وزيره تاج الملك أبي نصر بن بهرام إلى قلعة برجين، فسار الأتراك إليهم فحصروهم، ولم يلتفتوا إلى شمس الدولة، فكتب الوزير إلى أبي جعفر بن كاكويه، صاحب أصبهان، يستنجده، وعين له ليلة يكون قدوم العساكر إليه فيها بغتة، ليخرج هو أيضا تلك الليلة ليكبسوا الأتراك.

فعل أبو جعفر ذلك، وسير ألفي فارس، وضبطوا الطرق لئلا يسبقهم الخبر، وكبسوا الأتراك سحرا على غفلة، ونزل الوزير والقوهية من القلعة، فوضعوا فيهم السيف، فأكثروا القتل، وأخذوا المال، ومن سلم من الأتراك نجا فقيرا، وفعل شمس الدولة بمن عنده في همذان كذلك، وأخرجهم، فمضى ثلاثمئة منهم إلى كرمان، وخدموا أبا الفوارس بن بهاء الدولة صاحبها.


كان الحاكم العبيدي صاحب مصر يواصل الركوب وتتصدى له العامة، فيقف عليهم ويسمع منهم.

وكان الناس في ضنك من العيش معه.

فكانوا يدسون إليه الرقاع المختومة بالدعاء عليه والسب له ولأسلافه، حتى إنهم عملوا تمثال امرأة من كاغد بخف وإزار ثم نصبوها له، وفي يدها قصة.

فأمر بأخذها من يدها، ففتحها فرأى فيها العظائم، فقال: انظروا من هذه.

فإذا هي تمثال مصنوع.

فتقدم بطلب الأمراء والعرفاء فحضروا، فأمرهم بالمصير إلى مصر لنهبها وحرقها بالنار وقتل أهلها, فتوجهوا لذلك، فقاتل المصريون عن أنفسهم بحسب ما أمكنهم.

ولحق النهب والحريق الأطراف والنواحي التي لم يكن لأهلها قوة على امتناع، ولا قدرة على دفاع.

واستمرت الحرب بين العبيد والرعية ثلاثة أيام، وهو يركب ويشاهد النار، ويسمع الصياح.

فيسأل عن ذلك، فيقال له: العبيد يحرقون مصر.

فيتوجع ويقول: من أمرهم بهذا؟ لعنهم الله, فلما كان في اليوم الثالث اجتمع الأشراف والشيوخ إلى الجامع ورفعوا المصاحف، وعج الخلق بالبكاء والاستغاثة بالله.

فرحمهم الأتراك وتقاطروا إليهم وقاتلوا معهم.

وأرسلوا إلى الحاكم يقولون له: نحن عبيدك ومماليكك، وهذه النار في بلدك وفيه حرمنا وأولادنا، وما علمنا أن أهلها جنوا جناية تقتضي هذا، فإن كان باطن لا نعرفه عرفنا به، وانتظر حتى نخرج عيالنا وأموالنا، وإن كان ما عليه هؤلاء العبيد مخالفا لرأيك أطلقنا في معاملتهم بما نعامل به المفسدين.

فأجابهم: إني ما أردت ذلك ولا أذنت فيه، وقد أذنت لكم في الإيقاع بهم، وأرسل للعبيد سرا بأن كونوا على أمركم، وقواهم بالسلاح، فاقتتلوا وعاودوا الرسالة: إنا قد عرفنا غرضك، وإنه إهلاك البلد، ولوحوا بأنهم يقصدون القاهرة، فلما رآهم مستظهرين، ركب حماره ووقف بين الفريقين، وأومأ إلى العبيد بالانصراف، وسكنت الفتنة، وكان قدر ما أحرق من مصر ثلثها، ونهب نصفها.

وتتبع المصريون من أسر الزوجات والبنات، فاشتروهن من العبيد بعد أن اعتدي عليهن، حتى قتل جماعة أنفسهن من العار.

ثم زاد ظلم الحاكم، وعن له أن يدعي الربوبية، كما فعل فرعون، فصار قوم من الجهال إذا رأوه يقولون: يا واحد يا أحد، يا محيي يا مميت.


هو صاحب مصر الحاكم بأمر الله، أبو علي منصور بن العزيز نزار بن المعز معد بن المنصور إسماعيل بن القائم محمد بن المهدي، العبيدي الإسماعيلي الزنديق المدعي الربوبية.

مولده سنة 375.

أقاموه في الملك بعد أبيه، وله إحدى عشرة سنة.

حكى هو عن نفسه قال: "ضمني أبي وقبلني وهو عريان، وقال: امض فالعب، فأنا في عافية.

قال: ثم توفي، فأتاني برجوان، وأنا على جميزة في الدار.

فقال: انزل ويحك، الله الله فينا، فنزلت، فوضع العمامة بالجوهر على رأسي، وقبل الأرض، ثم قال: السلام عليك يا أمير المؤمنين، وخرج بي إلى الناس، فقبلوا الأرض، وسلموا علي بالخلافة".

قال الذهبي: "كان شيطانا مريدا جبارا عنيدا، كثير التلون، سفاكا للدماء، خبيث النحلة، عظيم المكر، جوادا ممدحا، له شأن عجيب، ونبأ غريب، كان فرعون زمانه، يخترع كل وقت أحكاما يلزم الرعية بها، أمر بسب الصحابة رضي الله عنهم، وبكتابة ذلك على أبواب المساجد والشوارع، وأمر عماله بالسب، وفي سنة 395 أمر بقتل الكلاب.

وأبطل بيع الفقع والملوخية، وحرم بيع السمك بغير قشر، ووقع بباعة لشيء من ذلك فقتلهم.

وفي سنة 402 حرم بيع الرطب، وجمع منه شيئا عظيما فأحرقه، ومنع من بيع العنب، وأباد الكروم.

وأمر النصارى بتعليق صليب في رقابهم زنته رطل وربع بالدمشقي، وألزم اليهود أن يعلقوا في أعناقهم قرمية في زنة الصليب إشارة إلى رأس العجل الذي عبدوه، وأن تكون عمائمهم سودا، وأن يدخلوا الحمام بالصليب وبالقرمية، ثم أفرد لهم حمامات.

وأمر في العام بهدم كنيسة قمامة، وبهدم كنائس مصر، فأسلم عدة، ثم إنه نهى عن تقبيل الأرض، وعن الدعاء له في الخطب وفي الكتب، وجعل بدله السلام عليه، ثم إن ابن باديس أمير المغرب بعث ينقم عليه أمورا، فأراد أن يستميله، فأظهر التفقه، وحمل في كمه الدفاتر، ولزم التفقه وأمر الفقهاء ببث مذهب مالك، واتخذ له مالكيين يفقهانه، ثم تغير فقتلهما صبرا", وفي سنة 404 نفى المنجمين من بلاده.

ومنع النساء من الخروج من البيوت، وأبطل عمل الخفاف لهن جملة، وما زلن ممنوعات من الخروج سبع سنين وسبعة أشهر.

ثم بعد مدة أمر بإنشاء ما هدم من الكنائس، وأذن للنصارى الذين أكرههم في العود إلى الكفر، وخبر هلاكه أنه فقد في ليلة الاثنين لثلاث بقين من شوال، ولم يعرف له خبر، وكان سبب فقده أنه خرج يطوف ليلة على رسمه، وأصبح عند قبر الفقاعي، وتوجه إلى شرقي حلوان ومعه ركابيان، فأعاد أحدهما مع جماعة من العرب إلى بيت المال، وأمر لهم بجائزة، ثم عاد الركابي الآخر، وذكر أنه خلفه عند العين والمقصبة، وبقي الناس على رسمهم يخرجون كل يوم يلتمسون رجوعه إلى آخر شوال، فلما كان ثالث ذي القعدة خرج مظفر الصقلبي وغيره من خواص الحاكم، ومعهم القاضي، فبلغوا عسفان، ودخلوا في الجبل، فبصروا بالحمار الذي كان عليه راكبا، وقد ضربت يداه بسيف فأثر فيهما، وعليه سرجه ولجامه، فاتبعوا الأثر، فانتهوا به إلى البركة التي شرقي حلوان، فرأوا ثيابه، وهي سبع قطع صوف، وهي مزررة بحالها لم تحل، وفيها أثر السكاكين، فعادوا ولم يشكوا في قتله، وكان عمره 37 سنة، وولايته 25 سنة, وقيل: إن سبب قتله هو أنه كان كثير الشتم والسب لأخته ست الملك، واتهمها بالفاحشة، فعملت على قتله، بحيث كانت تعرف يوم خروجه إلى الجبل لينظر في النجوم، فتمالأت مع الوزير وأرسلوا عبدين أسودين، فلما كان من الليل وسار إلى الجبل وحده، قتله العبدان وأحضراه إلى أخته التي دفنته في داره، وقررت تولية ولده، وكان حينها بدمشق، فأخبرت الناس أن الحاكم سيغيب سبعة أيام, وهذا ليسكن الناس ويحضر ابنه من دمشق، فلما حضر جهزته وأخرجته للناس، على أنه الحاكم الجديد، وابنه هو أبو الحسن علي، ولقب الظاهر لإعزاز دين الله، وأخذت له البيعة.


لما توقف الحج من العراق عدة سنوات متتاليات خوفا من الأعراب قطاع الطرق، قصد الناس يمين الدولة محمود بن سبكتكين وقالوا له: أنت سلطان الإسلام وأعظم ملوك الأرض، وفي كل سنة تفتح من بلاد الكفر ما تحبه، والثواب في فتح طريق الحج أعظم، وقد كان الأمير بدر بن حسنويه، وما في أمرائك إلا من هو أكبر منه شأنا، يسير الحاج بماله وتدبيره عشرين سنة، فتقدم ابن سبكتكين إلى قاضيه أبي محمد الناصحي بالتأهب للحج، ونادى في أعمال خراسان بالحج، وأطلق للعرب ثلاثين ألف دينار سلمها إلى الناصحي المذكور غير ما للصدقات، فحج بالناس أبو الحسن الأقساسي، فلما بلغوا فيد حاصرتهم العرب، فبذل لهم القاضي الناصحي خمسة آلاف دينار، فلم يقنعوا وصمموا على أخذ الحافي، فركب رأسهم جماز بن عدي، وقد انضم عليه ألفا رجل من بني نبهان، وأخذ بيده رمحا وجال حول الحاج، وكان في السمرقنديين غلام يعرف بابن عفان، فرماه بسهم فسقط منه ميتا وهرب جمعه، وعاد الحاج في سلامة.


لما توفي أبو الحبش إسحاق بن إبراهيم حاكم دولة بني زياد في اليمن سنة 371، وقد طالت مدة حكمه وأسن؛ خلفه طفل قيل اسمه زياد بن أبي الحبش، وتولت أخته هند بنت أبي الحبش، وتولى معها في تصريف شؤون الدولة رشد، وهو عبد لأبي الحبش، وبقي رشد على ولايته حتى مات، فتولى عبد لرشد اسمه حسين بن سلامة إدارة الدولة، وسلامة هي أم حسين، ونشأ حسين حازما عفيفا، وصار وزيرا لهند ولأخيها زياد حتى ماتا، ثم انتقل ملك اليمن إلى طفل من آل زياد، وقامت بأمره عمته وعبد لحسين بن سلامة اسمه مرجان، وكان لمرجان عبدان قد تغلبا على أموره قيس ونجاح، ونجاح جد ملوك زبيد، فتنافس قيس ونجاح على الوزارة، وكان قيس عسوفا ونجاح رؤوفا، وسيدهما مرجان يميل مع قيس على نجاح، وعمة الطفل تميل إلى نجاح، فشكا ذلك قيس إلى مولاه مرجان، فقبض مرجان على الملك واسمه إبراهيم- وقيل: عبد الله- وعلى عمته، وسلمهما إلى قيس، فبنى عليهما جدارا وختمه حتى ماتا، وإبراهيم آخر ملوك اليمن من بني زياد، ومدة ملك بني زياد اليمن مائتان وأربع سنين، وانتقل ملكهم إلى عبيد عبيد (بني زياد)؛ لأن الملك صار لنجاح.


حج الناس من العراق بعد أن توقف الحج من جهة العراق والشام وما وراء النهر؛ خوفا من الأعراب الذين كانوا يقطعون الحج وينهبون ويقتلون الحجاج؛ حيث بقي الأمر على ذلك عدة سنوات تقارب العشر، لا يخرج وفد حج من هذه المناطق إلا من مصر والمغرب واليمن أحيانا.


اتفق أحد المصريين من أصحاب الحاكم مع جماعة من الحجاج المصريين على أمر سوء، وذلك أنه لما كان يوم النفر الأول، طاف هذا الرجل بالبيت، فلما انتهى إلى الحجر الأسود جاء ليقبله فضربه بدبوس كان معه ثلاث ضربات متواليات، وقال: إلى متى نعبد هذا الحجر؟ ولا محمد ولا علي يمنعني مما أفعله، فإني أهدم اليوم هذا البيت، وجعل يرتعد، فاتقاه أكثر الحاضرين وتأخروا عنه؛ وذلك لأنه كان رجلا طوالا جسيما، وعلى باب المسجد الحرام جماعة من الفرسان وقوف ليمنعوه ممن يريد منعه من هذا الفعل وأراده بسوء، فتقدم إليه رجل من أهل اليمن معه خنجر فوجأه به، وتكاثر الناس عليه فقتلوه وقطعوه قطعا، وحرقوه بالنار، وتتبعوا أصحابه فقتلوا منهم جماعة، ونهبت أهل مكة الركب المصري، وتعدى النهب إلى غيرهم، وجرت خبطة عظيمة، وفتنة كبيرة جدا، ثم سكن الحال بعد أن تتبع أولئك النفر الذين تمالؤوا على الإلحاد في أشرف البلاد، غير أنه قد سقط من الحجر ثلاث فلق مثل الأظفار، وبدا ما تحتها أسمر يضرب إلى صفرة، محببا مثل الخشخاش، فأخذ بنو شيبة تلك الفلق فعجنوها بالمسك وحشوا بها تلك الشقوق التي بدت، فاستمسك الحجر.


عالم الرافضة، صاحب التصانيف: أبو عبد الله محمد بن محمد بن القاضي النعمان البغدادي الكرخي بن محمد المغربي، المعروف بابن المعلم أو الشيخ المفيد شيخ الإمامية الروافض، والمصنف لهم، والمحامي عن حوزتهم، صاحب فنون وبحوث وكلام، واعتزال وأدب.

قال الذهبي: "ذكره ابن أبي طي في "تاريخ الإمامية"، فأطنب وأسهب، وقال: كان أوحد في جميع فنون العلم: الأصلين، والفقه، والأخبار، ومعرفة الرجال، والتفسير، والنحو، والشعر".

كانت له وجاهة عند ملوك الأطراف، وكان مجلسه يحضره خلق كثير من العلماء من سائر الطوائف، وكان من جملة تلاميذه الشريف الرضي، والمرتضى، له تصانيف؛ منها: الإرشاد، والرسالة المقنعة، والإعلام فيما اتفقت عليه الإمامية من الأحكام وغيرها.

كان يناظر أهل كل عقيدة مع ما له من العظمة في الدولة البويهية، والرتبة الجسيمة عند الخلفاء، وكان قوي النفس، كثير البر، عظيم الخشوع، كثير الصلاة والصوم، يلبس الخشن من الثياب، وكان مديما للمطالعة والتعليم، ومن أحفظ الناس.

قيل: "إنه ما ترك للمخالفين كتابا إلا وحفظه، وبهذا قدر على حل شبه القوم، وكان من أحرص الناس على التعليم؛ يدور على المكاتب وحوانيت الحاكة، فيتلمح الصبي الفطن، فيستأجره من أبويه- يعني فيضله- وبذلك كثر تلامذته".

ربما زاره عضد الدولة، وكان يقضي حوائجه ويقول له: اشفع تشفع، وكان يقوم لتلامذته بكل ما يحتاجون إليه.

وكان الشيخ المفيد ربعة نحيفا، أسمر، وما استغلق عليه جواب إلا فزع إلى الصلاة، ثم يسأل الله فييسر له الجواب.

عاش ستا وسبعين سنة، وصنف أكثر من مئتي مصنف، وشيعه ثمانون ألفا، وكانت جنازته مشهودة.

قال الذهبي: "بلغت تواليفه مئتين، لم أقف على شيء منها، ولله الحمد"


الكاتب المشهور صاحب الخط المنسوب أبو الحسن علي بن هلال البغدادي، المعروف بابن البواب؛ ويقال له "ابن الستري" أيضا؛ لأن أباه كان بوابا، والبواب ملازم ستر الباب، فلهذا نسب إليهما.

كان شيخه في الكتابة ابن أسد الكاتب المشهور، وهو أبو عبد الله محمد بن أسد بن علي بن سعيد القارئ الكاتب البزاز البغدادي.

قال ابن كثير: "وقد أثنى على ابن البواب غير واحد في دينه وأمانته، وأما خطه وطريقته، فهي أشهر من أن ننبه عليها، وخطه أوضح تعريبا من خط الوزير أبي علي بن مقلة الكاتب المشهور، ولم يكن بعد ابن مقلة أكتب منه، وعلى طريقته الناس اليوم في سائر الأقاليم إلا القليل".

قال ابن خلكان: "لم يوجد في المتقدمين ولا المتأخرين من كتب مثله ولا قاربه، وإن كان أبو علي ابن مقلة الوزير أول من نقل هذه الطريقة من خط الكوفيين، وأبرزها في هذه الصورة، وله بذلك فضيلة السبق، وخطه أيضا في نهاية الحسن، لكن ابن البواب هذب طريقة ابن مقلة ونقحها وكساها طلاوة وبهجة.

والكل معترف لابن البواب بالتفرد، وعلى منواله ينسجون، وليس فيهم من يلحق شأوه ولا يدعي ذلك، مع أن في الخلق من يدعي ما ليس فيه، ومع هذا فما رأينا ولا سمعنا أن أحدا ادعى ذلك، بل الجميع أقروا له بالسابقة وعدم المشاركة".

توفي ابن البواب ببغداد، ودفن جوار الإمام أحمد بن حنبل.


كان القاسم بن حمود بقرطبة تولى الحكم بعد أخيه علي بن حمود, ثم قام عليه ابن أخيه يحيى بن علي بن حمود بمالقة، فهرب القاسم من قرطبة بلا قتال، وصار بأشبيلية، ثم عاد إليها مرة أخرى، فبقي القاسم بقرطبة شهورا واضطرب أمره، وغلب ابن أخيه يحيى على المدينة المعروفة بالجزيرة الخضراء، وهي كانت معقل القاسم، وبها كانت امرأته وذخائره، وغلب ابن أخيه الثاني إدريس بن علي صاحب سبتة على طنجة، وهي كانت عدة القاسم يلجأ إليها إن رأى ما يخافه بالأندلس، ثم إن أهل قرطبة زحفوا إلى البربر، فانهزم البربر عن القاسم وخرجوا من الأرباض كلها في شعبان سنة 414، ولحقت كل طائفة من البربر ببلد غلبت عليه، وقصد القاسم أشبيلية وبها كان ابناه محمد والحسن, فلما عرف أهل أشبيلية خروجه عن قرطبة ومجيئه إليهم، طردوا ابنيه ومن كان معهما من البربر وضبطوا البلد وقدموا على أنفسهم ثلاثة من أكابر البلد.

لحق القاسم بشريش، واجتمع البربر على تقديم ابن أخيه يحيى، فزحفوا إلى القاسم فحاصروه حتى صار في قبضة ابن أخيه، وانفرد ابن أخيه يحيى بولاية البربر.

وبقي القاسم أسيرا عنده وعند أخيه إدريس بعده إلى أن مات إدريس، فقتل القاسم خنقا سنة 431، وحمل إلى ابنه محمد بن القاسم بالجزيرة، فدفنه هناك.

فكانت ولاية القاسم منذ تسمى بالخلافة بقرطبة إلى أن أسره ابن أخيه ستة أعوام، ثم كان مقبوضا عليه ست عشرة سنة عند ابني أخيه يحيى وإدريس، إلى أن قتل.

مات القاسم وله ثمانون سنة، وله من الولد محمد والحسن، أمهما أميرة بنت الحسن بن قنون بن إبراهيم بن محمد بن القاسم بن إدريس بن إدريس بن عبد الله بن الحسن بن الحسن بن علي بن أبي طالب.


هو أبو حيان علي بن محمد بن العباس البغدادي، الصوفي، صاحب التصانيف، له مصنفات عديدة في الأدب والفصاحة والفلسفة، له مصنف كبير في تصوف الحكماء، وزهاد الفلاسفة، وكتاب سماه البصائر والذخائر, وكان سيئ الاعتقاد، نفاه الوزير أبو محمد المهلبي.

ذكر ابن بابي في كتاب الخريدة والفريدة: "كان أبو حيان كذابا، قليل الدين والورع عن القذف والمجاهرة بالبهتان، تعرض لأمور جسام من القدح في الشريعة والقول بالتعطيل، ولقد وقف سيدنا الصاحب كافي الكفاة على بعض ما كان يدغله ويخفيه من سوء الاعتقاد، فطلبه ليقتله، فهرب والتجأ إلى أعدائه، ونفق عليهم بزخرفه وإفكه، ثم عثروا منه على قبيح دخلته وسوء عقيدته وما يبطنه من الإلحاد ويرومه في الإسلام من الفساد، وما يلصقه بأعلام الصحابة من القبائح، ويضيفه إلى السلف الصالح من الفضائح، فطلبه الوزير المهلبي فاستتر منه، ومات في الاستتار، وأراح الله منه، ولم تؤثر عنه إلا مثلبة أو مخزية.

"


سار السلطان مشرف الدولة مصعدا إلى بغداد من ناحية واسط، وروسل القادر بالله في البروز لتلقيه، فتلقاه من الزلاقة، ولم يكن تلقى أحدا من الملوك قبله.

فركب في الطيار، وعن جانبه الأيمن الأمير أبو جعفر، وعن يساره الأمير أبو القاسم، وبين يديه أبو الحسن علي بن عبد العزيز، وحوالي القبة الشريف أبو القاسم المرتضي، وأبو الحسن الزينبي، وقاضي القضاة ابن أبي الشوارب، وفي الزبازب المسودة من العباسيين، والقضاة، والقراء، والعلماء، ونزل مشرف الدولة في زبزبه بخواصه، وصعد إلى الطيار، فقبل الأرض، وأجلس على كرسي، وسأله الخليفة عن خبره وكيف حاله، والعسكر واقف بأسره على شاطئ دجلة، والعامة في الجانبين.

ثم قام مشرف الدولة فنزل إلى زبزبه، وأصعد الطيار.


أوغل يمين الدولة محمود بن سبكتكين في بلاد الهند، فغنم وقتل، حتى وصل إلى قلعة على رأس جبل منيع، ليس له مصعد إلا من موضع واحد، وهي كبيرة تسع خلقا، وبها خمسمئة فيل، وفي رأس الجبل من الغلات والمياه، وجميع ما يحتاج الناس إليه، فحصرهم يمين الدولة، وأدام الحصار، وضيق عليهم، واستمر القتال، فقتل منهم كثير، فلما رأوا ما حل بهم أذعنوا له، وطلبوا الأمان، فأمنهم وأقر ملكهم فيها على خراج يأخذه منه، وأهدي له هدايا كثيرة، منها طائر على هيئة القمري من خاصيته إذا أحضر الطعام وفيه سم دمعت عينا هذا الطائر وجرى منهما ماء، ثم يتحجر، فإذا حك وجعل على الجراحات الواسعة ألحمها.


لما انهزم البربر عن قرطبة مع أبي القاسم، اتفق رأي أهل قرطبة على رد الأمر إلى بني أمية، فاختاروا منهم ثلاثة، وهم: عبد الرحمن بن هشام بن عبد الجبار بن عبد الرحمن الناصر أخو المهدي، وسليمان بن المرتضى، ومحمد بن عبد الرحمن بن هشام بن سليمان القائم على المهدي بن الناصر، ثم استقر الأمر لعبد الرحمن بن هشام بن عبد الجبار، فبويع بالخلافة لثلاث عشرة ليلة خلت لرمضان سنة 414هـ، وله اثنتان وعشرون سنة، وتلقب بالمستظهر، ثم قام عليه أبو عبد الرحمن محمد بن عبد الرحمن بن عبيد الله بن عبد الرحمن الناصر مع طائفة من أراذل العوام فقتل عبد الرحمن بن هشام، وذلك لثلاث بقين من ذي القعدة سنة 414هـ، وتلقب محمد بن عبد الرحمن هذا بالمستكفي، وبويع له بالخلافة.


ألزم الوزير أبو القاسم المغربي الأتراك والمولدين ليحلفوا لمشرف الدولة البويهي، وكلف مشرف الدولة المرتضى ونظام الحضرتين أبا الحسن الزينبي، وقاضي القضاة، وأبا الحسن بن أبي الشوارب، وجماعة من الشهود بالحضور، فظن الخليفة القادر بالله أن التحالف لنية مدخولة في حقه، فبعث من دار الخليفة من منع الباقين بأن يحلفوا، وأنكر على المرتضى والزينبي وقاضي القضاة حضورهم بلا إذن، واستدعوا إلى دار الخلافة، وأظهر عزم الخليفة على الركوب, وبلغ ذلك إلى مشرف الدولة، وانزعج منه، فترددت الرسائل بين الخليفة ومشرف الدولة باستحالة أن يكون هذا الحلف ضده، وانتهى الأمر إلى أن حلف مشرف الدولة على الطاعة والمخالصة للخليفة، وكان وقوع اليمين في يوم الخميس الحادي عشر من صفر، وتولى أخذها واستيفاءها القاضي أبو جعفر السمناني، ثم حلف الخليفة لمشرف الدولة.


وقعت بين المختار أبي علي بن عبيد الله العلوي وبين الزكي أبي علي النهرسابسي، وأبي الحسن علي بن أبي طالب بن عمر مباينة، فاعتضد المختار بالعباسيين، فساروا إلى بغداد، وشكوا ما يفعل بهم النهرسابسي، فتقدم الخليفة القادر بالله بالإصلاح بينهم مراعاة لأبي القاسم الوزير المغربي؛ لأن النهرسابسي كان صديقه، وابن أبي طالب كان صهره، فعادوا، واستعان كل فريق ببني خفاجة، فأعان كل فريق من الكوفيين طائفة من خفاجة، فجرى بينهم قتال، فظهر العلويون، وقتل من العباسيين ستة نفر، وأحرقت دورهم ونهبت، فعادوا إلى بغداد، ومنعوا من الخطبة يوم الجمعة، وثاروا، وقتلوا ابن أبي العباس العلوي وقالوا: إن أخاه كان في جملة الفتكة بالكوفة، فبرز أمر الخليفة إلى المرتضى يأمره بصرف ابن أبي طالب عن نقابة الكوفة، وردها إلى المختار، فأنكر الوزير المغربي ما يجري على صهره ابن أبي طالب من العزل، وكان عند قرواش صاحب الموصل, فأرسل الخليفة القاضي أبا جعفر السمناني في رسالة إلى قرواش يأمره بإبعاد المغربي عنه، ففعل، فسار المغربي إلى ابن مروان بديار بكر، وغضب الخليفة على النهرسابسي، وبقي تحت السخط إلى سنة ثماني عشرة وأربعمئة، فشفع فيه الأتراك وغيرهم، فرضي عنه، وحلفه على الطاعة فحلف.


خرج بإفريقية جمع كثير من زناتة، فقطعوا الطريق، وأفسدوا بقسطيلية ونفزاوة، وأغاروا وغنموا، واشتدت شوكتهم، وكثر جمعهم، فسير إليهم المعز بن باديس الصنهاجي- صاحب إفريقية- جيشا، وأمرهم أن يجدوا السير ويسبقوا أخبارهم، ففعلوا ذلك، وكتموا خبرهم، وطووا المراحل حتى أدركوهم وهم آمنون من الطلب، فوضعوا فيهم السيف، فقتل منهم خلق كثير، وعلق خمسمئة رأس في أعناق الخيول وسيرت إلى المعز، وكان يوم دخولها يوما مشهودا.