وقد اشتملت آية الوضوء على بيان بالغ فيه، فليتخذها أهل الزمان مرجعهم، فهي أصل الباب، وسيتلى القرآن إلى فجر القيامة

حملة الشريعة، والمستقلون بها هم المفتون المستجمعون لشرائط الاجتهاد من العلوم، والضامون إليها التقوى والسداد

ومما ألقيه على المجلس السامي: وجوب مراجعة العلماء فيما يأتي ويذر؛ فإنهم قدوة الأحكام وأعلام الإسلام، وورثة النبوة، وقادة الأمة، وسادة الملة، ومفاتيح الهدى، ومصابيح الدجى، وهم على الحقيقة أصحاب الأمر استحقاقاً

فمما أعرضه على الجناب العالي أمر يعظم وقعه على اعتقاب الأيام والليالي، وهو الاهتمام بمجاري الأخبار في أقاصي الديار؛ فإن النظر في أمور الرعايا، يترتب على الاطلاع على الغوامض والخفايا

الإسلام هو الأصل والعصام، فلو فرض انسلال الإمام عن الدين، لم يخف انخلاعه، وارتفاع منصبه وانقطاعه، فلو جدد إسلاماً لم يعد إماماً إلا أن يُجَدد اختياره

وأهم المطالب في الفقه التدرب في مآخذ الظنون في مجال الأحكام، وهذا هو الذي يسمى فقه النفس وهو أنفس صفات علماء الشريعة

وإذا لم تكن الإيالة الضابطة لأهل الإسلام على الإلزام والإبرام، كان ضيرها مُبِراً على خيرها

المفتي هو المتمكن من درك أحكام الوقائع على يسير من غير معاناة تعلم

وليس بالخافي على ذوي البصائر أن الدول إنما تضطرب بتحزب الأمراء، وتفرق الآراء، وتجاذب الأهواء

ونحن على اضطرار من عقولنا نعلم أن الشرع لم يرد بما يؤدي إلى بوار أهل الدنيا، ثم يتبعها اندراس الدين، وإن شرطنا في حق آحاد من الناس في وقائع نادرة أن ينتهوا إلى الضرورة؛ فليس في اشتراط ذلك ما يجر فساداً في الأمور الكلية

لا يوثق بفاسق في الشهادة على فلس، فكيف يولى أمور المسلمين كافة، والأب الفاسق مع فرط حَدَبه وإشفاقه على ولده لا يعتمد في مال ولده، فكيف يؤتمن في الإمامة العظمى فاسق لا يتقي الله؟ ومن لم يقاوم عقله هواه ونفسه الأمارة بالسوء، ولم ينتهض رأيه بسياسة نفسه فأنى يصلح لسياسة خطة الإسلام؟

والذي عليه التعويل في الجملة والتفصيل أن أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم شهدوا، وغبنا، واستيقنوا عن عيان، واستربنا، وكانوا قدوة الأنام، وأسوة الإسلام، لا يأخذهم في الله عذل وملام لا يؤثرون على الحق أحداً، ولا يجدون من دونه ملتحداً

وليست الإمامة من قواعد العقائد، بل هي ولاية تامة، ومعظم القول في الولاة والولايات العامة والخاصة مظنونة في محل التأخي والتحري

الحرام إذا طبَّق الزمان وأهله، ولم يجدوا إلى طلب الحلال سبيلاً، فلهم أن يأخذوا منه قدر الحاجة، ولا تشترط الضرورة التي نرعاها في إحلال الميتة في حقوق آحاد الناس، بل الحاجة في حق الناس كافة تنزل منزلة الضرورة، في حق الواحد المضطر

واجب الإمام نحو أصل الدين ينقسم إلى حفظ الدين بأقصى الوسع على المؤمنين، ودفع شبهات الزائغين وإلى دعاء الجاحدين والكافرين، إلى التزام الحق المبين

الأئمة إنما تولوا أمورهم، ليكونوا ذرائع إلى إقامة أحكام الشرائع

والتيقظ والخبرة أس الإيالة، وقاعدة الإمرة، وإذا عمَّى المعتدون أخبارهم، أنشبوا في المستضعفين أظفارهم، واستجرؤوا ثم على الاعتداء، ثم طمسوا عن مالك الأمر آثارهم ويخون حينئذ المؤتمن، ويغش الناصح، وتشيع المخازي والفضائح

لا يخفى على أهل الزمان الذي لم تدرس فيه قواعد الشريعة، وإنما التبست تفاصيلها أنّا غير مكلفين بالتوقي مما لا يتأتى التوقي عنه، ولا يخلو مثل هذا الزمان عن العلم بأن ما يتعذر الصون عنه جداً، وإن كان متصوراً على العسر والمشقة معفو عنه

لو لم يكن في خِطة الإسلام متبوع يأوي إليه المختلفون، وينزل على حكمه المتنازعون، ويذعن لأمره المتدافعون إذا أعضلت الحكومات، ونشبت الخصومات، وتبددت الإرادات، لارتبك الناس في أفظع الأمر، ولظهر الفساد في البر والبحر