شيَّعوا الشمس ومالوا بضحاها
مدة
قراءة القصيدة :
6 دقائق
.
شيَّعوا الشمس ومالوا بضحاها | وانحنى الشرقُ عليها فبكاها |
ليتني في الركبِ لما أفلتْ | يوشعٌ، همَّتْ، فنادَى ، فثناها |
جَلَّل الصبحَ سواداً يومُها | فكأنّ الأرض لم تخلع دجاها |
انظروا تلقوا عليها شفقاً | من جراحاتِ الضحايا ودِماها |
وتروا بينَ يديها عبرة ً | من شهيدٍ يقطرُ الورد شذاها |
آذنَ الحقُّ ضَحاياها بها | وَيْحَهُ!! حتى إلى الموتى نَعاها |
كفّنوها حُرَّة ً عُلْوِيّة ً | كستِ الموتَ جلالاً، وكساها |
مِصْرُ في أَكفانها إلا الهدى | لحمة ُ الأكفانِ حقٌّ وسداها |
خطر النعشُ على الأَرض بها | يَحْسِرُ الأَبصارَ في النعش سَناها |
جاءها الحقُّ، ومنْ عادتها | تؤثر الحقَّ سبيلاً واتَّجاها |
ما دَرتْ مصرٌ: بدفن صُبِّحَتْ | أَم على البعثِ أَفاقَتْ مِنْ كَراها؟ |
صرختْ تحسبها بنتَ الشرى | طَلَبَتْ مِنْ مِخْلَب الموتِ أَباها |
وكأَن الناسَ لما نَسَلوا | شُعَبُ السيل طَغتْ في مُلتقاها |
وضعوا الرّاحَ على النعشِ كما | يلمسون الرُّكنَ، فارتدَّتْ نزاها |
خَفضوا في يوم سعد هامَهم | وبسعدٍ رَفعوا أَمسِ الجِباها |
سائلوا زحلة َ عن أعراسها | هل مشى الناعي عليها فمحاها؟ |
عطَّلَ المصطافَ من سمَّارِه | وجلا عن ضفة الوادي دماها |
فتحَ الأَبوابَ ليلاً دَيْرُها | وإلى الناقوسِ قامتْ بيعتاها |
صدَع البرقُ الدُّجَى ، تنشرُه | أرضُ سوريا، وتطويه سماها |
يحملُ الأنباء تسري موهناً | كعوادي الثكل في حرِّ سراها |
عرضَ الشكُّ لها فاضطربتْ | تَطأُ الآذانَ هَمْساً والشِّفاها |
قلتُ: يا قوم اجمعوا أحلامكم | كلُّ نفسٍ في وَرِيدَيْها رَداها |
يا عدوَّ القيدِ لم يلمحْ له | شبحاً في خطة ٍ إلا أباها |
لا يضقْ ذرعكَ بالقيد الذي | حزَّ في سوق الأوالي وبراها |
وقعَ الرسلُ عليه، والتوتْ | أَرجلُ الأَحرارِ فيه فعَفاها |
يا رُفاتاً مِثلَ رَيْحَانِ الضُّحى | كلَّلَتْ عَدْنٌ بها هامَ رُباها |
وبقايا هيكل من كرمٍ | وحياة أَتْرَعَ الأَرض حَياها |
ودَّعَ العدلُ بها أعلامه | وبكتْ أنظمة ُ الشورى صواها |
حَضنتْ نعشك، والتفَّتْ به | راية ٌ كنتَ من الذلّ فداها |
ضمَّت الصدرَ الذي قد ضمَّها | وتلقَّى الهمَّ عنها فوقاها |
عجبي مِنها ومن قائدها!! | كيف يَحمِي الأَعزلُ الشيخُ حِماها؟ |
مِنْبَرُ الوادي ذَوَت أَعوادُه | مِن أَواسِيها وجَفَّتْ من ذُراها |
من رمى الفارسَ عن صهوتها | ودَعا الفُصحى بما أَلجمَ فاها؟ |
قدرٌ بالمدن ألوى والقرى | ودَها الأَجبالَ منه ما دَهاها |
غال بَسْطورا وأَردَى عُصبة ً | لمستْ جرثومة َ الموتِ يداها |
طافت الكأْسُ بساقي أُمّة ٍ | من رحيقِ الوطنياتِ سقاها |
عطلتْ آذانها من وترٍ | ساحرٍ رَنَّ مَلِيّاً فشجاها |
أَرغُنٌ هامَ به وِجْدَانُها | وأَذانٌ عَشِقتْه أُذُناها |
كلَّ يومٍ خطبة ٌ روحية ٌ | كالمزامير وأنغامِ لغاها |
دَلَّهَتْ مصراً ولو أَنَّ بها | فلواتٍ دلَّهتْ وحش فلاها |
ذائدُ الحقِّ وحامي حوضه | أَنفَذَتْ فيه المقاديرُ مُناها |
أخذتْ سعداً من البيت يدٌ | تأْخذُ الآسادَ من أَصل شراها |
لو أصابت غيرَ ذي روحٍ لما | سلمتْ منها الثريا وسهاها |
تتحدّى الطبَّ في قفّازها | علَّة ُ الدهر التي أعيا دواها |
من وراءِ الإذنِ نالتْ ضيغماً | لم ينلْ أقرانه إلا وجاها |
لم تصارحْ أصرحَ الناسِ يداً | ولساناً، ورُقاداً، وانتباها |
هذه الأعوادُ من آدمَ لمْ | يهدَ خفَّاها، ولم يعرَ مطاها |
نقَلَتْ خُوفو ومالتْ بمِنا | لم يفتْ حيَّاً نصيبٌ من خطاها |
تَخْلِطُ العُمْرينِ: شيْباً، وصِباً | والحياتين: شقاءً، ورفاها |
زورقٌ في الدمعِ يطفو أبداً | عرَفَ الضَّفَّة َ إلا ما تلاها |
تهلع الثَّكلى على آثاره | فإذا خفَّ بها يوماً شفاها |
تسكبُ الدمعَ على سعدٍ دماً | أُمة ٌ من صخرة ِ الحقِّ بناها |
من ليانٍ هو في ينبوعها | وإباءٍ هو في صمِّ صفاها |
لُقِّنَ الحقَّ عليه كَهلُها | واستقى الإيمانَ بالحقِّ فتاها |
بذلتْ مالاً، وأمناً، ودماً | وعلى قائدها ألقتْ رجاها |
حمَّلته ذمَّة ً أوفى بها | وابتلَتْه بحقوقٍ فقضاها |
ابنُ سبعينَ تلقَّى دونها | غُربة َ الأَسرِ، ووَعْثاءَ نَواها |
سفرٌ من عدن الأرضِ، إلى | منزلٍ أَقرَبُ منه قُطُباها |
قاهرٌ ألقى به في صخرة ٍ | دفعَ النسرَ إليها فأَواها |
كرهتْ منزلها في تاجه | دُرّة ٌ في البحر والبرِّ نفاها |
اسأَلوها، واسأَلوا شانِئَها | لِمَ لمْ يَنفِ من الدُّرِّ سِواها؟ |
ولَدَ الثَّورَة َ سعدٌ حُرّة ً | بحياتيْ ماجد حُرٍّ نَماها |
ما تَمنَّى غيرَها نسلاً، ومَنْ | يلِدِ الزَّهراءَ يَزْهَدْ في سواها |
سالت الغابة ُ من أَشبالها | بينَ عينيهِ وماجتْ بلباها |
بارك اللهُ لها في فرعها | وقضى الخيرَ لمصرٍ في جناها |
أولم يكتبْ لها دستورها | بالدمِ الحرِّ، ويَرْفَعْ مُنتداها؟ |
قد كتبتاها، فكانت صورة ً | صَدْرُها حقٌّ وحقٌّ مُنتهاها |
رَقَدَ الثائرُ إلا ثورة ً | في سبيل الحقِّ لم تَخمد جُذاها |
قد تولاَّها صبيَّاً فكوتْ | راحَتَيْهِ، وفَتِيّاً فرعاها |
جالَ فيها قلماً مستنهضاً | ولِساناً كلَّما أَعْيَتْ حَداها |
ورمى بالنفس في بركانها | فتلقَّى أولَ الناسِ لظاها |
أَعلِمتم بعد موسى مِنْ يَدٍ | قذفتْ في وجه فرعونَ عصاها؟ |
وطئتْ نادبة ً صارخة ً | شاهَ وجهُ الرّقِّ ـ يا قوم ـ وشاها |
ظفرتْ بالكبر من مستكبرٍ | |
وسيوفُ الهندِ لم تصحُ ظباها | |
أين منْ عينيَّ نفسٌ حرَّة ٌ | كنتُ بالأَمسِ بعينيَّ أَراها؟ |
كلما أَقبلت هَزَّتْ نفسها | وتواصى بشرها بي ونداها |
وجرى الماضي، فماذا ادَّكرتْ | وادِّكارُ النفسِ شيءٌ من وَفاها؟ |
أَلمحُ الأَيَامَ فيها، وأَرى | من وراءِ السنِّ تمثالَ صباها |
لستُ أَدري حينَ تَندَى نَضرة ً | عَلَتِ الشَّيْبَ، أَم الشَّيْبُ عَلاها؟ |
حَلَّت السبعون في هيكلها | فتداعى وهيَ موفورٌ بناها |
روعة ُ النادي إذا جدَّتْ، فإن | مزحتْ لم يذهب المزحُ بهاها |
يَظفَرُ العُذْرُ بأَقصى سُخطِها | وينالُ الودُّ غاياتِ رضاها |
ولها صبرٌ على حسِّادها | يشبه الصفحَ، وحلمٌ عن عداها |
لستُ أنسى صفحة ً ضاحكة ً | تأْخذ النفسَ وتَجرِي في هواها |
وحديثاً كرِوايات الهوى | جدَّ للصبِّ حنينٌ فرواها |
وقناة ً صعدة ً لو وهبتْ | للسَّماكِ الأعزلِ اختالَ وتاها |
أين منِّي قلمٌ كنتُ إذا | سمتُه أَن يَرثِيَ الشمسَ رَثاها؟ |
خانني في يوم سعدٍ، وجَرى | في المراثي فكَبا دونَ مَداها |
في نعيم الله نفسٌ أوتيتْ | أنعمَ الدنيا فلم تنسَ تقاها |
لا الحِجَى لمّا تَنَاهَى غَرّها | بالمقاديرِ، ولا العِلمُ زَهاها |
ذَهَبَتْ أَوّابة ً مُؤمِنَة ً | خالصاً من حيرة ِ الشكِّ هداها |
آنستْ خلقاً ضعيفاً ورأتْ | من وراءِ العالَمِ الفانِي إلڑها |
ما دعاها الحقُّ إلا سارَعَتْ | ليتَه يومَ «وَصِيفٍ» ما دعاها |