سأَلوني: لِمَ لَمْ أَرْثِ أَبي؟
مدة
قراءة القصيدة :
دقيقتان
.
سأَلوني: لِمَ لَمْ أَرْثِ أَبي؟ | ورِثاءُ الأَبِ دَيْنٌ أَيُّ دَيْنْ |
أَيُّها اللُّوّامُ، ما أَظلمَكم! | أينَ لي العقلُ الذي يسعد أينْ؟ |
يا أبي، ما أنتَ في ذا أولٌ | كلُّ نفس للمنايا فرضُ عَيْنْ |
هلكَتْ قبلك ناسٌ وقرَى | ونَعى الناعون خيرَ الثقلين |
غاية ُ المرءِ وإن طالَ المدى | آخذٌ يأخذه بالأصغرين |
وطبيبٌ يتولى عاجزاً | نافضاً من طبَّه خفيْ حنين |
إنَّ للموتِ يداً إن ضَرَبَتْ | أَوشكَتْ تصْدعُ شملَ الفَرْقَدَيْنْ |
تنفذ الجوَّ على عقبانه | وتلاقي الليثَ بين الجبلين |
وتحطُّ الفرخَ من أَيْكَته | وتنال الببَّغا في المئتين |
أنا منْ مات، ومنْ مات أنا | لقي الموتَ كلانا مرتين |
نحن كنا مهجة ً في بدنٍ | ثم صِرْنا مُهجة ً في بَدَنَيْن |
ثم عدنا مهجة في بدنٍ | ثم نُلقى جُثَّة ً في كَفَنَيْن |
ثم نَحيا في عليٍّ بعدَنا | وبه نُبْعَثُ أُولى البَعْثتين |
انظر الكونَ وقلْ في وصفه | قل: هما الرحمة ُ في مَرْحَمتين |
فقدا الجنة َ في إيجادنا | ونَعمْنا منهما في جَنّتين |
وهما العذرُ إذا ما أُغضِبَا | وهما الصّفحُ لنا مُسْتَرْضَيَيْن |
ليتَ شعري أيُّ حيٍّ لم يدن | بالذي دَانا به مُبتدِئَيْن؟ |
ما أَبِي إلاَّ أَخٌ فارَقْتُه | وأَماتَ الرُّسْلَ إلاَّ الوالدين |
طالما قمنا إلى مائدة ٍ | كانت الكسرة ُ فيها كسرتين |
وشربنا من إناءٍ واحدٍ | وغسلنا بعدَ ذا فيه اليدين |
وتمشَّيْنا يَدي في يدِه | من رآنا قال عنّا: أخوين |
نظرَ الدهرُ إلينا نظرة ً | سَوَّت الشرَّ فكانت نظرتين |
يا أبي والموتُ كأسٌ مرة ٌ | لا تذوقُ النفسُ منها مرتين |
كيف كانت ساعة ٌ قضيتها | كلُّ شيءٍ قبلَها أَو بعدُ هَيْن؟ |
أَشرِبْتَ الموت فيها جُرعة ً | أَم شرِبْتَ الموتَ فيها جُرعتين؟ |
لا تَخَفْ بعدَكَ حُزناً أَو بُكاً | جمدتْ منِّي ومنكَ اليومَ عين |
أنت قد علمتني تركَ الأسى | كلُّ زَيْنٍ مُنتهاه الموتُ شَيْن |
ليت شعري: هل لنا أن نتلقي | مَرّة ً، أَم ذا افتراقُ المَلَوَين؟ |
وإذا متُّ وأُودعتُ الثرى | أَنلقَى حُفرة ً أَم حُفْرتين؟ |