إلى الله أَشكو مِن عَوادِي النَّوَى سهما
مدة
قراءة القصيدة :
4 دقائق
.
إلى الله أَشكو مِن عَوادِي النَّوَى سهما | أصابَ سويداءَ الفؤادِ وما أصمَى |
من الهاتكاتِ القلبَ أوَّلَ وهلة ٍ | ومَا دَخَلَتْ لحماً، ولا لامستْ عظما |
تَوَارَدَ والنَّاعِي، فأَوْجَسْتُ رَنَّة ً | كلاماً على سمعي ، وفي كبدي كلما |
فما هتفا حتى نزا الجنبُ وانزوَى | فيا وَيْحَ جَنْبِي! كم يَسيلُ؟ وكم يَدمَى ؟ |
طَوَى الشرقَ نحوَ الغربِ، والماءَ للثَّرَى | إليَّ ، ولم يركبْ بساطاً ولا يمَّا |
أبانَ ولم ينبسْ ، وأدَّى ولم يفهْ | وأدمى وما داوى ، وأوهى وما رمَّا |
إذا طويتْ بالشهبِ والدُّهمِ شقة ٌ | طَوَى الشُّهْبَ، أَو جاب الغُدافِيَّة َ الدُّهْما |
ولم أَرَ كالأَحداثِ سهماً إذا جرَتْ | ولا كالليالي رامياً يُبعِدُ المَرْمَى |
ولم أَرَ حُكماً كالمقاديرِ نافذاً | ولا كلقاءِ الموتِ من بينهما حتما |
إلى حيثُ آباءُ الفتى يذهبُ الفتى | سَبيلٌ يَدينُ العالَمون بها قِدْما |
وما العيشُ إلا الجسمُ في ظلِّ روحهِ | ولا الموتُ إلا الرُّوحُ فارقَتِ الجِسما |
ولا خلْدَ حتى تملأَ الدهرَ حِكْمة ً | على نزلاءِ الدهرِ بعدكَ أو علما |
زجرتُ تصاؤيفَ الزمانِ ، فما يقعْ | ليَ اليومَ منها كان بالأمس لي وهما |
وقدَّرتُ للنعمانِ يوماً وضدَّهُ | فما اغترَّتِ البوسى ، ولا غرَّتِ النَّعمى |
شربتُ الأَسى مصروفة ً لو تعرضتْ | بأَنفاسِها بالفمِّ لم يستفِقْ غَمَّا |
فأَتْرِعْ وناوِلْ يا زمانُ؛ فإنما | نديمكَ سقراطُ الذي ابتدعَ السمَّا |
قَتلتُكَ، حتى ما أُبالِي: أَدَرْتَ لي | شهيدة ِ حربٍ لم تُقارِفْ لها إثما |
مُدَلَّهة ٍ أَزكى مِنَ النارِ زَفْرَة ً | وأنزهِ منْ دمعِ الحيا عبرة سحما |
سقاها بَشيرِي وهْيَ تَبكِي صَبابة ً | فلم يَقْوَ مَغناها على صَوْبِهِ رَسْما |
أَسَتْ جُرحَها الأَنباءُ غيرَ رَفيقة ٍ | وكم نازعٍ سهماً فكان هو السَّهما! |
تغارُ على الحمَّى الفضائلُ والعلا | لما قبَّلتْ منها ، وما ضمَّتْ الحمَّى ! |
أكانت تمنَّاها وتهوى لقاءها | إذا هي سَمَّاها بذي الأَرض مَنْ سَمّى ؟ |
أَلَمَّتْ عليها، واتَّقتْ ثمراتِها | فلمَّا وقوا الأسواءَ لم ترها ذمَّا |
فيا حسرتا أَلاَّ تراهم أَهِلَّة ً | إذا أَقْصَرَ البدرُ التمامُ مَضوْا قُدْما! |
رياحينُ في أنف الوليِّ ، وما لها | عدوٌّ تراهم في معاطسهِ رغما |
وألاَّ يطوفوا خشَّاً حولَ نعشها | ولا يُشبِعوا الركنَ استلاماً ولا لَثْما |
حلَفْتُ بما أَسلَفْتِ في المهد مِنْ يَدٍ | واوليتِ جثماني من المنَّة ِ العظمى |
وقبرٍ مَنُوطٍ بالجلال مُقَلَّدٍ | تليدَ الخلالِ الكثرَ ، والطارفَ الجمَّا |
وبالغادياتِ الساقياتِ نزيلهُ | ولا رُمْتُ هذا الثكلَ للناس واليتما |
ولم يكُ الطيرِ بالرقّ لي رضاً | فكيف رضائي أَن يَرَى البَشَرُ الظُّلما؟ |
ولم آلُ شُبّانَ البريّة ِ رِقَّة ً | كأن ثمارَ القلب منْ ولدي ثمَّا |
وكنتُ على نهجٍ من الرأي واضحٍ | أرى الناس صنفينِ : الذئابَ أو البهما |
وما الحكمُ إلا أولي البأسِ دولة ً | ولا العدلُ إلا حائطٌ يعصمُ الحكما |
نزلْتُ رُبَى الدنيا، وجَنّاتِ عَدْنِها | فما وَجَدَتْ نفسي لأَنهارها طعما |
أُرِيحُ أَرِيجَ المِسْكِ في عَرَصاتِها | وإن لم أُرِحْ مَرْوانَ فيها ولا لَخْما |
إذا ضحكتْ زهواً إليَّ سماوها | بكيتُ النَّدى في الأرض والبأسِ والحزما |
أطيفُ برسمٍ ، أو ألمُّ بدمنة ٍ | أَخال القصور الزُّهر والغُرَفَ الشُّما |
فما برحَتْ من خاطري مصرُ ساعة ً | ولا أَنتِ في ذي الدارِ زايَلْتِ لي هَمّا |
إذا جَنَّنِي الليلُ کهْتَزَزْتُ إليكما | فجنحا إلى سعدى ، وجنحا إلى سلمى |
فلما بدا للناس صُبْحٌ من المُنَى | وأَبصرَ فيه ذو البصيرة ِ والأَعمى |
وقرَّتْ سيوفُ الهندِ، وارتكز القَنا | وأَقْلَعَتِ البَلْوَى ، وأَقْشَعَتِ الغُمَّى |
وحَنَّتْ نواقيسٌ، ورَنّتْ مآذنٌ | ورَقَّتْ وجوهُ الأَرضِ تَستقبلُ السلمى |
أتى الدهرُ من دونِ الهناءِ، ولم يزلْ | ولوعاً ببنيانِ الرجاءِ إذا تمّا! |
إذا جال في الأعيادِ حلَّ نظامها | أَو العُرسِ أَبْلى في معالمه هَدْما |
لئن فاتَ ما أمَّلته من مواكبٍ | فَدُونَكِ هذا الحشدَ والموكبَ الضَّخما! |
رثيْتُ به ذَات التُّقى ونظمتُه | لعنصره الأَزكى وجوهرِهِ الأَسمى |
نمتكِ مَناجيبُ العُلا ونمَيْتِها | فلم تلحقي بنتاً ولم تسبقي أُمّا |
وكنتِ إذا هذي السماءُ تخايلتْ | تواضعتِ، لكنْ بعد ما فُتِّها نجما |
أتيتُ به لم ينظم الشِّعر مثله | وجِئْتِ لأَخلاق الكرامِ به نَظما |
ولو نهضَتْ عنه السماءُ، ومَخَّضَتْ | به الأرضُ كان المزنَ والتبرَ والكرما! |