أرشيف الشعر العربي

البدائيُّ الذي في النقش

البدائيُّ الذي في النقش

مدة قراءة القصيدة : 3 دقائق .

دخلتُ النقشَ، إنَّ النقشَ غُرفَةْ

فقدْ أصغيتُ، والإصغاءُ شُرفَةْ

ولستُ مُتيَّماً بـ(الأرْكُلُوجْيا)!

ولكنْ مُهجَتي بالطينِ كَلْفَةْ

دخلتُ النقشَ عَمْدًا باحثًا عنْ

أخي البَدْئيِّ لمْ أدخلْهُ صُدْفةْ!

أحِنُّ إلى الهواءِ البِكْرِ

أحتاجُ دهشتَهُ كما أحتاجُ خَوْفَهْ

لأنَّ دمي يموجُ بلا رصيفٍ

وُجُوديٍّ أُريدُ الآنَ رَصْفَهْ

مِن التاريخِ أخرُجُ

داخِلًا عالماً ذا هَدْأةٍ تغْشاهُ سدْفَةْ

تحسَّسْتُ المكانَ بجِلدِ رُوحي

لَثمْتُ جدارَهُ وشمَمْتُ سَقْفَهْ

ظلامٌ..! بَيْدَ أنّي كنتُ أدْري

بأنَّ هناكَ مَنْ أمسيتُ ضَيْفَهْ

كأنَّ حفاوةً وكأنَّ ظلًّا

بدائيًّا يُلوِّحُ لي بِسَعْفَةْ

وعانقَهُ خيالُ الوعْيِ أمَّا

أنا فعجَزْتُ أنْ أصطادَ طَيْفَهْ

لِماذا لمْ يُكَلِّمْني؟ لماذا

تأخَّرَ لمْ يُضِئْ لقِرَايَ كَهْفَهْ؟

وفِيمَ أُفولُهُ الشّبَحِيُّ عَنّي؟

أمَا بِكَ أيُّها الفِطْرِيُّ لهفَةْ؟

قدحْتُ هناكَ بـ(الصَّوَّانِ) قلبي

فضِئْتُ! وكادَ قلبي أنْ يَشِفَّهْ!

على وَجْدي عَبرتُ إليهِ حتّى

أطَلَّتْ مِنْ وراءِ النهْرِ ضِفّةْ

أراهُ! أراهُ ..! لا أحتاجُ عيني

إذا ما لمْ يكُنْ في العينِ ذَرْفَةْ!

أراهُ عاريًا مِنْ كُلِّ شيءٍ سِواهُ

لابِسًا كالماءِ جَوْفَهْ!

بدائِيٌّ؟ أجَلْ. لكِنْ نقِيٌّ

نقاءَ البَدْءِ والأحلامُ صِرْفَةْ

يداهُ مِجَسَّتانِ عليهِما قدْ

أسالَ فُؤادَهُ وأذابَ طَرْفَهْ

إذا ضربَ الحياةَ بِراحَتَيْهِ

رقَصتُ! وصارَ قُرْصُ الشمْسِ دُفَّهْ!

أمُدُّ لَهُ بمِزْمارِ الحنايا يدِي

فيَصُبُّ في المزمارِ عَزْفَهْ!

لأسمعَ في ذُهُولِ النايِ صوْتي!

وأَرْشُفَ مِنْ حليبِ الخُلْدِ رَشْفَةْ

وقامَ يَجُوسُ غابتَهُ، يُغَنِّي

على مُهْرِ الصدى فَنَهَضْتُ خَلْفَهْ

يَشُمُّ الزعفرانَ، ولستُ أدْري

كأنَّ الزعفرانَ يَشُمُّ أنْفَهْ!

لَدَيْهِ علاقةٌ بالأرضِ حُبْلى

يَحُفُّ الكائِناتِ لِكَيْ تَحُفَّهْ

ولمْ يقْطِفْ دمَ العُنقودِ، لكِنْ

أتاحَ لخمرةِ العُنقودِ قَطْفَهْ!

فراشَتُهُ الطبيعَةُ يَرْتَدِيها

فتشربُ رَوْعَهُ وتَمَصُّ عُنْفَهْ!

وكانَ ولمْ يَزَلْ ظَنِّي

بأنَّ الحياءَ صِناعَةٌ، والحُبَّ حِرْفَةْ؛

إلى أنْ جاعَ (بَدْئِيِّي)، إلى أنْ

بَدَا ضعْفي لهُ ورأيتُ ضَعْفَهْ؛

فلمّا جاعَ لمْ يَنحَرْ خَيَالي

فيا للهِ مِنْ جُوعٍ مُرَفَّهْ!

وعُدْنا في المساءِ يجُرُّ نِصْفي

على كَتِفِ الأنا وأجُرُّ نِصْفَهْ

صَبَابَتُنا غَرابَتُنا لأنَّا

نزيدُ تغرُّبًا .. فنزيدُ أُلْفَةْ!

كأنِّي والبدائيَّ الذي فِيَّ إنْسانانِ:

مِنْ ثِقْلٍ وخِفَّةْ

تمازَجْنا.. ولكنّي ترسَّبْتُ أسْفَلَهُ

فمَدَّ إلَيَّ كَفَّهْ!

وأسنَدَني إلى المِخْيالِ حتّى

يُدَوِّنَني على الأحجارِ تُحْفَةْ!

وصرتُ أنا الذي في النقْشِ

وَهْوَ الذي يُصْغِي

كأنَّ النَّقشَ شُرْفَةْ!

اخترنا لك قصائد أخرى للشاعر (حيدر العبدالله) .

صانعُ المراكب

العطر

مياهٌ مُبلَّلة

قُبلةٌ على فمِ القصيدة

هلعٌ ما يتمطّى


فهرس موضوعات القرآن