تعجَّبَتْ جارَتِي مِنِّي وَقدْ رَقدتْ
مدة
قراءة القصيدة :
5 دقائق
.
تعجَّبَتْ جارَتِي مِنِّي وَقدْ رَقدتْ | عنِّي العيون وبات الهمُّ محتشِدا |
قالت لسُعدى وأخرى من مناصفها | ما هاج هذا وقد خيِّلته هجدا |
قَالَتْ فَقُلْتُ لَهَا مَا زِلْتُ أكْتُمُكُم | وسًاوس الْحُبِّ حَتَّى ضَافَ فَاعْتَمَدَا |
أرقتُ من خَّلة ٍ باتت وساوسها | تَسْرِي عَلَيَّ وَبَاتَتْ دَارُهَا صَدَدَا |
حَوْرَاءَ كَانَتْ هَوَى نَفْسِي وُمُنْيَتَهَا | لو قرَّب الدَّهر من لقيانها أمدا |
وَلَوْ تُكَلِّمُ مَحْمُولاً جِنَازَتُهُ | قد مات بالأمس أو ترثي له خلدا |
فَالْقَلْبُ صَبٌّ مُعَنًّى حِينَ يَذْكُرُهَا | والعين عبرى تقاسي الهمَّ والسَّهدا |
ما إن رأيت كمشعوفٍ بحبِّكمو | يَبْقَى وَلا مِثْلَكُمْ يَعْتَلُّ لوْ رَقَدَا |
وعدتني ثمَّ لم توفي بموعدة | فَكُنْتِ كَالْمُزْنِ لَمْ يَمْطُرْ وَقَدْ رَعَدَا |
إِذَا نَأَيْت دَعَانِي مِنْكُمُو نَكَدٌ | فإن دنوت منعت النَّائل النَّكدا |
بليت والنَّأيُ متروكٌ على حزنٍ | ولا أرى القلب إلاَّ زادني بُعدا |
أرْعَى مِنَ الْعَهْدِ وَالْمِيثَاقِ حَقَّهُمَا | لا يصلح الحرَّ إلاَّ حفظ ما وعدا |
إِنِّي حَلَفْتُ يَمِيناً غَيْرَ كَاذِبَة ٍ | عِنْدَ الْمَقَام وَلَمْ أقْرَبْ لَهُ فَنَدَا: |
لو خيِّر القلبُ من يمشي على قدم | لاَخْتَارَ سُعْدَى وَلَمْ يَعْدِلْ بِهَا أحَدَا |
لو ساعفتنا وصدَّ النَّاس كلُّهمو | لما وجدت لفقد النَّاس مفتقدا |
تركتني مستهام القلب في شغلٍ | لَهْفَانَ لا وَالِداً أهْوَى وَلا وَلَدَا |
أخَا هُمُومٍ وَأحْزَان تَأوَّبُنِي | فاخشى إلهك إني ميت كمدا |
كَأنَّنِي عَابِدٌ مِنْ حُبِّ رُؤْيَتِهَا | إِنَّ الْمُحِبَّ تَرَاهُ مِثْلَ مَنْ عَبَدَا |
لا أرْفَعُ الطَّرْفَ في النادِي إِذَا نَطَقُوا | وَلا أزَال مكِبّاً بَيْنَهُمْ أبَدَا |
بِهَمِّ نَفْسٍ مُعَنَّاة ٍ بِذِكْرِكُمُو | إِذَا أقُولُ خَبَا مَشْبُوبُهُ وَقَدَا |
وَالْقَلْبُ عِنْدَكَ مَأخُوذٌ مَسَامِعُهُ | فلا يروعه من قام أو قعدا |
أبْلَيْتِ جِسْمِي فَنَفْسِي غَيْرُ آمِنَة ٍ | أنْ يُدْرِكَ الرُوحَ مَا قَدْ خَامَرَ الجَسَدَا |
ألاَ تَحَرَّجْتِ مِمَّا قَدْ رُمِيتِ بِهِ | وَسْطَ النّسَاء لِمَنْ أفْنَى وَقَدْ رَقَدَا |
لَو كَانَ ذَا قُوَّة ٍ أعْفَتْ جَلاَدَتُهُ | وقد أزيدعلى ذي قوة جلدا |
لَكِنَّ فِي الْحُبِّ أسْقَاماً مُنَهَّلَة ً | لذي الحلاوة حتى يجهد الكبدا |
فلن أكون حديداً في مقالتكم | كما خلقتُ ولا صوانة ً صلدا |
قَالَتْ: أرَاكَ تَعزَّى عَنْ زِيَارَتِنَا | وقد يزور بيوت الحيِّ من وجدا |
فَقُلْتُ: إِنِّي عَدَانِي أنْ أزُورَكُمُو | قَوْمٌ يَبِيتُونَ مِنْ بَغْضَائِنَا رَصَدَا |
مغفَّلون عن الخيرات عندهمو | مِنْ فِطْنَة ِ الشَّرِّ عِلْمٌ لَمْ يَكنْ رَشَدَا |
ما ضرَّ أهلك يا سُعدى فقدتهمو | من عاشقٍ زار لو قالوا لهُ سددا |
إِنَّ التَّجهمَ عَدَّى عَنْ زِيَارَتِكُمْ | مِمَّنْ عَلِقْتُ وَأَمْسَى ذَاكِ قَدْ جَهِدَا |
مخلأًّ بات يرعى كل بارقة ٍ | لو كان يصفو له وردٌ لقد وردا |
فَأرْسَلَتْ حِينَ كَلَّ الطَّرْفُ: إِنَّهُمو | قد نوموا فأتنا إن كنت مفتأدا |
وَوَطَّنَتْ تِرْبَهَا الْحَوْلاَءَ لَيْلَتَهَا | قَبْلَ الرِّسَالَة ِ حَتَّى أصْبَحَتْ عَضُدَا |
ولم أدع زينة ً حتى لبست لها | من الجديد لكي ألمم بهن غدا |
فِي لَيْلَة ٍ خَلْفَ شَهْرِ الصَّوْم نَاقِصَة ٍ | تِسْعاً وَعِشْرِينَ قَدْ أحْصَيْتُهَا عَدَدَا |
حتَّى ارتقيتُ إليها في مشيدة ٍ | دُونَ السَّمَاء تُنَاغِي ظِلَّهَا صَعَدَا |
لَمَّا رَأتْ لَمَحَة مِنِّي مُرَعَّثَة ً | خُضْراً وَحُمْراً وَصُفْراً بَيْنَهَا جُدَدَا |
قَالَتْ لِتِرْبٍ لَهَا كَانَتْ مُوَطَّنَة ً | جَاء الْمُرعَّثُ فَاثْنِي عِنْدَكِ الْوُسُدَا |
وأحسني حين تلقيه تحيتهُ | وَلا تَكُونِي إِذَا حَدَّثْتِنَا وَتِدَا |
خفِّي قريباً وعودي إن حاجتنا | دُونَ الْقَرِيبَة ِ فِي قَلْبَيْنِ قَدْ كَمِدَا |
طال التَّنائي فكلّ غير متركٍ | حَتَّى تَرَيْ عَاتِباً مِنَّا وَمُصْطَرِدَا |
حَتَّى الْتَقَيْنَا فَمِنْ شَكْوَى وَمَعْتَبَة ٍ | تَكُرُّهَا لا نَخَافُ الْعَيْنَ وَالرَّصَدَا |
غَابَ الْقَذَى فَشَرِبْنَا صَفْوَ لَيْلَتِنَا | حبَّينِ نلهو ونخشى الواحد الصَّمدا |
قَالَتْ: فَأنَّى ـ بِنَفْسِي ـ جِئْتُ مُسْتَرِقاً | من العدوِّ تخطَّى الوعر والجددا |
جورٌ أتى بك أم قصدٌ فقلتُ لها: | مَا زِلْتُ أقْصِدُ لَوْ تُدْنِينَ مَنْ قَصَدَا |
لاَ تَعْجَبِي لاجْتِيَابِي اللَّيْلَ مُنْسرِقاً | مَا كُنْتُ قَبْلَكِ رِعْدِيداً وَلاَ بَلِدَا |
يَا رُبَّ قَائِلَة ٍ يَوْماً لِجَارَتِهَا | إِنَّ الْمُرَعثَّ هَمِّي غَابَ أوْ شَهِدَا |
صددتُ عنها فلم أدمن زيارتها | إِلَى هَوَاكِ فَلَمْ تَجْزِي بِهِ صَفَدَا |
لما قضينا حديثاً من معاتبة ٍ | وَكَادَ يَبْرُدُ هَذَا الشَّرُّ أوْ بَرَدَا |
جَاءَتْ بِأزْهَرَ لَمْ تُنْسَجْ عِمَامَتُهُ | إذا الزُّجاجة كادت كأسه سجدا |
ريان كالريم خدَّاه ومذبحهُ | إِنْ لَمْ يُرَعْ بِسُجُودٍ سَامِراً رَكَدَا |
نلهو إليه ونشكو بثَّ أنفسنا | في سلوة وزوال الَّليل قد أفدا |
حَتَّى إِذَ طَارِقٌ ثَارَتْ عَدَاوَتهُ | بِأَوَّلِ الصُّبْحِ كَانَتْ صَالِحا فَسَدَا |
قَامَتْ تَهَادَى إِلَى أهْلٍ تُرَاقِبُهُمْ | مشي البهير ترى في مشيه أودا |
وَالْعَيْنُ تُحْدِرُ دَمْعاً جِدَّ وَاكِفَة ٍ | عَلَى مَسَاقِطِ دَمْعٍ كَانَ قَدْ جَمَدَا |
كَأنَّهُ لُؤْلُؤٌ رَثَّتْ مَعَاقِدُهُ | فانساب أوله في السِّلك فاطَّردا |
وَقُمْتُ لَمْ أقْضِ مِنْهَا إِذْ خَلَوْتُ بِهَا | إِلاَّ الْحَدِيثَ وَإِلاَّ أنْ أمَسَّ يَدَا |
حَتَّى خَرَجْتُ فَكَانَ الدَّهْرُ مُنْدَحِلاً | بَيْنَ الْقَرِينَيْنِ حَلاَّلاً لِمَا عُقِدَا |