أرشيف المقالات

الجنائز

مدة قراءة المادة : 20 دقائق .
كتاب الجنائز
المرتع المشبع في مواضع من الروض المربع
 
قوله: (ويقص شاربه، ويقلم أظفاره ندباً؛ إن طالا، ويؤخذ شعر إبطيه، ويجعل المأخوذ معه عضوٍ ساقطٍ، وحرم حلق رأسه، وأخذ عانته كختنٍ، ولا يسرح شعره، أي: يكره ذلك؛ لما فيه من تقطيع الشعر من غير حاجةٍ إليه، ويضفر شعرها ثلاثة قرونٍ، ويسدل وراءها)[1].
 
قال في "الشرح الكبير": "مسألة: ويقص شاربه، ويقلم أظافره، ولا يسرح شعره ولا لحيته، متى كان شارب الميت طويلاً استحب قصه، وهذا قول الحسن، وبكر بن عبد الله، وسعيد بن جبير، وإسحاق.
 
وقال أبو حنيفة[2] ومالك[3]: لا يؤخذ من الميت شيء؛ لأنه قطع شيءٍ منه فلم يستحب كالختان.
 
ولأصحاب الشافعي[4] اختلاف كالقولين.
 
ولنا: قول أنسٍ: (اصنعوا بموتاكم ما تصنعون بعرائسكم)[5].
والعروس يحسن ويزال عنه ما يستقبح من الشارب وغيره؛ ولأن تركه يقبح منظره؛ فشرع إزالته كفتح عينيه وفمه؛ ولأنه فعل مسنون في الحياة لا مضرة فيه فشرع بعد الموت كالاغتسال، وعلى هذا يخرج الختان لما فيه من المضرة، وإذا أُخذ منه جعل مع الميت في أكفانه، وكذلك كل ما أخذ منه من شعرٍ أو ظفرٍ أو غيرهما فإنه يغسل، ويجعل معه في أكفانه؛ لأنه جزءٌ من الميت فأشبه أعضاءه.
 
فصل: فأما قص الأظفار إذا طالت ففيها روايتان:
إحداهما: لا تقلم وينقى وسخها، وهو ظاهر كلام الخرقي؛ لأن الظفر لا يظهر كظهور الشارب فلا حاجة (175أ) إلى قصه.
 
والثانية: يقص إذا كان فاحشاً نص عليه؛ لأنه من السنة ولا مضرة فيه، فيشرع أخذه كالشارب.
 
ويمكن حمل الرواية الأولى على ما إذا لم يفحش.
 
ويخرج في نتف الإبط وجهان بناء على الروايتين في قص الأظفار؛ لأنه في معناه.
 
فصل: فأما العانة ففيها وجهان:
أحدهما: لا تؤخذ، وهو ظاهر كلام الخرقي، وهو قول ابن سيرين ومالك[6] وأبي حنيفة[7].
 
وروي عن أحمد[8] أن أخذها مسنون، وهو قول الحسن، وبكر بن عبدالله، وسعيد بن جبير، وإسحاق؛ لأن سعد بن أبي وقاص جزَّ عانة ميت[9]؛ ولأنه شعر يسن إزالته في الحياة أشبه قص الشارب.
 
والصحيح الأول؛ لأنه يحتاج في أخذها إلى كشف العورة ولمسها وهتك الميت، وذلك محرم، لا يفعل لغير واجبٍ؛ (ولأن العانة مستورة يستغنى بسترها عن إزالتها؛ لأنها لا تظهر بخلاف الشارب).
 
فإذا قلنا بأخذها، فقال أحمد[10]: تؤخذ بالموسى أو بالمقراض.
 
وقال القاضي: تزال بالنورة؛ لأنه أسهل ولا يمسها.
 
ووجه قول أحمد: أنه فعل سعد، والنورة لا يؤمن أن تتلف جلد الميت، ولأصحاب الشافعي وجهان كهذين[11].
 
فصل: فأما الختان فلا يشرع؛ لأنه إبانة جزءٍ من أعضائه، وهذا قول أكثر أهل العلم، وحُكي عن بعض أهل العلم: أنه يختن، حكاه الإمام أحمد، والأول أولى؛ لما ذكرناه.
 
ولا يحلق رأس الميت، وقال بعض أصحاب الشافعي[12]: يحلق إذا لم يكن له جمة للتنظيف، والأول أولى؛ لأنه ليس من السنة في الحياة، وإنما يراد لزينةٍ أو نسكٍ، ولا يطلب شيءٌ من ذلك ههنا.
 
فصل: وإن جُبِرَ عظمه بعظمٍ؛ فجبر؛ ثم مات، فإن كان طاهراً لم ينزع، وإن كان نجساً وأمكن إزالته من غير مُثلةٍ أزيل؛ لأنه نجاسة مقدور على إزالتها من غير ضرر، وإن أفضى إلى المثلة لم يقلع، وإن كان في حكم الباطن كالحي، وإن كان عليه جبيرة يفضي نزعها إلى مثلة مسح عليها كحال الحياة، وإلا نزعها وغسل ما تحتها.
 
قال أحمد[13] في الميت تكون أسنانه (175ب) مربوطة بذهبٍ: إن قدر على نزعه من غير أن تسقط بعض أسنانه نزعه، وإن خاف سقوط بعضها تركه.
 
فصل: ومن كان مشنجاً، أو به حدبٌ، أو نحو ذلك، فأمكن تمديده بالتليين والماء الحار فعل ذلك، وغن لم يمكن إلا بعسفٍ تركه بحاله، فإن كان على صفة لا يمكن تركه على النعش إلا على وجهٍ يشهر بالمثلة ترك في تابوتٍ، أو تحت مكبةٍ، كما يُصنع بالمرأة؛ لأنه أصون له وأستر.
 
ويستحب أن يترك فوق سرير المرأة شيءً من الخشب أو الجريد مثل القبة، ويترك فوقه ثوب ليكون أستر لها.
 
وقد روي أن فاطمة - بنت رسول الله صلى الله عليه وسلم - رضي الله عنها أول من صُنع لها ذلك بأمرها[14].
 
فصل: فأما تسريح رأسه ولحيته فكرهه أحمد[15]، وقالت عائشة: علام تنصون ميتكم؟[16]، أي: لا تسرحوا رأسه بالمشط؛ ولأن ذلك يقطع شعره وينتفه، وهذا مذهب أبي حنيفة[17].
 
وقد روي عن أم عطية قال: مشطناها ثلاثة قرونٍ.
متفق عليه[18].
 
قال أحمد[19]: إنما ضفرن، وأنكر المشط، فكأنه تأول مشطناها على أنها أرادت: ضفرناها؛ لما ذكرنا، والله أعلم.
 
مسألة: ويضفر شعر المرأة ثلاثة قرونٍ ويسدل من ورائها.
يستحب ضفر شعر المرأة ثلاثة قرونٍ: قرنيها وناصيتها، ويلقى من خلفها، وبهذا قال الشافعي[20]، وإسحاق، وابن المنذر.
 
وقال الأوزاعي وأصحاب الرأي: لا يضفر، ولكن يرسل مع خديها (من بين يديها)، من الجانبين ثم يرسل عليه الخِمار؛ لأن ضفره يحتاج إلى تسريحه؛ فيتقطع ويتنتف.
 
ولنا: ما روت أم عطية قالت: ظفرنا شعرها ثلاثة قرونٍ وألقيناه خلفها تعني: بنت النبي صلى الله عليه وسلم.
متفق عليه[21].
 
ولمسلم: (فضفرنا شعرها ثلاثة قرونٍ: قرنيها وناصيتها).
 
وفي حديث أم سليم عن النبي صلى الله عليه وسلم: (وأضفرن شعرها ثلاثة قرونٍ: قصة وقرنين، ولا تشبهنها بالرجال)[22]" [23] (176أ).
 
وقال في "الإفصاح": "واتفقوا على أنه لا يسرح شعر الميت[24]، إلا الشافعي[25] فإنه قال: يسرح تسريحاً خفيفاً.
 
واتفقوا على أنه يضفر شعر المرأة ثلاثة قرونٍ، ويلقى من خلفها[26]، إلا أبا حنيفة[27] فإنه قال: ترسله الغاسلة غير مضفورٍ بين يديها من الجانبين، ثم تسدل خمارها عليه.
 
وأجمعوا على أن الميت إذا مات وهو غير مختونٍ أن يترك على حاله، ولا يختن[28].
 
واختلفوا في تقليم أظفاره، والأخذ من شاربه إن كان طويلاً:
فقال الشافعي[29] في "الإملاء"، وأحمد[30]: يجوز ذلك.
 
وقال أبو حنيفة[31] ومالك[32] والشافعي في القديم[33]: لا يزال ذلك، وشدد مالك فيه حتى أوجب على فاعله التعزير"[34].
 
وقال ابن رشد: "واختلفوا في تقليم أظفار الميت والأخذ من شعره:
فقال قوم: تقلم أظفاره ويؤخذ منه.
 
وقال قوم: لا تقلم أظفاره ولا يؤخذ من شعره، وليس فيه أثرٌ.
 
وأما سبب الخلاف في ذلك: الخلاف في الواقع في ذلك في الصدر الأول، ويشبه أن يكون سبب الخلاف في ذلك قياس الميت على الحي، فمن قاسه أوجب تقليم الأظفار وحلق العانة؛ لأنها من سنة الحي باتفاقٍ"[35].
 
وقال البخاري: "باب: نقض شعر المرأة.
وقال ابن سيرين: لا بأس أن ينقض شعر الميت.
وذكر حديث أم عطية رضي الله عنها: أنهن جعلن رأس بنت رسول الله صلى الله عليه وسلم ثلاثة قرونٍ نقضنه، ثم غسلنه، ثم جعلنه ثلاثة قرونٍ[36]".
 
قال الحافظ: "قوله: (باب: نقض شعر المرأة) أي: الميتة قبل الغسل، والتقييد بالمرأة خرج مخرج الغالب أو الأكثر، وإلا فالرجل إذا كان له شعر ينقض؛ لأجل التنظيف؛ وليبلغ الماء البشرة.
 
وذهب من منعه إلى أنه قد يفضي إلى انتتاف شعره.
 
وأجاب من أثبته: بأنه ينضم إلى ما انتثر منه...
 
إلى أن قال: وفائدة النقض تبليغ الماء البشرة، وتنظيف الشعر من الأوساخ.
 
ولمسلم: "مشطناها ثلاثة قرونٍ"[37]، أي: سرحناها بالمشط (176ب).
 
وفيه حجة للشافعي[38] ومن وافقه على استحباب تسريح الشعر، واعتل من كرهه بتقطيع الشعر، والرفق يؤمن معه ذلك"[39].
 
وقال البخاري أيضاً: "باب: يجعل شعر المرأة ثلاثة قرونٍ.
وذكر حديث أم عطية قالت: ضفرنا شعر بنت النبي صلى الله عليه وسلم[40].
تعني: ثلاثة قرونٍ.
 
وقال وكيع: قال سفيان: ناصيتها وقرنيها"[41].
 
قال الحافظ: "واستدل به على ضفر شعر الميت خلافاً لمن منعه، فقال ابن القاسم: لا أعرف الضفر؛ بل يكف.
وعن الأوزاعي والحنفية: يرسل شعر المرأة خلفها وعلى وجهها مفرقاً.
 
قال القرطبي[42]: وكأن سبب الخلاف أن الذي فعلته أم عطية، هل استندت فيه إلى النبي صلى الله عليه وسلم فيكون مرفوعاً، أو هو شيءٌ رأته ففعلته استحساناً؟ كلا الأمرين محتملٌ، لكن الأصل ألا يفعل في الميت شيءٌ من جنس القرب إلا بإذن من الشرع محققٍ، ولم يرد ذلك مرفوعاً.
كذا قال!
 
وقال النووي[43]: الظاهر اطلاع النبي صلى الله عليه وسلم وتقريره له.
 
قال الحافظ: وقد رواه سعيد بن منصور بلفظ الأمر من رواية هشام، عن حفصة، عن أم عطية قالت: قال لنا رسول الله صلى الله عليه وسلم: (اغسلنها وتراً، واجعلن شعرها ضفائر)[44].
 
وقال ابن حبان في "صحيحه": ذكر البيان بأن أم عطية إنما مشطت ابنة النبي صلى الله عليه وسلم بأمره لا من تلقاء نفسها.
ثم أخرج من طريق حماد، عن أيوب قال: قالت حفصة عن أم عطية: (اغسلنها ثلاثاً أو خمساً (أو سبعاً)، واجعلن لها ثلاثة قرونٍ) [45].
 
تنبيه: قوله: (ثلاثة قرونٍ) مع قوله: (ناصيتها وقرنيها) لا تضاد بينهما؛ لأن المراد بالثلاثة قرون: الضفائر، والمراد بالقرنين: الجانبان"[46] (177أ).

[1] الروض المربع ص143.

[2] فتح القدير 1/451، وحاشية ابن عابدين 2/210.

[3] الشرح الصغير 1/202، وحاشية الدسوقي 1/422.

[4] المجموع 5/140.

[5] لم يقف عليه من قول أنس رضي الله عنه، قال الحافظ ابن حجر في التلخيص الحبير 2/106: هذا الحديث ذكره الغزالي في الوسيط بلفظ: "افعلوا بموتاكم ما تفعلون بأحيائكم" وتعقبه ابن الصلاح بقوله: بحثت عنه فلم أجده ثابتاً، وقال أبو شامة في كتاب السواك: هذا الحديث غير معروفٍ.
وقال الألباني في السلسلة الضعيفة 14/267: لا أصل له.

[6] الشرح الصغير 1/202، وحاشية الدسوقي 1/422.

[7] فتح القدير 1/451، وحاشية ابن عابدين 2/210.

[8] الإنصاف مع المقنع والشرح الكبير 6/79-80.

[9] أخرجه عبد الرزاق 3/427 6235، ومن طريقه ابن المنذر في الأوسط 5/328 2938، عن الثوري، عن خالد الحذاء، عن أبي قلابة، عن سعد بن أبي وقاص رضي الله عنه، به.

[10] انظر: الإنصاف مع المقنع والشرح الكبير 6/80-81، والفروع 2/206.

[11] المجموع 5/141.

[12] المجموع 5/142.

[13] كشاف القناع 4/79، الفروع 2/207.

[14] أخرجه أبو نعيم في الحلية 2/43، والحاكم 3/162، والبيهقي 4/34-35.

[15] كشاف القناع 4/80، وشرح منتهى الإرادات 2/91.

[16] أخرجه عبد الرزاق 3/437 6232، وأبو عبيد في غريب الحديث 4/314، من طريق إبراهيم – هو النخعي – عن عائشة رضي الله عنها، به.
قال الحافظ ابن حجر في الدراية 1/230: هو منقطع بين إبراهيم وعائشة.

[17] فتح القدير 1/451، وحاشية ابن عابدين 2/210.

[18] البخاري 1254، ومسلم 939.

[19] كشاف القناع 4/81، وشرح منتهى الإرادات 2/91.

[20] نهاية المحتاج 2/447، ومغني المحتاج 2/11.

[21] البخاري 1263، ومسلم 939.

[22] أخرجه الطبراني 25/124 304، والبيهقي 4/5، من طريق جنيد بن أبي وهرة، وليث، كلاهما عن عبد الملك بن أبي بشير، عن حفصة بن سيرين، عن أم سليم رضي الله عنها، به.
قال الذهبي في الميزان 1/425: حديث منكر.
وانظر: السلسلة الضعيفة 12/897.

[23] الشرح الكبير مع المقنع والإنصاف 6/78 و84.

[24] فتح القدير 1/451، وحاشية ابن عابدين 2/210.
والشرح الصغير 1/202، وحاشية الدسوقي 1/422.
وشرح منتهى الإرادات 2/91، وكشاف القناع 4/80.

[25] تحفة المحتاج 3/103، ونهاية المحتاج 2/445.

[26] حاشية الدسوقي 1/410-411، ومغني المحتاج 1/334، ونهاية المحتاج 2/447.
وشرح منتهى الإرادات 2/91، وكشاف القناع 4/81.

[27] المفتى به عند الحنفية أن شعرها يضفر ويسدل بين ثدييها من الجانبين جميعاً، انظر: المبسوط 2/72، وبدائع الصنائع 1/308، وفتح القدير 1/455، وحاشية ابن عابدين 2/216.

[28] فتح القدير 1/451، وحاشية ابن عابدين 2/210.
ومنح الجليل 1/304، والمنتقى 2/6.
وتحفة المحتاج 3/113، ونهاية المحتاج 2/455.
وشرح منتهى الإرادات 2/90، وكشاف القناع 4/80.

[29] تحفة المحتاج 3/122، ونهاية المحتاج 2/454.

[30] كشاف القناع 4/78، وشرح منتهى الإرادات 2/89-90.

[31] فتح القدير 1/451، وحاشية ابن عابدين 2/210.

[32] الشرح الصغير 1/202، وحاشية الدسوقي 1/422-423.

[33] المجموع 5/140.

[34] الإفصاح 1/273-274.

[35] بداية المجتهد 1/214.

[36] البخاري 1260.

[37] مسلم 939.

[38] تحفة المحتاج 3/103، ونهاية المحتاج 2/445.

[39] فتح الباري 3/132-133.

[40] البخاري 1262.

[41] فتح الباري 3/133، في ترجمة الحديث 1262.

[42] المفهم 2/595.

[43] شرح صحيح مسلم 7/3.

[44] قال سعيد بن منصور: أنا أبو معاوية، عن رجل، عن هشام، عن حفصة، عن أم عطية قالت: لما ماتت زينب بنت رسول الله صلى الله عليه وسلم قال لنا رسول الله صلى الله عليه وسلم: اغسلنها وتراً، واجعلن شعرها ضفائر.
تنقيح التحقيق 2/608.
قلت: هذا إسناد ضعيف، فيه راوٍ مبهم: "عن رجل".

[45] ابن حبان 5/15 3022.
وقد بين الشيخ الألباني رحمه الله في السلسلة الضعيفة 13/1130 أن لفظ الأمر بالقرون شاذ في هذا الحديث.

[46] فتح الباري 3/134.

شارك الخبر

فهرس موضوعات القرآن