نظرة في شموخ اليتيم
مدة
قراءة القصيدة :
3 دقائق
.
أسمى صفاتِكَ أنْ تكون كريما | وتكونَ بَراً بالعباد رحيما |
أسمى صفاتِكَ أنْ تكونَ مميَّزاً | بسداد رأيكَ في الأمور، حكيما |
تسعى بكَ الدنيا، وأنتَ تقودُها | بالحقِّ، تُسْعِدُ قلبها المهموما |
تلقى الخطوبَ وأنتَ أرفَعُ هامةً | منها، وتأنَف أنْ تعيش ذَميما |
أسمى صفاتكَ أنْ ترى الدنيا بلا | غَبَشٍ، وأنْ يبقى الفؤادُ سليما |
أنْ تجعل التاريخَ يَمْلأُ كأسَه | وتكونَ أنتَ رحيقَها المختوما |
ترمي بسهمكَ، لا لِتَقْتُلَ آمناً | لكنْ لتحرُسَ خائفاً محروما |
تسعى إلى كَسْبِ العلومِ تقرُّباً | للهِ، لا ليُقَالَ: صار عليما |
أسمى صفاتكَ أنْ تحلِّقَ عالياً | بجناح عدلكَ، تنصر المظلوما |
يا حاملَ الدُّنيا على كتفِ الرِّضا | يا من رأيتُكَ للجَفاءِ غَريما |
يا ساعياً للخير في العصر الذي | ما زال حَبْلُ وفائه مصروما |
للخير أغصانٌ تطيب ثمارُها | فامنحْ جَناها خائفاً وعَديما |
واحملْ إلى أفيائها الطفلَ الذي | ما زال في حُفَرِ الشقاء مقيما |
فلَرُبَّ ماسحِ أَدْمُعٍ من مقلةٍ | تبكي، رأى فضلاً بهنَّ عَميما |
انظرْ إلى وجه اليتيمِ، ولا تكنْ | إلا صديقاً لليتيمِ حميما |
وارسمْ حروفَ العطف حَوْل جبينهِ | فالعَطْفُ يمكن أنْ يُرى مرسوما |
وامسح بكفِّكَ رأسه، سترى على | كفَّيكَ زَهْراً بالشَّذَا مَفْغُوما |
ولسوف تُبصر في فؤادكَ واحةً | للحبِّ، تجعل نَبْضَه تنغيما |
ولسوف تبصر ألفَ ألفِ خميلةٍ | تُهديك من زَهْر الحياةِ شَميما |
ولسوف تُسعدكَ الرياضُ بنشرها | وتريكَ وجهاً للحنانِ وسيما |
انظرْ إلى وجه اليتيم وهَبْ له | عَطْفاً يعيش به الحياةَ كريما |
وافتحْ له كَنْزَ الحنانِ، فإنما | يرعى الحنانُ، فؤادَه المكلوما |
لولا الحنانُ لَمَا رأيتَ سعادةً | لولا السماءُ لَمَا رأيتَ نجوما |
لولا الرّياحُ لَمَا رأيتَ لَواقحاً | لولا البحارُ لَمَا رأيتَ غيوما |
لولا الغصونُ لما رأيتَ ظِلالَها | لولا الرعودُ لَمَا سمعتَ هَزيما |
لولا الربيعُ لما رأيتَ زُهورَه | تشدو، ولا لامَسْتَ فيه نَسيما |
يا كافلَ الأيتامِ، كأسُكَ أصبحتْ | مَلأَى، وصار مزاجُها تسنيما |
ما اليُتْمُ إلاَّ ساحةٌ مفتوحةٌ | منها نجهِّز للحياةِ عظيما |
ونحوِّل الحرمانَ فيها نعمةً | كُبْرى تُزيل عن الفؤادِ هموما |
قَسَمَ الإلهُ على العباد حظوظَهم | فالكلُّ يأخذ حَظَّه المقسوما |
وسعادةُ الإنسانِ أن يرضى بما | قَسَمَ الإلهُ، ويُعلنَ التَّسليما |
قالوا: اليتيمُ، فقلتُ: أَيْتَمُ مَنْ أرى | مَنْ كان للخلُقِ النَّبيل خَصيما |
قالوا: اليتيمُ، فقلتُ أَيْتَمُ مَنْ أرى | مَنْ عاشَ بين الأكرمينَ لَئيما |
كم رافلٍ في نعمةِ الأبويْن، لم | يسلكْ طريقاً للهدى معلوما |
يا كافلَ الأيتام، كفُّكَ واحةٌ | لا تُنْبِتُ الأشواكَ والزَّقُّوما |
ما أَنْبَتَتْ إلاَّ الزُّهورَ نديَّةً | والشِّيحَ والرَّيحانَ والقَيْصُوما |
أَبْشِرْ فإنَّ الأَرْضَ تُصبح واحةً | للمحسنين، وتُعلن التكريما |
أبشرْ بصحبةِ خيرِ مَنْ وَطىءَ الثرى | في جَنَّةٍ كمُلَتْ رضاً ونَعيما |
قالوا: اليتيمُ، وأرسلوا زَفَراتهم | وبكوا كما يبكي الصحيحُ سَقيما |
قلت: امنحوه مع الحنانِ كرامةً | فلرُبَّ عَطْفٍ يُوْرِثُ التَّحطيما |
ولَرُبَّ نَظْرةِ مُشفقٍ بعثتْ أسىً | في قَلبه، جَعَلَ الشفيقَ مَلُوما |
قالوا: اليتيمُ، فَمَاج عطرُ قصيدتي | وتلفَّتتْ كلماتُها تَعظيما |
وسمعْتُ منها حكمةً أَزليَّةً | أهدتْ إِليَّ كتابَها المرقوما: |
حَسْبُ اليتيم سعادةً أنَّ الذي | نشرَ الهُدَى في الناسِ عاشَ يَتيما |