ألبنان هل في غيرك ارتبع المجدُ
مدة
قراءة القصيدة :
13 دقائق
.
ألبنان هل في غيرك ارتبع المجدُ | مناط الثريا انت والعلم الفردُ |
كأنك للشامات هضبة اهلها | وفي جيد سوريا الجمانة والعقد |
كأن جبال الأرض روض كأنما | لها منك نوار الخميلة والورد |
يقبل منك البحر اخمص ارجلٍ | لها موطئٌ منه الترائب والخد |
تماديت شأواً في العلو كأنما | لك الري من نهر المجرة والورد |
شمخت فنسر النجم دونك واقع | وتنحط عن عليائك الانسر الربد |
وقفت خطيباً لم يكن قس خاطباً | بأبين رشداً منك ان أبهم الرشد |
كأنك لفظ في معاجم دهرنا | تترجم عما اضمر الزمن الوغد |
على شأنه السامي جبيلٌ تدلنا | باجمل آثار لا عيننا تبدو |
تردد ذكرى امة لقديمها | مآثر لم تذمم ولا مسها جحد |
وترديد بيت القدس ذكرك ذمة | نعم وعليها فيك قد اخذ العهد |
وهيكلها ما انفك يروي مآثراً | لارزك حاوي الحمد في نشرها يحدو |
وطودان هذا اقرع لصقت به | صروف الليالي فالتوى شعره الجعد |
يرد اناسي العيون حواسراً | فما حملايا اذ بها تفخر الهند |
اطل على الايام يروي طريفه | من المجد ما اسدته ايامك التلد |
وشيخ اعارته الدهور وقارها | قد ابيض من فوديه ما هو مسود |
يكافح عنك الحادثات كانه | هو السد في الاحداث او دونه السد |
وهل دافع صنين عنك نوائباً | وافقك من سود الوقاقع مربد |
بسفح فم الميزاب سال اتيها | فقشعه اذ سيل عارضه النكد |
واغربةٌ فيك العقاب وانما | هو الطائر البازي في زهوه يشدو |
وما المجد يا لبنان مثواك في العلا | ولكنما في جد ابنائك المجد |
وان بلاداً تنبت الجد ارضها | لتلك بلاد لا عدا ارضها الجد |
اذا المرء لم تضمن له نجح قصده | مواطنه يوماً فلا حمد القصد |
وان لم يقارن حظه نجم سعده | باوطانه لا حل في ربعه السعد |
وماؤك لا ماء العذيب الذي هوى | وذي ظماءٍ منه على كبد برد |
وما شاقني الا عليل نسائم | بجوك من أنفاسها بأرج الند |
وينساب في حصبائك الماء ناظماً | برقراقه ما ليس ينظمه العقد |
وفيك هضاب ما سويسرةٌ بها | تقاس بحكم العجل ان صرح النقد |
ومنتزهات فيك همت بوصفها | اذا هيمت غيري باوصافها هند |
اما بك سوق الغرب للغرب غادة | ومنظرها الفتان ليس له ضد |
وفي صوفر للزائرين موارد | تدفق ايناساً وما ماؤها ثمد |
كأن بحمدوناً رداح عشيرة | وفي كل قلب من محبتها وجد |
وكم هام في عاليه قوم فعيشها | رغيد وفيها الماء منفجر برد |
وهل اهدن عدن التي وعدت بها | رجال ولم يكذب وقد انجز الوعد |
وزحلة يجري الماء فيها كأنه | وقد طاب للظمآن مازجه الشهد |
كذاك برمانا باحراجها غدت | على دفع ما يخشى من الداء تشتد |
هي الوطن المحبوب والبلدة التي | رأيت بعيني النور في جوها يبدو |
وضهر الشوير الطائر الصيت ارزه | تسامى فاضحى دون مبلغه السد |
وفيك ببيت الدين قصر ممنع | بناه امير زان محتده المجد |
بشير الذي كانت اياديه جمة | ولم يكُ بين الحاكمين له عدُّ |
وشاد بشير الجنبلاطي قصره | وفيه لراجي الرفد كم بذل الرفد |
تولى علي امره بعد عمه | نسيب الذي لم يكب يوماً له زند |
وفي رأس انطلياس قد قام مصنع | الامير سليم من به افتخر المهد |
واوداء حمانا التي في جمالها | لمرتين قبلاً هام ما مثلها سد |
نسيم سرى منها بليلا وقد بدا | بكل مكان من حدائقها ند |
وغينا التي فيها ادونيس قد بنت | لعاشقها برجاً به قد حلا الورد |
وريفون بكفيا وحصرون بتمري | بشري وميروبا ولقلوق والجرد |
ومكين بسكنتا وجزين والصفا | وعيناب ثم الدير ثم كفر حلد |
وروم التي الحجار في ظلها نشا | واعبيه رأس المتن ثم السرافيد |
وقرنايل فالوغة وبجنس | ودومة لو لم يعي قاصدها البعد |
منازل اضحت للبدور منازلاً | ومقنرن في كل برج لها سعد |
مصائف اضحت للمصافاة جنة | على انها للزائرين هي الخلد |
يحاذر ان يلقي بها الداء رحله | وليس بها يوماً لوافده وفد |
وهل تلك اديار التقى ام كواكب | تسامت إلى افيائها ينتهي الوخد |
اقامت مصابيح الهداية حيثما | على سالكيه عمي الغوروالنجد |
تريك كامثال القسي شواحباً | طواها الطوى واستام راحتها الزهد |
تقاسم شظف العيش كهل ويافع | بها وتحرى العفة الشيب والمرد |
وفاقهم الاحبار فضلاً وحكمة | وجودة آثار يطيب لها سرد |
فان جاء للعذال انكار فضلهم | فقد انكرت شمس الضحى الاعين الرمد |
وكم شيخ دين قدس الله سره | وكم شيخ عقل فاضلٌ زاهدٌ حمد |
وكم معهد للعلم زين بعامل | سريرته صدق وسيرته قصد |
وما نهده الا ذراع تسنمت | ذراه بنان الكسف لا الاشقر النهد |
ويطربه منه صرير بغامه | اذا اطرب القوم المسومة الجرد |
يرى هائماً في وصف كل فضيلة | اذا خلبت قلباً لعاشقها دعد |
وكم عالم ان خاض بحر معارف | بدا البحر لا جذر له وله مدُّ |
وكم شاعر يسمو زهيراً بنظمه | على حين يبدو في شبيبته العبد |
ولبنان في لبنان كانت حديقة | جناها شهيٌّ نفح ازهارها ندُّ |
قد اغتربت ابناؤك الغر كي يرى | بهم لك خفاقاً بكل على بند |
اذا العلم لم ينجدك إما دعوته | لمكرمة لم يسق معهده عهد |
الا كل سعي لا لذكر جهالةٌ | وكل جهاد لا لمحمدة جهد |
رعوا لافانين الصناعة عهدها | ولولاهم لم يُرعَ يوماً لها عهد |
ففي الزوق نسج لا يضاهي جماله | وفي الدير نسج منه ليس به رد |
ولم يحك تحنان الاغاريد حنة | به لدواليبٍ هي الورق اذ تشدو |
وكم سمجت فيك الزراعة ذيلها | فاثمر خفض العيش في ارضك الكد |
وكم ثمر جان بارضك خيمت | له شجرات ريها في الصفا العد |
وكم فيك من زيتونة نور زيتها | يضيء وان لم يور يوماً لها زند |
وكم كرمة ان لاح بارق راحها | تريك شموس البشر من كأسها تبدو |
وفيك العلاء المحض والشرف الذي | تفرع عن اوراقه الحسب العد |
وصيد غطاريف اذا استنجد الورى | بهم فهم في كل نازلة نجد |
مغاوير ان شدوا غطاريف ان دعوا | كرام اذا اسدوا مراجيح ان عدوا |
وكم مزقت احشاء قومك فرقة | وفرقهم ايدي سبا الجهل والحقد |
تلاعب فيهم عامل الدهر حقبة | كانهم في كف لاعبه نرد |
وكم رفعت فيك المساواة راية | تفيأ دهراً ظلها الحر والعبد |
وقد غرسوا فيك الاخاء فغرسه | وئام ومن اشجاره اثمر الود |
ومجلس حزب العاملين بحكمة | يدير شؤون الحزب طراً ويعتد |
وكم زان منك الجيد فضلاً ونائلاً | مليك له في عصره الحل والعقد |
حميد حليف المجد والفضل من له | بارضك رفد ليس يشبهه رفد |
وكم ولي الاحكام من متصرف | حكيم له من حزمه والنهى جند |
فداود ذو الايدي الذي اطردت به | امور وللاحداث في بأسه طرد |
بدا كرم في عهده وهو مصلت | حساماً صقيلاً لم يثلم له حد |
وبعد قتال دام بضعة اشهر | ومن رأي ذا برق ومن بأس ذا رعد |
تغلب داود عليه بجيشه | لذلك قد كان الجزاء له البعد |
ونصري فرنقو كان بالعدل حاكماً | كأن ملاكاً ضم من شخصه البرد |
روى رستم بالبأس صولة رستم | ومن هيبة صم الصفا منه ينقد |
هو السيف بل امضى من السيف عزمه | وليس له الا النهى والعلا غمد |
وقد كان واصا حازم الرأي باسلا | فقد كان يخشى بأسه الاسد الورد |
وكم شام من نعوم بارق نعمة | لقد كفلت الا يغيبه اللحد |
وسقيا لقبر ضم جسم مظفر | ففيه ثوى المعروف والكرم الجعد |
وكان له في عهد يوسف حاكم | به المجد موصول به الامن ممتد |
وقد كان اوهانيس غراً ولم يكن | لازر العلى في عهد دولته شد |
ففي عهده للسلم غاضت مواردٌ | تطيب وللحرب الضروس بدا وقد |
فكم محنة اقصت عن الام نجلها | وكم مقلة اذ ذاك قرحها السهد |
وكم ذاب قلب من جواه وحزنه | وكم ضربة من هولها شابت الولد |
فجاء رضى باشا وقد كان ظله | ظليلاً على كل الاماكن يمتد |
وسيرته بين الورى لم يكن لها | اذا سئلوا عنها سوى مدحها رد |
وكانت فينا مصدراً لمصائب | توالت على الدنيا وليس لها عد |
حروب طوال لم يكن قط مثلها | حروب بها الاموال تفقد والمجد |
مضت سنوات اربع لشبوبها | وكل نهار من دجى الليل مسود |
وكم من ملوك انزلوا عن عروشهم | كأنهم في الكون ما وجدوا بعد |
وفيها جمال ساد في القطر كله | وكان غشوماً لا يطاق له صد |
اقام على الاعواد رهطاً افاضلا | وكانت خيول الظلم في قطرنا تعدو |
واجلى عن الاوطان قوماً لنبلهم | كأن عليه كل ذي شرف يعدو |
وكم بز اموالاً وارمل نسوة | كان دماء الناس في فمه قند |
وجاء منيف حينذاك وعهده | بدا فيه في لبناننا البؤس والمد |
فعم الجراد الارض والجوع قد فشا | فكان به من ذخر ابائنا جرد |
وقد كانت الاديار في كل بقعة | ملاجئ والارزاء ليس لها حد |
وكان غريغوري لدى القحط باسطاً | يد البذل وهو الغوث للناس والرفد |
وانشأ للعافين عواد مطعماً | لهم كان موفوراً به الرزق والنقد |
وبالنجمة البيضاء كم من بليةٍ | عدتك وشابت فيك من هولها المرد |
وليس منيف بالاذى متفرداً | فان رجال الشر ساعده شدوا |
احاطوا به مثل السوار بمعصم | وليس لما تبغي ظباؤهم رد |
ويتلوه اسمعيل حقي وقد مشى | على مبداءٍ لا ميل فيه ولا ادُّ |
وممتاز بالاموال فر فانه | كما شهدت اعماله الرجل الجحد |
وارواد كانت مورد الرزق للألى | يلين على بلواهم الحجر الصلد |
وبولس عقل كان المرزق جالباً | وقد خبأته في عرائنها الاسد |
ومذ جاء النبي بجيش عرمرم | ورزق جزيل كاد يكتمل القصد |
ولا قاهم لبنان والبشر طافح | وكان بهم للترك من ارضنا كرد |
وقد قام بين الترك اذ ذاك قائدٌ | يزيد على صرف الزمان ويشتد |
هو المصطفى الغازي اتاتورك من غدت | تصون لوائيه المثقفة الملد |
فكان بما يبغيه للترك فائزاً | وكان جزا اعلام اعدائه الخضد |
وباسم فرنسا جاء بيكو مبشراً | بلاداً لها في قلبها استحكم الود |
وبيكو بنو لبنان يدرون انه | هو الساعد الاقوى للبناء والزند |
وكان له من دام اقوى مساعد | وخير صديق صادق قوله سدُّ |
ومن بعد بيكو جاء غورو مجردا | حساماً له من صادق العزم افرند |
وسار الى باريس وفد برأسه | الحويك بالرأي المسدد يعتد |
فامضى كليمنصو له الصك قائلا | ثقوا ليس من ادراك غايتكم بد |
وقد اعلنوا في شهر ايلول انه | استقل ورسم الارز للدولة البند |
وولوا عليه حاكماً ذا دراية | ترابو الذي في الناس ليس له ند |
تولى وفي لبنان ليس له ضد | وولى وفي لبنان ليس له خمد |
وسن له روبرت ده كه شرائعاً | اصاب بها لبنان العسف والبد |
وفي الشام قد قامت لفيصل دولةٌ | فكانت كمثل الرمح في الظل يمتد |
اراد لها غورو بقاءً بالفةٍ | فعافت ولاءً وارتعى صدرها الحقد |
فجرد غورو سيفه لقتالها | فبددها غورو وادركها الاد |
وبتنا نحيي فيه عهداً مجدداً | وقلنا بغورو اليوم ثم لنا الوكد |
ولكن هي الايام لا عهد عندها | فكم ضاع في اصلاح فاسدها وكد |
وكم كونفرس قد اقاموا ودون ما | يتوق اليه الكون قد وقف الصد |
بحجة ان الحرب لم تلق وزرها | ترى أفهذي الحرب ليس لها حد |
وهل لملوك الارض ان يرحموا الورى | فاوشك ركن الصبر في الكون ينهد |
فان لم يكن للناس حول وقوة | لدرء الردى عنهم فالسنة لد |
ولو لم يجئ لبنان اذ ذاك مصلتاًٍ | حساماً صقيلاً ذو البسالة ويغند |
ولو لم يقم في الحال للخطب مسرعا | لما كان يصفو فيه حال ويستد |
وبعد ترابو جاء ابوار نائباً | وابوار شهم حازم عاقل هد |
ولكنه ما طال فيه زمانه | وفيه لكيلا بعده ابتسم الجد |
فخف بنو لبنان من كل جانب | اليه وكان الوفد يتبعه الوفد |
فقابلهم باللطف والبشر واعداً | بتحقيق ما راموا وقد اثمر الوعد |
وعهد سرايٍ بعد ما صار صافياً | وكاد به يحلو لذي ظماءٍ ورد |
لقد صار في حوران عهدٌ مكدرُ | وفي الشام عهد لم يكن مثله عهد |
فكم قتلوا فيها بريئاً ودمروا | بناؤكم في الموبقات يداً مدوا |
وكم نكبة في حاصبيا وكوكبا | وراشيةٍ عن عدها قصر العد |
ومرج عيون كم بها من مهدّم | وكم واحد منها أُريق له رفد |
لقد عمت الفوضى وذابت نفوسنا | وباب الرجا في اوجه الناس منسدُّ |
ولما اتى جوفنيل يمشي بتؤدة | وفي يده صاب وفي اختها شهد |
تبسم لبنان وضاءت بجلقٍ | منازلها مذ لاح كوكبه السعد |
وقام يرد الخطب عنا يساعد | قوي على دفع العظائم يشتد |
وان وعرت طرق العلا قبل عهده | ففي عهده فوق المجرة تمتد |
وعاد دريفي مثلما كان سابقاً | برأي سديد ما على امره رد |
ونوابنا ان حقق القول فعلهم | بدولة لبنان لهم وجب الحمد |