حمائم الأيك هيجتن أشجانا
مدة
قراءة القصيدة :
4 دقائق
.
حمائم الأيك هيجتن أشجانا | فليبك أصدقنا بثا وأشجانا |
كم ذا الحنين على مر السنين أما | أفادكُنَّ قدِيمُ العهدِ نِسياناً |
هل ذا العويل على غير الهديل وهل | فقيدكُن أعزُّ الخلقِ فقدانا |
ما وجدُ صادحة ٍ في كلّ شارقة ٍ | تُرجّعُ النَّوحِ في الأفنان ألحانَا |
كما وجدتُ على قَومي تخوَّنَهم | ريبُ المَنونِ ودهرٌ طَال ما خَانَا |
إذا نهى الصبر دمعي عند ذكرهم | قال الأسى : فض وجد سحا وتهتانا |
قالوا: تأس وما قالوا بمن وإذا | أفردتُ بالرزء ما أنفك أسوانا |
ما حدثتني بالسلوان بعدهم | نَفسي، ولا حانَ سُلوانِي ولا کنَا |
ما استدرج الموت قومي في هلاكهم | ولا تخرَّمَهمْ مَثْنى ووُحدانَا |
فكنت أصبر عنهم صبر محتسب | وأحمل الخطب فيهم عز أو هانا |
وأقتدي بالورى قبلي فكم فقدوا | أخاً، وكم فارقُو أهلاً وجيرانَا |
لكن سقب المنايا وسط جمعهم | رغا فخروا على الأذقان إذعانا |
وفاجأتهم من الأيام قارعة | سقتهم بكؤوس الموت ذيفانا |
ماتُوا جميعاً كَرجعِ الطَّرِف، وانقرضُوا | هل ما ترى تارك للعين إنسانا |
أعزز علي بهم من معشر صبر | عند الحفيظة إن ذو لوثة لانا |
لم يترك الدهرُ لي من بعدِ فقدِهمُ | قلباً أُجشِّمُه صبراً وسُلوانَا |
فلو رأوني لقالوا: مات أسعدنا | وعاشَ للهمِّ والأحزانِ أشقانَا |
لم يترك الموتُ منهم من يُخبرِّني | عنهم فيوضح ما لاقوه تبيانا |
بادُوا جميعاً، وما شَادُوا، فوا عجباً | للخطب أهلك عماراً وعمرانا |
هذي قصورهم أمست قبورهم | كذاكَ كانوا بها من قبلُ سُكَّانَا |
ويح الزلازل أفنت معشري فإذا | ذكرتُهم، خِلتُنِي في القوم سَكرانَا |
بَنِي أبِي، إن تَبيدُوا، أن عَدا زَمنٌ | عليكم دون هذا الخلق عدوانا |
فلن يَبيدَ جوَى قَلبي ولا كَمَدِي | عليكم أو يبيد الدهر ثهلانا |
أفسدتم عمري الباقي علي فما | أنفك فيه كئيب القلب ولهانا |
أُفردتُ منكمُ، وما يَصفُو لمنفردٍ | عيش ولو نال من رضوان رضوانا |
فليتني معهم أوليت أنهم | بقوا وما بيننا باق كما كانا |
لقيتُ منهم تبَاريحَ العُقوقِ، كَما | لقيتُ من بَعدهِم همّاً وأحزَانَا |
لولا شَماتُ الأَعادي عند ذكرِهِمُ | لغادرت أدمعي في الأرض غدرانا |
أَرُدُّ فَيضَ دُموعي في مَسالِكِها | فتستحيل مياه الدمع نيرانا |
لا ألتقي الدهر من بعد الزلازل ما | بقيت إلا كسير القلب حيرانا |
أخنت على معشري الأدنين فاصطلمت | منهم كهولاً، وشبّانا، ووِلدانَا |
كم رامَ ما أدركتْهُ منهمُ مَلِكٌ | فعاد باليأس مما رام لهفانا |
لم يحمهم حصنهم منها ولا رهبت | بأساً تَناذَرَه الأقرانُ أزمانَا |
أتَاهُم قَدرٌ لم يُنْجِهم حذرٌ | منه، وهل حَذرٌ مُنجٍ لمن حَانَا |
إن أقفرت شيزر منهم فهم جعلوا | منيعَ أسوارِهَا بيضاً وخُرصاناً |
هم حموها فلو شاهدتها وهم | بها، لشاهدتَ آساداً وخَفَّانَا |
كانوا لمن خاف ظلماً أو سطا ملك | كهَفاً، وللجانِي المطلوبِ جِيرانَا |
عَلَوْا بمجدِهمُ سيفَ بنَ ذي يَزَنٍ | كما علت شيزر في العز غمدانا |
كانوا ملاذاً لأيتام وأرملة | وبائس فاقد أهلاً وأوطانا |
إذا أتيتَهمُ ألفيتَ شطرَهُم | مسترفدين وزواراً وضيفانا |
تراهُمُ في الوغَى أُسداً، ويومَ نَدى ً | غيثاً هتوناً، وفي الظلماء رهبانَا |
حاولت كتمان بثي بعد فقدهم | فلم يطق قلبي المحزون كتمانا |
لعل من يعرف الأمر الذي بعدت | بَعدَ التَّصاقُبِ من جرَّاهُ دَارانَا |
يقولُ بالظَّنِّ، إذ لم يَدر ما خُلقِي | ولا محافظتي من حان أو بانا |
أسامة لم يسؤه فقد معشره | كم أوغرُوا صَدرَه غيظاً وأضغاناً |
وما درَى أنَّ في قلبِي لفقدِهمُ | ناراً تلظى وفي الأجفان طوفانا |
بنو أبي وبنو عمي دمي دمهم | وإن أروني مناواة ً وشنآنا |
كانوا جناحي فحصته الخطوب وإخـ | ـي، فلم تُبقِ لِي الأيّامُ إخوانَا |
كانوا سيوفي إذا نازلت حادثة | وجنتي حين ألقى الخطب عريانا |
بهم أصولُ على الأمرِ المهولِ، إذَا | عرا وألقى عبوس الدهر جذلانا |
فكيف بالصبر لي عنهم وقد نظموا | دمعي على فقدهم درا ومرجانا |
يطيب النفس عنهم أنهم رحلوا | وخلَّفونِي على الآثارِ عَجلانَا |
سقى ثرى أودعوه رحمة ً ملأت | مثوى قبورهم روحا وريحانا |
وألبس الله هاتيك العظام وإن | بلين تحت الثرى عفواً وغفرانا |