أرَقٌ وغَرَق !
مدة
قراءة القصيدة :
3 دقائق
.
ناشدتُكِ اللهَ أنْ تُصغي لأحداقي | كي تَسمعي قِصةً عن جيلِ عُشّاقِ |
وعن سماءٍ إذا ما أظلمَتْ حِقَباً | هَلَّتْ أهِلَّتُها من وحي أوراقي |
وهَدْهَدَتْ رئتي من لهفةٍ سُحُباً | فهل رأيتِ عُلُوَّاً رهنَ أعماقِ ؟ |
كيف التقينا لساعاتٍ وفَرَّقَنا | داعي الوداعِ ولاقانا كسَبّاقِ !؟ |
ساءلتِ عن عودتي : كيف انتهتْ ؟ لغتي | أَوجُ انتصارٍ وروحي أَوجُ إخفاقِ ! |
فيمَ اشتياقُكِ للهجرانِ ثانيةً ؟ | وما احتوتْ كأسُهُ الأُولى لِتشتاقي !؟ |
سهرانُ لا أبتغي نوماً لأنَّكُمُ | ما عدتُمُ غيرَ دمعٍ شاءَ إغراقي ! |
يا أنتِ او أنتَ , ترياقاً غدا أَرَقي | حيناً وبعضُ سمومٍ مثلُ ترياقِ ! |
فلو أتيتَ على مَتنِ الشذا لترى | فاعْجَبْ لِقَلبٍ هنا حَيٍّ وخفّاقِ ! |
قد ذبتُ قد ذبتُ إذْ لم يبقَ مني سوى | بُقيا فتىً فاقتربْ أضمنْ لكَ الباقي ! |
وإنْ خَشيتَ بلاداً لم تزلْ وَلَهاً | غَيرَى عليكَ فميلادي هو الواقي ! |
أنا ابنُ دجلةَ مصهورٌ وبُوتقتي | أمسٌ , ذراعاهُ مِن كِبْرٍ وإملاقِ |
عندي مصائبُ دهرٍ , في شعائرها | أهرقتُ خمراً وعُمراً أيَّ إهراقِ ! |
نَظَمْتُ أسطعَ ما في النفس من شُهُبٍ | وجِئتُكُمْ راسِماً جَنّاتِ خَلاّقِ |
نَضا نسيمُكِ ما في الريحِ من صَدَأٍ | فكان نُطقُ الهوى من دونِ إنطاقِ |
مالي حَسِبتُ بأني تاركٌ وطني | لَمّا دخلتُ , ودمعي مَشهدٌ راقِ !؟ |
حزنُ البساتين كهلٌ عند مَن نظروا | يربو على السَّعْفِ , ذو ماضٍ كآفاقِ ! |
هو الحكيمُ مُقيمٌ وسطَ مجلسهِ | والنجمُ منتثرٌ حَبّاتِ سُماقِ ! |
ما الضيرُ ؟ فالمُرتجى مياسمُ ارتعشتْ | بالرعد , بالوعد تُغري أيَّ توّاقِ |
والناس في دَعَةٍ كانت ستألفُهم | كأنها العُرسُ لولا حشدُ سُرّاقِ ! |
لا يَأخُذَنَّكِ شَكٌّ , تلكَ ساحتُنا | سخطٌ على مُثُلٍ تنمو بأنفاقِ ! |
ناشدتُكِ الضوءَ والضوعَِ اللذَينِ هُما | غناؤكِ الثرُّ مَرسى كلِّ أذواقِ |
لا تكشفي الجرحَ او غَنّي له بصباً | حمامةُ الأيكِ لم تبرحْ على الطاقِ ! |
يا مَن يرومُ انشراحاً , سِرْ فقد شَرِقَتْ | بغدادُ ليسَ بِرِيقٍ بلْ بأسواقِ ! |
أنا ابنُ دجلةَ ما انداحتْ أضالعُها | موجاً دعاكِ ولا مَنجىً بأطواق ِ! |
غَطّى على مَشرقِ الأورادِ مَغربُها | ولي قناديلُ من صمتٍ وإطراقِ |
وإنني مثلُكِ المشدوهُ من وطنٍ | ما كان لولا مآسيهِ بإطلاقِ ! |
قامتْ عليه مَقاماتُ العصورِ وفي | شَدٍّ ولِينٍ وترطيبٍ وإحراقِ ! |
لكنْ رهاني على عنقاءَ من لهبٍ | كأنه أبداً دَينٌ بأعناقِ ! |
أعراقُ شعبيَ تبقى حُصنَ تُربتِها | حتى وإنْ أصبحتْ أفواجَ أعراق ! |
أنا ابنُ دجلةَ , ألوانٌ قلادتُها | مِن كلِّ دُرٍّ كريم الأصلِ بَرّاقِ |
فإنْ تَزُرْهُ يَلُحْ مِن فرط غبطتِهِ | كأنه ناسكٌ في حال إشراقِ |
وكلُّ مَن سابقوا مجدَ الفراتِ مَدىً | أصيبوا - مِن قبلِ أنْ يَعدوا - بإرهاقِ ! |
وكم نُغالي بصمتٍ حينَ نُنْشِدُهُ | وماؤهُ والغوادي رِمْشُ إبراقِ !؟ |
إنْ غبتُ حيناً عن الأعذاق في وطني | وأنتِ قربيَ فالأقمارُ أعذاقي |
حريتي الحُبُّ , لو لم يَختضِبْ بدمي | لكنتُ يا قِمَمي أَولى بإشفاقِ ! |
حَسْبي , وقد أَذَّنَ الديكُ البشيرُ ضُحىً , | ضحىً دَهاني بلحنٍ عنك دَفّاقِ |
فَلْتَرْتَدِعْ غُربتي ما دمتُ أقطعُها | بالحُبِّ والشِّعرِ حتى مَقْدَمِ الساقي ! |