كانوا هنا .. |
كبيادر الفوضى و أنهار الضجيج .. |
و غادروا .. |
لم تبق منهم غير رائحة الفراغ .. |
و بعض لون باهت خجل بُعَيد المهرجان. |
تتسلق الذكرى على أسوار روحي .. |
و المكان . |
كانوا هنا .. |
نبْعَ الكلام على شفاه الليل.. |
و التسبيحة البكرالتي تعلو لوجه الله دون معوّقات.. |
ثم غابوا في ثوانْ |
فوق المقاعد و الوسائد و الدفاتر و الأواني .. |
ماتزال عطورهم تنسل في وهج التشوق و احتضان الأفق و الذكرى.. |
و أروقة الزمان . |
*** *** *** |
مشت الحياة بكل ما تركوه بعد رحيلهم .. |
فحذاؤها يمشي .. |
و لعبته تكاد إذا نظرت لها تقوم.. |
و رسومها تحكي .. |
و لون قميصه يخبو و يبرق كالنجوم . |
و كؤوسهم ما بين مملوء و نصف .. |
تستدير على الشفاه.. |
وصوت رشفتهم .. |
يرن كلحن ناقوس الأحد.. |
فأخال أن رحيلهم كذبٌ.. |
و أبحث في الزوايا و المكامن و التخوم . |
لكن هذا الصمت يخذلني.. |
و يشنق فكرتي .. |
و يقول لي : ÷هدأ فقد رحلوا .. |
و حاول أن تمزق غيمة الدمع .. |
وثرثرة الهموم . |
في ضفة الإسمن ها ضحكاتهم .. |
تعلو و تصمت باختفاء .. |
و على زوايا العين بعض رسومهم و صراخهم.. |
تحكي .. تحاول أن تحرر صوتها.. |
و على بطاح الشوق زغرد قمحهم و نشيدهم للارتواء .. |
فهَمَتْ غيوم الدمع تشخب ماءها .. |
و تهدّل العمر الحزين.. كغصنِ زيتونٍ تثاقل .. |
قبل أن يسودَّ من برد الشتاء . |
الصمت سيد منزلي من بعدهم .. |
عبثا تحاول كسر حاجزه و رهبته.. |
محاولة البكاء . |
كانوا هنا ، كانوا هناك ، كانوا لألحاني الغناء . |
*** *** *** |
أغرتك لمعة كاذب البرق و أصات الرعود.. |
فقلتَ : أصبر بعدهم.. |
فارقتهم .. |
لم تدرِ أن الروح لو خرجت محالٌ أن تعود . |
يا أيها المصلوب وحدك فوق سارية الرحيل .. |
ذقْ، إن مسمار الفراغ يشق صدرك.. |
و النوى جعلت شموخك.. |
مثل أحذية الجنود. |
هجرت نوارسُك اليتيمة ساحة الذكرى.. |
فقلت لها: اسملي عيني و طيري نحوهم .. |
فعسى تلملم من بقايا دمنة الأحباب مكحلة الوليد. |
ماأكذب الشعراء لو يتوهمون.. |
بأنهم سبب ارتحال الليل.. |
أو تكبيرة الفجرِ الجديد. |
هم عند وقت الحزن أضعفُ من عصافير البيوت.. |
إن لم تجدْ بشرا يحوّم حولها .. |
صمتت و ظنت أنها للمرة الأولى.. |
يطوّقها الحديد . |
*** *** *** |
لهم الصباح و غمز جفن الليل.. |
و الصمت الذي فتح الجروح . |
و لي الحنين و كل ما في الحبمن وجعٍ.. |
و حرمانٍ و تهديم الصروحْ. |
الوجد أن تهوى و ينساك الذين تحبهم .. |
و الحب أن تبكي و يضحك من تسبب بالبكاء.. |
و نشوة اللقيا بأن تغدو إليها .. |
و هي – في صمت – تروحْ. |
فأحس ساعتها بأن خيول جند الله تعدو في العروق.. |
وأن بابل علمتني من فنون السح ما يكفي .. |
لجعل الليل يترك طائعا جلبابه.. |
و الذئب يعشق شاته .. |
و مراكب الدنيا تخاف من الجنوحْ . |