ألا هكذا في الله تمضي العزائم
مدة
قراءة القصيدة :
9 دقائق
.
ألا هكذا في الله تمضي العزائم | وتمضِي لدى الحربِ السّيوفُ الصّوارمُ |
وتُسَتَنْزَلُ الأعداءُ مِن طَودِ عزِّهم | وليس سِوى سُمرِ الرِّماحِ سَلاَلم |
وتُغزَى جيوشُ الكُفرِ في عُقرِ دَارها | ويوطا حماها والأنوف رواغم |
ويوفي الكرام الناذرون بنذرهم | وإن بذلت فيه النفوس الكرائم |
نذرنا مسير الجيش في صفر فما | مَضى نصفُه، حتى انْثَنى وهو غَائِمُ |
بعثناه من مصر إلى الشام قاطعاً | مفاوز وخد العيس فيهن دائم |
ونَاهيكَ مِن أرضِ الجِفارِ إذا التَظَى | بجنبيه مشبوب من القيظ جاحم |
وصارَت عُيون الماءِ كالعَينٍ عِزَّة ً | إذا ما أتَاهَا العسكُر المتزاحمُ |
فما هاله بعد الديار ولا ثنى | عزيمتَه جَهدُ الظَّما والسَمائِمُ |
يهجر والعصفور في قعر وكره | ويَسرى إلى الأعداءِ، والنِجمُ نَائِمُ |
إذا ما طَوى الراياتِ وقْت مَسيرِه | غَدت عوضاً منها الطّيورُ الحَوائِمُ |
تباري خيولاً ما تزال كأنها | إذا مَا هيَ انْقضَّت نُسورٌ قَشاعِمُ |
فإن طلبت قصداً تساوين سرعة ً | قوادمُها في جوِّها والقَوائِمُ |
هي الدُّهمُ ألواناً وصِبغَ عَجاجَة ٍ | فإن طلبت أعداءها فالأداهم |
تُصاحبها علماً بأن سوف نَغتدِي | بها ولها في الكافرين مطاعم |
كما أنَّ وحشَ القَفرِ ما زال منهمُ | مدَى الدّهرِ أعراسٌ لهُم وولائِمُ |
خيول إذا ما فارقت مصر تبتغي | عدى ً فلها النصر المبين ملازم |
يسير بها ضرغام في كل مأزق | وما يصحب الضرغام إلا الضراغم |
ورفقته عين الزمان وحاتم | ويحيى وإن لاقى المنية حاتم |
مضى طاهر الأثواب من كل ريبة | شهيداً، كما تمضي السَّراة ُ الأكارِمُ |
هنيئاً له يسقى الرحيق إذا غدت | تحييه في الخلد الحسان النواعم |
ولو أننا نبكي على فقد هالك | لقلَّت له منَّا الدّموعُ السَّواجِمُ |
ولكننا بعنا الإله نفوسنا | ورحنا وما منا على البيع نادم |
تهونُ علينَا أن تُصاب نفوسُنا | إذا لم تصبنا في الحياة المآثم |
وما خام إذ لاقى همام وصنوه | عشية َ أصواتُ الرجالِ هَمَاهِمٌّ |
وبرقية شاموا السيوف فلم يعش | لبارقها في ساحة الشامِ شَائِمُ |
وأفناء جند لو توجه جمعهم | لرومية جالت عليها المقاسم |
وجمع مماليك بأفعالنا اقتدوا | فكلُّهمُ بالطّعنِ والضربِ عالِمُ |
وسِنْبِسُ قد شادُوا المعاليِ بفعلهم | وليس لهم إلا العوالي دعائم |
وثَعلبة ٌ أضَحْوا بنا قد تأَسَّدُوا | فما لهُم في المشركين مُقَاوِمُ |
وإنّ جُذاماً لم يزل قطُّ منهمُ | قدِيماً لحِبلِ الكُفر بِالشّامِ جاذِمُ |
جيوشٌ أفدنَاها اعتزاماً ونجدة ً | فطاعننا منهم ومنا العزائم |
إذا ماأثاروا النقَّع، فالثغُر عابسٌ | وإن جرَّدوا الأسيافَ فالثغرُ باسمُ |
ولمّا وَطُوا أرضَ الشاڑم تحالَفت | فأضحْت جميعاً عُربُها والأعاجمُ |
وواجهَهُمْ جمعُ الفرنجِ بحملة ٍ | تهونُ على الشُّجعانِ منها الهزائِمُ |
فلقوهم رزق الأسنة وانطووا | عليهم فلم ينجم من الكفر ناجم |
وما زالت الحرب العوان أشدها | إذا ما تَلاقى العسكرُ المتَصَادِمُ |
يشبههم من لاح جمعهم له | بلجة بحر موجها متلاطم |
وحسْبُكَ أن لم يبقَ في القومِ فارسٌ | من الجيشِ إلاّ وهو للرّمحِ حَاطِمُ |
وعادُوا إلى سِلّ السيوفِ؛ فقطِّعَتْ | رؤوس وحزت للفرنج غلاصم |
فلم ينج منهم يوميذاك مخبر | ولا قيلَ: هذا وحدَه اليومَ سَالِمُ |
كذلِكَ ما ينفَكُّ تُهدَى إلى العِدَا | وللوحشِ أعراسٌ لهم وماڑتمُ |
وتسري لهم آراؤنا وجيوشنا | بداهية ٍ تبيضُ منها المقَادِمُ |
نقتلهم بالرأي طوراً وتارة ً | تدوسُهُم منا المَذاكي الصَّلادِمُ |
وما العازم المحمود إلا الذي يرى | مع العَزمِ في أحوالِه، وهو حَازِمُ |
وقد غَرَّق الكفَّارَ منه بقطْرَة ٍ | سحاب انتقام عندنا متراكم |
فكيفَ إذا سالَت عليهم سُيولُنا | وجاشَت لنا تلك البحارُ الخَضَارِمُ |
وما نحن بالإسلام للشرك هازم | ولكننا الإيمان للكفر هادم |
فقُولوا لِنور الدّين، لا فُلَّ حدُّه | ولا حكمت فيه الليالي الغواشم |
تجهَّزْ إلى أرضِ العدوِّ ولا تَهنْ | وتُظهرْ فُتوراً أَن مَضت منك حَارِمُ |
فما مثلها تبدي احتفالاً به ولا | تُعَضُّ عليها للملوكِ الأباهِمُ |
فعندك من ألطاف ربك ما به | علمنا يقيناً أنه لك راحم |
أعادَك حياً بعد أن زعَم الورَى | بأنك قد لاقيت ما الله حاتم |
بوقتٍ أصابَ الأرضَ ما قد أصابَها | وحلت بها تلك الدواهي العظائم |
وخيم جيش الفكر في أرض شيزر | فسيقت سبايا واستحلت محارم |
وقد كان تاريخ الشآم وهلكه | ومن يحتويه أنَّه لك عًّادمُ |
فقم واشكر الله الكريم بنهضة | إليهمْ، فشكرُ اللّهِ للخلق لاَزِمُ |
فنحن على ما قد عهدت نروعهم | ونحلِفُ جَهداً أنّنا لا نُسالمُ |
وغَاراتُنا ليست تَفَتَّرُ عنهُم | يَسوقُ أساطيلَ الفَرنجِ اليهمُ |
وأسطولُنا أضعافُ ما كان سائراً | إليهم فلا حِصنٌ لَهُم منه عَاصِمُ |
ونَرجو بأن نَجتاحَ باقِيَهم بِه | وتحوى الأسارى منهم والغنائم |
على أنَّنا نِلنا مِنَ المجدِ مَا بِه | نفاخر أملاك الورى ونقاوم |
ولكننا نبغي المثوبة جهدنا | وطاقَتنا، واللّهُ معطٍ وحَارمُ |
ونَختِمُ بالحسنى الفَعال، وإنّما | ترين أعمال الرجال الخواتم |
فمن حاتم ما نال ذا الفخر حاتم | |
وصَلتَ، فأغنيتَ الأنامَ عن الحيَا | وصُلْتَ؛ فخافَت من سُطاك الصَّوارِمَ |
وجدت على بخل الزمان فأين من | نداك السكوب المستهل الغمائم |
تكفلت للإسلام أنك مانع | حماه مبيح ما حمى الكفر هادم |
فأصبحت ترعى سرحه بصريمة | من العزْمِ، لم تبلُغ مَداها العَزائمُ |
وأيدته بالعدل والبذل والتقى | وضرب الطلى والصالحات دعائم |
فعدل مزيل كل ظلم وجوده | وجود مذيل ما تصون الخواتم |
رميت العدا بالأسد في أجم القنا | على الجُرد، تقتادُ الرَّدى وهو رَاغِمُ |
بمثلِ أتِيِّ السّيلِ، ضاقَ به الفَضَا | وضَاق على الأعداءِ منه المخَارمُ |
يُبارِين شُهبَ القَذِفَ يَحمِلن مثلَها | من الحَتْف، للباغي الرّجيم رَوَاجِمُ |
سرايَا كَموجِ البحرِ، في لَيلِ عِثْيرٍ | بِه مِن عَوالِيهِمْ نجومٌ نَواجِمُ |
تسيرُ جيوشُ الطَّير فوق جيوشِها | لها كل يوم من عداها ولائم |
فإن خَفَضَ الفُرسانُ للطَّعنِ في الوغَى | رِماحَهمُ انقضَّت عليها القَشاعِمُ |
تعرَّض منها فَوق غزَّة عارِضٌ | سحاب المنايا فوقه متراكم |
فللَّنقعِ سُحبٌ، والسيوفُ بوارقٌ | وللدم وبل والنبات جماجم |
بوارق منها الغوث لا الغيث يرتجى | أشائم لا يروى بها الدهر شائم |
فليس لراج غير عفوك ملجأ | وليس لعاص لم ينب منك عاصم |
تنزهت عن أموال من أنت قاتل | فقد جُهلَتْ بين الجيوشِ المقَاسِمُ |
فنهبك أرواح تنفلها الظبا | وسُمرُ العَوالِي، والبلادُ مغانِمُ |
فلا مورد إلا يمازجه دم | ولا مرتع إلا رعته المناسم |
فسيفُك للخصمِ المعانِدِ خاصِمٌ | وعدلُك للشكْوى وللجَور شَاكُمِ |
خلطتَ السُّطَا بالعَدل، حتّى تألَّفَتْ | أسود الشرى والمطفلات الروائم |
يشن أبو الغارات غارات جوده | على ماله وهوالمطيع المسالم |
ويبعثها شعث النواصي كأنها | ذئاب الفلا تردي عليها الضراغم |
تلظ بأرض المشركين كأنها | صواد إلى ورد حوان حوائم |
فَويح العِدَا من بأسها، إنما سرَى | إليها ولم تشعر ردى وأداهم |
فهمُ جُزُرٌ للبيضِ، والبيضُ كالدَّمَى | سبايا تهادى والبلاد معالم |
غزوتَهمُ في أرضِهم وبلادِهْم | وجحفلُهُم في أرضها مُتزَاحمُ |
فأفنيتَهم قَتْلاً وأسرا بأسرهِم | فناجيهم مستسلم أو مسالم |
فلمَّا أبادتهُم سيوفُك، وانجَلت | عن الأرضِ منهمْ ظُلمة ٌ ومظالِمُ |
غروتهم في البحر حتى كأنما الـ | أساطيل فيه موجه المتلاطم |
بفرسان بحر فوق دهم كأنها | على الماء طير ما لهن قوادم |
يصرِّفُها فُرسانُها بأعنَّة ٍ | جرت حيث لم توصل بهن الشكائم |
إذا دفعوها قلت: فرسان غارة | سروا بجياد ما لهن قوائم |
دماؤهم في البحر حمر سوائح | وهامهم في البر سحم جواثم |
فلم يَخفَ في فجٍ من الأرضِ هارِبٌ | ولم ينج في لج من الماء عائم |
وعاد الأسارى مردفين وسفنهم | تُقادُ، كما قاد المهارِي الخَزَائِمُ |
وقد شمر الملكان في الله طالبي | رضاه بعزم لم تعقه اللوائم |
بجد هو العضب الحسام وحده | لعادية الأعداء والكفر حاسم |
وقامَا بنصر الدّين، واللّهُ قائمٌ | بنصرِهما، ما دامَ للسيفِ قائمُ |
وما دون أن يفنى الفرنج وتفتح الـ | ـلادُ، سوى أن يُمضِيَ العزمَ في |
ا مَلِكاً، قد أحمد اللّهُ سعيَه | ونيّتَه، واللّهُ بالسِرِّ عالِمُ |
تَهنَّ ثناءً، طبَّق الأرضَ نَشرُه | هو المسك لا ما ضمنته اللطائم |
ثناءً به يحدو الحداة وينشد الـ | ـرواة وتشدو في الغصون الحمائم |
يسير مع الركبان أنى تيمموا | على أنه في ساحة الحي هاجم |
أميرَ الجيوشِ، اسمَع مقالة َ بائِح | بشكركَ، يُبدي مثلَ ما هو كاتِمُ |
بِفَضْلِك اڑلَى صادقاً، إنَّ فكرَه | لعاص له في نظم ما هو ناظم |
كأن بديعي شعره وبيانه | حروف اعتلال والهموم جوازم |
على أنه كالصم صبراً وقسوة ً | تحز المدى في قلبه وهو كاظم |
فما يَعرف الشَّكوى ولا يَستكينُ للـ | ـخُطوبِ، ولا تُوهى قواهُ العَظائِمُ |
ولو كان سَحباناً أجرَّ لسانَه | ألا هكذا في الله تمضي العزائم |
هيَ السّحرُ، لا ما سارَ عن أرض بابلٍ | هي الدّرُّ، لا ما ألَّفته النَّواظِمُ |
فريدة دهر للقلوب تهافت | علَيها، وللأَسماعِ فيها تَزاحُمُ |
إذا أُنشِدَتْ في مَحفل قال سامعٌ: | أنفَثة سِحرٍ، أم رُقًى ، وتمائمُ |
ولولا رجاء الصالح الملك الذي | بدولَته الدّهرُ المقطِّبُ باسِمُ |
وأنِّي أُمَنِّي النفسَ لثْمَ بنانِه | وما كانَ قبلِي للسحائبِ لأُثمُ |
ففيها مَنايا للأَعَادِي قَواصِمٌ | وفيها بحارٌ للعطايا خَضَارِم |
وحطي رحال الشكر عني ببابه | بحيثُ اعْتِدَا الآمالِ في المالِ حَاكِمُ |
ويعجب مني الناس حت يقول من | رآني إلى الجنات قد عاد آدم |
قضيت لبعدي عن ذراه ندامة ً | ولا عجبٌ إن ماتَ بالهمِّ نَادِمُ |
أتتك ابنة ُ الفِكر الحسيرِ؛ وإنَّها | تسيرُ مَسيرَ البَدْر، والليلُ عَاتِمُ |
بمدْحٍ بديعٍ من وليٍّ مُمَدَّحٍ | جَديرٍ بأن يُغْلى به السَّومَ سائِمُ |
تَسومُ جميلَ الرأى ، لا المالَ، إنَّه | بذولٌ له فيما قضَتْه المكارِمُ |
تَضمَّنُ روضاً، زهرُه مدحُ مجدك الـ | ـعَليِّ، وأوراقُ الكّتابِ كَمائمُ |
فدُمتَ، ودامتْ هالة ٌ، أنت بدرُها | ومُلْكُكَ، ما كَّر الجديدانِ، دَائمُ |