وَدَعاً نازك الملائكة
مدة
قراءة القصيدة :
3 دقائق
.
نأى الفُراتُ فَهَبَّ النيلُ مُقتَرِبا | يُقَبِّلُ الشِّعرَ في عَينيكِ و الأدبا |
و عُلِّقَت بابلٌ في ظِلِّ دَاليةٍ | فَعَلَّقَت طِيبةٌ في صَدركِ العِنَبا |
جاءت بهيةُ و الشرباتُ في يَدِها | و خلفها العَمُّ حِفْني يَعصُرُ القَصَبا |
و عِرقُ سُوسٍ يَرشُّ الدَّربَ مُبتهِجاًُ | و صِبيةٌ تَنثرُ الأصواتَ و الشغبا |
كُلُّ الفوانيس كانت غير مُطفئةٍ | و لا تُنيرُ ولَكِنْ تشتهي سَبَبا |
كأنَّ محفوظَ في أولادِ حارتِهِ | شَيخٌ تصابى يُثيرُ المَزْحَ و اللَعِبا |
فطافَ يَروي لصوتِ النيلِ ثَرثرةً | تغري الحرافيشَ و القصرينِ و القِبَبَا |
تَبدو الأزقةُ حَولَ الناسِ ضيقةً | قالوا: أبو الهَولِ فيها مَرَّ مُنتَصِبا ! |
لا تَعجَبنَّ هنا جُمَّيزةٌ حضنت | موسى و عيسى و إبراهيم و العَجَبا |
أمأتمٌ ها هُنا أم أنه فَرَحٌ | أم مَولِدٌ قَد أثارَ الوجدَ و الصَّخَبا |
دَعِ السؤالَ فقد مَرَّ الحسينُ هنا | و خلفه زينبٌ تستمطِرُ السُحُبا |
و صاحَ : اللهُ ، صُوفيٌّ بِسَكْرَتِهِ | اللهُ حَيٌّ ، فخافَ الحزنُ و انسحبا |
ما كان نَعشٌ هُنا بل مَوجةٌ نَزَحت | مِنَ الفُراتِ فلاقت نيلَها الرَحِبا |
أيا مَلاكاً بِه أسرت ملائكةٌ | في العالمينَ و عاشَ العمرَ مُحتجِبا |
تأبى الضفافُ التي أسقيتها وَلَهاً | أنْ يُصبحَ الحُبُّ في الأوطانِ مُغتربا |
كأنَّ رُوحَكِ بالأنهار سابحةٌ | تأجَّجَ الماءُ في كَفّيكِ أم عَذُبا |
كَم شُرِّدَ النهرُ و استعصت مشارِبُهُ | فساحَ في حُلمكِ المأسورِ و انسكبا |
لَنْ يسلبَ الليلُ حُلمَ الفجرِ سيدتي | لو كانَ للكوكبِ المحزونِ مُستَلِبا |
إنْ باتَ جلجامشٌ بالهَمِّ مُكتئباً | مَدَّ السماءَ لَكِ اخناتونُ و الطربا |
يا رَبَّةَ الطُّهرِ إنَّ الطُّهرَ يسألني | عن كُلِّ حَرفٍ بهِ أستوقِدُ اللهبا |
(اغضب أحِبُكَ) عنوان يُأرقني | يا ربة الطهر إني أعشقُ الغضبا |
و كيف لا ، كيف لا، والأرضُ باكيةٌ | تُشيِّعُ المجدَ في عينَيَّ و العربا |
يا رَبةَ الطُّهرِ إن غِبتِ على عَجَلٍ | فما تَعَجَّلَ ذاك النهرُ مُغتَصِبا |
ما كانَ نهراً بَل النهرينِ إنْ عَشِقا | تِلك الضفاف وإن ناما و إن وَثَبا |
لَو جُرِّدا حَولَ هذا الليلِ ما بَقِيَت | مِنَ الظلامِ وُجوهٌ تَزرَعُ الرِّيَبا |
فليمرح الليلُ فالساعاتُ بائعةٌ | وقتاً مِنَ الليلِ لا يستلهِمُ الحِقَبا |