أَلْغَرْسُ غَرْسُكَ أَيُّهَا البُسْتَانِي
مدة
قراءة القصيدة :
3 دقائق
.
أَلْغَرْسُ غَرْسُكَ أَيُّهَا البُسْتَانِي | فَانْظُرْ إلى الثَّمَرَاتِ وَالأَغْصَانِ |
أيُّ الرِّيَاضِ كَرَوْضَةٍ أَنْشَأْتَهَا | فِيهَا قُطُوفٌ لِلنُّهَى وَمجَانِي |
عِلْمُ وَأَخْلاَقٌ وَحُسْنُ شَمَائِلٍ | مِنْ فَاكِهةٍ بِهَا زَوْجَانِ |
نَبَتَتْ نَبَاتاً صَالِحاً وَتَنَوَّعَتْ | زِينَاتُهَا مِنْ حِكْمَةٍ وَبَيانِ |
يَا خَيْرَ مَنْ رَبَّى فَأَتْحَفَ قَوْمَهُ | بِنَوَابِغِ الأَدَابِ وَالعِرْفَانِ |
أَحْسَنْتَ فِي آنٍ إلى هَذّا الْحِمَى | وَإلى سِوَاهُ نِهَايَةَ الإحْسَانِ |
أَلحِكْمَةُ الزَّهْرَاءُ شَادَاتْ مَعْهَداً | مَا زِلْتَ فِيهِ أَثْبَتَ الأرْكَانِ |
وَمِنَ الأُولَى مَرُّوا بِظِلِّكَ أَخْرَجَتْ | نُخَباً يُشَارُ إلَيِهِمُ بِبَنَانِ |
فِتْيَانُهَا فِي الْعَالَمِ العَرَبِيِّ هُمْ | فَخْرُ الشَّبَابِ وَزِينَةُ الْفِتْيَانِ |
أَلْبَطْرِكِيًّةُ فِي زَمَانِكَ نَافَسَتْ | مِنْ عَهْدِهَا المَشْهُورِ خَيْرَ زَمَانِ |
وَبَنُوكَ فِيهَا ذَاكِرُوا أُستَاذِهِمْ | بِالخَيْرِ فِي الإسُرَارِ وَالإعْلاَنِ |
مَا أَجْمَلَ الأَثَرَ الَّذِي خَلَّفْتَهُ | فِيهَا وَأَبْقَاهُ عَلَى الْحِدْثَانِ |
حَسْبِي فَخَاراً أَنَّهَا بِإِنَابَتِي | عَنْهَا تُؤْدِّي شُكْرَهَا بِلِسَانِي |
لِلْغَرْبِ فِي هَذِي الدِّيَارِ مَدَارِسٌ | فَازَتْ بِخَطّ مِنْ جَنَاكَ الدَّانِي |
فَرَدَدْتَ فِي طُلاَّبِهَا مَلَكَاتِهِمْ | عَرَبِيَّةً خَلَصَتْ مِنَ الأدْرَانِ |
آلاَفُ شُبَّانِ أفَادُوا بِالَّذِي | لَقَّنْتَ آلاَفاً مِنَ الشُّبَّانِ |
وَبِبعْضِ مَا أًسْدَيْتَ عظَّ مَقَامُهُمْ | فِيمَا نَأَى وَدَنَا مِنَ البُلْدَانِ |
مِنْ سَفْحِ لُبْنَانٍ تَعَالَى صَوْتُهُمْ | وَصَدَاهُ فِيمَا رَدَّدَ الْهَرَمَانِ |
فِي عُودِ دَوُدَ الَّذِي خَلَبَ النُّهَى | مَا فِيهِ مِنْ ذَاكَ الصَّدَى الرَّنَّانِ |
مَا زِلْتَ مِنْ خَمْسِينَ عَاماً بَانِياً | لِلضَّادِ مَا لَمْ يَبْنِ قَبْلَكَ بَانِي |
فَإذَا نَظَمْتَ فَأَنْتَ أَوَّلُ شَاعِرٍ | وَإذَا نَثَرْتَ فَأيْنَ مِنْكَ الثَّانِي |
صُغْتَ الُقَرِيضَ وَمَنْ يَصُوغُ فَرِيدَهُ | إلاَّكَ صَوْغَ قَلاَئِدِ الْعِقْبَانِ |
لَفْظٌ إِلَى حُسْنِ الْبَدَاوَةِ جَامِعٌ | مَا لِلْحَضَارَةِ مِنْ جَدِيدِ مَعَانِي |
مُتَرَقْرِقُ المَجْرَى تَرَقْرُقَ جَدْوَلٍ | مُتَمَاسِكُ الأَجْزَاءِ كَالْبُنْيَانِ |
نَثْرٌ مِنَ الجَزْلِ الَّذِي أَسْلُوبُهُ | يَلِجُ النُّفُوسَ بِغَيْرِ مَا اسْتِئْذَانِ |
وَيَذُودُ مَنْ جَارَاكَ عَنْ غَاياتِهِ | بِبُلُوغِهِ الْغَايَاتِ فِي الإِتْقَانِ |
لِلْعِلْمِ لُحْمَتُهُ وَلِلْفَنِّ السَّدَي | فَاظْنُنْ بِوَشْيٍ فِيهِ يَلْتَقِيَانِ |
فِيهِ الرَّصَانَةُ وَالمَتَانَةُ تَزْدَهِي | بِهِمَا الْحِلَى وَبِهِنَّ تَزْدَهِيَانِ |
أَمَّا اللِسَان فَانتَ فِي النَّفَرِ الأُولَى | نَصَرُوهُ حَتَّى بَزَّ كُلَّ لِسَانِ |
فَإِذَا الْعُلَى عَدَّتْ فَوَارِسَ شَوْطِهِ | عَدَّتْكَ فِيهِ أَوَّلَ الْفُرْسَانِ |
للهِ مُعْجَمُكَ الَّذِي أَخْرَجْتَهُ | مُسْتَكْمِلَ التَّفْصِيلِ وَالتِّبْيَانِ |
يُصْطَادُ أَغْلَى الدُّرِّ مِنْ قَامُوسِهِ | وَمَنَالُهُ مِنْ أَقْرَبِ الشُّطْآنِ |
قَيَّدْتَ فِيهِ أَوَابِدَ الْفُصْحَى بما | فَاتَ الأُولَى سَبَقُوا مِنَ الأَقْرَانِ |
وَنَهَجْتَ لِلطُّلاَّبِ نَهْجاً وَاضِحاً | يُدْنِي أَقَاصِيَهَا إِلَى الأَذْهَانِ |
حَيَّاكَ رَبُّكَ مِنْ أِمَامٍ مُعْجِزٍ | فِي عَبْقَرِيَّتِهِ وَمِنْ إِنْسَانِ |
مُتَبَتِّلٍ لِلْعِلْمِ مَشْغُولٍ بِهِ | عَنْ رَشْفِ كَاسَاتٍ وَعِشْقِ غَوَانِ |
سَمْحِ المُحَيَّا وَالضَّمِيرِ سِرَارُهُ | كَجِهَارِهِ مِمَّا تَرَى العَيْنَانِ |
فَكِهِ الْحَدِيثِ وَإِنْ أَقَلَّ مَكَانُهُ | مُتَفَقَّدٌ فِي مَجْلِسِ الإِخْوَانِ |
لَمْ يَلْتَمِسْ فِي الْعَيْشِ إِلاَّ غَايَةً | تُرْضِي الإِبَاءَ وَطَاهِرِ الْوِجْدَانِ |
يَا أَيُّهَا العَلاَّمَةُ الْعَلَمُ الَّذِي | يَدْرِي مَكَانَتَهُ بَنُو عَدْنَانِ |
هَذِي إِلَيْكَ تَوافَدَتْ | تَلْقَاكَ مِنْ مُتَعَدِّدِ الأَوْطَانِ |
تُهْدِي تَهَانِئَهَا وَفَضْلُكَ عِنْدَهَا | مَا لا يُوَفَّى حَقُّهُ بِتَهَانِي |
حَمَلَ التَّحِيَّةَ شَيْخُهَا وَتَضَاعَفَتْ | بَرَكَاتُهَا بتَحِيَّةِ المُطْرَانِ |