أَبِسَفْكِ مَاءِ المَدْمعِ الْهَطَّالِ
مدة
قراءة القصيدة :
12 دقائق
.
أَبِسَفْكِ مَاءِ المَدْمعِ الْهَطَّالِ | يُودَى دَمُ الشُّهَدَاء وَالأَبْطَالِ |
وَهَلِ الوَفَاءُ يَكُونُ فِي تَشْيِيِعنَا | عُظَمَاءَنَا بِمَظَاهِرِ الإِجْلاَلِ |
مَا بَال هَذَا الشَّرقِ يَخْلُدُ وَاهِماً | أَنَّ الحَيَاةَ بَهَارِجٌ وَمَجَالِي |
أَتُرَاهُ يُحْسِنُ شُكْرَ مَا قَدْ أَورَثُوا | مِنْ مَأْثُرَاتٍ لِلْبِلاَدِ غَوالِي |
وَيَسِيرُ سَيرَ الغَرْبِ فِي تَمْجِيدِهِمْ | فَيُكَافِيءَ الأَعْمَالِ بِالأَعْمَالِ |
يَا بَيْنُ أَحْمَدَ قَدْ فَجَعْتَ الشَّرقَ فِي | رَجُلٍ يُفَدَّى مِثْلُهُ بِرِجَالِ |
أَبْلَغْتَهُ أَجَلاً وَلَكِنْ كَمْ بِهِ | لِمَكَارِمِ الأَخْلاَقِ مِنْ آجَالِ |
فَرْدٌ بِوَشْكِ نَوَاهُ فَرَّقَتِ النَّوَى | شَمْلاً جَمِيعاً مِنْ جِيَادِ خِلاَلِ |
جَزِعَتْ عَلَيْهِ أُمَّةٌ وَكَأَنَّهَا | أُمُّ الْوَحِيدِ لِشِدِّةِ الإِعْوَالِ |
مَا كَادَ يُبْقِي الْحَشْدُ مِنْ كُبرَائِهَا | خَلْفَ الجَنَازَةِ مَوْقِعاً لِظِلاَلِ |
زَنُوا بِرَايَتِهَا السَّرِيرَ وَعوَّذوا | ذَاكَ الجَلاَلَ بِأَنْجُمٍ وَهِلاَل |
لِلهِ أَحْمَدُ مِنْ فَقيدِ مَكَانَةٍ | قَدْ كانَ فِيهَا فَاقِدَ الأَمْثَالِ |
لَمْ يُوفِ سِرْبَالَ المحَامَاةِ امْرُؤءٌ | إِيفَاءَهُ مَا حَقَّ لِلسِّرْبَالِ |
ماضِي العَزِيمَةِ ذُو ذَكَاءٍ باهِرٍ | مُتَوَافِقُ النِّيَّاتِ وَالأَقْوَالِ |
مَنْ قَالَ مَوسُوعَاتُ شَرْعٍ جُمِّعَتْ | فِي ذَاتِ صَدْرٍ لَمْ يَكُنْ بِمُغَالِي |
يَزْدَادُ مَا طَالَ المَدى تَحْصِيلُهُ | وَيكُدُّ فِي الأَسْحَارِ وَالآصَالِ |
وَيَظَلُّ مُلْتَمِساً إِنَارَةَ ذِهْنِهِ | بِهُدَى شُمُوسٍ أَوْ بِضَوْءٍ ذُبالِ |
يَأُبَى التَّعَمُّلَ كَاتِباً أوْ خَاطِباً | وَيُحِبُّ فِي الإنْشَاءِ غَيْرَ الحَالِي |
يَتَجَنَّبُ الزينَاتِ فِي أَلْفَاظِهِ | حَذَرَ الغُمُوضِ وَخَشْيَةَ الإِمْلاَلِ |
أَوْ خَوْفَ أَنْ تَغْشَى الأَدِلَّةَ رِيبَةٌ | مِنْ زُخْرُفٍ تَبْدُو بِهِ وَصِقَالِ |
عَرَكَتْهُ عَارِكَةُ الصُّرُوفِ فَعَزْمُهُ | مُتَمَكِّنٌ كَشَوَامِخِ الأَجْبَالِ |
رَاضَتْهُ رَائِضَةُ الخُطُوبِ فَلَم يَكُنْ | قَرْمٌ يُسَاجِلهُ غَدَاةَ سِجَالِ |
مَا كَانَ أَصْيَدَهُ لأَنْفَرِ مَأْرَبِ | بِالْبَطْشِ وَهْوَ الرَّأيُ أَوْ بِخِتَالِ |
مَا كَانَ أَقْوَى ضَعْفَهُ بِسُكُوتِهِ | حَتَّى يَصُولَ بِهِ عَلَى الصُّوَّالِ |
مَا كَانَ أَلْعَبَهُ بِرَاسِخَةِ النُّهَى | فَكَأَنَّهُنَّ عَلَى شَفَا مُنْهَالِ |
رُوحٌ كَتِلْكَ الروْحِ كَيْفَ تَصوَّرَتْ | زَمَناً وَإِنْ هُوَ قَلَّ فِي صَلْصَالِ |
ضَاقَتْ بِهَا سَعَةُ الوُجُودِ وَضَمَّهَا | فِي شِبْهِ طَيْفٍ جَانِبا تِمْثَالِ |
تِمْثَالِ مَجْدٍ لا تَرَى فِيهِ سِوَى | رَجُلٍ بِلاَ تِيهٍ وَلاَ إِدْلاَلِ |
مُتَقَاصِرٍ مَلأَ العُيُونَ تَجِلَّةً | وَرَمَى بِظِلٍ فِي الْقُلُوبِ طُوَالِ |
يَخْتَالُ فِي الْجِسْمِ الضَّئِيلِ وَقَلَّمَا | كَانَتْ أُولُو الأَلْبَابِ غَيْرَ ضِئَالِ |
يَعْلُو مُحَيَّاهُ ابْتِسَامٌ دَائِمٌ | بَرِئَتْ مَعَانِيهِ مِنَ الإِدْغَالِ |
صَحِبَ الحَيَاةَ وَمَا بِهَا لأَخِي النُّهَى | ضَحِكٌ يَتِمُّ فَظَلَّ فِي اسْتِهْلاَلِ |
عَيْنَاهُ لاَ يَحْكِي وَمِيضَ سَنَاهُمَا | إِلاَّ التَّأَلُّقُ فِي اشْتِبَاكِ نِصَالِ |
مَا نُورُ مِصْبَاحَيْنِ يَجْرِي مِنْهُمَا | بِالْكَهْرَبَاءَةِ مَجْرَيَا سَيَّالِ |
وَتَرَاهُ أَكْثَرَ مَا تَرَاهُ مُطْرِقاً | إِطْرَاقَ لا وَجِلٍ وَلاَ مُخْتَالِ |
فَيَظَلُّ كَالمُغْضِي وَلَيْسَ بِحَاجِبٍ | عيْنَيْهِ سِتْرٌ مُحْكَمُ الإِسْبَالِ |
لِلْغُنَّةِ الجَارِي عَلَيْهَا صَوْتُهُ | تَأْثِيرُ سِحْرٍ فِي النُّفُوسِ حَلاَلِ |
يَرْقَى السَّمَاعَ بِهَا وَإِنْ يَكُ نَبْرُهُ | لاَ يَرْتَقِي مَعْ فِكْرِهِ الْوَقَّالِ |
مِنْ قُوَّةٍ بِحِجَاهُ تَكْسِبُ قُوَّةً | فِي النَّفْسِ تُوغِلُ أَيَّمَا إِيغَالِ |
وَبِهَا يَبُزُّ مُنَافِسِيهِ ظَافِراً | وَبِهَا يُوَامِقُ رَاشِداً وَيُقَالِي |
يَا خَيْبَةَ الآمَالِ فِي الدُّنْيَا وَيَا | غَبْنَ المَسَاعِي فِي دَرَاكِ مَعَالِي |
دَاءٌ عَرَا فَانْدَكَّ طَوْدٌ شَامِخٌ | بِأَخَفَّ وَقْعاً مِنْ دَبِيبِ نِمَالِ |
مَجْدٌ تَوَلاَّهُ الْعَفَاءُ وَقُوَّةٌ | قَهَّارَةٌ سَكَنَتْ مَهِيلَ رِمَالِ |
أَفْضَى الذَّكَاءُ إِلى صَفِيحٍ هَامِد | وَأَوَى المَضَاءُ إِلى ضَرِيحٍ خَالِي |
لَكِنَّمَا الْكُبَرَاءُ فِي أَقْوَامِهِمْ | سِيَرٌ وَكُلُّ حِديثِهِمُ ذُو بَالِ |
فَأذْكُرْ لَهُ حُسْن الْبَلاَءِ وَقَدْ دَعَا | دَاعِي الوَلاَءِ إِلى جَلِيلِ فِعالِ |
هَلْ جَاءَكُمْ نَبَأُ بِأَمْرٍ مُعْضِلٍ | رَاعَ الكِنَانَةَ فِي سِنِينَ خَوَالي |
لَوْلاَ تَيَقُّظُ أَحْمَدَ وَجهَابِذَ | مِنْ ضَرْبِه أَعْيَا عَلَى الحُلاَّلِ |
يَا تُرْعَةَ الْبَحْرَيْنِ فَاجَأتِ الْحِمَى | بِعَظِيمَةٍ شَغَلَتْ عَنْ الأَشْغَالِ |
سِيَّانَ خَطْبُكِ مُعْرَباً أَوْ مُعْجَماً | بِاسْمِ القَنَاةِ دُعِيْتِ أَمْ بِقَنَالِ |
كُونِي عَلَى الْعَهْدِ الْعَتِيدِ وَمَا بِنَا | مِنْ فَيْضِ مَائِكِ أَنْ يَفِيضَ بِمَالِ |
قَدْ فَرَّطَتْ فِي حَظِّنَا آبَاؤُنَا | فَالخَلْقُ عَلَّ وَنَحْنُ غَيْرُ نِهَالِ |
باعُوكِ بَيْعَ الْغَبْنِ فِي سَفَهٍ وَلَوْ | عَقَلُوا لَمَا بَاعُوا هُدًى بِضَلالِ |
وَأَبَى عَلَيْنَا بِرُّنَا بِصِغَارِنَا | سَبْقَ الزَّمَانِ وَرَهْنَ الاسْتِقْبَالِ |
لَقَدِ اعْتَبَرْنَا بِالْقَدِيمِ وَإِنَّنَا | نَخْشَى حِسَاب اللهِ وَالأَطْفَالِ |
خَلَدَتْ عَلَى الأْيَّامِ ذِكْرَى رُفْقَةٍ | كَنِظَامِ شُهْبٍ أَوْ كَعِقْدِ لآلِي |
رَاضُوا مُعَادَلَةَ القَنَاةِ وَسَدَّدُوا | أَرْقَامَهُمْ كَشَبَا القَنَا المَيَّالِ |
لَمْ يُؤْثِرُوا خَيْراً عَلَى مَا أَمَّلُوا | مِنْ رَدِّ كَيْدِ المُدْغِل المُحْتَالِ |
أَيْنَ الَّذِي يَقْضِي وُلاَةُ شُؤُونِهِمْ | مِمَّا بِهِ نَقْضِي تَفَرُّدُ وَالِي |
فَتَحَرَّكَ الشَّعْبُ الْقَدِيمُ سُكُونُهُ | حَتَّى لَقَدْ نَعَتُوهُ بِالمِكْسَالِ |
وَبَدَتْ بَوَادِرُ عِلْمِهِ بِوُجُودِهِ | وَشُعُورِهِ بِجُمُودِهِ القَتَّالِ |
ظَهَرَتْ حَيَاةٌ فِي البِلاَدِ جَدِيدَةٌ | مَلأَتْ جَوَانِبَهَا بِلاَ إِمْهَالِ |
قَدْ كَانَ أَوَّلَ بَاعِثِيهَا مُصْطَفَى | وَتَلاَ فَرِيدٌ وَهْوُ نِعْمَ التَّالِي |
وَاسْتَنَّ أَحْمَدْ ذَلِكَ السَّنَنَ الَّذِي | عَانَى مَصَاعِبَهُ بِغَيْرِ كَلاَلِ |
لِيُتِمَّ فِي سُبُلِ العُلَى مَا أَبْدَأ | وَيَمُوتَ وَهْوَ بَقيَّةَ الأَبدَالِ |
تِلْكَ الحَيَاةُ عَلَى حَدَاثَةِ عَهْدِها | قَوِيَتْ بِهَا نَزَعَاتُ الاِستِقْلاَلِ |
وَعَلَتْ شِكَايَةُ رَاسِفٍ فِي قَيْدِهِ | مِنْ أَلْفِ وَعْدٍ أُعْقِبَتْ بِمِطَالِ |
وَاسْتُسْمِعَتْ بَعْدَ الشْوَادِي فِي رُبَى | مِصْرٍ وَفِي الْوَادِي لُيُوثُ دِحَالِِ |
فَإِذَا الدِّيَارُ وَمَا الدِّيَارُ كَعَهْدِهَا | وَإِذَا كَحَدِّ المُنْصُلِ المُتَلاَلِي |
وَإِذَا حِجَابُ اليَأْسِ شُقَّ وَدُوَنَهُ | أَمَلٌ كَحَدِّ المُنْصَلِ المُتَلاَلِي |
وَإِذَا الضِّعَافُ الْوَادِعْونَ تَقَحَّمُوا | مُسْتَصْغِرِينَ عَظَائِمَ الأَهْوَالِ |
لَكِنْ تَصَدَّى لِلزَّمَانِ يَعُوقُهُ | مَنْ خَالَ نَهْضَةَ مِصْرَ ضَرْبَ مُحَالِ |
قَاسَ العَتِيدَ عَلَى الْعَهِيدِ لِوَهْمِهِ | أَنَّ الجُمُودَ بَعِيدُ الاسْتِئْصالِ |
خَطَلٌ قَدِيمٌ لَمْ يَدَعْ فِي أُمَّةٍ | أَنْ يَرْمِيَ الآسَادَ بِالأَشْبَالِ |
مَنْ ذَا يَرُدُّ عَنِ التَّقَلُّبِ دَهرَهُ | إِنْ شَاءَ وَهْوَ مُحَوِّلُ الأَحْوَالِ |
لاَ يَوْمَ كَالْيَوْمِ الَّذِي فُجِعَتْ بِهِ | مِصْرٌ وَقَدْ فُجِئَتْ بِصْرعَةِ غَالِي |
لَكَأَنَّ زَنْداً وَارِياً فِي صُبْحِهِ | وَصَلَ الجَنُوبَ دَوِيُّهُ بِشَمَالِ |
أَلْقَتْ عَلَى الرَّجْلِ الْعَظِيم بِنَارِهِ | يَدُ مُقْدِمٍ لِحَيَاتِهِ بِذَّالِ |
مِنْ عُصْبةٍ لِلتَّفْدِيَاتِ تَطَوَّعَتْ | وَفَدَتْ عَقِيدَتَهَا بِالاِسْتِبْسَالِ |
ظَنَّتْ حُمَاةَ الْحَيِّ قَد غَرَّتْهُمُ | أَقْسَامُ حَنَّاثِينَ فِيهِ حِلاَلِ |
فَرَمَتْ إِلى إيقَاظِهِمْ لَكِنْ رَمَتْ | بِأَشَدَّ قَارِعَةً مِنَ الزَّلْزَالِ |
نَظَرَتْ إِلى رَجُلِ الْحِمَى وَقَضَت عَلَى | ذِي الْعزَّةِ الْقَعْسَاءِ بِالإِعْجَالِ |
فَهَوَى بِهِ فِي كِبْرِياءِ فَخَارِهِ | وَبُزُوغِ دَوْلَتِهِ الشِّهَابُ الصَّالِي |
لَمْ يَجْهَلِ الْعَادِي عَلَيْهِ أَنَّهُ | يُودَى بِهِ وَأنْقَضَّ غَيْرَ مُبَالِي |
لَوْ ظَنَّهُ بِالرَّأْيِ بَالِغَ أَمْرِهِ | لَمْ يَبْغِهِ بِمُقَطَّعِ الأَوْصَالِ |
مُسْتَبْقِياً لِبِلاَدِهِ وَلِقَوْمِهِ | عَزَمَاتِ ذَاكَ المِقْوَل الْفَعَّالِ |
أَرَأَيْتَ أَحْمَدَ كَيْفَ هَبَّ مُنَاضِلاً | فِي مَوْقِفٍ نَاب بِكُلَّ نِضَالِ |
وَأَتَى عَجَائِبَ فِي بَدِيع دِفَاعِهِ | لَمْ يَأْتِهنَّ أَوَاخِرٌ وَأَوَالِي |
فَلَوِ القَتِيلُ مِنَ الْخَطِيبِ بِمَسْمَعٍ | لَعَفَا وَرَأْيُ المَجْدِ فِيهِ عَالِي |
وَأَبَى قِيَامَ الخُلْفِ فِي آثَارِهِ | سُوقاً لِبَيْعِ قَدِيمَةِ الأَسْمَالِ |
قَدْ يَضْربُ الحَدَثُ المُفَاجِيءُ ضَرْبَهُ | بِيَدِ المُدَمِّر أَوْ يَدِ المُغْتَالِ |
فَيَبِيتُ قَوْمٌ وَالْهُمُومُ بِهَامِهِمْ | نَاءَتْ كَبَاهِظَةٍ مِنَ الأَثْقَالِ |
لاَ صَوْتَ أَنْكَرُ إِذْ تُرَاجِعُ أُمَّةٌ | تَارِيخَهَا مِنْ صَيْحَةِ الدَّلاَّلِ |
لَكِنَّهُ خُلْفٌ عَفَتْ آثَارُهُ | بِكِيَاسَةِ الأَبْرَارِ فِي الأَنْجَالِ |
وَاذْكُرْ لَهُ ذَوداً مَجِيداً صَادِقاً | بِسِنَانِ ذَاكَ المِرْقَمِ العَسَّالِ |
إِذْ جَاءَ رُزْفَلْتُ الْكِنَانَةَ زَائِراً | وَرَمَى لِشُكْرٍ صَدْرَهَا بِنِبَالِ |
فَتَعاظَمَتْهُ جُرْأَةُ الْعَادِي بِلاَ | عُذْرٍ وَقُدْرَتُهُ عَلَى الإِبْطَالِ |
وَأَهَمَّهُ شَأْنَ امْرِيءٍ بِمَقَامِهِ | فِي الْغَرْبِ يُؤْثَرُ عَنْهُ كُلُّ مَقَالِ |
أَمُعَلِّمُ النَّاسِ الشَّجَاعَةَ يَغْتَدِي | فِي مِصْرَ وَهْوَ مُعَلِّمُ الأَوْجَالِ |
وَرَئِيسُ أَوْسَعِ أُمَّةٍ حُرِّيَّةً | يُغْرِي أُبَاةَ الضَّيْمِ بِالإِذْلاَلِ |
أَلْفَيْتُ أَحْمَدَ لاَ يَقَرُّ قَرَارُهُ | فِي يَوْمِهِ مِنْ شِدَّةِ البَلْبَالِ |
يُجْرِي يَرَاعَتَهُ بِبَثٍ رَائِعٍ | أَوْ يَسْتَتِمُّ بَيَانَهُ بِأَمَالِي |
يَسْتَنْفِرُ الأَقْلاَمَ بَيْنَ خَفِيفَةٍ | لِلذَّبِّ عَنْ شَرَفِ الحِمَى وَثِقَالِ |
عَجَبٌ تَبَجُّحُ ذَلِكَ الضَّيْفِ الَّذِي | أَضْحَى تَبَجُّحُهُ مِنَ الأَمْثَالِ |
أَيْ صَائِدَ اللَّيْثِ الْهَصُورِ بِغَابَةٍ | أَتُرَى وَجَدْتَ هُنَا كِنَاسَ غَزَالِ |
مَا مِصْرُ مَا أَحْوَالُهَا مَا قَوْمُهَا | يَا مَنْ أَقَامَ بِهَا ثَلاثَ لَيَالِ |
عَلَّمْتَهَا عِلْمَ الْفَنَاءِ مُدَاوِياً | مَا صِحَّة الأَقْوَامِ بَعْدَ زَوَالِ |
لاَ يَقْنِصُ العَبْدُ الأُسُودَ تَلَهِّياً | دَعْهُ يُوَاسِ جِرَاحَهُ وَيُوَالِي |
أَوْ فَاقْرَعِ السَّوْطَ الَّذِي فِي صَوْتِهِ | إِيقَاظُ غَافِلِهِ وَبَعْثُ الْبَالي |
غَوْثُ اللَّهِيفِ أَبَرُّ فِي مِيقَاتِهِ | مِنْ وَعْدِهِ بِغِنًى بَعِيدِ مَنَالِ |
وَأَشَدُّ خَطْبٍ أَنْ يُمَنَّى عَاثِرٌ | بِإِقَالَةٍ وَيَظَلُّ غَيْرَ مُقَالِ |
وَاذْكُرْ لَهُ تَبْرِيزَهُ فِي فَنِّهِ | بِذَكَائِهِ وَبِكَدِّهِ المُتَوَالِي |
وَبِعزْةٍ فِي نَفْسِهِ صَانَتْهُ عَنْ | رُتَبٍِ يُغَرُّ بِهَا وَعَنْ أَمْوَالِ |
لَمْ يَثْنِهِ دُونَ القِيَامِ بِوَاجِبٍ | بَأْسُ المُلُوكِ وَلاَ نَدَى الأَقْيَالِ |
اَلدَّأْبُ وَالإِتْقَانُ حَيْثُ تَلاَقَيَا | يَسْتَنْبِتَانِ المَجْدَ مِنْ إِمْحَالِ |
خُلُقَانِ إِنْ تَكُنِ الحَمِيَّةُ ثَالِثاً | لَهُمَا فَقُلْ فِي رِفْعَةٍ وَجلاَلِ |
وَنقَابَةٌ نِيطَتْ بِهِ أَعْبَاؤُهَا | نَاهِيكَ بِالتَّبِعَاتِ مِنْ أَحْمَالِ |
أَبْدَى بِهَا مَا شَاءَ فَضْلُ نُبُوغِهِ | وَعُلُوُّ هِمَّتِهِ بِغَيْرِ تَعَالِى |
وَلِمُسْتَعِيري جَاهِهِ مِنْ نَشْئِهِمْ | عَوْناً بِقَوْلٍ مُسْعِدٍ أَوْ نَالِ |
مِنْ عِلْمِهِ الفَيَّاضِ أَوْ مِنْ رِوْقِهِ | لَمْ يَدَّخِرْ شَيْئاً عَنِ السُّؤَّالِ |
بَحْرٌ مِنَ الْعِرْفَان صَفْوٌ مَاؤُهُ | عَذْبُ المَوَارِدِ سَائِغُ السَّلْسَالِ |
يُرْوِي النفُوسَ الظَّامِئَاتِ فَتَشْتَفِي | وَسِوَاهُ يُظْمِئُهَا بِلَمْعِ الآلِ |
أَعْظِمْ بِهِ فِي كُلِّ عَاديَةٍ عَدَتْ | مِنْ أَرْيَحِيّ لِلْبِلاَدِ ثِمَالِ |
يَسْخُو لَهَا بِكَثِيرِهِ وَقَلِيلِهِ | جَذِلاً وَلاَ يَشْكُو مِنَ الإِقْلاَلِ |
وَيَجُوزُ مَا فَرَضَتْ عَلَيْهِ نَفْسُهُ | مِنْ نَجْدَةٍ وَنَدّى إِلى الأَنْفَالِ |
وَإِذَا وَصَفْتَ فُنُونَهُ فِي فَضْلِهِ | فَاذْكُرْ أَيَادِيَهُ عَلى العمَّالِ |
وَقضَاءَه حَاجَاتِهِمْ وَدِفاعَهُ | عَن حَقِّهِمْ فِي وَجْهِ رَأْسِ المَالِ |
وَجِهَادَهُ مَنْ يَستَغِلُّ جُهُودَهمْ | حِساً وَمَعْنى أَجْحَفَ استِغْلالِ |
فَإِذَا وَفى بِفُضُولِ مَا كسَبُوا لهُ | عَدَّ الذِي أَدى منَ الإِفضَالِ |
مُتجَاهِلاً عُقْبَى مَطَامِعِهِ وَلا | عقْبَى كَيَوْمِ قِيَامَةِ الْجُهَّالِ |
مِنْ أَي نَابٍ لاَ يُطَاقُ وَمِخْلَبٍ | نَجَّى الْهُمَامُ فَرَائِسَ الإهْمَالِ |
وَكَفَى إِلى أَمَد سَرَاحِينَ الطَّوَى | وَالضَّارِيَ الشَّبْعَانَ شَرَّ قِتَالِ |
مُتَوَخِّياً إِنْصَافَهُمْ وَمُهَيِّئاً | لَهُمُ وَلِلأَبْنَاءِ خَيْرَ مَآلِ |
يُعْنَى بِوُلْدِهِمْ الضِّعَافِ لِيَرْتَقُوا | عِلْماً وَآدَاباً وَحُسْنَ خِصَالِ |
حَتى إِذَا شَبُّوا تَقَاضَوْا حَقَّهُمْ | بِهُدىً وَمَا كَانُوا مِنَ الضُّلاَّلِ |
وَاذْكُرْ لَهُ فَضْلَ التَّعَاوُنِ يَقْتَفِي | فِيهِ طَريقَ شَقِيقِهِ المِفْضَالِ |
رَأْيٌ بِهِ إِفْلاَحُ مِصْرَ وَعِزُّهَا | نَسَجَاهُ مِنْ بِرٍ عَلَى مِنْوَالِ |
عُمَرٌ إِلَيْهِ دَعَا وَأَحْمَدُ لَمْ يَدَعْ | سَعْياً يَسِيرُ بِهِ إِلى الإِكْمَالِ |
فَالْيَوْمَ إذْ بَلَغَ التعَاوُنُ مَا نَرَى | فِي مِصْرَ مِنْ شَأْنٍ وَمِنْ إِقْبَالِ |
فَلْيَذْكُ فِي القَوْمِ الثَّنَاءُ عَلَيْهِمَا | طِيباً كَمَا يَذْكُو نَسِيمُ غَوَالِي |
وَاذْكُرْ ضُرُوبَ كِفَاحِهِ لِبِلاَدِهِ | مَا اسْطَاعَ فِي حَلٍّ وَفِي تَرْحَالِ |
مَا كَادَ حَفْلٌ بَاحِثٌ فِي شَأْنِهَا | يَنْأَى عَلَى مِقْدَامِهَا الْجوَّالِ |
زَارَ الحَوَاضِرَ فِي أُرُبَّةَ أُنْسُهَا | يُسْلِي وَذَاكَ الصَّبُّ لَيْسَ بِسَالِي |
لَمْ تَخْلُ مِنْهُ مَقَامَةٌ شَرْقِيةٌ | فِي الغَرْبِ تَعْقِدُهَا هُنَاكَ جَوَالِي |
وَأَظَللَّهُ بَلَدٌ جَدِيدٌ كُلَّما | ضَنَّ القَدِيمُ عَلَيْهِ بِالإظْلاَلِ |
تَحْيَا الحُقُوقُ بِقَدْرِ يَقْظَةِ أَهْلِهَا | لِحِفَاظِهَا وَتَمْوتُ بِالإِغْفَالِ |
مَا الْحَقُّ وَهْوَ اللُّسْنُ غَيْرُ نَوَاطِقٍ | مَا الْعِلْمُ وَهْوَ الكُتْبُ فٍي أًقْفَالِ |
لاَ نَنْسَ عَهْدَ جَنِيفَ وَالإِلْفَ الَّذِي | عَادتْ طَوَالِعُهُ بِخَيْرِ تَوَالِي |
إِذْ أَوْهَنَ الأَحْزَابَ خُلْفٌ أَفْرَزَتْ | فِيهَا ضَغَائِنَهُ سُمُومَ صِلاَلِ |
مِيثَاقُ أَحْمَدَ بِشَّرَ المَرْضَى عَلَى | يَأْسٍ مِنَ الإِبْلاَلِ بِالإِبْلاَلِ |
وَأَبَانَ لِلإبْدَالِ مِنْ حَال إِلَى | حَالٍ أَصَحَّ طَرَائِقِ الإِبْدالِ |
سَعْيٌ سَعَاهُ بِوَحْيِ أَنْقَى فِكْرةٍ | لِشِفَاءِ دَاءٍ فِي النُّفُوسِ عُضَالِ |
فَبَدَتْ بَوَادِرُ نَفْعِهِ لَكِنْهَا | مَكَثَتْ لَيَالِيَ كُنَّ غَيْرَ طِوَالِ |
وَأَجَدَّ هَذَا الحَوْلُ إِلْفاً بَيْنَهُمْ | هُوَ عَوْدُ ذَاكَ البَدْءِ مِنْ أَحْوَالِ |
عَوْدٌ تَخَلَّصَ شَعْبُ مِصْرَ بِفَضْلِه | مِنْ مَوْقِفٍ بَيْنَ الشُّعُوبِ مُذَالِ |
شَرَفاً لأَحْمَدَ فِي طَلِيعَةِ مَنْ سَعَى | لِنَجَاتِهِ وَالخَطْبُ فِي اسِتْفْحَالِ |
يَا مِصْرُ كَمْ فِي سِيرَةِ الجِيلِ الَّذِي | يَمْضِي هُدىً لِلوَاحِقِ الأَجْيالِ |
سِيرِي وَبَشِّي لِلْخُطُوبِ فَإِنَّمَا | تِلْكَ الخُطُوبُ نَجَائبُ الآمَالِ |
مَاذَا أَعَدِّدُ مِنْ مَنَاقِبِ أَحْمدَ | فِي الخَطْبِ مَا فِيهِ مِنَ الإِذْهَالِ |
تِلْكَ المَنَاقبُ دُونَ كُلِّ حَقِيقَةٍ | مِنْهَا إِذَا وُصِفَتْ أَعَزُّ خَيَالِ |
لاَ تَسْتَطِيعُ يَرَاعَةٌ تَفْصِيلَهَا | وَلَعَلَّهَا تُغْيِي عَلَى الإِجْمَالِ |
وَأَجَلُّهَا تِلْكَ المُفَادَاةُ الَّتِي | هِيَ آيَة الإِحْسَانِ وَالإِجْمَالِ |
مَا مَوْتُ أَحْمَدَ حَتْفَ أَنْفٍ إِنَّهُ | لَلْقَتْلُ فِي عُقْبَى أَشَدِّ نِزَالِ |
لَبَّى نِدَاء ضَمِيرِهِ لَمَّا دَعَا | دَاعِي الحِفَاظِ فَجَالَ أَيَّ مَجَالِ |
تَعْتَاقهُ الحُمَّى وَلاَ يَلْوِي بِهَا | هَلْ عَاقَتِ الضِّرْغَامَ دُونَ صِيَالِ |
يَا خَيْرَ مَنْ حَامَى فَكَانَ لِكُلِّ مَنْ | حَامَى بِقُدْوَتِهِ أَجَلَّ مِثَالِ |
جُزْتَ الفِدَى لَمَّا نَهَاكَ الطِّبُّ أَوْ | تَرْدَى فَلَمْ تَمْنَحْهُ أَدْنَى بَالِ |
وَأَجَبْتَ إِنِّي لَمْ أَضِنَّ عَلَى الحِمَى | بِدَمِ الشَّبَاِب فَمَا الدِّمَاءُ بِغَالِي |
لاَ يَكْرُثُ الرِّئْبَالَ أَنْ يُمْنَى وَقَدْ | مُنِعَ العَرِينُ بِصَرْعَةِ الرِّئْبَالِ |
كَلاَّ وَلاَ النَّجْمَ الَّذِي فِيهِ الهُدَى | لِلنَّاسِ أَنْ يَرْفَضَّ بالإِشْعَالِ |
مَا رَاعَ قَلْبَكَ فِي الغَرَانِيقِ العُلَى | إِلاَّ كِرَامٌ عُرِّضُوا لِنَكَالِ |
وَقَفُوا بِمَقْمَرَةِ الحُتُوفِ لِشُبْهَةٍ | وَالعُمْرُ رَهْنُ إِجَابَةٍ وَسُؤَالِ |
فَعَمَدْتَ تَنْفِي بِاليَقِينِ مِنَ النُّهَى | مَا دَسَّ مِنْ رَيْب لِسَانُ القَالِي |
وَرَأَى العُدُولُ الحَقَّ أَبْلَجَ مَا بِهِ | فَنَدٌ وَتَمَّتْ حِيرَةُ العُذَّالِ |
نَادَيْتَ يَا لَلْعَدلِ لِلبَلَدِ الَّذِي | أَمْسى أَعَزُّ بَنِيهِ فِي الأَغْلاَلِ |
فَأَجَابَ دَعْوَتِكَ القَضَاءُ مُنَزَّهاً | في الحُكْمِ عَنْ خَطَلٍ وَعنْ إِخْلاَلِ |
لَم يَخْشَ إِلاَّ رَبَّهُ فِي حُكْمِهِ | وَنَبَا بِقِيل لِلْوُشَاةِ وَقَالِ |
رَدَّ الأُولَى سُجِنُوا بِلاَ ذَنْبٍ إِلَى | مَنْ وَدَّعُوا مِنْ أُسْرَةٍ وَعِيالِ |
قَدْ نِيلَ مِنْ أَقْدَامِهِمْ بِعِقَالِهِمْ | أَمَّا النُّفُوسُ فَلَمْ تُنَلْ بِعقَالِ |
بِجَمِيلِ مَا أَبْلَيْتَ فِي إِنْقَاذِهِمْ | قَرَّتْ نَوَاظِرُ قَوْمِهِمْ وَالآلِ |
أَحْيَيْتَهُمْ وَقَضَيْتَ ذَاكَ هُوَ الفِدى | وَهْوَ النَّوَالُ وَرَاءَ كُلِّ نَوَالِ |
فَضْلٌ خَتَمْتَ بِهِ حَيَاتَكَ مُثْبِتاً | فِي إِثْرِهَا شَفَقاً بَدِيعَ جَمَالِ |
إِنْ لَمْ تُوَفِّ النَّاسُ شُكْرَكَ فَلْيَكُنْ | لَكَ خَيْرُهُ مِنْ رَبِّكَ المُتَعَالِي |