أَمِنُوا بِمَوتِكَ صَولَةَ الرِّئْبالِ
مدة
قراءة القصيدة :
5 دقائق
.
أَمِنُوا بِمَوتِكَ صَولَةَ الرِّئْبالِ | مَاذَا خَشَوْا مِنْ فِتْنَةِ التِّمْثَالِ |
حَبَسُوهُ عنْ مُقَلٍ إِلَيْهِ مَشوقَةٍ | فَاضَت أَسىً وَدُمُوعُهُنَّ غَوَالِ |
حَتَّى أَرَادَتْ مِصْرُ غَيْرَ مُرَادِهِمْ | وَجَلاَهُ مِنْ أَوْفَى بَنِيهَا جَالِ |
أَتُهيِّيءُ اسْتِقْلاَل قَوْمِكَ جَاهِداً | وَتُذَادُ عنْهُم يَوْمَ الاِستِقْلالِ |
أُنْصِفْت بعْضَ الشَّيءِ بلْ هِي تَوْبة | فِي بدْئِهَا وَلِكُلِّ بَدْءٍ تَالِ |
فلَقَدْ تَؤُوبُ وَجَدُّ غَيْرِكَ عَاثِرٌ | فِيما ادَّعَى صلَفاً وَجَدُّكَ عَالِ |
يَا حُسْنَ عَوْدِكَ وَالكِنَانَةُ حُرَّةٌ | تَلْقَاكَ بِالإِكْرَامِ وَالإِجْلاَلِ |
أَيَرُوعُكَ الحَشْدُ الَّذِي بِكَ يَحْتَفِي | مِنْ غُرِّ فِتْيَانٍ وَصِيدِ رِجالِ |
مَاذَا بَثَثْتَ مِنَ الحَيَاةِ جدِيدَةً | فِي هَذِهِ الآسَادِ وَالأَشْبَالِ |
بَعْثٌ لِموْطِنِكَ العَزِيزِ رجَوْتَهَ | وَسِوَاكَ يحْسبُهُ رجَاءَ مُحَالِ |
خَاطَرتَ فِيهِ بِالشَّبَابِ وَبذْلهُ | سَرَفٌ لمَطْلُوبٍ بَعِيدِ منَالِ |
أَيْ مُصْطَفَى وَلَّتْ سِنُونَ وَما اشْتَفَى | شَوْقِي إِلَيْكَ فَهُنَّ جِد طِوَالِ |
عجبٌ بَقَائِي بعْدَ أَكْرمِ رُفْقَةٍ | زَالُوا ولَم يَشَإِ القَضَاءُ زَوَالِي |
هُمْ صفْوَةُ الدُّنْيَا وَكَانوا صفْوَهَا | وأَحَقُّ حيٍ بِالأَسى أَمْثَالِي |
حُزْنٌ بَعِيدُ الغَوْرِ فِي قَلْبِي فَإِنْ | وَجَبَ الرِّثَاءُ فَإِنِّمَا يُرْثَى لِي |
مَاذَا أَقُولُ وهَذِهِ أَسْمَاؤُهُمْ | وشُخوصُهُمْ مِلْءُ الزَّمانِ حِيَالِي |
تَعْتَادُنِي فِي مَسْمَعِي أَوْ نَاظِرِي | وَإِلى يَمِينِي تَارَةًٍ وَشِمَالِي |
إِني لأَحْفَظُ عَهْدَهُمْ وأَصُونُهُ | فِي كُلِّ حَادِثَةٍ وَلَستُ بِآلِ |
وَكَأَنَّ حِسِّيَ حِسُّهُمْ فَرَحاً بِمَا | يَقْضِي الحِمَى مِنْ حَقِّهِمْ ويُوَالِي |
كَمْ فِي مَغَارِسِهِمْ جَنًى أَلْفَيْتُهُ | مُتَجَدِّداً بِتَعَاقُبِ الأَحْوالِ |
سَلوَى أَتاحَتْهَا مآثِرُهُمْ وقَدْ | يغْدُو الفِرَاقُ بِهَا شَبِيهَ وِصَالِ |
وَكَذَاكَ مَجْدُ العَبْقَرِيَّةِ والفِدَى | لاَ ينْقَضِي بِتَحَوُّلِ الأَحْوَالِ |
أَيْ مُصْطَفَى مَا كُنْتَ إِلاَّ كَامِلاً | لوْ كَانَ يُتَصفُ امْرُوءٌ بِكَمِالِ |
ماذا لَقِيتَ مِنَ الصِّبَا وَنعِيمِهِ | غَيرَ المكَارِهِ فِيهِ والأَهْوَالِ |
إِني شَهِدْتُ شَهَادَةً العَيْنَيْنِ ما | عَانَيْتَ فِي الغدُوَاتِ وَالآصالِ |
مُتَطَوِّعاً تَسْخُو بِمَا يُفنِي القُوى | مِنْ جُهْدِ أَيَّامٍ وسُهدِ لَيَالِ |
إِذْ قُمْت بِالأَمْرِ الجُسَامِ ولَمْ يَكُنْ | زَمَناً فَما مِنْ مُسْعِدٍ ومُوَالِ |
حَال التَّوَرُّعُ دُون إِغْرَاءِ المُنَى | زَمَناً فَما مِنْ مُسْعِدٍ ومُوَالِ |
وَالقَوْمُ فِي ظَمَإ وَوَعْدُكَ مُطْمِعٌ | لَكِنْ يَرَوْنَ لَهُ رَفِيف الآلِ |
تَسعى ويَعْتَرِضُ السَّبِيلَ قنُوطُهُمْ | فِي كُلِّ حَل مِنْكَ أَوْ تَرْحَالِ |
فَتظَلُّ تَضرِبُ فِي جوَانِبِهِ وَمَا | تُلْقِي إِلى نُذُرِ الحُبُوطِ بِبَالِ |
لَكَ دُونَ مَا تَبْغِي مَضَاءُ مُصمِّم | لاَ يَنْثَنِي وبلاَءُ غَيرِ مُبَالِ أحأ |
حَتَّى إِذَا وَضَح اليَقِينُ وصدَّقَتْ | دعْوَاكَ آيةُ ربِّكَ المُتَعالِي |
فَثَويْتَ أَظْهَرَ مَا تَكُونُ عَلَى عِدَى | مِصْرٍ بِعُقْبَى دَائِكَ المُغْتَالِ |
هَزَّتْ مَنِيَّتُكَ البِلاَدَ وَلَمْ تَكُنْ | بِأَشَدَّ مِنْهَا هِزَّةُ الزِّلْزَالِ |
فَالقَوْمُ مِنْ جَزَعٍ عَلَيْكَ كَأَنَّهُمْ | آلٌ وَقَدْ رُزِئُوا عَزِيزَ الآلِ |
كَشَفَ الأَسَى لَهُمُ الحِجَابَ فَأَيْقَنُوا | أَنَّ الحَيَاةَ مَطَالِبٌ وَمَعَالِي |
وَتَبَيَّنُوا أَنَّ الخُنُوعَ مَهَانَةٌ | لاَ يُسْتَطَالُ بِهَا مَدَى الآجَالِ |
لِلهِ حُسْنُ بِلائِهِمْ لَمَّا أَبَوْا | مُتَضَافِرِينَ دَوَامَ تِلْكَ الحالِ |
وَتَوَثَّبُوا بِعَزِيمَةٍ مَصْدُوقَةٍ | بَرِئَتْ مِنَ الأحْقَادِ وَالأَوْجَالِ |
يَرِدُونَ حَوْضاً وَالمَنَايَا دُونَهُ | مُسْتَبْسِلِينَ ضُرُوب الاسْتِبْسَالِ |
حَتَّى أُتِيح الفَتْحُ يَجْلُو حُسْنَهُ | فِي يَوْمِهِ إِحْسَانُ يَوْمٍ خَالِ |
فَتْحٌ بَدَا اسْمُكَ وَهْوَ فِي عُنْوَانِهِ | مُتَخَضِّباً بِدَمِ الشَّبَابِ الغَالِي |
إِيهاً شَهِيدَ الحُبِّ لِلبَلَدِ الَّذِي | لا أَنْتَ سَالِيهِ وَلاَ هُوَ سَالِ |
أَبْهِجْ بِأَوْبَتِكَ السَّنِيَّةِ طَالِعاً | فِي أُفْقِهِ كَالكَوْكَبِ المُتَلاَلِي |
لِلذِّكْرِ آفَاقٌ سَحِيقَاتُ المَدَى | وَلِزُهْرهَا المُتَأَلِّقَاتِ مَجَالِي |
فَإِذَا دَنَتْ مِنَّا فَتِلْكَ عَوَالِمٌ | وَإِذَا نَأَتْ عَنَّا فَتِلْكَ لآلِي |
تَطْوِي مِنَ الأدْهَارِ مَا لاَ يَنْقَضِي | وَتَجُولُ فِي الأَفْكَارِ كُلَّ مَجَالِ |
أَنْوَارُ وَجْهِكَ طَالَعْتنَا اليَوْمَ مِنْ | بُرْجٍ حَلَلْتَ بِهِ لِغَيْرِ زِيَالِ |
قَدْ أَثْبَتَتْهَا مِصْرُ بَيْنَ عُيُونِها | فَالحَالُ مُتَّصِلٌ بِالاسِتقْبَالِ |
نِعْمَ الثَّوَابُ لِذِي مَآثِرَ فِي النَّدَى | فَرَضَتْ مَحَبَّتَهُ عَلَى الأَجْيَالِ |
فِتْيَانَ مِصْرَ وَعَهْدُهَا غَيْرُ الَّذِي | عَانَتْهُ فِي الأَصْفَادِ وَالأَعْلاَلِ |
حَيُّوا مُدِيلَ حَيَاتِهَا مِنْ يَأْسِها | وَمُذَلَّلَ الآلاَمِ لِلآمَالِ |
حَيُّوا زَعِيمَ اليقْظَ الأُولَى بِهَا | وَخَطِيبَ ثَوْرَتِهَا فِي الاسْتِهَلاَلِ |
هَذِي مَوَاكِبُهَا وَتِلْكَ وُفُودَهَا | فِي مُلْتَقَى ذِي رَوْعَةٍ وَجَمَالِ |
حَفَلَتْ بِرَمْزِ نُهُوضِهَا وَمِثَالُهُ | مَا لاَ تُدَانِي صَنْعَةُ المَثَّالِ |
لَكنَّهَا مُهَجٌ بَنَتْهُ وَلَمْ تَكُنْ | إِلاَّ ذَرَائِعَهَا فُضُولُ المَالِ |
وَكَفَاهُ فَخْراً أَنَّ ذَاكَ المَالَ لَمْ | يَكُ مَكْسَ جَابٍ أَوْ تَطَوُّلَ والِ |
رسْمٌ يَلُوحُ وَفِيهِ مَعْنَى أَصْلِهِ | فَيَرُوعُ بَيْنَ حَقِيقَةٍ وَخَيَالِ |
لانَ الحَدِيدُ لَهُ فَصَاغَ لِعَينِهِ | أَثَراً عَلَى الأَيَّامِ لَيْسَ بِبَالِ |
كَمْ فِي بَلِيغِ سُكُونِهِ مِنْ عِبْرَةٍ | أَوْفَى وَأَكْفَى مِنْ فَصِيحِ مَقَالِ |
هُوَ خَالِدٌ وَيَظَلُّ مِدْرَهَ قَوْمِهِ | فِي كُلِّ نَازِلَةٍ وَكُلِّ نِضَالِ |
عَطْفُ المَلِيكِ وَقَدْ أَمَاطَ حِجَابَهُ | رَفَعَ المَقَامَ إِلَى مَقَامِ جَلاَلِ |
أَعْلَى المُلُوكِ مَكَانَةً أَرْعَاهُمُ | لِمَكَانَةِ العُلَمَاءِ وَالأَبْطَالِ |
فَارُوقُنَا المَحْبُوبُ يَقْرنُ عَزْمَه | بِالحَزْمِ وَالإِنْصَافِ بِالإِجْمَالِ |
لِيَعِشْ سَعِيداً بَالِغاً مِنْ دَهْرِهِ | مَا شَاءَ مِنْ عِزّ وَمِنْ إِقْبَالِ |