خَلا القصْرُ مِمنْ كان يَمْلأُهُ بِشْرا
مدة
قراءة القصيدة :
4 دقائق
.
خَلا القصْرُ مِمنْ كان يَمْلأُهُ بِشْرا | وَجَلَّلَ حُزْنُ رَوْضَةَ القَصْرِ والقَصْرَا |
فَتى الخلُقِ العَالِي وَمَا طَالَ عَهْدُهُ | أَعَافَ اصْطِحَابَ النّاسِ فاصْطحَبَ الزُّهْرا |
مَشَتْ مِصْرُ فِي تَشِييعِهِ وَتدَفَّقَتْ | وَفُودٌ إِلى الفُسطَاطِ زَاخِرَةٌ زَخْرَا |
أَعَاظِمُهَا خلْفَ الجِنازةِ خُشَّعُ | يُوَاكِبُهُمْ شعْبٌ مَحَاجِرُهُ شَكْرَى |
كَإِكْرَامِهِمْ خَيْرَ الأُبُوَّةِ قَبْلَهُ | لَقَدْ أَكْرَمُوا خَيْرَ البَنِينَ ومَن أَحْرَى |
يُعِيدُونَ ذِكْرَ الأَصْلِ فِي ذِكْرِ فَرعِهِ | وَتِلْكَ لَعُمْرِي سِيرَةٌ تَبْعَثُ الفَخْرَا |
أَحَادِيثُهَا تُذْكِي عَزائِمَ مَن وَعَى | وَتَتْرُكُ فِي الأَلْبَابِ مِنْ بَعْدِهَا أَثْرَا |
إِذَا مَا اسْتَعَرْنا ضَوْءَهَا فَكأَنَّنّا | فَتَحْنَا بِهِا لِلْقَابِسِ المُهْتَدِي سِفْرَا |
حَبِيبُ نَحَا نَحْوَ العُلى وَهْوَ يَافِعٌ | وَلَمْ يَثْنِهِ أَنْ كَان مَسْلَكُهَا وَعْرَا |
فَأقْدَمَ إِقْدَامَ الَّذِي رَاضَ نَفْسَه | عَلى الصَّعْبِ وَاعْتَدَّ الشَّجَاعَةَ وَالصَّبْرَا |
يُؤَثِّلُ بِالرُّوحِ العِصَامِيِّ جَاهُهُ | فَإِمَّا تَجَنَّى دَهرُهُ كَافَح َالدَّهْرَا |
عَليِماً بِأَنَّ الحَيَّ لاَ يُدْرِكُ المُنَى | إِذا هُوَ لَمْ يَقْتُلْ نَصَاريفَه خُبْرَا |
فَآبَ امرَأً فِي جِيلِهِ نسْجَ وَحْدِهِ | يُخَافُ وَيُرْجَى مِنْهُ مَا سَاءَ أَو سَرَّا |
وبَلَّغَهُ أَقْصَى الأَمانِيِّ أَنَّهُ | بِأَخْلاقِهِ أَثْرَى وَأَمْوَالِهِ أَثْرَى |
أَتاحَتْ لَهُ عُقْبَى الجِّهَادِ إِمَارَةً | وَفِي بِيعَةِ اللّهِ الَّتي شَادَهَا قَرَّا |
وَحَالفَهُ التَّوْفِيقُ فِي الْعَيْشِ وَالرَّدَى | فَطابَت لَهُ الدُّنْيَا وَطَابَتْ لهُ الأُخْرَى |
فَلَمَّا تَولَّى وَطَّدَ اللّهُ بَيْتهُ | بِأَعْقابِ خيْرٍ شرفوا البَيْتَ وَالنجْرا |
ثَلاثَةُ أَقْيَالٍ تَمَثَّلَ فِيهِم | أَبُوهُمْ وَلَمْ يَأْلُوهُ حُبّاً وَلا بِرّاً |
ترَاهُمْ فَفِي كُلٍّ تَرَى مِنْ أَبِيهِمُ | مَلامِحَهُ الغَرَّاءَ وَالشِّيَمَ الزُّهْرَا |
وَكَانُوا مِثَالاً لِلأُخُوَّةِ يُحْتَذى | وقُدْوَةَ مَنْ يَرْعَى القَرَابَةَ وَالأَصْرَا |
فَيَا لِلأَسَى أَنْ فَرّقَ اليَوْمَ بَيْنهُمْ | زَمَانٌ إِذا أَلْفَى وَفاءً رَمَى غَدْرا |
دوَى أَنْضَرُ الإِخْوَانِ قَبْلَ أَوانِهِ | فَأَيَّةُ رِيحٍ صَوَّحَتْ عُودَهُ النضْرَا |
وَأَوْدَت بِمِلءِ العَينِ أَرْوَعَ بَاذِخٍ | سَمَا كلَّ نِدٍّ هَامَةً وَسمَا قدْرَا |
سَرِيٍ مِنَ الغُرّ المَيَامِينِ نَابِهٍ | بِهِ كِبَرٌ حَقٌّ وَمَا يعْرِفُ الكِبْرا |
هُمامٍ رَمَى أَسْمَى المَرَامِي وَلَمْ يَكَدْ | طَمُوحٌ إِلى مَجْدٍ يُجَارِيهِ فِي مَجْرَى |
لَهُ مَرْجِعٌ فِي أَمرِهِ حُكْمُ نَفْسِهِ | وَمَنْ لمْ يُحرِّرْ نَفْسَهُ لَمْ يَكنْ حُرَّا |
صَبِيحِ المُيحَّا أَرِيَحِيٍ مُحَبَّبٍّ | إِلى الخَلْقِ لاَ كَيْداً يُكِنُّ وَلا مَكْرَا |
يَلُوحُ لَهُ سِرُّ النَّجِي فِرَاسَة | وَيأْبَى عَلَيْهِ النُّبْلُ أَنْ يَكْشِفَ السِّرَّا |
جَهِيرٍ بإِلقاءِ الكَلامِ مُصَارِحٍ | وَفِيمَا عَدا إِحْسانَهُ يُؤْثِرُ الجَهْرَا |
وَليْسَ كَظِيمَ الغَيْظِ لَكِنَّهُ إِذَا | شَفَاهُ بعَتْبٍ لَمْ يَضِقْ بِأَخٍ صَدْرَا |
وَلَيسَ بِهَيَّابٍ وَلا مُتَرَدِّدٍ | إِذَا حَدَّثَتْهُ نَفْسُهُ فَنوَى أَمْرَا |
وَفِي كلِّ حَالٍ يَفْعَلُ الفِعْلَ كَاملاً | وَلا يَسْتَشيرُ الحِرْصَ أَوْ يَنْتَهِي حِذْرَا |
يُرَى تَارَةً كاللَّيْثِ إِنْ هِيجَ بَأْسُهُ | وَآناً يُرَى كالغَيْثٍ مِنْ رَحْمَةٍ ثَرا |
فَمَا هُوَ بِالسَّاعِي إِلى الشَّرِّ بَادِئاً | وَمَا هُوَ بِالوَاهِي إِذَا دَفَعَ الشَّرَّا |
وَأَمَّا أَياِيهِ فَليْسَ أَقلُّها | وَقَدْ ذاعَ مِمَّا نَسْتَطِيعُ لَهُ حَصْرَا |
أَفِي معْهَدٍ لِلْبِرِّ لَمْ يَكُ جُهْدُهُ | عَلى قَدْرِ مَا يُرجَى وَآلاؤُهُ تَتْرى |
أَلَمْ يَمْنحِ الآدَابَ وَالعِلْمَ عَوْنَهُ | وَمَا يَبْتِغي مِنْ غَيْرِ خالِقِهِ أَجْرَا |
أَلَمْ يَرْعَ شَأْنَ المُسْتَمِدِّينَ رِزْقَهُم | مِنَ الكَدِّ زُرَّاعاً يَكُونُونَ أَوْ تَجْرَا |
أَلَمْ يُعْطِ بِالبَذْلِ الْوَجَاهَةَ حَقَّهَا | وَكمْ يَتَناسَى الحَقَّ مَنْ أَعْطِيَ الوَفْرا |
تَظل وُفُودُ النَّاسِ تَغْشَى رِحَابَهُ | وَيُسْرِفُ فِي الأَنْعَامِ غِلْمَانُهُ نَحْرَا |
فرَبُّ الحِمَى يَسْتَقْبِلُ الضَّيْفَ مبشِراً | وَرَوْضُ الحِمَى يَسْتَقْبِلُ الضَّيْفَ مُغْتَرا |
فَضائِلُ زَادَتْهَا سَناءً وَرَوْعَةً | جَلائِلُ مَا يَأْتِيهِ فِي حُبِّهِ مِصْرَا |
إِذَا مَا دَعَا داعِي الحِفاظِ أَجَابَهُ | مُجِيبٌ يَرَى التَّفرِيطَ فِي حَقِّهِ كُفْرَا |
سَلِ العُرْبَ عَنْهُ مِن مُلوكٍ وَفى لَهُمْ | وَفَى دَينَ لِلأَوْطَانِ لَمْ يَأْلُهُمْ نَصْرَا |
بِنَفسِ هَمَامٍ لا تَرَى عِنْدَ نفْسِهَا | لإِخَفاقِهِ عُذْراً وَإِنْ أَبْلَتِ العُذْرَا |
عَزَاءَ الشَّقِيقَيْنِ الحَزِينينِ هكَذا | جَرَى الأَمْرُ وَالأَحْجَى مَنْ امْتَثلَ الأَمْرا |
وَغيْرُ كَثِيرٍ أَن نُرَجِّيَ مِنْهُمَا | مَآثِرَ تُبْقِيهِ بِإِبْقَائِها الذِّكرَى |
عزَاءَكِ يَا أَوْفى الشَّقِيقَاتِ وَارْفُقِي | بِقَلْبٍ رَفِيقٍ فِيهِ أَذْكَى الأَسَى جَمْرا |
أَمَا كانَ ذاكَ القَلْبُ وَالعَقْلُ نُورُهُ | لِقَلْبِ أَخِيكِ المُوئِلَ الهادي الطَّهْرَا |
فَقِيدَ الَمعالي وَالمُرُوءَاتِ وَالنَّدَى | وَحُلْوَ السجَايَا إِن حَلا العَيْشُ أَو مَرَّا |
أَتيْتَ أَمُوراً فِي الحَيَاةِ كَبِيرَةً | وَكَان سُمُوُّ النَّفْسِ آيَتَهَا الكُبْرَى |
أَتَشْهَدُ هَذَا الجَّمْعَ مِنْ صَفْوَةِ الحِمَى | وَأَجْفَانُهُمْ تَهْمِي وَأَنْفَاسُهُمْ حَرَّى |
لَكَ الصَّدْرُ قَبْلَ اليَوْمِ وَالقَوْلُ بَيْنَهُمْ | فَقَدْ حَلَّ رَسْمٌ صَامِتٌ دُونَكَ الصَّدْرَا |
فَدَيْتُ صَفِيّاً أَصْحَبُ العُمْرَ بَعْدَهُ | وَمَا حَالُ مَفْقُودِ المُنَى يَصْحَبُ العُمْرَا |
سَتَحْيَا بِقَلْبِي مَا حَيَيْتُ فإِنْ أَمُتْ | سَتَحْيَا بِشِعْرِي مَا رَوَى النَّاسُ لي شِعْرا |