رَاع الكِنانَةَ رُزْءُ عَبْدِ القَادِرِ
مدة
قراءة القصيدة :
4 دقائق
.
رَاع الكِنانَةَ رُزْءُ عَبْدِ القَادِرِ | وَجَرَى القَضَاءُ بِأَيِّ حُكْمٍ قاهِرِ |
أَرأَيْتَ سَيْرَ مشَيِّعِيهِ وَالأَسَى | بَادٍ عَلى بَادٍ يَسِيرُ وحاضِرِ |
إِنْ تَخْتَلِفْ طَبَقَاتهُمْ لمْ تخْتَلِفْ | فِيه شُجُونُ أَكَابِرِ وَأَصَاغِرِ |
أَلكَاتِبُ النِّحْرِيرُ فخْرُ زَمَانهِ | ولَّى وَكَانَ مِنَ الطِّرَازِ النادِرِ |
أَيَتِيمَةٌ تَهْوي وَرَاءَ يَتيمَةٍ | منْ ذلكَ العقْدِ الكَريم الفاخِرِ |
مَنْ لِلبَيَانِ يَصُوغُهُ وَكَأَنَّهُ | وَحْيُ البَدَاهَةِ لا صِياغَة مَاهِرِ |
مُتَأَنِّقٌ فِي القَوْلِ لا مُتَصنِّعٌ | فِيهِ ولا يُلْقِيهِ عَفْوَ الخَاطِرِ |
مُتخيّرٌ مِنْ كل مَعْنىً يَانِعٍ | يُكْسَى عَلى قدَرٍ بِثَوْبٍ زَاهِرِ |
تَغْشَى سَوَانِحُهُ النُّفُوسَ كَأَنَّهَا | فِيهَا مِزاجُ سرَائِرٍ بِسَرَائِرِ |
رُزِئَتْ صِحَافَةُ مِصْرَ رَافِعَ شَأْنِهَا | بِبَلاءِ رَوَّاضِ الصِّعَابِ مُثَابِرِ |
عشرَاتُ أَحْوَالٍ طَوَى أَيَّامَهَا | يَوْماً فَيَوْماً فِي كِفَاحٍ بَاهِرِ |
يُعْطِي ذخائِرَهُ وَلَمْ يَكْرُثْهُ فِي | نَفْعٍ لأُمَّتِهِ نفَادُ ذخَائِرِ |
مَا سودَ الأَيَّامَ وَهْيَ بَهِيجَةٌ | بِبَيَاضِها كالعَيْشِ بَيْنَ مَحَابِرِ |
جُهْدُ العَنَاءِ عناءُ حُرٍ مُبْتَلىً | بِمُبَاكِرٍ مِنْ هَمهِ وَمُسَاهِرِ |
كلٌّ عَلى قَدَرٍ يَكِدُّ لِرِزْقِهِ | وَيَقِلُّ لِلصَّحَفِيِّ أَجْرُ الآجِرِ |
إِنْ لمْ يَبِعْ فِيمَا يَبِيعُ ضَمِيرَهُ | فَالتاجِرُ الصَّحَفِي أَشْرَفُ تاجِرِ |
عُمْرٌ بِهِ لمْ يَأْلُ حَمْزَةُ عَهْدَه | رَعْياً وَلمْ يَكُ لِلذِّمَامِ بِخَافِرِ |
لوْ ضم مَا قَطَرَتْ بِهِ أَقْلامُهُ | لامْتَدَّ كَالبَحْرِ الخِضَم الزَّاخِرِ |
بَحْرٌ إِلى رُوَّادِ مَكْنُونَاتِهِ | يُهْدِي النَّفائِسَ مِنْ حِلىً وَجَوَاهِرِ |
فقد الشُّيُوخُ خَطِيبَ صِدْقٍ هَمُّهُ | تَمْكِينُ حَقٍّ لا اهْتِزَازُ مَنَابِرِ |
يَلقي الأَدِلةَ وَهْيَ كلُّ سِلاحِهِ | في وَجْهِ كلِّ مُنَاهضٍ ومُكَابرِ |
لا لَفْظَةٌ تَنْبُو وَلا لَغْوٌ بِهِ | يَحشُو الكَلام وَلا قَذِيفَةُ ثَائرِ |
مَا بالصَّوَاب إِلى الإِفَاضَةِ حَاجَةٌ | كَلاَّ وَلا يُعْليهِ رَفْعُ عَقَائرِ |
في المَجْمَعِ اللُّغويِّ وَفَّى جَاهداً | قِسْطيْهِ مِنْ أَدَبٍ وَعِلمٍ وَافرِ |
كانَتْ لَهْ فيهِ وَكَانَتْ قَبْلَهُ | في خِدْمَةِ الفُصْحَى ضُرُوبُ مَآثرِ |
وَشَجَتْ بهَا أَعْرَاقُ مَجدٍ غَابرٍ | وَتَوَثَّقتْ أَعْرَاقُ مَجْدٍ حاضرِ |
تَرْثي العُرُوبَةُ مَنْ رَثى لِشَقَائِهَا | وَعَنَاهُ ضَمُّ نظامِهَا المُتَنَاثرِ |
أَعْلى مَنارَتَهَا وَحَاجةُ قوْمِهَا | أَمْثَالها مِنْ عَاليَاتِ مَنَائرِ |
لَمْ يَأْلُها مَدَداً لحُسْنِ مَصيرِهَا | وَالوَقْتُ للأَقْوَامِ وَقْتُ مَصَايرِ |
رَجُلٌ بهِ رَجَحَتْ عَلى نُظَرَائهِ | شِيَمٌ أَبَيْنَ تَشَبُّهاً بنَظَائرِ |
فيهِ المُرُوءَة وَالنَّدَى يَجْلُوهُمَا | بتَطَوُّلِ الكَافي وَصَفْحِ القَادرِ |
ما شِئْتَ حَدِّثْ عَنْ إِغَاثَةِ لاجيءٍ | مِنْ قَاصِدِيهِ وَعَنْ إِقَالَةِ عَاثرِ |
لا تلْتَقيهِ العَيْنُ إلاَّ سَاكناً | وَيَفُوتُ لَحْظَكَ مَا وَرَاءَ الظاهرِ |
نَفُسٌ يُصَرِّفها بعقْلٍ مَالكٍ | نَزَعَاتِهَا تَصْريفَ نَاهٍ آمرِ |
لِلرَّأْي غَضْبَتُهُ فإِنْ صَدمَتْهُ لمْ | يُخطئْهُ رَعْيُ مُنَاظرٍ لِمُنَاظرِ |
وَلَقَدْ تَرَاهُ وَهْوَ أَصْرَحُ عَاذِلٍ | إِنْ قَامَ غُذْرٌ عَادَ أَسْمَحَ عَاذِرِ |
مهْمَا تُصَادِمْهُ الحَوَادِثُ تَصْطدِمْ | مَدَّاً وجَزْراً بِالدؤُوبِ الصَّابِرِ |
مِنْ حَزْمِهِ وَالعَزْمِ يُلْفِي نَاصِراً | إنْ لَمْ يَجِدْ فِي لَزْبَةٍ مِنْ نَاصِرِ |
فَلَقدْ يَكُونُ البُطْلُ أَوَّلَ ظَافِرٍ | لَكِنْ يَكُون الحَقّ آخِرَ ظَافِرِ |
يا رَاحِلاً أَبْكِي شَمَائِلَهُ الَّتِي | عَذُبَتْ فتَشْرَقُ بِالدُّمُوعِ مَحَاجِرِي |
كُنَّا ائْتِلافاً وَاختِلافاً نَلتفِي | فِي مَشْرَعٍ لِلوُدِّ صَفْوٍ طَاهِرِ |
حَمَّلْتَ قَلْبَكَ جَائِراً مَا لم يُطِقْ | وَهْوَ العَدُوُّ لِكُلِّ حُكْمٍ جَائِرِ |
فَطَوَى جَنَاحَيْهِ مَهِيضاً وَانْقَضَى | ما كانْ مِنْ تَدْوِيمِ ذاك الطَّائِرِ |
يَا آلَ حَمْزَة إِنْ يَعِزَّ عَزَاؤُكُمْ | مَنْ لِلمُعَزِّي فِي ضِيَاءِ النَّاظِرِ |
جُرِحَتْ لِجُرْحِكُمُ القُلُوبُ كَأَنَّهَا | قَبْلَ الرزِيئةِ فِيهِ ذَاتُ أَوَاصِرِ |
أَوَ لَمْ ترَوْا فِي القَوْمِ يَا أَبْنَاءَهُ | كَمْ مِنْ مُوَاسٍ صَادِقٍ وَمُؤازِرِ |
مَا كانَ أَرْفَقَهُ بِكمْ وَأَبَرَّهُ | فَأَرُوهُ كَيْفَ يَكونُ شكْرُ الشَّاكِرِ |
وَبِقدْرِ مَا أَصْفَيْتُمُوهُ حُبَّكُمْ | زِيدُوا مَفاخِرَ ذِكْرِهِ بِمَفَاخِرِ |