كِسَاؤُكَ ما يكْسُوكَ أَهْلُكَ فِي مِصْرِ
مدة
قراءة القصيدة :
4 دقائق
.
كِسَاؤُكَ ما يكْسُوكَ أَهْلُكَ فِي مِصْرِ | وَسِتْرُكَ هَذَا إِنْ حَرَصْتَ عَلى السِّتْرِ |
أَتحْرُثُ أَرْضاً فِي ابْتِغَاءِ نَبَاتِهَا | تُكَابِدُ ما يُشْقِي مِن البرْد وَالحَرِّ |
تصَبَّرُ فِي رِيٍّ وَصَرْفٍ وَخِدْمَةٍ | دَرَاكٍ عَلى عَيْشٍ أَمَرَّ مِنَ الصَّبْرِ |
فَإِنْ حَلَّ مَا أَعْطَاكَ رَبُّكَ مِن جَنىً | جَزَاءً لِمَا أَنْفَقْتَ فِيه مِن العُمْرِ |
رَمَيْت بِحُرِّ المَالِ مَرْمَى زِرَايَةٍ | كَأَنَّكَ تُلْقِيه جُزْافاً إِلى البَحْرِ |
فَتَعْدِلُ بِالأَصْدَافِ مَا رُحْتَ مُزْجِياً | وَتَبْذُلُ فِيه عَائِداً ثَمَنَ الدُّرِّ |
أَجَلْ كَانَ حَقُّ العِلْمِ مَا هُوَ غَانِمٌ | مِنَ الجَهْلِ وَالتَّفْرِيطِ لَمْ يَخْلُ مِنْ عُذْرِ |
وَلَكِنَّ عَصْراً فِي الأَبَاطِيلِ جُزْتَهُ | تَقَضَّى بِمَا فِيه وَصِرْت إِلى عَصْرِ |
فَلَمْ يَبْقَ إِلاَّ رَعْيَكَ النِّعْمَةَ الَّتِي | أَصَبْتَ وَلَمْ تَجْهَدَ بِشَيءٍ مِنَ الشُّكْرِ |
بِثَوْبِكَ مِنْ نَسْجِ الحِمَى تَخْدمُ الحِمَى | ونَفْسَكَ مَوْفُورَ الكَرَامَةِ وَالأَجْرِ |
أَطَلْعَتَ حَرْبِ العَالِمَ العَامِلَ الَّذي | لَهُ مَا لَهُ مِنْ كُلِّ مَفْخَرَةٍ بِكْرِ |
أَرَى المَدْحَ أَوْفَى المَدْحِ لَيْسَ | بِمُجْزِيءٍ أَقَلَّ جَزَاءٍ مِنْ مَآثِرِكَ الكُثْرِ |
جَمَعْتَ شَتَاتَ الشَّرْقِ بِالرَّأْيِ وَالِياً | عَنِ السَّيْفِ مَا لَمْ يَسْتَطِعْهُ مِنَ الأَمْرِ |
وَأَدْرَكْتَ فِي العَلْيَاءِ أَبعَدَ غَايَةٍ | لِيَقْظَانَ دَاجِي الهَمِّ مُتَّقد الفِكْرِ |
سَبِيلُكَ نَفْعُ النَّاسِ تُوِليهِ شَامِلاً | وتُخْلِصُهُ بدْءاً وَعَوْداً مِنَ الضُّرِّ |
وَحَوْلكَ أَعْلامٌ يَكَادُ نِظَامُهُمْ | يَدُورُ مدَارَ الشَّمْسِ وَالأَنْجُمِ الزُّهْرِ |
إِذَا ما ذَكَرْنَا كُلَّ أَرْوعِ نَابِهٍ | مِنَ النُّخْبَةِ المُثْلى وَمُقْتَحِمٍ جَسْرِ |
فَمَنْ لِلمَعَالِي فِي الرِّجَالِ كَمِدْحَتٍ | وَمَنْزِلُهُ مِنْ نَدْوَة المَجْد فِي الصَّدْرِ |
وَمَنْ كَفُؤَادٍ لِلحَصَافَة وَالحِجَى | وَمَنْ كَفُؤادٍ لِلوَفَاءِ وَلِلبِرِّ |
أَلا أَيهَا المِصْرُ الصِّنَاعِي رُعْتَنا | وَلَسْنا نُغَالِي إِنْ دَعَوْنَاكَ بِالمِصْرِ |
فكَمْ بِكَ مِنْ صَرْحٍ بِآخَرَ مُمْسِكٍ | وَكَمْ بِكَ مِنْ قَصْرٍ مُضَافٍ إِلى قَصْرِ |
رَأَيْنا بِكَ الأَوْهَامَ وَهْيَ حَقَائِقٌ | كَأَنَّا نَرَى سِحْراً وَمَا هُوَ بِالسِّحرِ |
إِذَا مَا التَقَى أَهْلُوكَ فَالسَّاحُ أَبْحُرٌ | أَوِ افْتَرَقُوا فَالسُّبْلُ نَهْرٌ إِلى نَهْرِ |
أُلُوفُ رِجَالٍ كَادِحِينَ وَصِبْيَةٍ | مِنَ الفِتْيَةِ اللُّدُنِ المُثَقَّفَة السُّمْرِ |
طَوَائِفُ تَجْنِي مِنْ حَديدكَ شُهْدَهَا | كَمَا تَجْتَنِيه النَّحْلُ مِنْ نَاضِرِ الزَّهْرِ |
قُصَارَاهُمُ كَفِيلٌ بِرِزْقِهِمْ | وَمَا نَفْعُ عِلمٍ ضِرْعُهُ غَيْرُ ذِي دَرِّ |
وَيَدْرِي فَتَاهُمْ أَيْنَ مَطْلَبُ قُوتِه | إِذَا جَامِعِيٌّ زَاغَ عَنْهُ وَلَمْ يَدْرِ |
طعَامُهُمُ لَوْنٌ وَلَكِنْ مُيَسَّرٌ | وَمَشْرَبُهُمْ عَذْبٌ بِلا رَنَقٍ يَجْرِي |
لَكَ اللّهُ كَمْ كَسْراً جَبَرْتَ وَخِلَّةً | سَتَرْتَ وَكَمْ خَيْراً أَدَلْتَ مِنَ الشَّرِّ |
لَيَومِكَ يَوْمٌ فِيه لِلْفَتْحِ غُرَّةٌ | جَلَتْ وَجْه الاِسْتِقْلالِ مُبْتَسِمَ الثَّغْرِ |
يُطَالِعُها رَاجِي الفَلاحِ لِقَوْمِهِ | فَيُدْرِكُ سِرَّ الفَوْزِ فِي مَكْمَنِ السرِّ |
إِذَا المَصْنَعُ الأَهْلِيُّ عَزَّ فإِنهُ | بِنَاءٌ عَزِيزُ الشَّأْنِ لِلوَطَنِ الحُرِّ |
وَلَمْ أَرَ نَصْراً أَجَلَّ مَغَبَّةً | وَأَيْسَرَ فِي التَّكْلِيفِ مِنْ ذلِكَ النَّصْرِ |
لِمِصْرَ إِذَا اسْتَكْفَتْ كَفَاءٌ بِنفَسِهَا | ففِيمَ الرِّضَى مِنْ وَافِرِ الخَيْرِ بِالنَّزرِ |
إِذَا ما تَقَاضى الغَرْبُ جِزْيَةَ بَيْعهِ | أَلَيْس يُؤَدِّي الشِّرْقُ جِزْيةَ ما يَشْرِي |
مَزارِعُكُمْ ضَاقَتْ بِطَلاَّبِ رِزْقِهَا | وَصَارَتْ قُرَاكُمْ بَعْدَ يُسْرٍ إِلى عُسْرِ |
حَذارِ مِنَ الفقْرِ المُنِيخِ بِكَلكَلٍ | فَمَا مِنْ مُذلٍّ لِلأَعِزَّاءِ كَالفَقْرِ |
تَوَاصَوْا بِمَصْنُوعَاتِكُمْ تكْمِلُوا بِهَا | جَنَى الرِّيفِ مِنْ نَقْصٍ مُؤَدٍ إِلى الخُسْرِ |
بِكُمْ قُوَّةٌ مَذْخُورةٌ إِنْ رَشُدْتُمُ | بِتَصْرِيفِهَا حَوَّلْتُمُ غِيَرَ الدهْرِ |
نَظَمْتُ لكُم نُصْحِي وَفِي صِدْقِ نُصْحِكُمْ | لأَنْفُسِكُمْ مُغْنٍ عَنْ النَّظْمِ وَالنَّثْرِ |
وَإِنِّي مُعِيذٌ عَزْمَكُمْ مِنْ تَرَدُّدٍ | إِذَا هُو لَمْ تَحْفِزْهُ طَنْطَنَةُ الشِّعْرِ |
هَلُمُّوا اشْهَدُوا صُبْتَ النَّجَاحِ وَقَدْ بدَا | مُبِيناً يُحيِّي بِالتَّيَمُّنِ وَالبِشْرِ |
وَقُولُوا بِجَهْرٍ لِلمُسِرِّينَ رَيْبَهُمْ | أَفِي الشَّمْسِ رَيْبٌ بَعْد رائِعَة الفَجْرِ |
إِذَا ما تَنَاسَى بَعْضُكُمْ فَضْلَ بَعْضِكُمْ | فَأَيُّ مصِيرٍ لِلحِمَى يَا أُولِي الذِّكْر |
أَتَى بَنْكُ مِصْرٍ كُلَّ مَا تَشْهَدُونَهُ | فَهَل مِنْ أَمِينٍ لا يُزَكِّيه فِي مِصْرِ |