كَمْ بَطَلٍ أَمْسى وَلَمْ يَسْمُرِ
مدة
قراءة القصيدة :
5 دقائق
.
كَمْ بَطَلٍ أَمْسى وَلَمْ يَسْمُرِ | تَحْتَ هِلالِ الرَّحْمةِ الأَحّمَرِ |
هَوَى صَرِيعاً لَمْ تَنَلْهُ يَدٌ | فِي مِعْصَمٍ مِنْهُ وَلا مُنْحَرِ |
وَلَوْ تغَشَّاهُ العِدَى لانْثَنَوْا | مُقْبِلُهُمْ يَعْثرُ بِالْمُدبِرِ |
لَكِنْ دهَتْهُ مِنْ عَلٍ كُتْلَةٌ | مُرْسلَةٌ مِنْ قَاذِفٍ مُبْحِرِ |
هَبتْ وَقدْ مَدّتْ شَظَايَا لَظىً | نَاشِبَةً فِي الْجَوِّ كَالْمِنْسَرِ |
ثُمَّ ارْتَمَتْ تَصْدَعُ مَنْ صَادَفَتْ | فِي المُرْتَمَى مِنْ حيْثُ لَمْ يَنْظُرِ |
لَهْفِي عَلى الْعَانِي وَمَا يَشْتَكِي | وَلَيْسَ فِي عُقْبَاهُ بِالْمُمْتَرِي |
أَوْهَتْ رُجُومُ الْغَيْبِ أَضْلاعُهُ | لَكِنْ نَبَتْ عنْ نَفْسِ مُسْتَكْبِرِ |
فِي حِينِ أَنَّ اللَّيْثَ إِنْ يُدْمهِ | رَاجِمُهُ مِنْ أَلَمٍ يَزْأَرِ |
وَالسَّيْفَ إِنْ يُثْلَمْ لهُ صَلَّةٌ | وَصَلَّةٌ أَنْكَرُ إِنْ يُكْسَرِ |
وَكَهْرَبَاءَ الغَيْمِ إِنْ تَصْطَدِمُ | بِذَاتِ بَرْقٍ مِثْلِهَا تَجْأَرِ |
أَمَّا صَرِيعُ الحَرْبِ مِنْ جُنْدنا | فَرَابِطٌ مَهْما يُسَمْ يَصْبِرِ |
لَوْ ضَارَعَتْ قُوَّتُهُ عَزْمَهُ | لاقى الْمُبِيدَاتِ وَلَمْ يُدْحَرِ |
مُنْتَفِياً بَأْسُ الْعَوَادِي بِه | كَمَا انْتفى الْعُنْصُرُ بِالْعُنْصُرِ |
أُنْظُرْ إِلى الآسِي مُلِمّاً بِه | يُجِيلُ فِيه طَرفَ مُسْتَعْبِرِ |
حُزْناً عَلى ذَاكَ الجَرِيحِ الَّذي | يَجِفُّ سُقْماً فِي الصبَا الأَنْضَرِ |
وذِلكَ المجدِ طَرِيحاً عَلى | مَهْد الضَّنَى فِي سَبْسَبٍ مُقْفِرِ |
تحت سِرَاجٍ حَائِلٍ رَاجِفٍ | أَنَّى تُخَطِّرْهُ الصَّبا يَخْطُرِ |
يُضِيءُ شُحّاً ودِماءَ الفَتَى | تَفِيضُ مِن يَاقُوتِهَا الأَحْمَرِ |
فِي النَّطْفَةِ الْحَمْراَء مِنْ نَضْحِها | وقْدٌ كَوقْدِ الحَوْمةِ المُسْعَرِ |
لَوْ لَمْ يَكُنْ حَرٌّ كَفَى حَرُّهَا | أَوْ لَمْ يَكُنْ ضوْءٌ كَفَى مَا ترِي |
يا أَيُّهَا الصَّرْعَى جُعِلْنَا فِدَى | كُلِّ شُجَاعٍ مِنْكُمُ عَبْقَرِي |
هَيْهَاتَ يُغْنِي نَاعِمٌ خَامِلٌ | مِنْ خَشِنٍ يوْمَ التنَادِي سَرِي |
أثرْتُمُ الْمُثْلى لَكُمْ خُطَّةً | وَمَنْ يُخَيَّرْ فِي الْمُنَى يَخْتَرِ |
فَكَان أَسْمَى الفَخْرِ مَا ابْتَعْتُمُ | وَكَانَ أَدْنَى العَيْشِ مَا نَشْتَري |
أَجْراً وِفاقاً وَالعُلى فِدْيَةٌ | وَلا عُلى فِي خِدْعَةِ المَيْسَرِ |
مَنْ تَسْتَطِلْ آثَارُهُ عُمْرَهُ | يَطُلْ فَإِنْ تَقْصُرْ بِه يَقْصُرِ |
هَلْ يَسْتَوِي مُسْتَبْسِلٌ مُنْجِدٌ | وَآمِنٌ يَقْمِرُ فِي مَقْمِرِ |
يَا مَعْشَرَ الْعُرْبِ الْكِرَامِ الأُولى | بِهِمْ أُباهِي كُلَّ ذِي معْشَرِ |
يَا أُمَّةً أَنْكَرْتُ تَفْرِيطَهَا | إِنْكَارَ لا قَالٍ وَلا مُزْدَرِ |
بِصِدْقِ مَنْ يُوِقظُ حِبّاً لَهُ | وَقَدْ غَفَا عَن طارِيءٍ مُنْذرِ |
كمْ بِتَّ أَسْتَشْفِعُ مِنْهَا لَهَا | وَنوْمُهَا مِنْ رَيْبِهِ مُسْهِرِي |
أَقُولُ هَلْ مِنْ رَقْدَةٍ قَبْلَها | بِغَيْرِكِ امْتَدَّت إِلى أَعصُرِ |
أَلَمْ تَرَيْ أَنَّ قَرَارَ الضُّحَى | غُرْمٌ وَأَنَّ الغنْم لِلْمُبْكِرِ |
يَا أُمَّةً تَارِيخُهَا حَافِلٌ | بِالآي مِنْ مُبْتَدَإِ الأَدْهُرِ |
مِنْ عَهْدِ قحْطَانَ تِبَاعاً إِلى | قَيْسِ بْنِ شيْبَانَ إِلى عَنْترِ |
إِلى اليَتِيمِ القرَشِيِّ الَّذِي | أَعْجَزَ بِالرَّأْي وَبِالأَبْتَرِ |
إِلى العَمِيدِ المُجتبَى بَعْدَهُ | وَشَيْخِهَا بِالعَقْلِ وَالمَخْبَرِ |
إِلى الَّذِي لمْ يُلْفَ نِدٌّ لَهُ | فِي مَالِكٍ بِالعَدْلِ مُسْتْعمِرٍ |
إِلى ابْنِ عفَّانَ وَفِيمَا تَلا | دِمَاؤُهُ تَجْرِي عَلى الأَسْطُرِ |
إِلى عَلِيٍّ سيْفِها فِي الوَغَى | وَصَوتِهَا المَسْمُوعِ فِي المِنْبَرِ |
إِلى نُجُومٍ عَزَّ إِحْصَاؤُهَا | مِنْ قَادَةٍ غُرٍ وَمِنْ عَسْكَرِ |
وَمِنْ أُولِي حَزْمٍ أَدَارُوا بِهِ | مَرَافِقَ الدُّنْيَا عَلى مِحْوَرِ |
وَمِنْ أُولِي عِلْمٍ أَفَاضُوا هُدى | عَلى النُّهى مِنْ نُورِهِ الأَزْهَرِ |
ذِلكَ مَا كُنْتُ عَلى سَمْعِهَا | أُلقِيهِ إِنْ أُسْرِرْ وَإِنْ أَجْهَرِ |
وَطَالَمَا عُدْتُ وَبِي حُزْنُ مَنْ | حَاوَلَ إِحْسَاناً فَلَمْ يَقْدِرِ |
سَهْرَانُ لَكِنَّ رَجَائِي بِهَا | يُؤنِسُنِي فِي لَيْلِيَ الأَعْكَرِ |
كَالْكَوْكَبِ الثَّابِتِ فِي قُطْبِهِ | يَسْطَعُ فِي فِكْرِي وَفِي مَنْظَرِي |
عَاتَبْتُهَا حَتَّى إِذَا رُوِّعَتْ | بِطَيْفِ شَرٍ أَشْعَثٍ أَغْبَرِ |
مُعَفَّرِ الْهَامِ خَئُونِ الخُطَى | جَمٍ مِنَ العُدَّةٍ مُسْتَكْثِرِ |
مُنْطَادِ جَوٍّ فَارِسٍ رَاجِلٍ | خَوَّاضِ بَحْرٍ فِي الدُّجَى مُبْصِرِ |
قُلْتُ لَقَدْ حَلَّ المُصَابُ الَّذِي | يُوِقظُهَا يَا نَفْسُ فَاسْتَبْشِري |
مَا لِشُعُوبٍ جَمَدَتْ بَاعِثٌ | كَالخَطْبِ مَهْمَا يَطْوِها تُنْشَرِ |
يَا أُمَّتِي أَرْضَيْتِ عَنْكِ العُلى | وَاثِبَةً بِالطَّارِقِ المُنْكَرِ |
كَوَثْبِكِ المَعْهُودِ مِنْ سَالِفٍ | أَيَّامَ يَأْبَى العَزْمُ أَنْ تَصْبُرِي |
جَافَيْتِ مَهْدَ الذُّلِّ مُعْتَزَّةً | فَطاوِلِي الدُّنْيَا ولا تُقْصِرِي |
عُودِي إِلى مَجْدِكِ مَحْسُودَةً | وَفَاخِرِي مَحْمُودَةً وَافْخَرِي |
سُودِي كمَا سُدْتِ قَدِيماً بِلا | حَدٍ مِنَ الشُّمِّ ولا الأَبحُرِ |
مَا بِكِ صُعْلُوكٌ فأَيٌّ بدَا | أَمْرٌ لهُ في النَّاسِ فَلْيأْمُرِ |
وَكُل قَدْمٍ فيكِ أَوْ عَالِمٍ | مَا شَاءَ أَنْ يَكْبُرَ فَلْيكْبُرِ |
اللّهُ فِي أَبْطاِلكِ الصَّيدِ مِنْ | دُهاةِ حْربٍ غُيَّبٍ حُضَّرِ |
إِذا عدَا فاِرسُهُم أَسْفرَتْ | عَنْ مِلكٍ عَاصِفةُ العِثْيَرِ |
يُهَاجِمُ المِدْفعَ فِي غِيلِهِ | كَالْقَشْعَمِ السَّاطِي عَلى قسْوَرِ |
فَما درَى المُطْلِقُ إِلاَّ وَقَدْ | أَصْبَحَ فِي أَصْفَادِ مُسْتَأْسِرِ |
وَاللَّيْثُ غُنْمٌ فِي يَدَيْ غَانِمٍ | يُحْمَلُ كَالشيْءِ الْخَفِيفِ الزَّرِي |
فَإِنْ مَشى راجِلهُمْ طَاوِياً | مِئْزَرَهُ فالْحَتْفُ فِي المِئْزَرِ |
كالفَهْدِ إِنْ يَقْفِزْ وَكَالْهِرِّ إِنْ | يَهْبِطْ وَشِبْهُ الْحُوتِ إِنْ يَعْبُرِ |
وَحَيْثُ يُلْفَى رَاقِباً صَيْدهُ | غَابَ عَلى الصَّيْدِ فلَمْ يَنْفُرِ |
يَكْتُمُهُ مَوْضِعُهُ فَهْوَ فِي | حَشَاهُ كَالذمَّةِ لَمْ تُخْفَرِ |
وَلا يَرُوعُ الْقوْمَ مِنْ بَطْشِهِ | أَدْهَى مِنَ الْبَغْتَةِ إِذْ يَنْبَرِي |
حَيْثُ الثَّرَى مَا عَهِدُوا ظَاهِراً | لكِنَّهُ ذُو خَطَرٍ مُضْمَرِ |
والغَوْرُ صَاغِي الأذْنِ والغَارُ ذو | إِنْسَانِ عَيْنٍ دَارَ فِي مَحْجِرِ |
فَبَيْنَمَا هُم فِي ضَلالٍ وَقَدْ | تَهَادَتِ الأَظْهُرُ بِالأَظْهُرِ |
إِذْ أَخَذَتْهُمْ صَيْحَةٌ مِنْ عَلٍ | تَنْقَضُّ أَوْ تَطْفِرُ مِنْ مَطْفِرِ |
فَافْترَقُوا وَاسْتبْقُوا شُزباً | ناجِينَ مِن قَارِعَةِ المَحْشَرِ |
لَكِنَّمَا تَسْبِقُ أَبْصَارَهُمْ | أَيْدٍ تُقرُّ الْجأْشَ فِي الخوَّرِ |
نِفْطِيَّةُ الْوَهْجِ يَرِي حَلْيُهَا | مِن دَمِهِمْ وَالجَوُّ كَالعنْبِر |
لا تُطْلِقُ الشُّذَّاذَ إلاَّ على | تزْكِيةِ الْمَخْبَرِ لِلْمُخَبِرِ |
وَأَنْ يَسْبُّوا سائِقِيهِمْ إلى | مَا حَضَرُوا مِن رَائِعِ الْمَحْضَرِ |
يَا أُمتِي مِثْلُ الدِّفَاعِ الَّذِي | دَافَعْتِهِ فِي الدَّهْرِ لَمْ يُذْكَرِ |
مِنْهُ اعْلَمِي أَنَّكِ إِنْ تَجْمَعِي | وَنَاوَأَتْكِ الجِنُّ لم تُقْهرِي |
ثُمَّ اعْلمِي أَنَّكِ إِنْ تُجْمِعِي | طَالِبَةً أَقْصى المُنى تَظْفَرِي |
حُبّاً لِجَرْحاكِ وَبِرّاً بِهِم | مَا المالُ غَيْرُ الثَّمَنِ الأَيْسَرِ |
ظِلُّ هِلالِ الْخَيرِ مِن فَوْقِهِمْ | وَيَدُ ذَاتِ الشَّرَفِ الأَطْهَرِ |