أرشيف الشعر العربي

ذَلكَ الشَّعْبُ الَّذِي آتاهُ نَصْرَا

ذَلكَ الشَّعْبُ الَّذِي آتاهُ نَصْرَا

مدة قراءة القصيدة : 21 دقائق .
ذَلكَ الشَّعْبُ الَّذِي آتاهُ نَصْرَا هُوَ بِالسُّبَّةِ مِنْ نيْرونَ أَحْرى
أَيُّ شيءٍ كانَ نَيرون الَّذِي عَبَدوهُ كان فَظَّ الطَّبْعِ غِرَّا
بَارِزَ الصُّدْغيْنِ رَهْلاً بَادِناً لَيسَ بِالأَتُلَعِ يَمْشِي مُسْبَطِرَّا
خائِبَ الهِمَّةِ خَوَّارَ الحَشا إِنْ يوَاقَفْ لَحْظهُ بِاللَّحْظِ فَرَّا
قَزْمَةٌ هُمْ نَصَبوهُ عَالِياً وَجَثوْا بَينَ يَدَيْهِ فَاشْمَخَرَّا
ضَخَّموهُ وَأَطالُوا فَيْئَهُ فَترَامَى يَملأُ الآفاقَ فُجْرَا
مَنَحُوهُ مِنْ قُوَاهُمْ مَا بِهِ صَارَ طاغُوتاً عَليْهِمْ أَوْ أَضرَّا
يَكْثُرُ الإِعْصَار هَدْماً وَردىً إِنْ يُكاثرْهُ وَما أَوْهَاهُ صَدْرا
مَد فِي الآفاقِ ظِلاًّ جَائِلاً هوَ ظِلّ المَوْتِ أَوْ أَعْدَى وَأَضْرى
إِنْ رَسَا فِي موْضِعٍ طَمَّ الأَسَى أَوْ مَضى فاظْنُنْ بِسَيْفِ اللّهِ بَترَا
مُتلِفاً لِلزرْعِ وَالضَّرْعِ مَعاً تارِكاً فِي إِثرِهِ المَعْمور قَفْرا
إِنَّما يَبْطِشُ ذُو الأَمرِ إِذا لمْ يَخَفْ بَطْشَ الأُولى وَلَّوْهُ أَمْرَا
سَاسَ نيْرُونُ بِرِفْقٍ قوْمَهُ مُسْتِهلاًّ عَهْدَهُ بِالخيْرِ دَثْرا
مُسْتشِيراً فِيهِمُ الحِذرَ إِلى أَنْ بَلا القوْمَ فمَا رَاجَعَ حِذْرَا
ضارِباً فِيهِمْ بِكفٍ مَرَّةً بَاسِطاً كفَّيْهِ بالإِحْسَانِ مَرَّا
لانَ حتَّى وَجَدَ اللِّينَ بِهِمْ فجَفا ثُمَّ عَتا ثُمَّ اقْمَطرَّا
لبِسَ الحِلْمَ لهُمْ حَتَّى إِذا آنسَ الحِلْمَ بِهِمْ مِنْهُ تعَرَّى
وَانْتَحَى يُرْهِقُهُمْ خَتْراً فَمَا عَاقِلٌ فِي مَعقِلٍ يَأْمَنُ خَترَا
بَادِئاً تَجْرِبَةَ البَأْسِ بِمَنْ هُوَ مِنْ أَهَلِيهِ فِي الأَدْنَيْنَ إِصْرَا
لَمْ يُشَفِّعْهُمْ لَديْهِ أَنَّهُمْ أَعلَقُ النَّاسِ بِهِ قُرْبَى وَصِهْرَا
مُسْتَبِيحاً بَعْدَهُمْ كُلَّ امِريءٍ رَابَهُ سَمّاً وَإِحْرَاقاً وَنَحْرَا
مِنْ مُوَالِينَ وَنُدْمَانٍ لَقُوا حتْفَهُمْ حَيثُ رجَوْا سَيباً مُبِرَّا
وَأُولِي عِلْمٍ عَلى تَأْدِيبِهِ أَنْفَقوا مِنْ عِلْمِهِمْ مَا جَلَّ ذُخْرَا
حَذَّرُوهُ شَرَّ مَا يُعْقِبُهُ بَغْيُهُ إِنْ لَمْ يَخَفْ لَوْماً وشُرَّا
فَأَبَاحُوا خَطَلاً أَنْفُسَهُمْ وَأُولِي الأَلْبَابِ أَعْياناً وَغُثْرَا
ظَنَّ فِي الجُمهُورِ أَعَدَاءً لَهُ مُلِئَتْ أَكْبادُهُمْ ضِغْناً وَدَغْرَا
كَاظِمِينَ الغيْظَ خَافِينَ إِلى أَنْ يَلُوْا فِي وَجْهِهِ العُدْوَان جَهْرَا
نَاكِسِي الهَامَاتِ حَتَّى يُشْهَدُوا فِي لِقَاءِ القَادِرِينَ الصُّعْرِ صُعْرَا
مِنْ غَيَابَاتِ الدُّجَى أَبْصَارُهُمْ تَطْلُبُ النُّورَ وَتأْبَى أَنْ تَقِرَّا
فِئَةٌ شُكْسٌ غُلاةٌ طالمَا ناوَأُوا الحُكْمَ وَهَاجُوا القَوْمَ نَأْرَا
قَتَلُوا تَركِينَ فِي دعَوَاهُمُ أَنَّهُ يُسْرِفُ فِي السُّلْطَانِ حَكْرَا
وَأَثابُوا بِالرَّدَى قَيصَرَ إذْ أَخْضَعَ الدُّنْيَا لهُمْ بَرّاً وَبَحْرَا
أَصَحِيحٌ أَنَّ رُومَا حَفِظَتْ مِنْ جَلالِ العِزَّةِ القَعْسَاءِ غبْرَا
لمْ يَخَلْ ذِلكَ نَيرُونُ وَلَمْ يَرَ مَنْ يَأْمِنُهَا يَأْمِنُ وَتْرَا
عَدَّ عَنْ ذِلكَ وَاذْكُرْ قَتْلَهُ أُمَّهُ كمْ عِظَةٍ فِي طيِّ ذِكْرَى
هِيَ أَرْدَتْ عَمَّهُ مِنْ أَجْلِهِ وَأَرَتْهُ كَيْفَ أَخْذُ المُلْكِ قَهَرَا
وَرَعَتْهُ حَاكِماً حَتَّى إِذا شَجَرَتْ بَيْنَهُمَا الْعِلاَّتُ شجْرَا
وَرَأَى الشّرْكة فِي سُلْطَانِهِ وَهَناً وَالنّصْحَ تقْيِيداً وَحَجْرَا
سَخَّرَ الْفُلْكَ لهَا تُغْرِقُهَا فَنَجَتْ وَالْغَوْرُ لاَ يُدْرِكُ سَبْرَا
فتبَاكَى خُدْعَةً لَكِنَّهَا لمْ يَفُتْهَا مَا وَرَاءَ الْعَيْنِ عَبْرَى
فَاصْطَفى مِن جُنْدِها مُؤْتمَناً خائِناً يَأْخُذُهَا بِالسَّيْفِ غَدْرَا
وَلِفَضلٍ فِي نُهَاهَا اسْتشْعَرَتْ غِيلَةَ الوَغْدِ إِذِ الْبَارِقُ ذَرَّا
لَحْظَةٌ فِيها اسْتبَانَتْ هَوْلَ مَا إِثْمُهَا أَمْسِ عَلَيْهَا الْيَوْمَ جَرَّا
غيْرَ أَنَّ الْخَوْفَ مِنْهَا لمْ يَقَعْ مَوْقِعاً يُزْرِي إِذَا مَا الْخَوْفُ أَزْرَى
فأَشَارَتْ قُبُلاً لمْ تحْتَشِمْ وَلَهَا وَقْفَتَهَا تِيهاً وَجَبْرَا
ثُمَّ قَالَتْ دُونَكَ الْبَطْنُ الَّذِي نكَبَ الدُّنْيَا بِهِ فَابْقَرْهُ بَقْرَا
هَكذَا الْبَاغِي عَلى جُبْنٍ بِهِ بَدَأَ الْبَغْيَ وَبِالْفَتْكِ تَضَرَّى
يَخْتِلُ النَّاسَ فُرَادَى فإِذَا أَجْمَعُوا رَأْياً أَدَارَ الطَّعْنَ نَثْرَا
مَنْ يَجِدْهُ مُمْكِناً أَصْمَى وَمَنْ لَمْ يَجِدْهُ مُمْكِناً مَنَّى فَأَغْرَى
مُسْتِطيلاً مَا اشْتَهَى فِي بَغْيِهِ قَائِلا مَا اسْطاعَ لِلرَّأْفِة قصْرَا
غالَ مَنْ غالَ بِهِمْ فِي شُبْهَةٍ بَلْ كَفَى أَنْ خالَ حَتَّى اقْتَصَّ وَغْرَا
وَادّعَى الْوِزْرَ وَقَاضَى وَقَضى غَيْبَةً إِنْ كَانَ أَوْ لَمْ يَكُ وِزْرَا
وَبَنُو رُومَا سُجُودٌ حَوْلَهُ رُكَّعٌ رَاضُونَ ما سَاءَ وسَرّا
لَوْ عَلَوْا كَالمَدِّ فِي بَحْرٍ طَغى ثُمَّ ظَنُّوهُ لعَادَ المَدُّ جَزْرَا
كُلَّمَا كَفْكَفَهُ نَاهِي النُّهَى عَنْ أَذَاهُمْ جَرَّأُوهُ فَتجَرَّى
لَيْسَ بِالتَّارِكِ فِيهِمْ جُهْدَهُ لِسِوَى أَعْوَانِهِ جَاهاً وَأَزْرَا
أَفسَدَ الْقَوْمَ عَلى أَنْفُسِهِمْ فَإِذَا الأَخْفَرُ مَنْ كَان الأَبَرَّا
وَإِذَا الأَوْفَى خَئُونٌ وَإِذَا حَسَنُ النَّكْرِ قُبَيْلاً سَاءَ نكْرَا
وَإِذَا كُلُّ وَلاءٍ عَامِرٍ تَحْتَهُ مَفْسَدَةٌ تَحْفُرْ حَفْرَا
ظَلَّ فِي الإِرْهَابِ حَتَّى خَفَّ مِنْ قذْفِهِمْ فِي رُوْعِهِ مَا كانَ وَقْرَا
فَانثَنَى مُنْشرِحاً صَدراً كَأَنْ لَمْ يَجِيءْ مِنْ شُنَعِ التَّنْكِيلِ صَدْرَا
كُلَّ يَوْمٍ يَمْنَحُ الْجيْشَ حُبىً وَعَطَايَا جَمَّةً تُبْذر بَذْرَا
كُلَّ يَوْمٍِ يَصِلُ الشَّعْبَ بِمَا ليْسَ يُبْقِي لاسْتِياءٍ فِيهِ حِبْرَا
كلَّ يَوْمٍ يَنْتدِي حَيْثُ انْتَدَى لِلْمَلاهِي قوْمُهُ صُبْحاً وَعَصْرَا
فَأَحَبُّوهُ لِهذَا وَنَسُوا مَا بِهِمْ حَلَّ مِنْ الأَرْزَاءِ غُزْرَا
وجَرَى فِي كُلِّ شَوْطٍ آمِناً وَتَمَلَّى الْعَيْشَ بَعْدَ الخَوْفِ طَثْرَا
أَخْطَرَ الأَمْنُ قَلِيقُوْلاَ عَلى بَالِهِ والْهَزْرُ قَدْ يُعْقِبُ هَزْرَا
أَفَتَدْرِي مَنْ قَلِيقُوْلا وَمَا سَامَهُ الرَّومَانَ مُسْتَخْذِينَ بُهْرَا
أَفَتَدْرِي أَيَّ حُكْمٍ جَائِرٍ ذِلك الطَّاغِي عَلى الرُّومَانِ أَجْرَى
أَفَتَدْرِي ما الَّذِي كَلَّفَهُمْ ذاتَ يَوْمٍ ضحِكاً مِنهُمْ وَسُخْرا
يَوْمَ أَمْسَى غيْرَ مُبْقٍ بَيْنهُمْ مِنْ أُسُودِ الْخِدْرِ منْ يَعْصِمُ خِدْرَا
وَثنى الأَعْيَانَ فِي نَدْوَتِهِمْ طوْعَ كفَّيْهِ أَأَحْلى أَم أَمَرَّا
فَنَوَى أُفْعُولةً لَمْ يَنْوِها غَيْرُهُ مِنْ قَبْلُ مَهْما يَكُ جَسْرَا
لَوْ أَسرَّتْ نَفْسُ أَشْقى ظَالِمٍ بَعْضَهَا أَخْجَلَهُ مَا قَدْ أَسَرا
ذَاك أَنْ وَلَّى عليهِمْ قُنْصُلاً فَرَساً مِنْ خَيْلِهِ أَصْهَبَ تَرَّا
مَرِنَ الأَرْسَاغِ مِمْرَاحاً يُرَى قَارِحاً أَوْ فَوْقَهُ إِنْ هوَ فرَّا
كانَ فِي الْخيْلِ أَبُوهُ مُعْرِباً بَيِّناً نِسْبَتُه وَالأُمُّ حِجْرَا
رَحْبَ شِدْقٍ لاَ هِزاً مَاضِغهُ لاحِبَ المَتْنِ اسْتَوَى خَلْقاً وأَسْرَا
مُشْرِفَ الْعُنْقِ ضَلِيعاً هَيْكلاً لمْ يُبَالِغْ فِيهِ مَنْ سَمَّاهُ غمْرَا
طالَمَا اسْتعْصى عَلى مُلْجِمِهِ فِي الصِّبَا ثمَّ عَلى الأَيَّامِ قرَّا
وَبَدَا فِيهِ وَقارٌ بَعْدَ أَنْ كانَ خَفَّاقاً إِذَا حُمِّلَ وِقْرَا
رِيض لِلطَّاغِي وَأَوْهَى عَزْمَهُ كِبَرُ السِّنِّ فمَا يَسْطِعُ كِبْرَا
وغَدَا فِي ظَنِّ مَوْلاُه بِهِ دَمِثاً لاَ خوْفَ مِنْ أَنْ يَحْذئِرَّا
دَانِياً حَاجِبُهُ مِنْ وَقْبِهِ لَيِّناً جَانِبُهُ عُسْراً وَيُسْرَا
مُذْعِناً يَصْلُحُ لِلإِقْرَارِ فِي مَجْلِسِ الأَشْيَاخِ مَحْمُوداً مَقَرَّا
فَلِهَذَا اخْتَارهُ صِنْواً لَهُمْ وَهْوَ لاَ يَحْسَبُهُ أَحدثَ كُفْرَا
لمْ يَكَدْ يَأْمُرُ حَتَّى استبَقَتْ زُمَرٌ تَهْتِفُ فِي النَّدْوَةِ بُشْرَى
بشَّرُوا الأَعْيَان بِالنِّدِّ الَّذِي صدَرَ الأَمْرُ بِهِ قُدِّسَ أَمْرَا
ثُمَّ وَافى بِالجوادِ المُجْتَبَى سَاسَةٌ قَدْ أَلْبِسُوا خَزّاً وَشَذْرَا
فَدَنا مُسْتأْنِساً لِكنَّهُ مُوشِكٌ لِلرَّيْبِ أَنْ يَبْعُدَ نَفْرَا
ناشِقاً مَا حَوْلَهُ مُلْتَفِتاً فِعْلَ مَنْ أَوْجَسَ كَيْداً فَاقْشَعَرَّا
سَاكِناً آناً وَآناً نَزِقاً يَفْحصُ المَوْقِفَ أَوْ يَهْمُرُ هَمْرَا
مُرْخِياً عُذْراً طِوَالاً كَرُمَتْ عِنْدَ مَنْ لا يُرْسِلُونَ الْعُذْرَ عُذْرَا
بَيْنَمَا يُسْبِلُ أَذُنيْهِ وَقَدْ جَحَظتْ عَينَاهُ إِذْ يَرنُو مُصِرَّا
أَوْشَكُوا أَنْ يحْزَنُوا ثُمَّ بَدَا فَإِذا مَا ظُن مِنْ حُزْنٍ تَسَرَّى
وَانْبَرَى مِنْ فوْرِهِ أَرْغَبُهُمْ فِي رِضَى الْغَاشِمِ يسْتَرْضِي الطِّمِرَّا
زَاعِماً مَوْلاهُ يَبْلُو وُدَّهُمْ بِالَّذِي أَهْدَى وَلا يُضْمِرُ حَقْرَا
وَأَتَمَّ الأُنْسَ داعُونَ دَعَوْا لِلجَوَادِ الشَّيْخِ أَجْلِلْ بِكَ مُهْرَا
لمْ يَكُنْ مُهْراً وَكَمْ مِنْ فِرْيَةٍ بُذِلَتْ فِي خِطْبَةٍ لِلوُدِّ مَهْرَا
يَا لَهُ طِرْفاً بَنى الْحَظُّ لهُ فِي بنِي أَعْوَجَ عِزّاً وَسِبَطرَى
دَارَتِ الْجَلْسَةُ فِي حَضْرَتِهِ فَأَدَارَ الذَّيْلَ فِي جَنْبَيهِ خَطْرَا
وَلَهُ سَامِعَتَا مَنْ لَمْ يَثِقْ وَلَهُ بَاصِرَتا مَنْ قَلَّ مَكْرَا
إِنْ أَطَالُوا جَدَّ رَفْساً وَإِذَا أَقْصروا حَمْحَمَ تَأْنِيباً وَزَجْرَا
وَإِذا حَرَّكَ رَأْساً أَكْبَرُوا وَحْيَهُ لِلّهِ ذَاكَ الْوَحْيُ دَرَّا
كَانَ إِمْراً شَأْنُهُمُ مِنْ جَهْلِهِمْ وَقدِيماً كَانَ شَأْنُ الْجَهْلِ إِمْرَا
عَظَّمُوا طِرفاً وَقَبْلاً عَبَدَتْ أُمَمٌ مِنْ جَهْلِهَا ثَوْراً وَهِرَّا
ذَاك إِبْدَاعُ قَلِيقُولاَ فهَلْ دُونَهُ نَيرُونَ فِي الإِبْدَاعِ حِجْرَا
سَنَرَى إِنْ هُوَ لمْ يَضْرَ بِهِ مَا الَّذِي يَفْعَلُهُ الْقَوْمُ لِيَضْرَى
لا سَقَاك الْغَيْثُ يَا جَهْلُ فكَمْ سُقِيَتْ فِي كَأْسِكَ الأَقْوَامُ مُرَّا
أَنْتَ أَغْرَيْتَ بِظُلْمٍ كُلَّ ذِي صَوْلَةٍ غَيْرَ مُبَالٍ أَنْ يُعَرَّا
وَسِعَتْ أُمُّ الْقُرَى ذَاكَ الّذي عَقَّهَا حَمْداً كَمَا لَوْ كَانَ بَرَّا
إِن يُكَلِّمْهُ الأَعَزُّونَ بِهَا فَامْتِدَاحاً أَوْ يُكَلِّمْهُمْ فَهُجْرَا
فمَضَى فِي غَيِّهِ وَاسْترْسَلَتْ فِي مَجَالِ الذُّلِّ تَحْبِيذاً وَشُكْرَا
أَلَّهَتْهُ أَوْهَمَتْهُ أَنَّهُ مَالِكُ الضُّرِّ مَنِيعٌ أَنْ يُضَرَّا
فإِذَا أَوْضَعَ فِي تَفْظِيعِهِ بَرَّأَتْهُ آبِياً أَنْ يَتَبَرَّا
بَلَغَ التَّمِليقُ مِنْهَا أَنَّهَا كُلَّمَا أَزْرَى بِهَا شَدَّتْهُ أَزْرَا
كُلَّ يَوْمٍ يَدَّعِي فنّاً فمَا هُوَ إِلاَّ أَنْ نَوَى حَتَّى أَقِرَّا
قالَ بِي حُسْنٌ فَقَالَتْ وَبِهِ يَا فَقِيدَ الشِّبْهِ فُقْتَ النَّاسَ طُرَّا
فَتَرَقَّى قالَ إِنِّي مُطْرِبٌ فَأَجَابَتْ وَتُعِيدُ الصَّحْوَ سُكْرَا
فتَمَادَى قَالَ فِي التَّصْوِيرِ لِي غُرَرٌ قَالَتْ وَتُؤْتِي الرَّسْمَ عُمْرَا
فتَغالى قَالَ فِي التَّمْثِيلِ لا شِبهَ لِي قالَتْ وَيُحْيِي المَيْتَ نَشْرا
فَتَنَاهَى قَالَ إِنِّي شَاعِرٌ فَأَجَابَتْ إِنَّمَا تَنْظِمُ دُرَّا
فعَرتْهُ جِنَّةٌ زَانَتْ لَهُ خُطَّةٌ أَدْهَى عَلى المُلْكِ وَأَزْرَى
أَزْمَعَ الرِّحلَةَ فِي مَوْكِبِهِ جَاشِماً شُقَّتَهَا بَحْراً وَبَرَّا
مُوِلياً شطْرَ أَثِينا وَجْهَهُ إِنَّهُ كَانَ لأَهْلِ الْفَنِّ شَطْرَا
يَتَوخَّى قَوْلَهَا فِي حَقِّهِ إِنَّهُ أَصْبَحَ فِي التَّمْثِيلِ نِحْرَا
وَكَفى مَنْ شهِدَتْ يَوْماً لَهُ شُهرَةً تُولِيهِ فِي الأَقْطَارِ زَخْرَا
فَمَضَى فِي أَيِّ حَشْدٍ حاشِدٍ يَدَعُ الرَّحْبَ مِنَ السَّاحَاتِ ضَجْرَا
بَعْدَ أَن أَوْفَدَ رُسْلاً كُلِّفُوا فِي أَثِينا دَعْوَةَ النَّاسِ وَسَفرَا
يَبْتَغِي إِشْهَادَهَا فِي مَحْفِلٍ حُسْنَهُ الطَّالِعَ فِي الظَّلْمَاءِ بَدْرَا
مُسْمِعاً سُمَّارَهَا مِزهَرَهُ عَارِضاً تَمْثِيلَهُ بَطْناً وَظَهْرَا
إِيْ وَآياتِ أَثِينا كَانَ مِنْ شَأْنِهَا أَنْ تمْنَحَ الأَخْطَارَ دَهْرَا
ذَاك إِذْ كانتْ هِيَ الدَّارَ وَإِذ كَانتِ الدُّنْيَا لِتِلكَ الدَّارِ قُطْرَا
إِنَّمَا أَمْسَتْ أَثِينَا عَمَلاً داخِلاً فِي دَوْلةِ الرُّومانِ قَسْرَا
فَإِذَا مَا أُلْفِيَتْ شَارِيَةً بَعْضَ أَمْنٍ بِالثَّنَاءِ الزُّورِ يُشْرَى
أَو بَدَتْ سَاخِرَةً مِنْ نَفْسِهَا تُطْرِيءُ الْجَهْلَ وَمَا كانَ لِيُطْرَا
فكَذَاكَ الرِّقُّ يُدْنِي مِنْ عُلىً وَيُعِيدُ الأُمَّةَ الْحُرَّةَ عُرى
ذاك تأْوِيلُ الْحَفاوَاتِ الَّتِي وَهَبَتْهَا القَيْصَرَ المُمْتاحَ فَخْرَا
فَقَضَى مَأْربَهُ ثُمَّ انْثنَى بِرِضَى مَنْ فعَلَ الفِعْلَة بِكْرَا
ليْسَ آفُلُونُ لَوْ نَاظَرَهُ بِمُصِيبٍ مِنْهُ غَيْرَ اللَّمْحِ شَزْرَا
عَادَ بِاليُمْنِ وَكُلٌّ مُضْمِرٌ حَزَناً لَكِنَّهُ يُظْهِرُ سُرَّا
فتَلقَّاهُ بِرُومَا أَهْلُهَا كَتَلَقِّي فَاتِحٍ فَتْحاً أَغرَّا
قَيْصَرُ الأَكْبَرُ لمْ يُحْفَلْ لَه هَكَذا إِذْ دَوَّخَ الدُّنْيَا وَكرَّا
نَصَبُوا الأَبْوَابَ إِكْبَاراً لَه وَأَحَاطوا رَكْبَهُ بِالْجَيْشِ مَجْرَا
وَأَقَامُوا زِينةً جُنحَ الدُّجَى جَعَلَت رُومَا سَمَاوَاتٍ وَزُهْرَا
زِينَةٌ مَا شهِدَ الْخَلْقُ لهَا قبْلَ ذَاكَ الْعَهدِ شِبْهاً يُتَحَرَّى
خَلَبَتْهُ وَاسْتَفَزَّتْ رَوْعَه فَطوَى اللَّيْلَ وَقَدْ أَضْمَرَ أَمْرَا
لَيُجِدَّنَّ بِهَا مُعْجِزَةً تُرْهِبُ الأَعْقابَ مَا النَّجْمُ ازْمهَرَّا
جَامِعاً فِيهَا الأَفانِينَ الَّتِي يَدَّعِي إِتْقَانَهَا عِلْماً وَخُبْرَا
مُخِرجاً أَشْجَى سَمَاعٍ لِلوَرَى مِنْ لَهِيبٍ يَسْدَرُ الأَبْصارَ سَدْرَا
مُغْرِباً حُسْناً وَفِي مَذْهَبِهِ أَنَّ خيْرَ الحُسْنِ مَا يُفْعَمُ شَرَّا
فتقُومُ الزِّينةُ الكُبْرى بِمَا بَعدَهُ لا تُذْكَرُ الزِّيناتُ صُغرَا
فازَ نَيْرُونُ بِأَقْصى مَا اشْتهَى مُحْرِقاً رُومَا لِيَسْتَبْدِعَ فِكْرَا
بَعْدَ أَنْ حَصَّلَ فِي تمْثِيلِهِ ما بِهِ أَصْبَحَ فِي التَّمْثِيلِ شَهْرَا
شُبَّتِ النَّارُ بِهَا لَيلاً وَقَدْ رَقَدَتْ أَمَّتُهَا وَسْنى وسَكْرَى
شُعْلَةٌ مِنْ كُلِّ صَوْبٍ نَهَضَتْ وَمَشَتْ دَفّاً وَإِحْضاراً وَعَبْرَا
زَحَفتْ رَابِيَةٌ مُضْرَمَةٌ تلْتَقِيهَا فِي عِناقِ الوَهْجِ أَخْرَى
جَمَعَتْ أَقْسَامَ رُوما كُلَّهَا فِي جَحِيمٍ تَصْهَرُ الأَجْسَامَ صَهْرَا
فالمَبَانِي تتهَاوَى وَالجُذَى تترَامَى وَالدُّمَى تَنقَضُّ جَمْرَا
وَالأَنَاسِيُّ حَيَارى ذُهلٌ غامَرُوا هَولاً وَسَاءَ الهَولُ غَمْرَا
خُوَّضٌ فِي الوَقْدِ إِلاَّ نَفَراً تَخِذوا الأَشْلاءَ فَوقَ الوَقْدِ جِسْرَا
وَالضَّوَارِي انْطلَقَتْ لاَ تَأْتَلِي مَا الْتَقَتْ عَضّاً وَتمزِيقاً وَكسْرا
هَجَمَتْ لِلفَتكِ ثُمَّ انهَزَمَتْ فَزِعَاتٍ سَارِيَاتٍ كُل مَسْرى
كثُرَ اللَّحْمُ شِوَاءً حَوْلهَا وَتَأَبَّتْ بَعْدَ جَهْدِ الصَّوْمِ فِطْرا
تَتهَادَى مُهَرَاقاً دَمُهَا وَبِهَا ضَعْضَعَةُ النَّازِفِ خَمْرَا
دَفَقَ التِّبْرُ ضِيَاءً وَدَماً مُسْتَفِيضَ اللّجِّ ياقُوتاً وَتِبْرَا
كانَ بِالأَمْسِ كَمِرْآةٍ صَفَتْ رُبَّمَا كَدَّرَهَا الطَّائِرُ نَقْرَا
تَلتَقِي فِيهَا صُرُوحٌ عَبَسَتْ قَاتِمَاتٍ وَرُبىً تَبْسِمُ خُضْرا
فإِذا مَرَّتْ نُسيْمَات بِها حطَّمتْهَا قِدَداً رُبْداً وَغُرَّا
حَبَّذَا عِندَئِذٍ مَنْظَرُهَا مَنْظَراً وَالتِّبْرُ فِي الأَنهَارِ نَهْرَا
إِذْ تُرَى الأَمْواجُ فِيهِ أَعْرَضَتْ مالِئاتٍ صَفحَاتِ المَاءِ سِحْرَا
كجَوارٍ سَابِحَاتٍ خُرَّدٍ سَابِقاتٍ فِي تبَارِيهَا وَحَسْرَى
لاهِيَاتٍ مُغرِبَاتٍ ضَحِكاً آمِناتٍ لَمَحَاتِ الرَّيْبِ طُهْرَا
أَرْسَلَ الْحُسْنُ عَلى أَكْتَافِهَا مِنْ ضَفِيرِ الزَّبَدِ المُذْهَبِ شَعْرَا
كُلُ غيْدَاءَ رَدَاحٍ ناوَحَتْ بِيدٍ عَبراً وَبِالأَخْمُصِ عَبْرَا
هِيَ نوْرُ الرَّوْضِ أَوْ أَزْهَى حُلىً وَهْيَ غصْنُ الرَّنْدِ أَوْ أَرْشَقُ خَصْرَا
تارَة تبْدُو وَطَوْراً لا تُرَى وَتَنَاهِي الظَّرْفِ إِذْ ترْفضُ ذرَّا
أَيْنَ تِلْك الْعِيْنُ هَلْ حَالَتْ إِلى جِنَّةٍ وَارْتدَّ بَرْدُ المَاءِ سَعْرَا
أَصْبَحَتْ سُود سَعَالٍ سَاقَهَا سَائِقٌ يُوسِعُهَا حَثّاً وَنَهرَا
فِي مُسوحٍ مِنْ قُتارٍ يُجْتلى أُرْجُوَانٌ تَحتَهَا مِنْ حَيْثُ تُفْرى
عَاد صافِي اللَّونِ مِنهَا رَنِقاً وَضَحُوكُ الْوَجْهِ مِنْهَا مُكفَهِرَّا
شَرَقَتْ لِماتُهَا أَصبِغَةً وَرنَتْ أَعْيُنُهَا النَّجْلاءُ خُزرَا
صَارَ غِسلِيناً حَمِيماً غِسْلُهَا كَاسِباً مِن حَرِّ مَا جاوَرَ حرَّا
أَيْ بناتِ المَاءِ غَبْنٌ بَيِّنٌ أَنْ تُرَى سُوداً وَمَا أَبْهَاكِ شُقْرَا
ذَاكَ مَا أَحْدَثهُ الْبَغْيُ وَهلُ أَدْرَكَ الصَّفْوَ فلَمْ يَرْدُدْهُ كدْرَا
قَامَ سُورٌ حَوْلَ رُومَا سَاطِعٌ ناشِراً أَعْلامَهُ كَمْتاً وَصُفْرَا
تَحْتَ جَوٍّ مُلِئَتْ أَرْجَاؤُهُ مِنْ تَلَظِّيهَا قَتَاماً مُسْبَكِرا
يَنْظُرُ الْغَاشِمُ فِي أَقْسَامِهَا حِذْقهُ رَسْماً وَمُوسِيقى وَشِعْرَا
أَترَى تِلْك الأَعَارِيضَ الَّتِي فُرِّقَّتْ أَبْيَاتُهَا شَطْراً فشطْرَا
أَتَرَى التَّرْصِيعَ فِي أَسْوَاقِهَا بِالطُّلى سُحْماً وَبِالأَرْؤُسِ حُمْرَا
أَتَرَى التَّدْبِيجَ فِي أَلْوَانِهَا مُعْقِباً مِنْ بِيضِهَا زُرْقاً وَعُفْرَا
أَتَرى الْخَالِدَ مِنْ أَطْلالِهَا كيْفَ يُطْوَى بَعْدَ أَنْ يُنْشَرَ نَشْرا
أَتَرَى الْوَرْيَ بِلا توْرِيَةٍ نَاسِخاً تارِيخَهَا عَصْراً فعَصْرَا
كَمْ مَقامٍ عَطِلَتْ زِينتُهُ زانَه فِي الْعَيْنِ أَنْ يُصْبِح إِثْرَا
كمْ كِتَابٍ بَرَزت أَحْرُفُهُ سَاطِعَاتٍ وَلِسَانُ النارِ يَقْرَا
كلُّ قصْرٍ مُتَدَاعٍ شَيَّدَتْ بَعْدَهُ هَازِئَةُ الأَنْوَارِ قَصْرَا
كُلُّ بُرْجٍ مُترَامٍ حَفَرَتْ بَعدَهُ فِي عُمُقِ الظَّلْمَاءِ بِئْرَا
كلُّ كِتْرٍ فِي المَبَانِي رَفَعَتْ فوْقَه سُخْرِيَة الشَّعْلولِ كِتْرَا
هَوَتِ الْعِقبَانُ عَنْ أَنْصَابِهَا وَغذا مِنْهَا اللَّظى رُخّاً وَنَسْرَا
وتَرَامَتْ شُعَلٌ طائِرةٌ قد تَرَى عُصْفُورَهَا يَصْطَادُ صَقْرا
وَترَى مِنْهَا فرَاشاً نَاحِلاً يَضْرِبُ الْبَاشِقَ أَوْ يَهْدِمُ وَكْرَا
وترَى مِنْهَا هُلاماً بَشِعاً غائِلاً فَرْخاً وَلا يَرْحَمُ ظِئْرَا
وَيْحَ رُوما تَزْدَهِي ذَاكِيَةً وَعُيونُ الليْلِ بِالرحْمَةِ شَكْرَى
لَمْ يَجِدْ نَيْرُون أَبْهَى فَلجاً مِنْ تشَظِّيها وَلا أَعْذبَ ثَغْرَا
لا وَلَمْ يُفْعِمْهُ بِشْراً حَدَثٌ كالَّذِي أَفْعَمَهُ إِذْ ذَاك بِشْرَا
غَايَةُ الإِضْحَاكِ مَا أَلْفَاهُ مِن فَزَعِ الصَّالِينَ يَبْغُونَ مَفَرَّا
وَالإِشارَاتِ الَّتِي يُبْدُونَهَا فِي تَعَادِيهِمْ إِلى يُمْنى وَيسْرَى
كِرعَالِ الجِنِّ رَقْصاً فِي اللَّظَى وَالمَجَانِينِ مُنَابَاةً وَهُتْرَا
رُبَّ عَارٍ بِقروحٍ يَكْتَسِي وَبتولٍ تحْتَ سِتْرِ الْوِهْجِ تَعْرِى
وَهَزِيمٍ وَثبَتْ أَعْينُهُ وَضرِيرٍ مُتلَوٍّ حَيْثُ قرَّا
ونَحِيفٍ بَاتَ ظِلاًّ وَاجِفاً وَضَلِيعٍ مَاتَ تَحْتَ الرَّدْمِ هطْرَا
فِتَنُ النَّارِ إِذَا مَا أَذْهَبَتْ فِي أَفَانِينِ الأَذى يَأْبَيْنَ حَصْرَا
وَمِنَ المُمْتِعِ فَوْقَ المُشْتهى بِدَع جَاءَ بِهَا التنْوِيعُ تَتْرَى
هَذِهِ قنْطرَةٌ شاهِقَةٌ غارَ مِنْهَا جَانِبٌ فِي المَاءِ طَمْرَا
ذَاكَ صَرْحٌ جُرِّدَتْ أَطْلالُهُ مِنْ حُلِيٍّ كُن مِلْءَ الْعَيْنِ سَبْرَا
تِلْك مِنْ عَهْدٍ عَهِيدٍ دَوْحَةٌ ظلَّ يَسْقِيهَا سَحَابُ الْعَفْوِ ثَرا
عَقدَتْ أَغْصَانُهَا تَاجَ سَنى وَخَبَتْ بَيْنَ مُدَلاَّةٍ وَكسْرَى
ثمَّ حَولْ وِجهَةَ الطرْفِ تجِدْ صُوَراً أَسْوَغ فِيِ النَّفْسِ وَأَمْرَى
نِمَرٌ مِنَ فرْطِ مَا حَاقَ بِهِ دَارَ آناً فِي مَدَارٍ ثمَّ خَرَّا
سَالَ مِنْ فَكَّيْهِ دَامِي زَبَد

اخترنا لك قصائد أخرى للشاعر (خليل مطران) .

نِعْمَ الوَكِيلُ مُجَاهِدٌ يَسْعَى إِلَى

يَا رَبَّةَ الصُّرْحِ الْمُمَرَّدِ تَلْتَقِي

عَبْدَ الْعَزِيزِ لَكَ الْخَيرُ

لَبَّيْكُمُ يَا رفْقَةَ النَّادِي

خَرَجَتْ هِنْدُ ذَاتَ يَوْمٍ وَفَوْزٌ