1 |
سبقوني إلى زَمَنٍ آخرٍ |
دخلوا في عيونٍ من الحلْمِ في جسَدٍ من ضياءِ... |
إنّ جسمي يُقاتِل جسمي، |
وحنيني |
جارِفٌ كي أسافِرَ، كي أتحدّثَ مع رُفَقائي. |
2 |
كلُّ هذي النّجوم التي تَتَكوكَبُ تَيّاهةٌ |
كَتِفٌ واحدَه، |
تَعِبَ الليلُ من عِبْئِها |
وأنا مثلَهُ |
أتقلّبُ في نارها الخامِدَهْ. |
3 |
- "الدّروبُ بِلا منفذٍ |
والبيوتُ وأيّامها رمادُ، |
عَبثٌ موتُكَ الآن، لا شيءَ غيرُ الضّياعْ". |
... |
لا تَسدُّوا فضائي |
بتعاويذكم، |
واتركوني لهذا الشُّعاع الذي سأسمّيه أرْضي: |
إنّها الشّمسُ بيتيَ - بيتٌ لَنا، |
وأنا لست إلا انعكاسَ الشّعاعْ. |
4 |
خائِفٌ... |
هل نسيتُ الطّريقَ التي أخذتني |
مرّةً، والتقيْنا؟ |
... |
كان ما يُشبه الظّلامْ |
كان موجٌ رمينا |
في غواياتِه جَسَديْنا |
وَهَوى جامحاً، وهَوَيْنا. |
... |
خائِفٌ... وكأنّي نسيتُ أساريرَها |
ونسيتُ أحاديثَنا |
ونسيتُ الكلامْ. |
5 |
سَكَنَتْ وجهها |
سَكَنَتْ في نخيلٍ من الصّمتِ بين رؤاها وأجفانها... |
بيتُها شارِدٌ |
في قطيع الرّياحِ ، وأيّامُها |
سَعَفٌ يابِسٌ، |
ورمالٌ. |
مَنْ يَقولُ لزِيْنَبَ : عينايَ ماءٌ |
ووجهيَ بيتٌ، لأحزانِها؟ |
6 |
قَطْرَةٌ من دَمٍ |
إنّها قَطرةُ الدّمع في جَوْفِ هذا المساءْ |
حملتني إلى صدرها،- |
صدرُها كلُّ هذا الفَضاءْ. |
7 |
ألمحُ الآنَ أحزانَها |
كالفراشاتِ، تضربُ قِنديلَها |
حُرّةٌ، ذاهِلَهْ |
وأراهَا تُمزّق مِنديلها... |
ألمحُ الآنَ أمّي: |
وَجْهُها حُفْرةٌ، ويدَاها |
وردةٌ ذابِلَهْ. |
8 |
بين وقتٍ ووقتٍ، أحِسُّ كأَني غَيْري |
وأحِسُّ كأنّي دَمٌ يَتَدَفَّقُ - أتبعُ خيطَ التّدفُّقِ، |
أسألُ: ما اسْمي؟ |
ولكي أتخيّلَ ما سيكونُ، أُخَيِّلُ أنّي أضُمُّ بِلادي- |
الحقولَ، الجبالَ، البيوتْ |
وأقولُ: لكي أَتَيَقَّنَ أنّيَ نَفْسيَ، |
لا بُدَّ مِن أنْ أموتْ. |
9 |
زَهَرُ الأقْحُوانْ |
لا يَزالُ يُغنّي لموتي، |
ويُؤْثِرُ موتيّ ليلاً |
ليكونَ البياضَ الذي يَتَلألأُ في غُرّةِ المكانْ. |
10 |
شُهُبٌ تَتَساقَطُ من شُرُفاتِ الفضاءْ |
وأراها تطوفُ،- |
إذن، أتقدّمُ، أسألُ عن حالِها |
وأُحيّي خيالاتِها |
وأقدّم جسمي لها |
والغبارَ الذي ضمّه والرِّداءْ. |
11 |
أعْطِني ما تَرسَّب في جَرّة الأزمنهْ |
أعْطِني ما تَرَسَّبَ في الرّوح مِن تَعَبِ الأمكِنَهْ |
أعطني كلّ هذي الثُّمالَهْ، |
جَسَدي طافِحٌ بِسِواهُ. |
جسدي كلّ بيتٍ |
والشّوارع فيّ شرايينُ، والبحرُ نَبْضٌ: |
هذه صورتي |
وأنا هذه الرّسالَهْ. |
12 |
جَسدٌ فاضَ عن قبرِه: |
عَمَّرَ الأفْقَ داراً، وبالشّمس حَصَّن أسْوارَها. |
ويقول أحبّاؤهُ: |
مُوغِلٌ في مداراتِه |
يَتَهجّى الحقولَ ويكتبُ أزهارَها. |
13 |
- هَلْ تآخيتَ مع صوتِه |
وتنوّرْتَ أغوارَهُ النّائيهْ؟ |
- أمْسِ، كنّا معاً، وافترقْنا: |
نجمةٌ مِن فضاءاتِهِ |
أخذتهُ إلى دارها العاليَهْ. |
14 |
"كان طفلاً من البحر، طفلاً صديقاً لأمواجِه |
جسمُهُ لُجّةٌ |
وخُطاهُ الشّواطئُ مفْتوحةٌ" |
... إنها آخر الأغنياتْ |
هل سمعتم صداها |
يتردّدُ بين الحقولِ، ويَشْردُ في غابة الذّكرياتْ؟ |
15 |
لم تمت أمّهُ: |
شعرُها ابْيَضّ، لكنّ هذا اللّهيبَ الذي |
يَتناسلُ في بَيْتها |
يَتناسَلُ في شَعْرها،- |
أَدْخلتْنيَ من أوّلٍ |
عِبْرَ هذا اللّهيبِ وعِبْرَ الرَّمادْ |
في بهاء السّوادْ. |
16 |
أيّ عِطْرٍ غريبٍ؟ سألتُ النّوافِذَ، |
لا ياسَمينٌ ولا وَرْدَ في بيتِها،- |
إنّه عِطرُها |
طالعٌ من خُطاها على الرابِيَهْ |
حين كانت تودّع أصغرَ أبنائِها |
وتشير إلى شمسِه الآتيهْ. |
17 |
كان في قبره |
لابساً وجهَ طفلٍ، |
طفلُه كان يرسم في غُرفةِ الخيالْ |
صوراً للرّجالْ. |
18 |
لا تقولُ الأزقّةُ في حَيّنا |
كيف جاؤوا ، ومن أين؟ رَمْلُ الزّقاقْ |
والزوايا وأسرارُها |
والتمرّدُ ، والخبزُ - تاريخُهم. |
لا تقول الأزقّة غيرَ الفضاء الذي شاءهُ العِناقْ |
بين أحلامهم وخُطاهُمْ،- |
لا تقول الأزقّةُ إلا الكلامَ الذي قاله الرّفاقْ. |
19 |
كان مَيْتاً، يداهُ |
مثلُ ظِلّ على وجنتَيْهِ |
وعلى وجههِ وداعٌ. |
مَن يقول له الآنَ: إنّي أراهْ |
ملِكاً من ملوكِ الحياةِ ، وإنّي |
أتقفّى خُطاهْ؟ |
20 |
سائرونَ إليه،- |
وَطَناً يَتوهّجُ بين الجراحِ |
(الجراحُ مصابيحُنا) |
سائرونَ إليهِ |
عاشقينَ، سُكارَى إليهِ |
نَتَقَرّى، نُقلّب أحشاءنا... |
مَن يقولُ الرّياحُ رَمَتْنا |
خلفَ أسوارِه؟ |
أَلرّياحُ خُطانا إليهِ |
والرّياحُ مفاتيحُنا. |
21 |
لا تقولوا: قُتِلتُ. ولا تَندبُوني |
إنّ موتي قميصٌ آخرٌ أرتديه، |
وأنا والفضاءْ |
جسَدٌ واحِدٌ |
مِن هواءٍ ونارٍ وماءْ. |
22 |
لِيَ في كلّ بيتٍ |
واحَةٌ وسريرٌ. |
أين جسمي، إذن؟ |
- "أخذتُه الحقولْ" |
لم أقُلْ / ألزّهورُ، |
العصافيرُ كانت تقولْ. |
23 |
هذه قريتي / قُرانا |
مُعجمٌ لِلصُّوَرْ: |
صورةُ الزّلْزَلَهْ |
صورةٌ لانحناء النجومِ على عتَباتِ البيوتْ، |
وهي تزهو بأفلاكها؛ |
صورةٌ مُثقَلَهْ |
بشفاهٍ تموتُ، بأنشودةٍ لا تموتْ |
صورةٌ لِلقمر |
يَتعشَّقُ شمس النّخيلْ |
خالِعاً ثوبَهُ |
لِيكفّنَ فيه الشهيدَ الجميلْ. |
24 |
نَهَرُ الجُرْحِ فَيضٌ: |
كلّ صفصافِه |
أذرعٌ من ضِياءٍ. |
والسّماءُ التي تَتَمرْأى |
في تجاعيدهِ، غُصونٌ- |
قَصَبٌ ناحِلٌ يتموّج في ضِفّتَيْهْ |
وأنا نايُها |
أتجدّد في مائِهِ |
وأسافِرُ مِنْهُ إليهْ. |
25 |
أشعرُ الآنَ أنّي وُلِدتُ التقاء |
بين هذا التّرابِ وشيءٍ |
قيلَ عنهُ: الشّرَرْ |
أو عمودُ السّماءِ، الذي يَتراءَى |
في حجابٍ من الرّعْدِ، أو يتقمَّصُ خيطَ المَطَرْ. |
أشعرُ الآنَ: وَجْهيَ خَدّانِ - ضِدّانِ، |
خَدّانِ - صِنْوانِ، |
خَدّ الفضاءِ وخَدّ الحَجَرْ. |
26 |
كان لي أن أشاهد صدرَ السّماءْ |
حين فَكّ الجميلُ المحجّبُ أزْرارَها |
ورَمى ثوبَها غطاءً |
لِسريرِ اللّقاءْ. |
________ |
5 آذار، 1985 |