أرشيف الشعر العربي

مديح الخواء

مديح الخواء

مدة قراءة القصيدة : 5 دقائق .

10/ نيسان/1991- 28/ تموز/1991‏

ليس هذا ربيعَ المزامير...‏

يمتلىءُ القلبُ بالشّيب،‏

والحب يخفي جواهره خلف سور بعيد‏

آه يا خمرةً صهلت في عروق المساءْ‏

يا نداءً خفيَّ النداءْ‏

أيّ أنشودةٍ تتوكأ حنجرتي بؤسها‏

عندما يهجُرُ الطّحلب العربيّ الغناءْ‏

وتشيّع قيثارتي شمسها‏

ولمن سأزفّ البشارهْ‏

حين يبدأ برج النّبوةِ في داخلي‏

انهيارَهْ؟‏

وجيوشٌ من الحزن تنشرُ أعلامَها في الدماءْ‏

ليس هذا ربيعَ المزامير، هذا مديحُ الخواءْ‏

هل رأيتُ حشودَ العصافير تخرجُ من تحت إبطيَّ.‏

تملأ صمت الهواءْ؟‏

وأنا سابحٌ خلفَها‏

خالقٌ صيفها والشّتاءْ‏

من إذاً أطلق النّارَ منْ‏

وأضاف نبيّاً جديداً لمقبرة الشّهداءْ؟‏

... ... ...‏

تلك أغنيتي كالثَّعابين تزحفُ،‏

إذ يهطل السّمُّ من غيمة السِّحرِ،‏

لي أوَّلُ الأرضِ، طيّرتُ فيها طيوراً وعلَّمتها‏

كيف بالحُبِّ تَسقطُ فوق الجليدْ‏

هي أرضُ الأرامل، والثّكلُ أشعل مصباحَهُ تحت شرفتها‏

فلتشرَّدْ عذارى المكان وراء السَّراب الشَّريدْ‏

قبل أن تجرف الريحُ مملكةَ الوردِ،‏

قبل انقطاعِ الينابيعِ، قبل حلول الصَّديدْ‏

صدىء الرّوحُ؟ أم معدنُ الأفق أفرغَ فينا‏

شظاياه كي نتنفّسَ عطرَ الحديدْ؟‏

غفلتْ عن مواسمنا عينُكَ العسليّةُ يا راعيَ النَّحل‏

لم يبقَ في شجر التّينِ بعضٌ من الورقاتِ‏

نغطي به عورةً أو نحوكُ به عَـلَماً للشّهيدْ‏

ولنا في ضمير الغروب حكاياتنا‏

ولنا ما يعيدُ السّماءَ إلى حضنها السّاحليِّ، لنا‏

ما يعيدُ الكلام إلى فطرةِ الكائناتِ، لنا ما يعيدْ‏

كلَّ وقتٍ لسرٍّ جديدْ...‏

قابضون على جمرة الرَّعشة الأبديّة، لكنَّنا‏

أمّةٌ تتآكلُ من داخلٍ‏

كالمغنّي وقد هجرتْهُ فروضُ النَّشيدْ.‏

أيّ جناتنا تنحني عندما يعبرُ العاشقون صراطَ الجحيمِ،‏

ونارٌ تولول: هل من مزيدْ؟...‏

هو كونٌ من الشِّعر ننحتُ تمثاله‏

للبصيرة فيه فضاءٌ تهاوى، وتزرعُ أشباحُنا‏

بذرةَ الرّعب في الكلماتْ.‏

خاوياً ينبتُ الزّرعُ، مشتملاً بعباءةِ شوكٍ.‏

يغطِّي نهودَ النّباتْ‏

هو كونٌ على الفحمِ يُشوى، رأيتُ معابدَهُ‏

تتشقّق جدرانها ثم تهوي هياكلها،‏

فتضيء نجومُ المعادن صمتَ المكانْ‏

أذّنَ الذّئبُ فاستأنسَ الحَمَلُ البشريُّ برعبِ الأذانْ‏

منْ عقيمٌ ليزداد عقْماً؟ ومَنْ شاردٌ وقتُهُ‏

ليجمّعَ رملَ الزمانْ؟‏

يا بروجَ التألقِ، آنَ لبلّور زهوكِ أن يتكسَّرَ‏

فالأفعوانُ الظَّلاميُّ أفرخَ في قمحنا‏

وتمدَّدَ في جرحنا الأفعوانْ‏

ليس هذا معادَ البذار، ولنْ‏

يتخفَّى وراء السّنابل حب، ولنْ‏

يحصدَ الفجرُ غيرَ الزّؤانْ‏

فلتنَمْ في الخريفِ العناقيدُ، وليُكسَرِ العاشقانْ‏

هو كونٌ على الفحم وراء الدّخانِ وراء الدخانْ...‏

هو كونٌ على الفحم يُشوى،‏

فلا مطرٌ بلَّهُ،‏

ليس إلا الدخان وراء الدخان‏

وراء الدخانْ ...‏

... ... ...‏

كلّ مرثيةِ الخَلْق أحشدُها الآن،‏

كلَّ المآتم أبكي لها‏

أنا بعضُ هلام تسرَّبَ من جسدِ الأنبياءْ‏

كنتُ أحشو عروقي زهوراً أقدّمها للإله هديَّهْ‏

فبأيّ الشَّواهد فوجئتُ بعد ضمور الدّماءْ؟‏

هو كونٌ تنزّ خلاياه قيحاً،‏

مأتمي واضحٌ سيّدَ البركاتِ، وميراثُ قلبي سليلُ الهباءْ‏

وانتميتُ إلى الجنّة الحجريّهْ‏

ليس هذا اختناقاً من الكلماتِ،‏

هو العَدمُ المتجذّرُ، قُمِّصَ في هيئةٍ بشريّهْ‏

ليس هذا الخواءُ جحيماً، ولكنّه جنّةُ الشعراءْ‏

لعنةُ الغيبِ تسرقُهُمْ من خيولهم الصّاهلهْ‏

هم يتيهون في صخرة العدم النّازلَهْ‏

في المهاوى، ويستفردون بوحدتهم‏

مستنيرين في ظُلَمٍ‏

ينسجون صدى الصّرخة المهمَلَهْ‏

هم يد الغيمِ تعبر فوق الحقول لتنهض سنبلةً سنبلهْ‏

هم يدٌ تسندُ الكونَ، تنشلُه من دم المهزلَهْ‏

هو كون تفسّخَ واستوطن القحطُ في ركبتيهِ‏

أي شعر سيبكي عليهِ؟‏

أي رقصة بحرٍ تخاصره‏

وتماثيلُه الخشبيَّة تطفو على الماءِ؟‏

أيّ الشواطىء أدنى اليهِ؟‏

شاطىءُ الحرب أم شاطىء الآلهة؟‏

إنه الكون‏

ما زال فكرتنا التّائههْ...‏

اخترنا لك قصائد أخرى للشاعر (علاء الدين عبد المولى) .


مشكاة أسفل ١