أرشيف الشعر العربي

تحولات الملك العاري

تحولات الملك العاري

مدة قراءة القصيدة : 8 دقائق .

آذار/ تشرين الثاني/ 1992‏

تشرين الأول/ 1995‏

...

في صباحٍ لا أسميّه رأينا الأرض تمشي باتجاه المذبحَهْ‏

ويفور الدم من جمجمة الوقت،‏

ويهوي الطَّيرُ مذعوراً كسيرَ الأجنحهْ‏

وإناثُ البحر يسكبن على رمل المدى أثداءهنَّ المالحهْ‏

وتراث الروح يزهو في بخور الأضرحهْ‏

فلماذا لم نقف نتلو علينا الفاتحهْ؟...‏

ما الذي يجمعُنا الآن؟‏

ألم تهترىء الخيمةُ بالعشَّاقِ؟‏

والصّوتُ الرَّبيعيُّ تناءى؟‏

من رأى الواضحَ في هذا الأفُقْ،‏

غامضاً يدخلُ في بوتقة التِّيهِ؟‏

وشعبٌ موسويٌّ يرفع النَّجمة فينا‏

من بلاد الثَّلج يأتون رعاةً للعجول الذَّهبيةْ‏

عندما استقبلهُمْ والي المدينَةْ‏

ودعاهُمْ لدخولِ المعجم القدسيِّ أسماءَ هجينَةْ‏

وبقايا من رماد الأبجديّهْ...‏

هل نُطيلُ الآن مزمارَ الهجاءْ؟‏

والبلاد انكشفت عورتُها حتَّى السَّماءْ‏

((طلعَ البدرُ علينا))‏

عندما أعلنت الأمةُ عرساً حضرته كلُّ أصناف العباءات‏

وغابتْ عنه نخْلاتٌ يتيماتٌ على شطّ الفراتْ‏

يا عريسَ الزَّينِ ارحَلْ‏

لن ترى غيرَ نهاياتٍ لقرنٍ أتخمته الحربُ‏

بالسِّلِّ ونسلٍ من طغاةْ.‏

لم تزلْ خطوتُنا أبعدَ عن سور المدينةْ‏

والأمير المجتبى جدَّدَ فينا رقصةَ العرشِ‏

وأجرى دمَنا ثانيةً في عصبِ الحزن‏

وأسرارِ الخزينهْ‏

سرقَ الحاجبُ ميراثَ العيون السُّودِ والكحلَ‏

ونادانا بغايا وأطعناه انحناءْ‏

من رأى الذاكرة العمياءَ تُمْلي كتباً تكتنزُ الأرواحَ‏

منذُ البدء؟ والأشعارُ لا تنبىء إلاَّ عن بلاطٍ ذهبيِّ‏

عندما تنشرخ المرآةُ بالوجهِ الشَّقيِّ‏

يتماهي صوتُ حادينا بفردوسٍ ترامَتْ دونَهُ خيلُ النّبوّةْ‏

أيّ فردوسٍ لتلك الذاكرهْ؟‏

تعبت رحلتنا/ تحت شمسٍ هاجرةْ.‏

آه من أفقٍ تسلَّقناه ليلاً ، وانطوى‏

آه من جسر عبرناه نهاراً، وهوى‏

آه من قلب شآميٍّ كوانا واكتوى...؟‏

... ... ...‏

لم يدمْ وقتٌ لِما كُنَّا به نملأُ أمعاءَ القصائدْ‏

كذبةٌ ننسجُها ثوباً لأجساد الملوكْ../‏

(1)‏

.../ الـمـلكُ الأولُ‏

اشـــتـعالٌ‏

في بيدر العسكرِ، والأمطارُ توحي بانقلاب آخر‏

تزدحم الأسواق بالعيون، عندما العيونُ فارغاتٌ خائفهْ‏

التَّاجرُ الحرُّ بكى‏

علّقَ فوق الحائط الفضيِّ صورةَ الغيوم الزاحفهْ‏

خبّأَ في جيوبه شمس الغناءْ‏

لوَّثها بشهوة الربّا وأخفى وطناً تحت ضريحٍ من حذاءْ‏

(2)‏

.../ الملك الثاني‏

تقدّمْ سيدي لكَ البلادُ والعتادْ‏

والأرضُ حين تلفظ الأجدادَ‏

والمحراث يقلب التراب‏

والتراب وجهنا الباقي‏

تقدّمْ سيدي‏

جهاتُنا ((تلال زعترٍ)) ونحن في الكهوف جائعونْ‏

خطوتك السّوداء تمشي فوق هامات الجثثْ‏

تركلنا، نهوي إلىوادي العبثْ‏

أشباحَ عشّاق تغيب عنهمُ الشمس الحنونْ‏

حربُ الظَّلام والأنام تابعتْ مدارَها كما رسمتَ سيِّدي‏

والمدنُ العرجاء تستطيلُ في مخيَّم المعادلات البائسهْ‏

تسجدُ خلف سادن المجازر المقدسهْ‏

(3)‏

.../ الملك الثَّالثُ‏

شائعاتٌ‏

تحشدُ في الهواء جيلاً من نباتٍ فاسدٍ‏

يُسْقى بنهرٍ من كلامْ‏

والفتيات يرتدين شهوةً خفيَّةً‏

شيخُ المدى يطلّ من شرفته في قدحٍ من نشوة‏

ترتعش الأعضاءُ، تستمني النّهودُ، ترتخي الأفخاذُ،‏

يصعدُ النَّشيدُ:‏

(عاش عاش الملكُ الثالثْ)‏

يداه ترسمان مهداً للنساء المخصباتِ‏

حين يحلمن بلَمْس التاج إذ ينتصب الرأسُ‏

فتختفي الشّمسُ‏

ويطلع الغبار من أقدام أطفال مدجَّنينْ‏

وكنت أُحيي دمعتي أسأل عن طفل اليقينْ‏

يسرقني من لغة القطيع شارداً وراء شبح الخلودْ‏

كان القطيعُ رافعاً نَخْبَ السَّلام، والعدوّ يأكلُ الحدودْ...‏

(4)‏

.../ الملكُ الرَّابعُ‏

هذه‏

أسنانُه مجنزراتٌ تحصُدُ الأحلامَ في أعراسنا‏

تعضّ فينا قمراً لم يبق من مداره إلا العظامْ‏

هوالظّلامُ سيدٌ، هو الظّلامْ‏

ونحن في رعاية اليد الملوكيَّةْ‏

أما مللْتَ من خيوط العنكبوت سيدي؟‏

تلتفّ حول ظلّكَ القيّوم حتَّى تحجبَ الرَّبيعَ عن أجراسنا‏

أما تعبتَ؟ إنه الكرسيُّ ملءَ الأرض والسّماء سابحٌ‏

وصولجانُهُ حجرْ‏

ياقوته حجرْ‏

أرجلُه أصابها الضَّجرْ‏

تحرَّكت، وأنتَ بعدُ هيكلٌ يُفرخُ فينا الخوفَ‏

حتَّى من حمامٍ عاشق يطيرُ من وترْ‏

حذاؤكَ الجليلُ في أحلامنا يدوسْ‏

يكسر فينا حَجَرَ النفوسْ‏

وكلّما ضمتْ عروسٌ عشبةَ الخلود،‏

رحتَ تشعل النيرانَ في حديقة العروسْ‏

لوَّثتَ فيها سرةً ورديةً‏

بكارةً مائيةً تذيبُ عطرَ النار في الكؤوسْ‏

والمطلقُ الزائفُ في يديكَ خمرةٌ‏

تعصُرها من موتِنا النِّسبيِّ،‏

هل تبيعنا صكوك غفرانٍ لنجني لذَّةً عابرةً‏

في جنّةٍ محجوزةٍ لنسلك القدوسْ؟‏

كينونةُ العناصر الأولى تحجَّرتْ‏

في وثن الرّمادْ‏

حتّى الشَّذا لقَّنَهُ الحراسُ كيف ينحني‏

يقبلُ اليدَ التي تكمنُ فيها سيرةُ العبادْ‏

يا سيد البلادْ‏

إني أرى قد أينعتْ بالقلق الرؤوسْ‏

ولستَ أنتَ القاطفَ الآتي، بل اليهودُ والمجوسْ..‏

(5)‏

.../ الملكُ الخامسُ‏

ما يزالُ ربّ العرش رباً‏

ما يزال الشَّعبُ شعباً‏

وحدها الأفعى تبدَّلتْ...‏

... ... ...‏

... ... ...‏

ملكٌ عار، فيا طفلَ الشَّقاءات تقدَّم‏

وأشرْ بالغصُن المكسور للعورةِ،‏

لن تُسعفنا الخطوةُ، والهجرةُ أدمتنا‏

وقُيِّدنا إلى الغيب بحبل حجريٍّ‏

نشتري أحلامنا المستهلكهْ‏

كثياب بليتْ يلبسها الروح، ويذوي في انتظار المعركهْ‏

حين يطفو في خوابينا نبيذٌ لزفافِ الملك العابرِ‏

نهرَ الملكهْ‏

ملكٌ عارٍ، فأين الطفلُ؟‏

أين الفكرةُ الزرقاءُ تلقي سحرها بين بنيها؟‏

مّنْ هنا يصطاد من ياقوتة النار التماعَ القلبِ؟‏

من يأخذنا في رحلة الصَّيف إلى تُفاح أرضٍ‏

لا يكون الدودُ فيها‏

عسكراً تحت سقوفِ الرُّوحِ،‏

أرض لا يذوب الجسدُ العاشق فيها في قيود وأسيدٍ‏

في أنابيب الظلام العربيّْ‏

كلُّهمْ عارٍ، وعارٌ، وأراهمْ‏

وأرى موجاتهم تهربُ في صندوق غيبٍ باتجاهِ الأطلسيّْ‏

كلهمْ- يا عالمَ العُميان- عارٍ‏

ينكِحون الآن ما طابَ‏

ويصطافون في شاطئنا الروحيِّ‏

يعتادون أن نشحذَ من أقدامهم جبهاتِنا‏

يا ذلنا يا ذلنا...‏

دلَّنا يا طفلُ من أي كتابٍ ننتقي لفظتَنَا المشتعلهْ؟‏

مهملٌ هذا المدى‏

أيّ عنوانٍ يضمّ الروحَ إذ يرتعدُ البرقُ؟‏

لماذا نسيتْ أمّ الأغاني رقصةَ السَّيفِ‏

وإيقاعَ الغيوم المثقلهْ؟‏

أنا لا أُسندُ أشجار دمي للغابة المنفصلهْ،‏

عن مُناخ الرّوح...‏

لا أطلقُ قلبي ملصقاً فوق جدارٍ‏

ونشيدي سابحاً خلف غبارٍ‏

واعتزلتُ الذَّهبَ الثَّوريَّ، راقبتُ زماناً‏

عمَّدوه بمياه المهزلهْ...‏

... ... ...‏

حنطةٌ للصَّيف هذي، أم حنوطٌ للشتاءْ؟‏

ملكٌ، أم مومياءْ؟‏

حجرٌ في الرِّيح تمتدّ يداهُ في شرايين الهواءْ‏

خلفه أزياءُ قديس وحشَّاشٍ، ووقتٌ بهلوانيُّ الجهاتْ‏

وبريق العملة الصّعبة إشعاعٌ يضيء البحرَ بالزَّيت،‏

فتطوينا المجاعاتُ، ونُدعى لعشاءٍ‏

من نفايات اللغاتْ‏

واقتصاد الروح ممهورٌ بأختام السَّلاطين،‏

انفتاحٌ زئبقيٌّ، واختناقٌ في الرئاتْ،‏

ملكٌ أحرقَ آباء العصافيرِ لندعوه أباً‏

أو وتراً يسخَرُ من إيقاعنا‏

عندما نمتدحُ الدُّميةَ جوفاءَ.‏

أمِنْ قشٍّ ملأناها وطُفنا حولها‏

قلنا لها تيهى إلهاً‏

ولدي فينا دُمىً أُخرى نربيِّها‏

ونسقيها حليب الفقهاءْ‏

وبها يحلم شبهُ الشّعراءْ‏

هو ذا عهدكمُ الباهرُ يا سكَّر هذا العرشِ‏

من زهرتنا هذا البطلْ‏

فعلى أيِّ البساتينِ نسميكَ عسَلْ؟...‏

اخترنا لك قصائد أخرى للشاعر (علاء الدين عبد المولى) .

آدم... ووقت للردة

أجراس رحيل غامض

الصديق

بروق في ليل القلب

زفة سرابية


روائع الشيخ عبدالكريم خضير