آذار/ تشرين الثاني/ 1992 |
تشرين الأول/ 1995 |
|
... |
في صباحٍ لا أسميّه رأينا الأرض تمشي باتجاه المذبحَهْ |
ويفور الدم من جمجمة الوقت، |
ويهوي الطَّيرُ مذعوراً كسيرَ الأجنحهْ |
وإناثُ البحر يسكبن على رمل المدى أثداءهنَّ المالحهْ |
وتراث الروح يزهو في بخور الأضرحهْ |
فلماذا لم نقف نتلو علينا الفاتحهْ؟... |
ما الذي يجمعُنا الآن؟ |
ألم تهترىء الخيمةُ بالعشَّاقِ؟ |
والصّوتُ الرَّبيعيُّ تناءى؟ |
من رأى الواضحَ في هذا الأفُقْ، |
غامضاً يدخلُ في بوتقة التِّيهِ؟ |
وشعبٌ موسويٌّ يرفع النَّجمة فينا |
من بلاد الثَّلج يأتون رعاةً للعجول الذَّهبيةْ |
عندما استقبلهُمْ والي المدينَةْ |
ودعاهُمْ لدخولِ المعجم القدسيِّ أسماءَ هجينَةْ |
وبقايا من رماد الأبجديّهْ... |
هل نُطيلُ الآن مزمارَ الهجاءْ؟ |
والبلاد انكشفت عورتُها حتَّى السَّماءْ |
((طلعَ البدرُ علينا)) |
عندما أعلنت الأمةُ عرساً حضرته كلُّ أصناف العباءات |
وغابتْ عنه نخْلاتٌ يتيماتٌ على شطّ الفراتْ |
يا عريسَ الزَّينِ ارحَلْ |
لن ترى غيرَ نهاياتٍ لقرنٍ أتخمته الحربُ |
بالسِّلِّ ونسلٍ من طغاةْ. |
لم تزلْ خطوتُنا أبعدَ عن سور المدينةْ |
والأمير المجتبى جدَّدَ فينا رقصةَ العرشِ |
وأجرى دمَنا ثانيةً في عصبِ الحزن |
وأسرارِ الخزينهْ |
سرقَ الحاجبُ ميراثَ العيون السُّودِ والكحلَ |
ونادانا بغايا وأطعناه انحناءْ |
من رأى الذاكرة العمياءَ تُمْلي كتباً تكتنزُ الأرواحَ |
منذُ البدء؟ والأشعارُ لا تنبىء إلاَّ عن بلاطٍ ذهبيِّ |
عندما تنشرخ المرآةُ بالوجهِ الشَّقيِّ |
يتماهي صوتُ حادينا بفردوسٍ ترامَتْ دونَهُ خيلُ النّبوّةْ |
أيّ فردوسٍ لتلك الذاكرهْ؟ |
|
تعبت رحلتنا/ تحت شمسٍ هاجرةْ. |
آه من أفقٍ تسلَّقناه ليلاً ، وانطوى |
آه من جسر عبرناه نهاراً، وهوى |
آه من قلب شآميٍّ كوانا واكتوى...؟ |
... ... ... |
لم يدمْ وقتٌ لِما كُنَّا به نملأُ أمعاءَ القصائدْ |
كذبةٌ ننسجُها ثوباً لأجساد الملوكْ../ |
(1) |
.../ الـمـلكُ الأولُ |
اشـــتـعالٌ |
|
في بيدر العسكرِ، والأمطارُ توحي بانقلاب آخر |
تزدحم الأسواق بالعيون، عندما العيونُ فارغاتٌ خائفهْ |
التَّاجرُ الحرُّ بكى |
علّقَ فوق الحائط الفضيِّ صورةَ الغيوم الزاحفهْ |
خبّأَ في جيوبه شمس الغناءْ |
لوَّثها بشهوة الربّا وأخفى وطناً تحت ضريحٍ من حذاءْ |
|
|
|
(2) |
.../ الملك الثاني |
|
تقدّمْ سيدي لكَ البلادُ والعتادْ |
والأرضُ حين تلفظ الأجدادَ |
والمحراث يقلب التراب |
والتراب وجهنا الباقي |
تقدّمْ سيدي |
جهاتُنا ((تلال زعترٍ)) ونحن في الكهوف جائعونْ |
خطوتك السّوداء تمشي فوق هامات الجثثْ |
تركلنا، نهوي إلىوادي العبثْ |
أشباحَ عشّاق تغيب عنهمُ الشمس الحنونْ |
حربُ الظَّلام والأنام تابعتْ مدارَها كما رسمتَ سيِّدي |
والمدنُ العرجاء تستطيلُ في مخيَّم المعادلات البائسهْ |
تسجدُ خلف سادن المجازر المقدسهْ |
|
|
(3) |
.../ الملك الثَّالثُ |
شائعاتٌ |
|
تحشدُ في الهواء جيلاً من نباتٍ فاسدٍ |
يُسْقى بنهرٍ من كلامْ |
والفتيات يرتدين شهوةً خفيَّةً |
شيخُ المدى يطلّ من شرفته في قدحٍ من نشوة |
ترتعش الأعضاءُ، تستمني النّهودُ، ترتخي الأفخاذُ، |
يصعدُ النَّشيدُ: |
(عاش عاش الملكُ الثالثْ) |
يداه ترسمان مهداً للنساء المخصباتِ |
حين يحلمن بلَمْس التاج إذ ينتصب الرأسُ |
فتختفي الشّمسُ |
ويطلع الغبار من أقدام أطفال مدجَّنينْ |
وكنت أُحيي دمعتي أسأل عن طفل اليقينْ |
يسرقني من لغة القطيع شارداً وراء شبح الخلودْ |
كان القطيعُ رافعاً نَخْبَ السَّلام، والعدوّ يأكلُ الحدودْ... |
|
(4) |
.../ الملكُ الرَّابعُ |
|
هذه |
أسنانُه مجنزراتٌ تحصُدُ الأحلامَ في أعراسنا |
تعضّ فينا قمراً لم يبق من مداره إلا العظامْ |
هوالظّلامُ سيدٌ، هو الظّلامْ |
ونحن في رعاية اليد الملوكيَّةْ |
أما مللْتَ من خيوط العنكبوت سيدي؟ |
تلتفّ حول ظلّكَ القيّوم حتَّى تحجبَ الرَّبيعَ عن أجراسنا |
أما تعبتَ؟ إنه الكرسيُّ ملءَ الأرض والسّماء سابحٌ |
وصولجانُهُ حجرْ |
ياقوته حجرْ |
أرجلُه أصابها الضَّجرْ |
تحرَّكت، وأنتَ بعدُ هيكلٌ يُفرخُ فينا الخوفَ |
حتَّى من حمامٍ عاشق يطيرُ من وترْ |
حذاؤكَ الجليلُ في أحلامنا يدوسْ |
يكسر فينا حَجَرَ النفوسْ |
وكلّما ضمتْ عروسٌ عشبةَ الخلود، |
رحتَ تشعل النيرانَ في حديقة العروسْ |
|
|
لوَّثتَ فيها سرةً ورديةً |
بكارةً مائيةً تذيبُ عطرَ النار في الكؤوسْ |
والمطلقُ الزائفُ في يديكَ خمرةٌ |
تعصُرها من موتِنا النِّسبيِّ، |
هل تبيعنا صكوك غفرانٍ لنجني لذَّةً عابرةً |
في جنّةٍ محجوزةٍ لنسلك القدوسْ؟ |
كينونةُ العناصر الأولى تحجَّرتْ |
في وثن الرّمادْ |
حتّى الشَّذا لقَّنَهُ الحراسُ كيف ينحني |
يقبلُ اليدَ التي تكمنُ فيها سيرةُ العبادْ |
يا سيد البلادْ |
إني أرى قد أينعتْ بالقلق الرؤوسْ |
ولستَ أنتَ القاطفَ الآتي، بل اليهودُ والمجوسْ.. |
(5) |
.../ الملكُ الخامسُ |
|
ما يزالُ ربّ العرش رباً |
ما يزال الشَّعبُ شعباً |
وحدها الأفعى تبدَّلتْ... |
... ... ... |
... ... ... |
ملكٌ عار، فيا طفلَ الشَّقاءات تقدَّم |
وأشرْ بالغصُن المكسور للعورةِ، |
لن تُسعفنا الخطوةُ، والهجرةُ أدمتنا |
وقُيِّدنا إلى الغيب بحبل حجريٍّ |
نشتري أحلامنا المستهلكهْ |
كثياب بليتْ يلبسها الروح، ويذوي في انتظار المعركهْ |
حين يطفو في خوابينا نبيذٌ لزفافِ الملك العابرِ |
نهرَ الملكهْ |
ملكٌ عارٍ، فأين الطفلُ؟ |
أين الفكرةُ الزرقاءُ تلقي سحرها بين بنيها؟ |
مّنْ هنا يصطاد من ياقوتة النار التماعَ القلبِ؟ |
من يأخذنا في رحلة الصَّيف إلى تُفاح أرضٍ |
لا يكون الدودُ فيها |
عسكراً تحت سقوفِ الرُّوحِ، |
أرض لا يذوب الجسدُ العاشق فيها في قيود وأسيدٍ |
في أنابيب الظلام العربيّْ |
كلُّهمْ عارٍ، وعارٌ، وأراهمْ |
وأرى موجاتهم تهربُ في صندوق غيبٍ باتجاهِ الأطلسيّْ |
كلهمْ- يا عالمَ العُميان- عارٍ |
ينكِحون الآن ما طابَ |
ويصطافون في شاطئنا الروحيِّ |
يعتادون أن نشحذَ من أقدامهم جبهاتِنا |
يا ذلنا يا ذلنا... |
دلَّنا يا طفلُ من أي كتابٍ ننتقي لفظتَنَا المشتعلهْ؟ |
مهملٌ هذا المدى |
أيّ عنوانٍ يضمّ الروحَ إذ يرتعدُ البرقُ؟ |
لماذا نسيتْ أمّ الأغاني رقصةَ السَّيفِ |
وإيقاعَ الغيوم المثقلهْ؟ |
أنا لا أُسندُ أشجار دمي للغابة المنفصلهْ، |
عن مُناخ الرّوح... |
لا أطلقُ قلبي ملصقاً فوق جدارٍ |
ونشيدي سابحاً خلف غبارٍ |
واعتزلتُ الذَّهبَ الثَّوريَّ، راقبتُ زماناً |
عمَّدوه بمياه المهزلهْ... |
... ... ... |
حنطةٌ للصَّيف هذي، أم حنوطٌ للشتاءْ؟ |
ملكٌ، أم مومياءْ؟ |
حجرٌ في الرِّيح تمتدّ يداهُ في شرايين الهواءْ |
خلفه أزياءُ قديس وحشَّاشٍ، ووقتٌ بهلوانيُّ الجهاتْ |
وبريق العملة الصّعبة إشعاعٌ يضيء البحرَ بالزَّيت، |
فتطوينا المجاعاتُ، ونُدعى لعشاءٍ |
من نفايات اللغاتْ |
واقتصاد الروح ممهورٌ بأختام السَّلاطين، |
انفتاحٌ زئبقيٌّ، واختناقٌ في الرئاتْ، |
ملكٌ أحرقَ آباء العصافيرِ لندعوه أباً |
أو وتراً يسخَرُ من إيقاعنا |
عندما نمتدحُ الدُّميةَ جوفاءَ. |
أمِنْ قشٍّ ملأناها وطُفنا حولها |
قلنا لها تيهى إلهاً |
ولدي فينا دُمىً أُخرى نربيِّها |
ونسقيها حليب الفقهاءْ |
وبها يحلم شبهُ الشّعراءْ |
هو ذا عهدكمُ الباهرُ يا سكَّر هذا العرشِ |
من زهرتنا هذا البطلْ |
فعلى أيِّ البساتينِ نسميكَ عسَلْ؟... |