نَفْدِيكِ بِالأَرْوَاحِ وَالأَجْسَادِ
مدة
قراءة القصيدة :
8 دقائق
.
نَفْدِيكِ بِالأَرْوَاحِ وَالأَجْسَادِ | إَنْ كَان قوْلٌ فَادِياً لِبِلاَدِ |
أَمَّا إِذَا اسْتَنْجَزْتِ وَعْدَكِ فَاعْذِرِي | يَا أُمُّ قَلِّ الْبِرُّ فِي الأَوْلاَدِ |
جمَعتْ علَيْكِ الحَادِثَاتُ جُمُوعَهَا | وَبَنُوكِ مَا شَاءَ الشِّقَاقُ بَدَادِ |
إِنَّ الدِّيَارَ وَهَكَذَا مُنَّاعُهَا | لَغَنِيمَةٌ لِلْمُسْتَبِيحِ الْعَادِي |
هَذِي حقِيقَةُ حَالِنا فَتَبَيَّنُوا | مِنْ ذِكْرِ أَدْنَاهَا بَعِيدَ مُرَادِي |
أَوجَزتُ فِي وَصْفِي وَتحْتَ أَقلِّهِ | بَثٌ إِلَى حَدِّ الأَسَى متَمَادِي |
إِنْ تُبْصِرُوا الْغَيْمَ الرَّقِيقَ فَفِيهِ مَا | يَخْفَى مِنَ الإِبْرِاقِ وَالإِرْعادِ |
أَوْ تسْمَعُوا نوْحَ الحَمَامْ فَدُونَه | آلاَمُ دَامِيَةٍ مِنَ الأَكْبَادِ |
الِي أُثِيرُ شُجونَكُمْ بِشِكَايتِي | وَمَرَامُكُمْ أَنْ تَسْمَعوا إَنْشَادِي |
أَلذِّكرُ يَنْفَعُنَا غَدَاةَ نَشَاطِنَا | لِنُدِيلَ إِصْلاَحاً مِنَ الإِفْسَادِ |
يَا يَوْمنا إِنْ كُنْتَ مُفْتَتَحاً لِمَا | نَرْجُو فإِنَّكَ أَبْهَجُ الأَعْيَادِ |
هَذِي عَزَائِمنَا جَلْوْنَاهَا وَقَدْ | خَلُصَتْ مِنَ الشَّهَوَاتِ وَالأَحقَادِ |
لاَحَتْ سَوَاطِعَ مرْهَفَاتٍ كَالظُّبَى | برَقَتْ مجَرَّدَةً مِنَ الأَغْمادِ |
أَشْفَى الأَمَانِيِّ الَّتِي وُكِلت بِهَا | تَقْرِيبُنَا وَتمَزقِ الحسادِ |
أَنَظَلُّ جَمْعاً فِي الْجموع مُؤخَّراً | وَالْفَرْدُ مِنَّا أَوَّلُ الأَفْرَادِ |
أَيَكُونُ مِنَّا كُلُّ حرٍ سَائِدٍ | وَسَوَادُنَا يَبْقَى أَذَلَّ سَوَادِ |
أَيَفوتُنَا ضَمُّ الْقُوَى وَبِضَمِّهَا | نَعْتَدُّ لِلدُّنْيَا أَشَدَّ عَتادِ |
مَهْدُ الرُّقِيِّ دِيَارُنا وَيَسُوءُهَا | أَلاَّ تَعِزَّ بِطَارِفٍ وَتِلاَدِ |
جَادَتْ فَمَا بَخِلَتْ بِعَافِيَةٍ وَلاَ | بِنُهى وَلاَ بِشَجَاعَةٍ وَسَدَادِ |
تِلْك الديَارُ أَتَذْكُرُونَ جَمَالهَا | بيْنَ السُّهُولِ الخضْرِ وَالأَطْوَادِ |
أَترُدُّهَا أَحْلاَمُكُم أَترُودُهَا | أَوْهَامُكُمْ فِي يَقْظَةٍ وَرُقَادِ |
أَمَّا أَنا فَعَلَى تَقَادُمِ هِجْرَتِي | عَنهَا وِدادِي لا يَزَالُ ودَادِي |
لُبْنَانُهَا وَدِمَشْقُهَا وَبِقَاعهَا | وَضِياعُهَا وَالْبَحْرُ طَيَّ فُؤَادِي |
لُبنَانُ هَلْ لِلرَّاسِيَاتِ كَأَرْزِهِ | تَاجٌ يُنَضِّرهَا عَلَى الاْبَادِ |
يَا ليْت ذَاكَ الأَرْزَ كانَ شِعَارَنَا | بِثَبَاتِهِ وَتَوَاشُجِ الأَعْضَادِ |
بسَقَتْ بَوَاسِقُهُ عَلَى قَدَرٍ فَمَا | جَهِلَتْ وَمَا كَانَت مِنَ المرَّادِ |
لَوْ امعَنَتْ صُعُداً لَمَا ضَلُعتْ وَلاَ | رسَخَتْ وَلاَ جَلدَتْ لِرَدِّ نَآدِ |
إِنْ تدْهَهَا حُمْرُ الصوَاعِقِ تَبْتَسِمْ | فِيهَا النَّضارَة عَنْ لظى وَقَّادِ |
وترَى الغصُونَ كأَنَّ كُلَّ مُخَضَّلٍ | مِنْهَا تَبَاعَثَ مِنْهُ وَرْيُ زِنَادِ |
أَوَقَفْتَ تَعْجَبُ مِنْ صَنِيعِ اللهِ فِي | لبْنانَ بيْنَ شَوَامِخٍ وَوِهَادِ |
أَرَأَيْتَ أَشْتَاتَ المَدَارِجِ والْقُرَى | متَنَوِّعَاتِ الْحلْيِ وَالأَبْرَادِ |
وَكَوَالِحَ الأَصْلاَدِ نَمَّ نَبَاتُهَا | خِلَساً عَنِ التَّحْنَانِ فِي الأَصْلاَدِ |
وَالسَّائِمَاتِ أَقَرَّهَا فِي نَعْمَةٍ | أَخذُ الرُّعَاةِ لها مِن الاسادِ |
تَرْعى الْخُزَامَى وَالثُّمَامَ نَشِيطَةً | مَحْمودَةَ الإِصْدَارِ والإِيَرادِ |
يَا حُسْنَ حَاضِرةِ الْعُروبَةِ إِنهَا | فِي كُلِّ مَعْنىً نُجْعَةُ المرْتَادِ |
من لي بِوَصْفِ جَمَالِهَا وَجَمَالُهَا | يُعْيِي بَيَانَ الْوَاصِفِ المِجْوَادِ |
بَرَدَى وَنَضْرُ غِيَاضِهِ وَرِيَاضِهِ | نِعَمُ الْحَيَاةِ تَجَمَعَّتْ فِي وَادِ |
مَاذَا يرِيكُمْ مِنْ رَوَائِعِ حُسْنِهَا | تَصْوِيرُهَا بِبَرَاعَةٍ وَمِدَادِ |
كَمْ فِي الحُزونِ وَفِي السُّهولِ وَرَاءَهَا | عَجَبٌ يَروعُ نَوَاظِرَ الأَشْهَادِ |
آيَاتُ تَدبِيجٍ يَتِم رُوَاؤُهَا | بِتَلَمعِ الأَنْهَارِ فِي الأَرْآدِ |
وَيَكَادُ بَحْرُ الآلِ فِي أَطْرَافِهَا | يَشْجُو السَّمَاعَ بِمَوْجِهِ الْهَدَّادِ |
حَتَّى يَصِيرَ مَدَى مَحَاسِنِهَا إِلى | سَفْحٍ يُطَوِّقُهَا بِطَوْقِ جِسَادِ |
عَالٍ ذُرَاهُ يَلُوحُ فَوْقَ بَيَاضِهَا | جَمْرُ الغَمَائِمِ مِنْ خِلاَلِ رَمَادِ |
أَمَّا الْبِقاعُ فَجَنَّةٌ لَمْ تَخْلُ مِنْ | أَهْلِ التقَى وَخَلَتْ مِنَ الزهَّادِ |
طَابت عناصِرُهَا فَنُفْحةُ تُرْبِهَا | عِطْرِيَّةٌ غِبَّ السَّحَابِ الْغادِي |
واسْتَوْفَتِ الْحُسْنَيْنِ مِنْ دَعَةٍ وَمِنْ | خُيَلاَءَ فِي الأَغوَارِ وَالأَنْجَادِ |
مَنْ لِلمَشُوقِ بِنهْلةٍ مِنْ زَحْلَةٍ | تَشْفِي المَشُوقَ مِنَ الْجَوىَ المعْتَادِ |
كمْ وَقْفَةٍ فِي بَعْلبَكَّ وَقفتُهَا | أَرْمِي الْجِهَاتِ بِنَاظِرٍ رَوَّادِ |
بَيْنَا أُعِيدُ الطَّرْفَ عَنْهَا رَاوِياً | عَجَباً وإِعْجَاباً إِذا هُوَ صَادِ |
أَرْنُو وَمَرْبَأَتِي بقَايَا هَيْكَلٍ | مِنْ أَعْجَبِ الآثَارِ وَالأَبْلاَدِ |
أَلرَّوْضَةُ الخَضْرَاءُ تَحْتَ مِظَلَّةٍ | مِنْ نَاصِعِ النُّوَّارِ فِي الأَعْواد |
وَالسَّهْلُ يَبْسُط لِلنَّوَاظِرِ بَعْدَهَا | طُرَفاً روَائِعُهَا بِلاَ تَعْدَادِ |
لَطُفَ التَّنَاسُقُ بَيْنَهَا حَتَّى انْتفَى | مَا بَيْنَهَا مِنْ شَاسِعِ الأَبْعَادِ |
وَالْبَحْرُ مَا أَسْنَاهُ فِي صَفوٍ وَمَا | أَبْهَاهُ فِي الإِرْغَاءِ وَالإِزْبَادِ |
صَالَتْ عَلَى الدُّنْيَا بِهِ فِينِيقِيَا | قِدْماً وَنِعْمَ الفَخْرُ لِلأَجْدَادِ |
إِذْ لَمْ يَكُنْ فِي النَّاسِ مَلاَّحٌ وَلَمْ | يَكُ فَوْقَ لُجٍّ رَائحٌ أَوْ غَادِ |
فَتَحَتْ بِهِ لِلْعِلْمِ فَتْحاً بَاهِراً | وَوَقَتْ بِهِ الأَسْوَاقَ كُلَّ كَسَادِ |
وَاسْتدْنَتِ البَلدَ القَصِيَّ فَلَمْ تَدَعْ | لِليَأْسِ مَعْنىً فِي مَجَالِ بِعَادِ |
يا بَحْرُ يَا مِرْآةَ فَخْرٍ خَالِدٍ | أَبْقَوْهُ فِي الأَبْصَارِ وَالأَخْلاَدِ |
هَل تَعْذِرُ الْحُفَداءَ فِيمَا ضَيَّعوا | مِنْ مَفْخَرَاتِ أُولَئِكَ الأَجْدَادِ |
لِي فِيكِ مِنْ جِهَةِ المَنَارَةِ مَعْهَدٌ | ذَهَبَ الصِّبَا وسنَاه مِلْءُ سَوَادِي |
إِذْ كُنْتِ مفْترَجِي وَكانَ يَرُوعُنِي | نَزَقُ المِيَاهِ وَحِلْمُ كُلِّ جَمَادِ |
تِلْكَ الشَّوَاطِيءُ فِي رَوَائِعِهَا غِنىً | عَنْ رَاحةٍ لِلسَّفْرِ أَوْ عَنْ زَادِ |
أَخَّاذَةٌ بِاللُّبِّ بَيْنَ وُعُورَةٍ | وَسُهُولَةٍ وَتقَاصُرٍ وَتَمَادِ |
إِنْ أَيْمَنُوا أَفْضَوْا إِلى فَيْحَائِهَا | يَرِدُونَ خيْرَ مَنَاهِلِ الوُرَّادِ |
حَيْثُ الغَضَارَةُ وَالنَّضَارَةُ زِيدَتَا | طِيباً بأنس كِرَامِهَا الأَجْوَادِ |
أَوْ أَيْسَروا حَجُّوا بِقلْبٍ خَاشِعٍ | وَبِنَاظِرٍ فَرِحٍ ربوعَ الْهَادِي |
فَهنَاكَ آياتُ الْجَمالِ وَمنْتَهَى | كَرَمِ العَناصِرِ فِي رُبى وَمِهَادِ |
وَهُنَاك رَابِيَةُ التَّجَليِّ لَمْ تَزَلْ | تُزْهَى بِنُورٍ مِنْ ضَرِيحِ الْفَادِي |
هَذِي دِيَارُكُمْ الَّتِي كَانَتْ حِمىً | لِلأَنْبِياءٍ وَجَنَّةَ المِيعَادِ |
إِنْ تَصْدُقُوا فِي حبِّهَا فَصَدَاقَةٌ | صَفْوُ القُلُوبِ وَنَبْذُ كُلِّ تَعَادِ |
حَتَّى يَتِمَّ مِنَ المنَى لِسَوَادِكُمْ | مَا يَبْتَغِيهِ دُعَاةُ هَذَا النَّادِي |
يَا أَيُّهَا الإِخْوَانْ مِنْ متَوَطنِي | مِصرٍ وَنِعْمَتْ كَعْبَةُ القُصَّادِ |
لاَ نَنْسَ حَقّاً لِلْكِنَانَةِ وَاجِباً | إِيْفَاؤُهُ وَلِقوْمِهَا الأَمْجَادِ |
حَتَّى نعُدَّ أَدَاءَهُ مِنْ دِينِنَا | وَجُحُودَهُ ضَرباً مِنَ الإِلْحَادِ |
دَارٌ مَحَضْنَاهَا الْوَلاءَ وَمَعْشرٌ | سَمْحٌ نُصَافِيهِ االْهَوَى وَنُفَادِي |
فِي ظِلِّ عَبَّاسِ العَظِيمِ مَلِيكِنَا | فَخْرِ الإِمَارَةِ رَبِّ هَذَا الْوَادِي |
مشَتِ الْجِبَالُ بِهِمْ وَسَالَ الْوَادِي | وَمَضَوْا مِهَاداً سِرن فَوْقَ مِهَادِ |
يُحْدَى بِهِمْ متَطَوِّعِينَ كَأَنَّهُمْ | عِيسٌ وَلَكِنَّ الْفَنَاءَ الْحَادِي |
للهِ يَوْمٌ قَدْ تَقَادَمَ عهْدُهُ | فِيهَا وَظَلَّ يَرُوعُ كُلَّ فُؤَادِ |
يَوْمٌ تَجِفُّ لِذِكْرِهِ أَنْهَارُهَا | خَوْفاً وَيَجْرِي قَلْبُ كُلِّ جَمَادِ |
وَإِذَا قَرَأْنَا وَصْفَهُ فَكَأَنَّهُ | بِدَمٍ زكِيٍّ خُطَّ لاَ بِمِدَادِ |
وَنَكَادُ نَسْمَعُ لِلقِتَالِ دَوِيَّهُ | ونَرَى الْفَوَارِسَ فِي لَقاً وَطِرَادِ |
لِبُرُوسِيا فِي أَرْضِ يَانَا عَسْكَرٌ | مَجْرٌ شَدِيدُ البَأْسِ وَافي الزَّادِ |
وَخِيَامُهُ فِي الأُفْقِ مَاثِلةٌ عَلى | تَرْتِيبِ سِلْسِلَةٍ مِنَ الأَطْوَادِ |
نَفَرَتْ طَلاَئِعُ خَيْلِهِ مَنْذُ الضُّحَى | تَتَرَقَّبُ الأعْداءَ بِالمِرْصادِ |
فَاتُوا كَمَا يَجْرِي الأَتِيُّ مُشَعَّباً | فِي غَيْرِ مَجْرَى مَائِهِ المُعْتَادِ |
وَكَأَنَّ نَابلْيُونَ فِي إِشْرَافِهِ | عَلَمٌ عَلَى عَلَمِ الزَّعامَةِ بَادِ |
أَلمَجْدُ رَهْنُ إِشَارَةٍ بِيَمِينِهِ | وَالنَّصْرُ بَيْنَ يَدَيْهِ كَالْمُنْقَادِ |
والْفَخْرُ فِي رَايَاتِهِ مُتَمَثِّلٌ | وَطَلاَئِعُ الْعُقْبَانِ فِي تَرْدَادِ |
فَتَهَيَّأَ الأَلَمانُ لاِسْتِقْبَالِهِ | كَالْحَائِطِ المَرْصُوصِ مِنْ أَجْسَادِ |
وعَلاَ هُتَافُ مَازَجَتْهُ غَمَاغِمٌ | مِنْ سَلِّ أَسْلِحَةٍ وَرَكْضِ جِيَادِ |
وَرَنِينُ آلاَتٍ تكَادُ تَظَنُّهَا | مُتَجَاوِبَاتِ العَزْفِ بِالإِيَعَادِ |
حَتَّى إِذَا كَمَلَ الْعَتَادُ تَقَاذَفُوا | بِالنَّارِ ذَاتِ البَرْقِ وَالإرْعَادِ |
شُهُبٌ ضِخامٌ آتِيَاتٌ وَالرَّدَى | بِمَسِيرِهِنَّ وَمِثْلِهُنَّ غَوَادِ |
تُلْقِي الرِّجَال عَلَى الثَرَى قَتْلى كَمَا | يُلْقِي السَّنَابِلُ مِنْجَلُ الْحَصَّادِ |
لِلهِ دَرُّهُمُ وَقَدْ حَمِيَ الوَغَى | فَتَهَاجَمُوا كَتَهَاجُمِ الآسَادِ |
تَدْعُو الْجَرَاحَةُ أُخْتَهَا بِصُدُورِهِمْ | وَالسَّيْفُ يَتْلُو السَّيْف فِي الأَجْيادِ |
وَإِذَا التَقَى بَطَلاَنِ لَمْ يَتَجَنْدَلاَ | إِلاَّ مَعاً مِنْ شِدَّةِ الأَحْقَادِ |
وَإِذَا جَوَادٌ خَرَّ فَارِسُهُ دَعَا | بِصَهِيلِهِ ذَا حَاجَةٍ بِجَوَادِ |
وَالمَوْتُ فِي الْجَيْشَيْنِ غَيْرُ مُجامِلٍ | يَجْتَاحُ بِالأَزْوَاجِ وَالأَفْرَادِ |
يَطْوِي الصُّفُوفَ وَيَتْرُكُ الدَّمَ إِثْرَهُ | فَكَأَنَّهُ فُلْكٌ بِبَحْرِ عِبَادِ |
مَا زَال يَفْتكُ وَالنفُوسُ زَوَاهِق | وَكَأَنَّ تِلْكَ هُنَيْهة الميعَادِ |
حَتَّى تَوَلَّى الذُّعرُ جَيْشَ بُرُوسِيَا | فَتَفَرَّقُوا بَيْنَ القفارِ بَدَادِ |
فَسَعَى الفَرَنْسِيُّونَ فِي آثَارِهِمْ | بِعَزَائِمٍْ لاَ يَنْثَلِمْن حِداد |
يسْتَكْبِرُ الصُّعْلُوكُ مِنْهُمِ دَائِساً | فِي أَضْلُعِ الأَبْطَال وَالقُوَّادِ |
وَاسْتَفْتَحُوا بَرْلِينَ وَهْيَ مَنِيعَةٌ | وَقَضَوْا بِهَا الأَيَّامَ كَالأَعْيَادِ |
وَأَقَامَ أَصْحَابُ البِلاَدِ مَآتِماً | وَكَسَوْا عَلَى القَتْلى ثِيَابَ حَدَادِ |
نَاحَتْ عَرَائِسُهُمْ عَلَى أَزْوَاجِهَا | وَالأُمَّهَاتُ بَكَتْ عَلَى الأَوْلاَدِ |
وَاشْتَدَّ حُزْنُهُمُ وَلَمْ يَكُ مُجْدِياً | مِنْ بَعْدِ فَقْدِ أَحِبَّةٍ وَبِلاَدِ |
أَلحُزْنُ يَخْمُدُ وَالمَذَلَّةُ جَمْرَةٌ | لاَ تَنْطَفِي إِلاَّ بِسَيْلِ جَسَادِ |
عَادَ الرَّبِيعُ لَهُمْ كَسَالِفِ عَهْدِهِ | يَزْهُو عَلَى الأَغْوَارِ وَالأَنْجَادِ |
يَا حُسْنَهُ بَلَداً خَصِيباً طَيِّباً | لَكِنَّهُ نَهْبُ الغَرِيبِ العَادِي |
تَتَبَسَّمُ الأَزْهَارُ فِيهِ حَيْثُمَا | عَبَسَ الحِمَامُ بِهَالِكِ الأَجْنَاد |
يَا خجْلَةَ الأَحْرَارِ مِنْ مَوْتَاهُمُ | يَثْوُونَ حَيْثُ المَالِكُونَ أَعَادِي |
فَاسْتعْصَمُوا بِالصَّبْرِ ثُمَّ تكَاتفُوا | وَتَحَرَّرُوا مِنْ رِقِّ الاِسْتِعْبَادِ |
وَتَأَهَّبُوا لِلثَّأْرِ وَالأَحْقَادُ فِي | أَكْبَادِهِمْ كَالْبِيضِ فِي الأَغْمَادِ |
حَتَّى إِذَا اشْتَدُّوا وَضَاقَ عَدُوُّهُمْ | ذَرْعاً بِهِمْ أَصْلُوهُ حَرْبَ جِهَادِ |
وَبَنَوْا رَجَاءَهمُ عَلَى اسْتِعْدَادِهِمْ | لاَ خَيْرَ فِي أَمَلٍ بِلاَ اسْتِعْدَادِ |
هَدَمُوا مَعَالِمَهُ وَرَوَّوْا رَدْمَهَا | بِدِمَاهُ فَاخْتَلَطَا دَماً بِرَمَادِ |
وَاسْتَفْتَحُوا بَارِيسَ فَاسْتَوْفوْا بِهَا | أَوْتَارَهُمْ وَشَفَوْا صَدَى الأَكْبَادِ |
كُلُّ بِمَسْعَاهُ يَفُوزُ وَمَنْ يُنِبْ | عَنْهُ الحَوَادِثَ لَمْ يَفُزْ بِمُرَادِ |