مُرِ القَوَافِي تَجِيءُ طُوْعاً وَلاَ عَجَبَا
مدة
قراءة القصيدة :
3 دقائق
.
مُرِ القَوَافِي تَجِيءُ طُوْعاً وَلاَ عَجَبَا | عَلَّ الْقَوَافِي تُوَدِّي بَعْضُ مَا وَجَبَا |
صِغْهَا عُقُوداً لِهَذَا الْيَوْمَ مِنْ دُرَرٍ | وَحَيِّ فِيهَا العُلاَ وَالْعِلْمَ وَالأَدَبَا |
فَالْيُوْمُ عِيدٌ لِهَذَا القُطْرِ أَجْمَعَهِ | هَنِّيءْ بِهِ الشَّرْقَ والسُوْدَانَ وَالعَرَبَا |
فَانْشُدْ نَشِيدَ الأَمَانِي رُبَّ قَافِلَةٍ | قَدْ أَبْطَأَتْ في السَّرَى تَشْدُو بِهِ حُقُبَا |
حَلَّقْ مَعِ الْفَلكِ الدَوَّارِ في فَلَكٍ | وَزُحُ أَنْ اسْطَعْتْ عَنْ أَسْرَارِهِ حُجُبَا |
وَانْظُرْ بِعَيْنَيْكَ خَطَّ الْقَضَاءُ بِهِ | في اللَّوْحِ وَاقْرَأْ لَنَا مَا فِيهِ قَدْ كُتِبَا |
فَذَاكَ عُمْرِي وَرَاءَ الْحُجْبِ مَسْتَتِرٌ | عَلَيْهِ سُورٌ مِنَ الأَنْوَارِ قَدْ ضُرِبَا |
وَاهْبِطْ إلى الأَرْضِ خَبِّرْنَا بِمَا سَمِعَتْ | أُذْنَاكَ أَنَّ لَنَا في سَمْعِهِ أَرَبَا |
وَانْثُرْ عَلَى الْوَادِي مِنْ عِلْمٍ وَمِنْ أَدْبٍ | فَإِنَّ ذَا الشَّعْبِ يَهْوَى العِلْمَ وَالأَدَبَا |
حَدِّثْهُ كَيْفَ سَمَتْ أَرْوَاحُنَا زَمَناً | وكَيْفَ كُنَّا عَلَى رُغْمِ العِدَى الْعَرَبَا |
وَكَيْفَ كَانَتْ لَنَا الأَيَّامُ طَائِعَةً | كَمَا تَشَاءُ فَلَمْ تُهْمِلْ لَنَا طَلَبَا |
حَدَّثْ بَنِي الْنِّيْلِ عِنْ كَثَبٍ | عَنِ الأَمِينِ عَنِ الْمأَمُونِ إِذْ غَضِبَا |
سَالَتْ دِمَاءُ بَنِي العَبَّاسِ بَيْنَهُمَا | الْمُلْكُ أَسْمَى وَأَعْلَى مِنْ دَمٍ سَكَبَا |
بَغْدَادُ كَانَتْ مَنَاراً لِلْعُلُومِ فَمَا | لِلْعِلْمِ مِنْ طَالِبٍ إِلاَّ لَهَا طَلَبَا |
لاَ تُشْرُقُ الشَّمْسُ إِلاَّ في مَنَائِرِهَا | وَلَيْسَ يَغْرُبُ عَنْهَا الْبَدْرُ مَا غَرُبَا |
وَصِفْ لَنَا كَيْفَ دَالَتْ وَامَحَتْ دُوَلٌ | وَكَيْفَ جَيْشُ حُمَاةِ الشَّرْقِ قَدْ غُلِبَا |
وَمَا دَهَى الْشَّرْقَ في ابْنَاهُ قَاطِبَةً | فأَصْبَحَ الرَّأْسُ مِنْ أَبْنَائِهِ ذَنَبَا |
قَدْ أَثْقَلَتْنَأ قُيودٌ لاَ نُهُوضَ بِهَا | وَإِنْ يَكُ صَائِغُ قَدْ صَاغَهَا ذَهَبَا |
أَعِدْ عَلَى مَسْمَعِي ذِكْرَ الأُلَى سَلَفُوا | فَرُبَّ ذِكْرَى مَحَتْ فِيْمَا مَحَتْ كَرَبَا |
وَرُبَّ ذِكْرَى سَرَتْ في جِسْمِ سَامِعِهَا | وَرَدَّتِ الرُّوْحَ فِيهِ بِعْدَمَا ذَهَبَا |
فأَنْتَ كَالْوَحْيِّ لَمْ تَهْبِطْ عَلَى بَلَدٍ | إِلاَّ رَأَيْنَا بِهِ الآيَاتِ وَالعَجَبَا |
كَمُحَكَّمِ الآي وَالتَّنْزِيلِ جِئْتَ بِهِ | وَقَدْ مَلأْتَ بِهِ الأَشْعَارَ وَالْكُتُبَا |
فَيَا أَمِيرَ الْقَوَافِي رُبَّ مَمْلَكَةٍ | أَنَارَ قَوْلُكَ فِيهَا جَيْشَهَا اللُّجَبَا |
وَرُبَّ قَوْلٍ جَرَى مِنْ فِيكَ حَزْتُ بِهِ | في عَالَمِ الشِّعْرِ دُوْنَ العَالَمِ القَصَبَا |
فَمَا حَدَا الحَادِي إِلاَّ مِنْ قَصَائِدِكُمْ | وَلاَ شَدَا بُلْبُلٌ إِلاَّ بِهَا طَرَبَا |
وَلاَ تَغَنَّى فَتَىً في الشَّرْقِ قَافِيَةً | إِلاَّ وَشِعْرُكَ مَا أَوْحَى وَمَا كَتَبَا |
لَوْ كُنْتُ في الوَادِي ذَا مَالٍ أَقَمْتُ لَكُمْ | تَمْثَألَ دُرِّ وَلَمْ أَرْضِ بَهِ الذَّهَبَا |
وَقُلْتُ لِلنًّاسِ طُوْفُوا حَوْلَهُ أَبَداً | مِثْلَ الْحَجِيجِ فَهَذَا كَعْبَةُ الأَدَبَا |
فَارْجَعْ إلى مِصْرَ في أَمْنٍ وَعَافِيَةٍ | وَزُرْ دِمَشْقَ وَزُرْ بَغْدَادَ زُرْ حَلَبَا |
وَصِفْ لَهُمْ مَا رَأَتْ عَيْنَاكَ في بَلَدٍ | أَبْنَاهُ لَيْسَ لَهُمْ إِلاَّ العُلا طَلَبَا |
فَإِنْ أَصَاخُوا لِمَا تُمْلِيهِ وَاسْتَمَعُوْا | فَاخْبِرْهُمُ عَنْ بَنِي السُّودَانِ خَيْرَ نَبَا |
وَقُلْ لَهُمْ إِنَّا لَمْ نَزَلْ هَدَفاً | لِكُلِّ رَامٍ وَمَنْ قَدْ لاَمَ أَوْ عَتَبَا |
لاَ نَعْرِفَ النَّوْمَ إِلاًّ خِلْسَةً غَضَبَاً | وَالحُرُّ إِنْ مَسَّهُ مَا سَاءَهُ غَضِبَا |
النِّيلُ في الْوَادِي يَرْوي كُلَّ ذِي ظَمإِ | وَلَيْسَ فِينَا فَتىً مِنْ مَائِهِ شرِبَا |
لَنَا إِلَيْهِمْ حَنِينٌ دَائِمٌ وَهَوىً | مَهْمَا تَدَارى بِهِ عُذَّالُنَا حَلَبَا |
فَهُمْ لَنَا إِخْوَةٌ بَلْ هُمْ أَشِقَّتُنَا | وَمِصْرُ لَمَّا تَزَلْ أُمًّا لَنَا وَأبَا |
الشَّرْقُ يَجْمَعُنَا وَالنِّيلُ يَرْبِطُنَا | كَوِحْدَةٍ جَمَعَتْ مَا بَيْنَهَا العَرَبَا |
أَمَّا الْمَلِيكُ فَإِنَّا لاَ نَكُنُّ لَهُ | إِلاَّ الوَلاءَ وَإِلاًّ الحُبَّ وَالأَدَبَا |