عَزّ المَعَالِي مَاتَ يُوسُفُ سَابَ
مدة
قراءة القصيدة :
4 دقائق
.
عَزّ المَعَالِي مَاتَ يُوسُفُ سَابَا | عَزِّ الْفَضَائِلَ فِيهِ وَالآدَابَا |
عَزِّ الإِمَارَة وَالوِزَارَةَ وَالنَّدَى | وَالبأْسَ وَالأَنْسَابَ وَالأَحْسَابَا |
وَإِلَى جَمِيعِ الشَّرْقِ فَانْعِ مُهَذَّباً | فِقْدَانُهُ فِي الشَّرْقِ عَمَّ مُصَابَا |
مَا حَالُ مِصْرَ وَدُوْنَ يُوسُفَ قَدْ جَرَى | حُكْمُ القَضَاءِ فَقَطَّعَ الأَسْبَابَا |
خَطْبٌ عَلَى التَّعْدَادِ فِي أَمْثَالِهِ | رَاعَ النُّفُوسَ وَحَيَّرَ الأَلْبَابَا |
فَكأَنَّ مَا يُرْدِيهِ فِي بَطْنِ الثَّرَى | يَرْمِيهِ مِنْ كَبِدَ السَّماءِ شِهَابا |
مَاتَ الَّذِي مُلِئَتْ صَحَائِفُ عُمْرِهِ | آياً تَضَمَّنَهَا الفَخَارُ كِتَابَا |
وَبِهَا سَمَا أَوْجَ المَرَاتبِ وَاقْتَنَى | أَسْنَى السِّمَاتِ وأَحْرَزِ الأَلْقَابَا |
وَلِيَ الوِزَارَةَ لَمْ يَخَلْهُ حِينَما | لَبَّى عَلَى الآسَادِ يَدْخُلُ غَابَا |
وَرَآهُ كَمْ رُؤيَا كَذُوبٌ نَاهِجاً | نهْجاً يُفِيدُ الجِيلَ وَالأَعْقَابَا |
حَتّى إِذَا كَشَفَتْ لَهُ عَمَّا بِهَا | لَمْ يُرْضِهِ فَخْرٌ تَبَطَّنَ عَابا |
وَلِيَ الإِدَارَةَ رَائِضاً عِلاَّتِهَا | يَتَدَارَكُ التَّحْسِينَ بَاباً بَابَا |
مَهْمَا يُلاَقِ مِنَ الصِّعَابِ يَكُدَّ فِي | طَلَبِ النَّجَاحِ وَلاَ يُبَالِ صِعَابَا |
يُفِي جَزَاءَ المُسْتَحِقِّ وَيَصٍطَفِي | أَدْعَى الأُمورِ إِلَى الصَّلاَحِ عِقَابَا |
فَغَدَا البَرِيدُ بِمِصْرَ وَهْوَ وَلِيُّهُ | عَجَباً لِمَنْ عََفَ النَّظيْرَ عُجَابا |
أَسَفاً عَلى ذَاكَ الَّذِي عَنْ قَوْمِهِ | فِي كُلِّ مَحْمَدَةٍ أُنِيبَ وَنَابَا |
قَدْ كَانَ فِي الظُّلُمَاتِ كَوْكَبَ عِزِّهِمْ | فَالْيَوْمَ كَوْكَبُ عِزِّهِمْ قَدْ غَابَا |
إِنَّ الشُّيُوخَ إِذَا بَكَوْهُ فَرُزْءُهُ | أَبْكَى كُهُولاً بَعْدَهُ وَشَبَابَا |
صَرْفُ الزَّمَانِ وَقَدْ رَمَاهُ رَمَى بِهِ | قَلْبَ المُرُوْءَةِ وَالنَّدَى فَأصَابَا |
لَمَّا نَعَوْهُ نَعَوْا هُمَاماً مَاجِداً | مَلأ النُّهَى بِصِفَاتِهِ إِعْجَابا |
وَكَأَنَّ أَلْسِنَةً مِنَ البَرْقِ الَّذِي | يَنْعَى مَدَدْنَ إِلَى القُلُوبِ حِرَابَا |
كَيْفَ الضَّميرُ العَبْقَرِيُّ مُشَارِفاً | هَذَا الوُجُودَ جَلاَ أَكَانَ ضَبَابَا |
كَيفَ البِنَاءُ كَذَلِكَ الْجِسْمُ الَّذِي | عَمَرَتْهُ تلكَ الرُّوحُ بَاتَ يَبَابَا |
ذَاكَ التَّلَفُّتُ وَهْوَ مِن صَيَدِ امْرئٍ | مَا هَانَ يَومَ كَرِيهَةٍ أَو هَابَا |
ذَاكَ المُحَيَّا مُشْرِقَاً فِي لِحْيَةٍ | زَانَ السَّوَادَ بِهَا بَيَضٌ شَابَا |
تِلكَ اللِّحَاظُ سَدِيدَةٌ فَإِذَا نَبَتْ | فَلَعَلَّهَا تَجِدُ المُرِيبَ فَتَابَى |
تِلْكَ الشَّمَائِلُ وَالمَعَارِفُ وَالنُّهَى | وَالحُسْنُ وَالحُسْنَى أَصِرْنَ تُرَابا |
لَمْ يَرضَ سَابَا أَنْ يَكُونَ لَهْ عِدَىً | وَاسْتَكْثَرَ الإِخْوَانَ وَالأَحْبَابَا |
مَا قَالَ فَاحِشَةٌ وَلَمْ يَهْمُمْ بِهَا | يَوْمَاً وَلَم يُلْمِمْ بِأَمْرٍ رَابَا |
وَلَقَدْ أَقُولُ وَلاَ أُبَالِغُ إِنَّهُ | مَا عِيبَ فِي حَالٍ وَلا هُوَ عَابَا |
فَاظْنُنْ بِعَال مَنْصِباً وَوَظِيفَةً | مَا اغْتَابَهُ الحُسَّادُ أَوْ مَا اغْتَابَا |
مَنْ لَمْ يُفَرِّطْ في حِسَابِ ضمِيرِهِ | لَم يَخْشَ يَوماً لِلعِبَادِ حِسَابا |
أَعَرَفْتَ حُرَّاً غَيْرَ سَابَا لَمْ يَجِئْ | قَوْلاً وَفِعلاً مَا يُثِيرُ عِتَابَا |
إِنْ مَرَّ وِرْدُ الدَّهْرِ ظَلَّ حَدِيثُهُ | عَذْبَاً وَإِنْ خَبُثَتْ أُنَاسٌ طَابَا |
سَمْحٌ إِلَى الإِتْلاَفِ إِنْ يَتَقَاضَهُ | ذَاكَ الوَفَاءُ وَلَمْ يَظُنَّ ثَوَابَا |
مَا أَمَّ مَشْرَعَ جَاهِهِ أَوْ مَالِهِ | قَمِنٌ بِتَحْقِيقِ الرَّجَاءِ فَخَابَا |
مُتَنَزَّهٌ عَالي الجَنَابِ وَقَلَّ مَنْ | جَمَعَ التَّنَزُّهَ وَالعُلُوَّ جَنَابَا |
يُتَوَسَّمُ الإِخْلاَصُ فِي أَعْمَالِهِ | حَتَّى لَيُوشِكَ أَنْ يَشِفَّ حِجَابَا |
لَمْ يَدْعُهُ دَاعٍ لأمْرٍ وَاجِبٍ | إِلاَّ تَشَمَّرَ مُسْرِعاً وَأَجَابَا |
بِالجِدِّ يَكْسِبُ فِي النُّفُوسِ مَهَابَةٌ | وَيُقِلُّ مَا شَاءَ الكَمَالُ دِعَابَا |
يَدَعُ القُشُورَ لِكُلِّ دِي لَهوٍ بِهَا | ويَرَى الأُمُورَ حَقِيقَةٌ وَلُبَابَا |
لاَ يَعْرِفُ الدَّعْوَى وَلاَ يُرْضِي امْرَأً | كَذِباً وَيَفْعَلُ مَا اسْتَطَاعَ صَوَابا |
وَيَرَى مِنَ المُزْرِي تَكَلُّفَ سَيِّدٍ | فِي يَوْمِ صِدْقٍ أَنْ يَقُولَ كِذَابا |
يَوْمَا سَابَا مَا فَعَلْتَ بِأُمَّةٍ | ثَكِلَتْهُ دَعْ أَهْلَيْهِ وَالأَصْحَابَا |
أَلْقُطْرُ مُهْتَزُّ الجَوَانِبِ لَوْعَةٌ | والنِّيْلُ لَوْ يَعْلُو لَسَالَ سَحَابَا |
وَالوَافِدُونَ يُشَيِّعُونَ عَزِيزَهُمْ | حَشْدٌ بِهِ الطُّرُقَاتُ ضِقْنَ رِحَابَا |
فَكَأَنَّ حَوْلَ النَّعْشِ بَحْراً مَائِجاً | وَكَأَنَّهُ فُلْكٌ يَشُقُّ عُبَابَا |
مَا مِنْ أَمِيرٍ أَوْ رَفِيعِ مَكَانَةٍ | إِلا بَكَاهُ بِحَرِّ قَلْبٍ ذَابَا |
لِله يَا حُلْوَ الصَّدَاقَةِ كَمْ سَقَتْ | هّذِي النَّوَى فِيكَ الأَحِبَّةِ صَابا |
أَليَوْمَ عَدْنُ اسْتَأْنَسَتْ مِنْ وَحْشَةٍ | بِأَبَرِّ مُبْتَكِرٍ إِلَيهَا آبَا |
إِنْ قُلْتُ لاَ تَبْعَدْ فَإِنَّكَ بَيْنَََََنَا | هَلْ مَائِتٌ مَنْ يُخْلِفُ الأَنْجَابَا |