هَلْ كَانَ حِينَ قُتِلْتَ سَلْبُ السَّالِبِ
مدة
قراءة القصيدة :
4 دقائق
.
هَلْ كَانَ حِينَ قُتِلْتَ سَلْبُ السَّالِبِ | أَقْسَى الرَّدَى أَمْ كَانَ ثَلْبُ الثَّالِبِ |
خُتِمَتْ بِمَوْتِكَ نَكْبَةٌ وَتَواَصَلَتْ | أُخْرَى وَرَاءَ الْمَوْتِ ذَاتَ غَرَائِبِ |
الحَوْلُ بَعْدَ الْحَوْلِ مَرَّ وَلِلرَدَى | حَوْلَيْكَ تَرْدِيدِ الصَّدَى المُتَجَاوِبِ |
لَوْلاَ تَنَزَّلَتِ البَرَاءَةُ مِنْ عَلٍ | مَا رَدَّ عَنْكَ القَبْرُ غَيْبَةَ غَائِبِ |
هَبَطَتْ إِلَيْكَ فَطَهَّرَتْ ذِكْرَاكَ مَنْ | رَمْيِ الوُشَاةِ نَقَاءَهَا بِشَوَائِبِ |
غَامَتْ عُيونُهُمُ بِفُلِّ قُلُوبِهِمْ | فإذَا السَّماءُ الصَّحْوُ ذَاتَ سَحَائِبِ |
تِلْكَ البَرَاءَةُ فَلْتُمَثَّلْ فِي حُلَى | عَذْرَاَ تَزْهُو بِالجَمَالِ الخَالِبِ |
وَعَلَى ضَرِيحِكَ فَلْتُشَيَّدْ صُورَةٌ | مِنْ مَرْمَرٍ صَافٍ لِتِلْكَ الكَاعِبِ |
الصبْحُ طَلْعَتُهَا لا وَمَعْدَنُ حُسْنِهَا | عَدْنٌ وَتَاجُ الرَّأْسِ عَقْدُ كَوَاكِبِ |
لِلْرُوحِ فِي قَسَمَاتِهَا لُطْفٌ يُرَى | والجِسْمُ طُهْرٌ مُفْرَغٌ فِي قَالَبِ |
قَدْ شَارَفَتْكَ فَلَطَّفَتْ بِتَبَسُّمٍ | عَذْبٍ مَرَارَةُ دَمْعِكَ المُتَسَاكِب |
وَبِأَنْمُلاَتٍ كَالأَشِعَّةِ أَوْمَأَتْ | تَنْفِي ظُنُونَ السُّوءِ نَفْيَ غَيَاهِبِ |
وَبِأَخْمَصٍ مُتَثَاقِلٍ دَاسَتْ عَلَى | أَشْبَاهِ حَيَّاتٍ سَعَتْ وَعَقَارِبِ |
رَمْزَاً إلى أَهْلِ السَّعَايَاتِ الأُلى | فَشِلُوا وَبَاؤُا بالرَجَاءِ الخَائِبِ |
فَإِذَا اسْتَتَمَّتْ وَاسْتَوى تِمْثَالُهَا | مِلْءَ العُيونِ بِحُسْنِهِ المُتَنَاسِبِ |
كُنْ مُلْتَقَى لأَشِعَّةٍ مِنْ لَحْظِهَا | تُرْمَى بِهَا عَنْ قَوْسِ أَرْأَفِ حَاجِبِ |
وَلِيَنْقُشُوا لَكَ صُورَةً يَبْدُو بِهَا | مَا كضانَ مِنْ عَجَبٍ بِشَأْنِكَ عَاجِبِ |
نَقْشَاً يُلاَنُ لَهُ الصَّفَاوِيةُ تُرَى | فِي شَكْلِ مَظْلُومٍ أَسْيِفٍ شَاحِبِ |
تَحْتَ الجَرَاحَاتِ الَّتِي فِي جِسْمِهِ | أدْمَى جِرَاحَاتِ الفُؤَادِ الذَّائِبِ |
جَاثٍ عَلَى أقْدَامِهَا بَلَغَ الأَسَى | مِنْهُ مَبَالِغَهُ وَلَيسَ بِغَاضِبِ |
لاَ عُمْرُهُ المَفْقُودُ عِلَّةَ بَثِّهِ | كَلاَّ وَلاَ نُعْمَى الثَّرَاءِ الذَّاهِبِ |
بَلْ جُوْرُ قَوْمٍ كَانَ فِيهِمْ عِزَّةً | لِلْمُسْتَعِزِّ وَغِنْيَةٌ لِلطَّالِبِ |
أَدْرَوهُ مَا لَمْ يَدْرِ قَبْلَ مَمَاتِهِ | مِنْ صَدِّ أَحْبَابٍ وَبُعْدِ أَقَارِبِ |
لَمْ يَكْفِهِمْ إِنْ مَاتَ حَتَّى يعَكَّروا | بِغُبَارِهِمْ جَوَّ الشَّهَابِ الغَارِبِ |
وَأَشَدُّ فِي التَّنْكِيلِ مِنْ كَأْسِ الأَذَى | وَضْعُ القِذَى فِي كَأْسِهِ لِلْشَّارِبِ |
مَا الوَحْشُ إِنْ غَالَ الرَّميمُ بِقُبْحِ مَنْ | قَالَ النَّمِيمُ لِنَهْشِ عِرَضِ الغَائِبِ |
فَاظْنُنْ بِمَنْ يَغْتَابُ مَقْتُولاً وَقَدْ | أَعْيَا فَمَا يَسْطِيعُ نُبْسَةَ عَاقِبِ |
وَاظْنُنْ بِمَا هُوَ فَوْقَ ذَاكَ نِكَايةٌ | مِنْ جَفْوَةِ الأَدْنَى وَغَدْرِ الصَّاحِبِ |
جَأَروا وَمَا أَخْفُوهُ تَحْتَ نَحِيبِهِمْ | جَعْلِ المَصِيبَةِ فَوْقَ نَدْبِ النَّادِبِ |
هَذَا هُوَ الرَّسْمُ الخَلِيقُ بِأَنْ يُرَى | فِي ظَهْرِ قَبْرِكَ مَاثِلاً لِلَّرْاقِبِ |
فِي صَمْتِهِ الأَبَدِيِّ أَبْلَغِ وَاعِظٍ | لأُلَى النَّهَى بِلِسَانِ أَفْصَحِ خَاطِبِ |
تَوْفِيقُ نَمْ وَزُرِ الحَسُودَ مُؤَرِّقاً | مَا عَاشَ مَوْكُولاً لَهَمٍّ نَاحِبِ |
لِلْمَوْتِ رَوْحُ زِيدَ عَنْكَ هُنَيْهَةً | فِي شَبْهِ حِلْمٍ مُثْقَلٍ بِمَتَاعِبِ |
ذَادُوه عَنْكَ فَبُتَّ أَقْلَقَ مَنْ ثَوَى | حَيْثُ القَرَارُ يَكُونُ أَمْنَ الهَائِبِ |
لَكِنَّ عَدْلاً لاَ يَنِي مُتَعَقًِّباً | لِلْظُلْمِ بَيْنَ مُصَابِرٍ وَمُعَاقَبِ |
كَشَفَ اللِّثَامَ عَنِ الحَقِيقَةِ فَانْجَلَتْ | تَعْدِي الضَّيَاءَ عَلَى الظَّلاَمِ الهَارِبِ |
النَّاهِشُو الأَعْرَاضِ فِي خَسْرٍ وَإِنْ | لَمْ تَتَّصِمْ أَعْرَاضُهُمْ بِمَثَالِبِ |
كَيْفَ الوُشَاةُ وَقَدْ رَمُوكَ بِمَا بِهِمْ | مِنْ مَنْقَصَاتٍ جَمَّةٍ وَمَعَايِبِ |
حَسَدُوكَ لَمْ يَعْفُوا أَخَاكَ وَإِنَّمَا | فَعَلُوا لِحِرْصٍ فِي الطَّبَِائِعِ غَالِبِ |
فَالمَحْمَدَاتُ وَأَنْتُمَا فِي جَانِبٍ | وَالمَخْزَيَاتُ وَرَهْطُهُمْ فِي جَانِبِ |
مَاذَا تَرَكْتَ مِنَ المَقَامِ لِشَحِّهِمْ | تِلْقَاءَ سَيْبٍ كَالغَمَامِ الصَّائِبِ |
وَلِسُوْءِ مَسْعَاهُمْ وَقِلَّةِ كَسْبِهِ | فِي جَنْبِ مَسْعَاكَ الجَمِيلِ الكَاسِبِ |
قَدْ بَاعَدوا الخُطَوَاتِ في طَلَبِ العُلَى | فَتقَاصَرُوا عَنْ خَطْوِكَ المُتَقَارِبِ |
وَهَدَاكَ دُونَهُمُ السَّبِيلُ إلى الَّذي | لَمْ يَبْصُرُوهُ نُورَ فِكْرٍ ثَاقِبِ |
أَنْ يَقْتَضُوكَ شَمَائِلَ لَمْ تُؤْتَهَا | فَمَطَالِبُ البَاغِينَ شَرًُّ مَطَالِبِ |
النَّاسُ إِمَّا حَاسِبٌ أَوْ مُحْرِزٌ | جَاهاً يُصَرِّفُ فِيهِ ذِهْنَ الحَاسِبِ |
وأَخُوا المَآثِرِ هَلْ يُقَلَّلُ مَجْدُهُ | أَنْ لاَ يَكُونَ بِعَالِمٍ أَوْ كَاتِبِ |
آلَيْتَ بِالحُسْنَى أَلِيَّةَ عَارِفٍ | بعُلُوِّهَا عَنْ شُبْهَةٍ مِنْ كَاذِبِ |
مَا ضَارَ مَنْ ذَمَّ النُضَارَ وَرَبَّمَا | كانَتْ نقِيصَتُهُ بِعَيْنِ العَائِبِ |
هَلْ مَعْدَنُ التِّيْجَانِ بَخْسٌ حَقُّهُ | إِنْ يَأْبَ طَبْعَ أَسِنَّةٍ وَقَوَاضِبِ |
أَدْرَكْتَ مِنْ كَرَمٍ وَهُمْ لَمْ يُدْرِكُوا | مَا لِلْحَوَادِثِ مِنْ بَعِيدِ عَوَاقِبِ |
الجَوْدُ لِلْمُبْقِي عَلَى أَمْوالِهِ | هُوَ أَوَّلُ الرَّأْي السَّدِيدِ الصَّائِبِ |
وَبِهِ يُوقَى العَالِمُونَ تَحَوُّلاً | رَاعَ النُّهَى بِنَذِيرُهِ المُتَعَاقِبِ |
هَلْ بَعْدَ مَعْرِفَة الجُمُوعِ بِحَقِّهَا | يَرْتَاضُ سَاغِبُهَا لِغَيْرِ السَّاغِبِ |
إِنْ لَمْ تَصِبْ مِنْ كُلِّ نُعْمَى حَظَّهَا | لَمْ تَأْمَنِ الدُّنْيَا كِبَارَ مَصَائِبِ |
ادْوَرَدُ يَا أَوْفَى الرِّجَالِ إِذَا دَعَا | في حِينِهِ دَاعِي الْقِيَامِ بِوَاجِبِ |
يَا مُحْرِزاً بِدُؤُوبِهِ وَبِجَدِّهِ | أَسْمَى مَكَانٍ لِلْمُجِدُّ الدََّائِبِ |
دُمْ سَالِماً يَفْدِيكَ مَصْرعُ فَرْقَدٍ | عَنْ ذُرْوَةِ المَجْدِ المُؤَثَّلِ غَأرِبِ |
وَالْبَثْ وَحِيداً بَيْنَ قَوْمِكَ ظَاهِراً | بِمَحَامِدَ مَشْهُورَةٍ وَمَنَاقِبِ |
لَوْ فُوضِلَتْ أَسْمَاءُ رَبِّكَ تُوَجِّتْ | أَسْمَاءُهُ الحُسْنَى بِوَصْفِ الوَاهِبِ |