خَلَعتَ عَنِ الروحِ ثَوبَ المَدَر
مدة
قراءة القصيدة :
دقيقتان
.
خَلَعتَ عَنِ الروحِ ثَوبَ المَدَر | فَخَفَّ العَذابُ وَطابَ السَفَر |
وَأَقبَلتَ فَالقَمَرُ المُستَهامُ | أَخوكَ يُناجيكَ خَلفَ الشَجَر |
وَهذي بِلادُكَ مَهدُ الزَمانِ | يَهُزُّ بِها الشَوقُ حَتّى الحَجَر |
وَهذا النَسيمُ كَما كانَ أَمسِ | وَهذي الجِبالُ وَهذا الحَوَر |
وَهذي الكُهوفُ بِصُلبِ الصُخورِ | جَلالُ القُرونِ عَلَيها اِنتَشَر |
وَهذي عَذاراكَ يا اِبنَ الرَبيعِ | تُناديكَ مِن شَرَفاتِ القَمَر |
وَصِنّينُ ما زالَ جارَ السَماءِ | وَما زالَتِ الهَضَباتُ الأُخَر |
وَإِن تَكُ تُبصِرُ في سَفحِها | سَواعِدَ دَقَّت وَخُلقاً ضَمَر |
فَروحُ بِلادِكَ لَمّا يَزَل | وَإِن راغَ مِنهُ صِباغُ الطُرَر |
تَبَدَّلَ مِنهُ الإِطارَ الهَزيلُ | وَهَل يَتَبَدَّلُ إِلّا الخَبَر |
حَكيمَ الزَمانِ وَقيثارَهُ | وَمَهدَ الهَوى وَالحَنانِ الأَبَر |
هُنا الحورُ فَاِرقُد قَريراً فَما | أَحَبَّ وَأَقدَسَ هذا المَقَر |
هُنا الأَنبِياءُ الأُلى قَبَّلوكَ | فَنَبَّأتَ بِالأَدَبِ المُبتَكَر |
هُنا طَهُرَ الشِعرُ في شَفَتَيكَ | بِنارِ الأُلوهَةِ يا اِبنَ البَشَر |
سَمِعتُ عَروسَكَ مُنذُ لَيالٍ | تُنَبّىءُ بِالحَدَثِ المُنتَظَر |
وَفي يَدِها خَشَباتُ رَبابٍ | تَشَظّى عَلَيهِ الأَسى فَاِنكَسَر |
وَأَبصَرتُ وَجهَكَ هذا الصَباحَ | يَطفو عَلَيهِ صَباحٌ أَغَرّ |
فَيَغمُرُهُ بِبَخورِ الحَنانِ | وَيَسمَحُهُ بِزُيوتِ الكِبَر |
وَيَعقُدُ في شَفَراتِ جُفونِكَ | ذَرّاتِ نورٍ كَرُؤيا ظَهَر |
كَأَنَّ عَرائِسَكَ الخالِداتِ | وَقَد كُسِيَت مِن رُؤاكَ الحِبَر |
أَتَتكَ تُوَدِّعُ هذا الجَمالَ | فَذابَت عَلى وَجهِكَ المُحتَضَر |
عَروسُكَ عَذراءُ مِن عَبقَرٍ | أَتَتكَ مُصَبَّغَةً بِالخَفَر |
تُذيبُ عَلَيكَ رُؤى الأَنبِياءِ | مُعَرَّفَةً بِرُموزِ السُوَر |
مِنَ السِحرِ في مُقلَتَيها رَشاشٌ | وَلِلحُبِّ في شَفَتَيها ثَمَر |
فَدَغدَعتَها في خُدورِ الرَبيعِ | وَعانَقتَها في خُدودِ الزَهَر |
غَزَلتَ لَها حُوَّةً في الجُفونِ | تُخَدِّرُها عِفَّةٌ في النَظَر |
وَغَمَّستَ ريشَةَ وَحيِكَ في | شَفَتَيها وَلَوَّنتَ تِلكَ الصُوَر |
مَشاهِدُ أَدمَيتَ قلبَكَ فيها | وَما زِلت تُدميهِ حَتّى اِنفَجَر |
تَبارَكَ قَلبٌ تُفيضُ رُسومُكَ | مِنهُ عَلى كُلِ لَوحٍ أَثَر |
وَجِئتَ الوَرى بِأَناشيدِ حُبٍّ | نَقِيٍّ كَوَجهِكَ أَو كَالسَحَر |
أَناشيدَ ما صَعِدَت قَبلَ عَهدِكَ | مِن حَلقِ إِنسٍ وَلا مِن وَتَر |
أَناشيدَ كانَت عَلى شَفَتَيكَ | رِضاعَ الهَوى مُنذُ كانَ الصِغَر |
حَلَمتَ بِأَنغامِها في الصِبى | وَعَلَّمتَ أَوضاعَها في الكِبَر |