ما حيلَةُ المَفئودِ في حُسّادِهِ
مدة
قراءة القصيدة :
3 دقائق
.
ما حيلَةُ المَفئودِ في حُسّادِهِ | إِمّا اِستَبَدَّ بِهِ طَغامُ بِلادِهِ |
صَدَمَتهُ عاصِفَةُ الزَمانِ فَقَوَّضَت | بَيتاً بِناهُ عَلى رَجاءِ فُؤادِهِ |
بَيتاً أَوَت فيهِ مَواكِبُ وَحيِه | وَتَمَشَّت الأَحلامُ بَينَ عِمادِهِ |
قَصَدَته آمالُ الشَبابِ وَطالَما | كانَت عَذارى الحُبِّ من قُصّادِهِ |
حَوِّل عُيونَك عَن مُشاهِدِه فَلَم | تُبقِ الحَوادِثُ مِنهُ غَير رَمادِهِ |
ما شادَهُ ربُّ التَساهُل وَالوَفا | إِلّا لِيَهدِمَهُ عَلى عبّادِهِ |
أَوَلَستَ تَسمَعُ كَيفَ يُنشَد مثخنٌ | تَتَصاعدُ الزَفراتُ مِن إِنشادِهِ |
هذا فُؤادي تُستَباحُ دِماؤُهُ | مُستَقطراتٍ من جِراحِ ودادِهِ |
قالَ الحسودُ غداةَ أَبصَرَ مَدمَعي | يَجري بِهِ بَصَري بِملءِ سوادِهِ |
هذا ضَعيفٌ لا يَميلُ بِهِ الهَوى | إِلّا وَيعزفه عَلى أَعوادِهِ |
يا عاذِلي لَيسَ اِعتِقادُك مُحكَماً | بِالشاعِرِ الباكي عَلى أَمجادِهِ |
فَالشِعرُ لَو أَدرَكتَ وَحي حَقيقَة | وَالشاعِرُ الرَسّامُ طوعُ قِيادِهِ |
لي مَوطِنٌ عاثَت بِهِ أَولادُهُ | فَبَكَت حُشاشَتُهُ عَلى أَولادِهِ |
يَحيا أَمامَ عُيونَهُ جَلّادُه | وَيَموتُ لاثمَ قَبضَتي جَلّادِهِ |
نَظّارُهُ وَهُمُ شعاعُ عُيونه | يَتَطَوَّعونَ اليَومَ لاِستِعبادِهِ |
جُبَناءُ لا يَتَقَيَّأونَ بِحُكمِهِم | إِلّا مُراعاةً لَدى أَسيادِهِ |
لا بَأسَ عِندَهُم إِذا لَعِبت بِهِ | أَفرادُه وَأذاهُ من أَفرادِهِ |
فَهم الذِئابُ وَفي سَبيل وَظيفَةٍ | تَمشي أَظافِرُهُم عَلى أَكبادِهِ |
لَهفي عَلى وَطَنٍ تُضامُ أُباتُهُ | وَيَسودُ فيهِ النَذلُ بِاِستِبدادِهِ |
لَبِستُ غَرابيبُ الغِنى أَبرادَه | وَتَجَنَّدَ المُثريُّ لاِستِشهادِهِ |
في مَوطِني شَعبٌ يَبيعُ بِفضَّةٍ | شَعباً يُقيمُ عَلى رُبى أَجدادِهِ |
يَجتَرُّ عَن ظَمَأٍ نطافَ دمائِه | وَيريشُ نبلته عَلى أَجسادِهِ |
مَن يَستَرِق قَوماً يَعيشُ بِمالِهم | فَلتَبصُقِ الدُنيا عَلى أَلحادِهِ |
اعروسَ شعري يا صَدى قَلبي الَّذي | حالَت عَبيدُ الظُلمِ دونَ جِهادِهِ |
كوني شُعاعاً في سَراج صَبابَتي | فَالناسُ عامِلَة عَلى إِخمادِهِ |
كوني حُساماً لا يَملُّ غرابُه | لِتَخُلِّصي المَسجونَ من أَصفادِهِ |
وَاِمشي بِأَعصابِ الحَقودِ وَأَضرِمي | نارَ السَلامِ تدبُّ في أَحقادِهِ |
وَتَبَسَّمي لدمٍ أُذوِّبه على | قَلَمي الَّذي خَلَّدَتهُ بِمدادِهِ |
وَكَما هَديتِ أَبا نواس إِلى العلى | فَاِهدي فُؤادي فهوَ من أَحفادِهِ |
في صَوتِكِ الساجي لبانة عامِل | يَسمو بِها في الحُزنِ عَن أَضدادِهِ |
ما لامَسَت قَلبي سحابَةُ علةٍ | إِلّا وَكانَ غناكِ من عَوّادِهِ |
أَعروسُ شِعري في بِلادي نزوَةٌ | سَلَبت مِن المَفئودِ عذبَ رُقادِهِ |
لُبنانُ يرضى شوكِه تاجاً لَهُ | وَيُذيبُ نقمتهُ على أَورادِهِ |
كَم في رُبى لبنان من مُتَشاعرٍ | نامي الفَسادَ مُفاخِرٍ بِفَسادِهِ |
يملي الَّذي أَملاهُ غَيرُ يراعه | وَيَقولُ ذا شعري ووحيُ رشادِهِ |
أَيَعيشُ في الماضي وَيَترك غَيرَه | يَبني الجَديدَ عَلى رُسومِ بِلادِهِ |
وَيُفاخِرونَ بِهِ لِأَنَّ نسيجَه | كَنَسيجِهِم وَمُرادُهُم كَمُرادِهِ |
فَهم الَّذين يُقَدِّسونَ قَديمَهُم | لا يَترُكونَ الرَثَّ من أَبرادِهِ |
لا يَفتَأونَ يردّدونَ بِجَهلِهِم | ما تنتنُ الآذانُ من تردادِهِ |
أَينَ الأُلى رَفَعوا أَريكَةَ عزِّه | وَبَنوا مَغاني المَجد فَوقَ نجادِهِ |
الجالِسونَ عَلى عروشِ جَلالِهِ | وَالمالكونَ عَلى ذُرى أَطوادِهِ |
اللابسونَ بسطوةٍ أَبرادَهُ | وَالمُضرِمونَ البَأسَ في أَجنادِهِ |
ذَهَبوا وقد بَذروا سَنابِل زرعِهِم | فَتَسارَعَت غِربانُنا لِحِصادِهِ |