بَلَدٌ في مَجاهِلِ الأَبعادِ
مدة
قراءة القصيدة :
4 دقائق
.
بَلَدٌ في مَجاهِلِ الأَبعادِ | |
ماتَ فيهِ فَتى الزَمَن | |
فَاِمتَطي الريحَ يا طُيورَ بِلادي | |
وَاِحمِليهِ إِلى الوَطَن | |
عَشِقَ المَجدَ مُنذُ سُحرَةِ عُمرِه | فَغَزا سِرَّهُ بِأَسرارِ شِعرِه |
شاعِرٌ يَسحَرُ الدُمى بِأَغاني | هِ فَتَجري فيها الحَياةُ بِسِحرِه |
لَو أَصاخَ الماضي البَعيدُ إِلَيهِ | لَتَمَنّى لَو كانَ أُذناً لِعَصرِه |
وَلَو أَنَّ الزُهورَ شَمَّت شَذاهُ | لَتَمَنَّت لَو خَبَّأَت بَعضَ عِطرِه |
وَلَو أَنَّ جاراهُ في الري | حِ لَضَلَّ الخَيالُ عَن مُستَقَرَّه |
وَلَو أَنَّ النسورَ خُبِّرنَ عَنهُ | لَتَمَنَّينَ لَو دَرَجنَ بِوَكرِه |
طارَ في عالَمِ النُجومِ يُدِبُّ الر | روحَ في عالَمِ النُجومِ بِأَسرِهِ |
يا لَهُ في العُلى جَناحاً كَأَنَّ | الطَيرَ غارَت مِنهُ فَهَمَّت بِكَسرِه |
اِهجُرِ الأَرضَ وَاِبنِ جُدرانَ عُشّك | |
في الخُلودِ | عَلى ذُراك |
طِر وَدَعني أَحَلّ | أَخشابَ نَعشِك |
لَيسَ لِلشاعِرِ المُسجّى عَلى الأَح | لامِ نَعشٌ مِنَ الجُذوعِ حِجابَه |
إِنَّ نَعشاً تَغَلغَلَ الخُلدُ فيهِ | عالَمٌ ضاقَ بِالشُموسِ رحابُه |
أَلساميرُ فيهِ مِن مَنجَمِ النور | رِ وَمِن جَنَّةِ الرُؤى أَخشابُه |
عالَمٌ أُفقُهُ الخَيالُ الإِلهِ | يُّ وَنورُ المُخَيّلاتِ سَحابُه |
الشُعورُ النَقِيُّ كَوثَرُهُ المُن | سابُ وَالنَدُّ وَالبَخورُ تُرابُه |
عالَمٌ قوتُهُ ثِمارٌ مِنَ الحُ | بِّ وَخَمرٌ مِنَ السَلامِ شَرابُه |
نَسَماتُ الغُفرانِ هَبَّت عَلَيهِ | فَتَلاشَت أَتعابُهُ وَعَذابُه |
عالَمُ الخُلدِ لَيسَ يُفتَحُ إِلّا | لِمُلوكِ الخَيالِ وَالحُبِّ بابُه |
يا عَروسَ الخَيالِ قودي خَيالي | |
وَاِرفَعيهِ عَنِ الوُجودِ | |
وَدَعيني أَسمَع نَشيدَ الجَمالِ | |
إِنَّ فيهِ مَعنى الخُلود | |
فُتِحَ النَعشُ لي فَأَبصَرتُ قَصرَ ال | روحِ قامَت عَلى قُلوبٍ عِمادُه |
وَرَأَيتُ الفَجرَ المُذهَّبَ بِالنور | رِ أَحاطَت بِعَرشِهِ أَجنادُه |
وَتَراءى ليَ الأَثيرُ بِلَونِ ال | عاجِ يَقتاتُ بِالشُعورِ جَمادُه |
وَنُجومٌ تَموجُ فيها حَياةٌ | كُلُّ نَجمٍ مِنها يَسيلُ فُؤادُه |
وَالأَعاصيرُ وَالصَواعِقُ في زِيِّ | حَمامٍ واللَيلُ ذابَ سَوادُه |
وَرَأَيتُ الخَيالَ في ثَوبِ مَلكٍ | تَتَنَزّى مِنَ الرُؤى قُوّادُه |
وَرَأَيتُ الفِكرَ الصَريحَ إِلهاً | لا يُرى غُلّهُ وَلا جَلّادُه |
كانَ عيدٌ ذلِكَ النَعشِ لَو | أَصغى إِلَيهِ الوَرى لَزالَ حِدادُه |
وَإِذا بي أَرى مَلاكاً عَلَيهِ | |
تَتَشَرَّد رُؤى دَمِه | |
فاضَ ذَوبُ الشُعورِ مِن رِئَتَيهِ | |
وَتَجَمَّد عَلى فَمِه | |
في يَدَيهِ رَبابَةٌ وَعَلى جَف | نَيهِ كُحلٌ تَحارُ في أَلوانِه |
إِنَّ كُحلاً تَراهُ مُقلَةِ الشا | عِرِ تَحنيطُ حُبِّهِ وَحَنايِه |
هُوَ فَوزي أَتى إِلى الخُلدِ لا يَح | مِلُ إِلّا العَفافَ مِن لُبانِه |
وَسِوى آلةِ الشَقا في يَدَيهِ | وَجَفافِ الدُموعِ في أَجفانِه |
فَأَحاطَت بِهِ مِنَ النورِ هالا | تٌ صِباحٌ كَأَنَّها مِن بَيانِه |
وَأَتَتهُ النُجومُ في زَورَقِ الحُ | بِّ لِتُصغي سَكرى إِلى أَلحانِه |
وَإِذا أَبَّلونُ يَأخُذُ تاجاً | لُؤلُؤيَّ الإِطارِ مِن تيجانِه |
وَبِذَوبِ اللُبانِ يَمسَحُ صُدغَي | هِ وَعِطرُ الخُلودِ مِن أَدهانِه |
وَتَمَشّى في عالَمِ الشعراءِ | |
صَوتُ مَأتَم الشعراءِ | |
صَوتُ مَأتَم هالَ السماء | |
حَمَلَتهُ إِلَيهِ ريحُ الفَناءِ | |
أَيّ سُلَّم يَرقى الفَناء | |
قالَ لِلزُهرِ أَبَّلونُ أَطِلّي | وَاِسمَعي أَيّ ضَجَّةٍ مَشؤومَه |
أَيّ صَوتٍ أَتى يَذُرُّ عَلَينا | في حِمانا كِبريتَهُ وَسُمومَه |
ما سَمِعنا مِن قَبلُ نَدباً كَهذا | وَرياحاً كَهذِهِ مَحمومَه |
فَأَطَلَّت كَواكِبُ الخُلدِ حَيرى | ثُمَّ قالَت بِمُهجَةٍ مَكلومَه |
يَزعمونَ السَماءَ قَد ظَلَمتَهُم | فَغَزَت شَعبَهُم وَأَردَت نَديمَه |
ثُمَّ سادَت سَكينَةٌ عَقِبتَها | خَلَجاتٌ مِنَ الحُسونِ العَظيمَه |
وَرَأَيتُ الخُلودَ يُصغي وَشاهَد | تُ عَذارهُ خُشَّعاً وَنُجومَه |
تَتَلَقّى طوالَ أَروِقَهِ الأَولَمبِ | أَلفاظَ أَبَّلونَ الحَكيمَه |
لِيُمَجَّد فُوزي الحَبيب | |
أَغلِقوا القَصرَ فَالخُلودُ الجَميلُ | |
ما تَعَوَّدَ هذا النَعيب | |
أَيّ شَأنٍ لِلنّاسِ بِالشاعِرِ المُل | هَمِ لا شَأنَ لِلتُّرابِ بِنَفسِه |
هُوَ مِن عالَمِ الخُلودِ فَفي عَي | نَيهِ نورٌ مِنَ الخُلودِ وَقُدسِه |
أَطلَقَتهُ الأَرضُ الَّتي قَيَّدَتهُ | فَاِنثَنى عائِداً لِمَسقَطِ رَأسِه |
نَحنُ أَولى بِهِ فَهُم ظَلَموهُ | يَومَ دَسّوا سُمّاً بِخَمرَةِ كَاسِه |
يَومَ راحوا يُكَدّرونَ نَدى الوَح | يِ عَلَيهِ وَيَشتُمونَ بِبُؤسِه |
أَزعَجوهُ عَهدَ الشَقاءِ وَلَمّا | زُفَّ لِلخُلدِ أَزعَجوهُ بِعُرسِه |
وَإِذا بِالخُلودِ يُغلِقُ في وَج | هي فَأَهوي إِلى الفَناءِ وَيأسِه |
وَبِقَلبي مِمّا سَمِعتُ نَشيدٌ | لَم أَزَل مُصغِياً لِرِقَّةِ هَمسِه |