في لَيلَةٍ تَنَهَّدت غَلواءُ
مدة
قراءة القصيدة :
دقيقتان
.
في لَيلَةٍ تَنَهَّدت غَلواءُ | وَالبَدرُ في مَخدعِها إِتاءُ |
تَسيلُ مِنهُ فِضَّةٌ بَيضاءُ | |
فَأَرهَفَت مِسمَعَها المَطروقا | فَسَمِعَت تَنَهُّداً عَميقا |
يَصدُر عَمّا يَنهَشُ العُروقا | |
وَأَرسَلَت نَظرَةَ بَرٍّ طاهِرِ | فَها لَها في المَخدِع المُجاوِر |
فَاِجرةٌ عَلى ذِراعِ فاجِرِ | |
ما أَنتِ يا وَردَةُ تِلكَ الوَرده | بَل انتِ من أَشواكها مُسَوَّدَه |
أَميرَةَ الشَهوَةِ أَنتِ عَبدَه | |
أَيُّ خَيالٍ حَلَّ في غَلواءَ | أَيُّ رَوّى مُحرِقَةٍ سَوداءَ |
تَعَلَّقَت أَجفانَها العَذراءَ | |
فَهرَّبت الى ضِفافِ البَحرِ | وَطَوَّفت بَين بَقايا الدَهر |
من خِربَةٍ لرجمةٍ لِقَبرِ | |
وَكانَت المِياهُ وَالصُخورُ | قائِمَةً ما بَينَها القُبورُ |
حَتّى السُكونُ حَولَها مَسحورُ | |
وَالمَوجُ بَعدَ الموجِ كَيفَ ذابا | مُستَسلِما عَلى الحَصى مُنسابا |
يقبِّلُ القُبورَ وَالتُرابا | |
كَأَنَّهُ جَمعٌ من العَذارى | أَو ذِكرَياتُ عاشِق تَوارى |
تَهمِسُ في أُذنِ الرَدى أَسرارا | |
وَلِلمِياهِ زَبدٌ كَثيفُ | يُنسَجُ مِنه كَفَنٌ خَفيفُ |
عَلَيهِ من نور الدُجى حُروفُ | |
وَسَمِعَت غَلواءُ طَيرَ البومِ | يَنعَقُ كالشُؤمِ عَلى الرُسومِ |
مُدَنِّساً نَقاوَةَ النَسيمِ | |
وَاِستَيقظت في نَفسِها المَحمومَه | من وَردَةَ الحَبيبَةِ الأَثيمَه |
صارِخَةً أخيِلةُ الجَريمَه | |
وَدبَّ في أَعضائِها النَحيفَه | قَفقَفَةٌ وَرِجفَةٌ عَنيفَه |
حُمّى سَرَت في جِسمِها خَفيفَه | |
وَاِستَفحَلَت كَالشَرِّ حينَ يَبدَأ | فَهوَ صَغيرٌ إِنَّما لا يَفتَأ |
حَتّى يَصيرَ نَقمَةً لا تَبرَأ | |
وَمَرَّت الأَيّامُ وَاللَيالي | سَوداءَ بِالفِتنَةِ وَالجَمالِ |
فَأَصبَحت غَلواء كَالخَيالِ | |
وَبَرَزَت عِظامُها في الجِسمِ | مُصطَفَّةً عَظماً إِزاءَ عَظمِ |
كَأَنَّها أَقلامُ الاِعتِلالِ | تَكتُبُ في صَحيفَة الآجالِ |
وَسالَ في وَجنَتِها الذُبولُ | كَنِجمَةٍ هَمَّ بِها الأُفولُ |
وَاِمتقَعَ الجَبينُ بِاِصفِرارِ | كَأَنَّهُ أَواخِرُ النَهارِ |
في لَيلَةٍ شَديدَة الغُسوقِ | تَذكَّرت حَياتها في الزوقِ |
وَذَكَرَت مَواكِبَ الضَبابِ | تَمتَدُّ كَالحُلمِ عَلى الهِضابِ |
وَالشَجَرَ الأَخضَرَ وَالسَنابِلا | تَبسُطُ لِلطَبيعَةِ الأَنامِلا |
وَذَكرت أَخيَلَة المساءِ | وَرَنَّةَ الأَجراسِ في الهَواءِ |
وَدَوحَةَ الكَنيسَةِ الحَقيرَه | وَبابَها الصَغيرَ وَالفَقيره |
وَصُفرَةَ الشَمسِ عَلى الجِبالِ | وَلِعِبَ الاطفالِ في الظِلالِ |
وَاِحتَشَدت أَخيلَةُ التِذكارِ | تَطوفُ أَسرابا عَلى الجِدار |
وَجَحَظَت في صَدرِها الآلامُ | كَجِفنِها المَحمومِ لا تَنامُ |
وَحَبَكَت في مُقلَتَيها الحُمّى | بِقَلبِها العَفيفِ ذاكَ الإِثما |
وَاِنتَقَل الإِثمُ بِها اِنتِقالَه | أَجرَت عَلى خَيالَها خَيالَه |
فَعَظُمَ الوَهمُ وِفي الأَوهامِ | أَفتَكُ بِالعَقلِ من السِرسامِ |
وَقامَ في أَحلامِها المُعَذَّبَه | رُؤيا كَأَنَّما هيَ المُرتَكِبَه |