ما لي أَرى القَلبَ في عَينَيكِ يَلتَهِبُ
مدة
قراءة القصيدة :
3 دقائق
.
ما لي أَرى القَلبَ في عَينَيكِ يَلتَهِبُ | أَلَيسَ لِلنّارِ يا أُختَ الشَقا سَبَبُ |
بَعضُ القُلوبِ ثِمارٌ ما يَزالُ بِها | عَرفُ الجنانِ وَلكِن بَعضُها حَطَبُ |
ذكرتُ لَيلَةَ أَمسٍ فَاِختَلَجتُ لَها | وَاللَيلُ سِكرانُ مِمّا سَحَّتِ السُحُبُ |
ذكرَتُها غَيرَ أَنَّ الشَكَّ خالَجَني | إِنَّ النِساءَ إِذا راوَغنَ لا عَجَبُ |
فَهُنَّ من حَيَّة الفِردَوسِ أَمزِجَةٌ | يَثورُ فيهِنَّ من أَعقابِها عَصبُ |
أَخافُ في اللَيلِ من طَيفٍ يَسيلُ عَلى | مَوجاتِ عَينَيكِ حيناً ثُمَّ يَغتَرِبُ |
طيفٌ مِنَ الشَهوَةِ الحَمراءِ تَغزِلُه | حمرُ اللَيالي وَفي أَعماقِهِ العَطبُ |
وَوَجهُكِ الشاحِب الجَذّابُ تُرهِبُني | أَلوانُهُ يَتَشَهّى فَوقُها اللَهبُ |
ما زِلتِ تَغتَصِبينَ اللَيلَ في جَهَد | حَتّى تَجَمَّدَ في أَجفانِكِ التَعَبُ |
وَما السَوادُ الَّذي في محجريكِ بَدا | إِلّا بَقايا من الأَحشاءِ تُغتَصَبُ |
وَحَقِّ طِفلِكِ لَم أَشمُت بِإِمرَأَةٍ | زَلَّت بِها قَدَم أَو غَرَّها ذَهَبُ |
فَربّ أَنثى يخون البُؤسُ هَيبَتَها | وَالبُؤسُ أَعمى فَتَعيي ثمَّ تَنقَلِبُ |
لي مُهجَةٌ كَدُموعِ الفَجرِ صافِيَة | نَقاوَتي وَالتُقى أُمٌّ لَها وَأَبُ |
فَكَيفَ أَختَلِس الحَقَّ الَّذي اِختَلَسوا | وَكَيفَ أَذأبُ عَن لُؤمٍ كَما ذَئَبوا |
لي ذِكرياتٌ كَأَخلاقي تُؤَدِّبُني | فَلا يُخالِجُني رَوغ وَلا كَذِبُ |
أَبقى لِيَ الأَمسُ مِن غَلواءِ عِفَّتَها | وَلم يَزَل في دَمي مِن روحِها نَسَبُ |
وَحَقِّ روحِكِ يا غلوا وَلَو غَدَرت | بيَ اللَيالي وَأَصمَت قَلبِيَ النُوَبُ |
إِن كُنتُ في سَكرَةٍ أَو كُنتُ في دَعرٍ | وَمَرَّ طَيفُك مَرَّ الطَهرُ وَالأَدَبُ |
وَأَنتِ يا أُمَّ طِفلٍ في تَلَفُّتِهِ | سُؤلُ العَفافِ وَفي أَجفانِهِ لعبُ |
صُبّي الخُمورَ فَهذا العَصرُ عَصرُ طَلا | أَما السَكارى فَهُم أَبناؤُهُ النُجُبُ |
لا تَقنطي إِن رَأَيتِ الكَأسَ فارِغَة | يَوماً فَفي كلّ عامٍ يَنضُجُ العِنبُ |
صُبّي الخُمورَ وَلا تُبقي عَلى مُهجٍ | مَوج الشَبابِ عَلى رِجليكِ يَصطخبُ |
أَما أَنا وَلَو اِستَسلَمتُ أَمسِ إِلى | خَمرِ اللَيالي فَقَلبي لَيسَ يَنشَعِبُ |
قَد أَشرَبُ الخَمرَ لكِن لا أُدنِّسُها | وَأَقرَبُ الإِثمَ لكِن لَستُ أَرتَكِبُ |
وَفي غَدٍ إِذ تُنيرُ الطفل ميعَته | وَتهرمينَ وَيَبقى ذلِكَ الخَشَبُ |
قولي لَهُ جِئتَ في عَصر الخُمورِ فَلا | تَشرَب سِوى الخَمر وَاِشحَب مِثلَما شَحَبوا |
قولي لَهُ هذِهِ الأَيّامُ مَهزلَة | وَلَيسَ إِلّا لمن ينشى بِها الغَلبُ |
قولي لَهُ عَفَّةُ الأَجسادِ قَد ذَهَبَت | مَع الجُدودِ الأَعِفّاءِ الأُلى ذَهَبوا |
قولي لِطِفلِكِ ما تَستَصوبينَ غَداً | فَكُلُّ أَمرٍ لَهُ في حينِهِ خُطبُ |
وَلكِنِ اليَومَ صُبّي الخَمرَ وَاِنتَخِبي | مِن المَلَذّاتِ ما الآثامُ تَنتَخِبُ |
وَلا تَخافي عَذولاً فَالعَذول مَضى | وَالعَصر سَكران يا أَخت الشَقا تَعِبُ |
طَريقه الشك أَنّى سار يملكه | وَحلمهُ الشهَوات الحُمرُ وَالقُربُ |