ناحّ الحمامُ على غصونٍ البانِ
مدة
قراءة القصيدة :
3 دقائق
.
ناحّ الحمامُ على غصونٍ البانِ | فأباحَ شيمةَ مُغرمٍ ولهانِ |
ما خلته مذُ صاح إلا أنه | أضحَى فقيدَ أليفه ومعاني |
وكأنه يُلقى إليّ إشارةً | كيف اصطباري مُذ نأي خِلاني |
مع أنني والله مذ فارقتهم | ما طابَ عيشي وصفُو زَماني |
لكنني صبٌّ أصونُ تلهفي | حتى كأني لستُ باللهفانِ |
وبباطنٍ الأحشاءِ نارٌ لو بَدَتْ | جمراتُها ما طاقها الثَّقلانِ |
أبكى دماً من مهجتي لفراقهم | وأودُّ أنْ لا تشعرَ العينان |
لي مذهبٌ في عشقهم ورايتُه | ومذاهب العشاق في إعلان |
ماذا عليّ إذا كتمت صبابتي | حتى لو أن الموتَ في الكتمان |
ما أحسنَ القتلى بأغصان النقى | ما أطيبَ الأحزان بالغزلان |
قالوا أتهوى والهوى يكسو الفتى | أبداً ثيابَ مذلةٍ وهوان |
فأجبتهم لو صحَّ هذا إنني | أختارُ ذلي فيه طولَ زماني |
والذلُّ للعشاقِ غيرُ مَعرة | بل عينُ كل مَعزّةٍ للعاني |
أصبو إلى من حاز قداً أهيفا | يزرى ترنحهُ بغصن البان |
وأحن نحون شقيق تمٍ خدِّه | قد نمَّ فيه شقايقُ النعمان |
ويروقني أبداً نزاهةُ مقلتي | في حُسنِ طلعةِ فاتكٍ فتّان |
أمسى وأصبحُ بين شَعْرٍ حالكٍ | ومُنيرِ وجهٍ هكذا الملوان |
ولطالما قضَّيتُ معه حِقبة | ونسيمُ مصرَ معطّرُ الأردان |
زمنٌ عليّ به لمصر فديتُهات | حقٌّ وثيقٌ عاطلُ النكران |
لو شابهتْ عيناي فائضَ نيلها | لم توفِ بعض شفائه أحزاني |
أو لو حكى قلبي بحارَ علومها | طرباً لما أخلو من الخفقان |
ولكم بأزهرها شموسٌ أشرقتْ | وأنارتْ الأكوانَ بالعرفان |
فشذا عبير علومهم عمَّ الورى | وسرتْ مآثرهم لكل مكان |
وحوتهمو مصرُ فصارت روضةً | وهمو جناها المبتغى للجاني |
قد شبهوها بالعروس وقد بدا | منها العروسي بهجةَ الأكوان |
قالوا تعطَّر روضُها فأجبتهم | عطارُها حسنٌ شذاه معاني |
حَبرٌ له شهدت أكابرُ عصره | بكمال فضلٍ لاحَ بالبرهان |
لو قلتَ لو يُوجد بِمصرَ نظيرُه | لأجبتُ بالتصديق والإذعان |
هذا لعمري اليومَ فيها سادةٌ | قد زُينوا بالحسنِ والإحسان |
يا أيها الخافي عليك فخارُها | فإليكَ إن الشاهدَ الحسنان |
ولئن حلفتُ بأن مصرَ لجنَّةٌ | وقطوفها للفائزين دواني |
والنيلُ كوثرها الشهيُّ شرابه | لأبرُّ كل البر في أيمانِي |
دار يحق لها التفاخرُ سيما | بغريزها جَدوى بني عثمان |
حاز المحامدَ إذ دُعي بمحمدٍ | ورقي العُلا فعلى على الأقران |
من كل مثل أميرنا فقرينه | اسكندرٌ أو كسرى أنوشروان |
في وجهه النصرُ المبين على العدا | لاحتْ بشائرهُ لكل معاني |
في كفه سيفانِ سيفُ عناية | والشهمُ إبراهيم سيفٌ ثاني |
سلْ عنهُ يُنبيك الحجاز مشافهاً | بدمار أهلِ الزيْغ والبهتان |
من قبل كانت سُبْله مذعورةً | والآن صارت في كمال أمان |
لا غروَ إن نجْداً أدامتْ شكرَه | فلقد كساها حُلةَ الإيمان |
وسعتْ إلى زنجٍ طلائعُ جيشه | فأطاعها العَاتي من السودان |
وتقلبُ الأروام عدلٌ شاهدٌ | كم منه قد نالُوا شديدَ طعان |
حتى لقد باءوا بوافرٍ خزيهم | وتقاسموا حظاً من الخسران |
لم تُخْطِ قامةُ رُمحِه أغراضَها | وإصابةُ الأغراضِ نيلُ أماني |
أحيا بدولته علوماً قد غدتْ | لوضوحِها تُجلى على الأذهان |
بطلٌ مكارمه الجليلةُ قلَّدت | هامَ الزمانِ مكللِ التيجان |
يهنيك يا مصرُ لقد خرت البها | بمحمدٍ باشا على الشان |
فأخطى بغاخر حكمِه وتمتعي | وبذلك افتخري على البلدان |
مُدّي أكفّ الشكر وابتهِلي بأن | يُبقيه مولاه طويلَ زمانِ |