تَعَزَّ فَقَد ماتَ الهَوى وَاِنتَهى الجَهلُ
مدة
قراءة القصيدة :
6 دقائق
.
تَعَزَّ فَقَد ماتَ الهَوى وَاِنتَهى الجَهلُ | فَرَدَّ عَلَيكَ الحِلمَ ما قَدَّمَ العَذلُ |
أَحينَ طَوى عَن شِرَّةِ اللَهوِ شِرَّةً | يُطيعُ سَوادَ الرَأسِ إِن قالَ لا تَسلُ |
حَماهُ عَلى سَبعٍ وَعِشرينَ حِجَّةً | شَبابٌ فَتِيُّ الغَيبِ شاهِدُهُ كَهلُ |
أَلا نادِيَ اليَومَ الَّذي أَعجَلَ النَوى | نَلبُثَها حَتّى اِنطَوى مَعَها الوَصلُ |
لَعَلَّ وُجوهَ اللَيلِ تَثنى صُدورَهُ | فَيَخرُجَ مِن حَدِّ السُهادِ بِنا الأَصلُ |
تَفَرَّقُ في العَينِ الدُموعُ وَتارَةً | يُؤَلِّفُها الإِلفُ الَّذي حَلَّفَت جُملُ |
هُوَ الشَوقُ مَصروفُ السُلُوِّ وَدونَهُ | أَحاديثُ إِذكارِ الفُؤادِ بِها خَبلُ |
فَدَع قَلبَهُ وَالنَأيَ لا يَذكُرُ الهَوى | لَيالِيَ يَلقاهُ بِأَترابِهِ الشَملُ |
خَرَجنَ خُروجَ الأَنجُمِ الزُهرِ وَاِلتَقَت | عَلَيهِنَّ مِنهُنَّ المَلاحَةُ وَالشَكلُ |
تَبَسَّمنَ فَاِستَضحَكنَ طامِسَةَ الدُجا | عَنِ الصُبحِ وَالظَلماءُ أَوجُهُها طُحلُ |
خَفينَ عَلى غَيبِ الظُنونِ وَغَصَّتِ ال | بُرَينُ فَلَم يَنطِق بِأَسرارِها حِجلُ |
وَلَمّا تَلاقَينا قَضى اللَيلُ نَحبَهُ | بِوَجهٍ لِوَجهِ الشَمسِ مِن مائِهِ المَحلُ |
أَرِبنا بِأَلحاظِ العُيونِ وَبَينَنا | عَفافٌ وَتَكذيبٌ لِمّا يَأثُرُ المَحلُ |
كَأَنَّ الثُرَيّا فَورَها وَسُكونَها | نُجومٌ جَلاها الفَجرُ فَاِحتازَها أَفلُ |
طَوَيتُ بِها شَرخَ الشَبابِ فَحاجَزَت | قَريباً وَجِلبابُ الصِبا خَلَقٌ رَذلُ |
وَخَضراءَ يَدعو شَجوَ مُكِّيِّها الصَدى | إِذا نَسَفَتها الريحُ ريحانُها شُعلُ |
سَقاها الثَرى ماءَ النَدى وَأَسَرَّها | مِنَ القَيظِ حَتّى أَمرَعَ السارِحَ الرَبلُ |
إِذا دَرَجَت فيها الجَنوبُ تَعانَقَت | بِها سامِقاتُ الزَهرِ وَاِصطَحَبَ البَقلُ |
كَساها الخَلا الرَسمِيُّ مِن كُلِّ جانِبٍ | طَرائِقَ حَتّى سودُ حَوزاتِها شُهلُ |
تَحَلَّبَ مِنها مُستَسِرٌّ مِنَ النَدى | بِريحِ الصِبا وَالرَوضُ أَعيُنُهُ خُضلُ |
أَنَختُ بِها وَالشَمسُ تَنعِقُ بِالضُحى | وَما صاحِبي إِلّا المُدامَةُ وَالجَحلُ |
إِذا شِئتُ حَيّاني الثَرى بِنَباتِهِ | وَطالَعَني في رَوضِهِ العُصُمُ العُقلُ |
تَراخَينَ دوني ثُمَّ أَوجَسنَ وَطأَةً | فَأَتلَعنَ كُحلاً مُستَراباً لَها الكُحلُ |
وَغَبراءَ لا يُسقي عَلى الخِمسِ رَكبُها | قَطَعتُ وَريقُ الشَمسِ يَغلي بِهِ السَجلُ |
تَجاوَزتُها وَالآلُ مُستَنقِعٌ بِها | كَنَّشرِ القَباطيِّ اِنتَضى ماءَها الغُسلُ |
وَمُلتَجِبٍ بِالنَأيِ قَلبُ دَليلِها | يَبيتُ بِها عَن بَيتِهِ الجابُ وَالصَعلُ |
لَقَيتُ الدُجى فيها وَلِلأَصلِ قُلعَةٌ | وَمُحتَنِكُ الإِمساءِ مُقتَضَبٌ طِفلُ |
وَلَمّا تَعالى اللَيلُ شَقَّت بِنا السُرى | جَلابيبَهُ حَتّى رَأى دُبرَهُ القُبلُ |
إِذا شِئتُ خَلَّفتُ الصَبا أَو صَحِبتُها | بِوَجناءَ مَوصولٍ بِغارِبِها الرَحلُ |
أَتَتكَ المَطايا تَهتَدي بِمَطِيَّةٍ | عَلَيها فَتاً كَالنَصلِ يُؤنِسُهُ النَصلُ |
وَرَدنَ خِلافَ اللَيلِ وَاللَيلُ مُصدِرٌ | أَواخِرُهُ وَالفَجرُ عُريانُ أَو فُضلُ |
فَلَمّا نَحَينَ النورَ خَرَّينَ تَحتَهُ | عَلى أَمَلٍ يُشجى بِهِ اليَأسُ وَالمَطلُ |
وَرَدنَ رِواقَ الفَضلِ فَضلِ بنِ جَعفَرٍ | فَحَطَّ الثَناءَ الجَزلَ نائِلُهُ الجَزلُ |
فَتىً تَرتَعي الآمالُ مُزنَةَ جودِهِ | إِذا كانَ مَرعاها الأَمانِيُّ وَالبُطلُ |
تُساقِطُ يُمناهُ نَدىً وَشِمالُهُ | رَدىً وَعُيونُ القَولِ مَنطِقُهُ الفَضلُ |
أَلَحَّ عَلى الأَيّامِ يَفري خُطوبَها | عَلى مَنهَجٍ أَلفى أَباهُ بِهِ قَبلُ |
عَجولٌ إِلى ما يودِعُ الحَمدَ مالَهُ | يَعُدُّ النَدى غُنماً إِذا اِغتُنِمَ البُخلُ |
كَأَنَّ نَعَم في فيهِ يَجري مَكانَها | سُلالَةُ ما مَجَّت لِأَفراخِها النَحلُ |
جَرى مُذ حَواهُ المَهدُ في شَأوِ جَعفَرٍ | إِلى غايَةٍ يَتلو المِثالَ الَّذي يَتلو |
حَمولاً لِعِبوِ الدَهرِ يَنهَضُ عَفوُهُ | بِهِ مُستَقِلّاً حينَ لا يُحمَلُ الثِقلُ |
إِذا أَغمَدَت هِمّاتُهُ خَطباً اِغتَدَت | عَلى مُنتَضى رَأيٍ مُمَرٍّ بِهِ السَحلُ |
كَأَنَّ مَجالَ العَينِ مِنهُ وَقَلبَهُ | وَغُرَّتَهُ نَصلٌ حَماهُ الصَدى الصَقلُ |
أَنافَ بِهِ العَلياءَ يَحيى وَجَعفَرٌ | فَلَيسَ لَهُ مِثلٌ وَلا لَهُما مِثلُ |
فُروعٌ تَلَقَّتها المَغارِسُ فَاِعتَلى | بِها عاطِفاً أَعناقَها قَصدَهُ الأَصلُ |
لَهُم هَضبَةٌ تَأوي إِلى ظِلِّ بَرمَكٍ | مَنوطاً بِها الآمالُ أَطنابُها السُبلُ |
أَقَرَّت عَلَيهِم نِعمَةَ اللَهِ نِعمَةٌ | لَهُم في رِقابِ الناسِ لَيسَ لَها نَقلُ |
وَقَوا حُرَمَ الأَعراضِ بِالبيضِ وَالنَدى | فَأَموالُهُم نَهبٌ وَأَعراضُهُم بَسلُ |
حُبّاً لا يَطيرُ الجَهلُ في عَذَباتِها | إِذا هِيَ حَلَّت لَم يَفُت حَلَّها ذَحلُ |
جَرى آخِذاً يَحيى مُقَلَّدَ جَعفَرٍ | وَصَلّى إِمامُ السابِقينَ اِبنُهُ الفَضلُ |
بِكَفِّ أَبي العَباسِ يُستَمطَرُ الغِنى | وَتُستَنزَلُ النُعمى وَيُستَرعَفُ النَصلُ |
وَيُستَعطَفُ الأَمرُ الأَبِيُّ بِحَزمِهِ | إِذا الأَمرُ لَم يَعطِفهُ نَقضٌ وَلا فَتلُ |
لَهُ سَطَواتٌ غِبُّها العَفوُ بَينَها | فَوائِدُ يُحصى قَبلَ إِحصائِها الرَملُ |
تُسَلُّ سَخيماتُ الأَيّامِ مِن نَشرِ نِعمَةٍ | تَراءَت لَهُ فيها صَنائِعُ ما تَخلو |
إِذا خَلَتِ الأَيّامُ مِن نَشرِ نِعمَةٍ | تَراءَت لَهُ فيها صَنائِعُ ما تَخلو |
مَواهِبُ لَم تُغصَب فَتُعقَل بِمِثلِها | وَلَكِن بَقِيّاتُ الثَناءِ لَها عَقلُ |
يُلَبّى مُنادي جَعفَرٍ وَاِبنِ جَعفَرٍ | إِذا اِعتَرَتِ النَكباءُ وَاِحتَجنَ الوَيلُ |
بِعَينَيكَ آمالٌ تَروحُ وَتَغتَدى | عَلى جودِهِ يَقتادُها القَولُ وَالفِعلُ |
إِذا ما أَبو العَبّاسِ حَلَّ بِبَلدَةٍ | كَفاها الحَيا وَاِستَجهَلَ الخَوفُ وَالمَحلُ |
أَتَتكَ الأَمانِيُّ اِعتِباداً وَرَغبَةً | بِرِجلٍ مِنَ الآمالِ يَتبَعُها رِجلُ |
تَبَسَّمَ عَنكَ المَهلُ في غايَةِ النَدى | كَذَلِكَ يَحيى كانَ قَدَّمَهُ المَهلُ |
أَسَرَّتكَ آمالٌ فَنالَت بِكَ الغِنى | وَجاءَتكَ أُخرى عَلُّها أَبَداً نَهلُ |
وَما خَوَّلَتكَ المَكرُماتُ سَجِيَّةً | حُبيتَ بِها إِلّا وَأَنتَ لَها أَهلُ |
أَبوكَ اِستَرَدَّ الشامَ إِذ نَفَرَت بِهِ | مُلَقَّحَةً شَعواءَ لَيسَ لَها بَعلُ |
بِجَيشٍ كَأَنَّ اللَيلَ بَعضُ حَديدِهِ | تَهادى الرَدى فيهِ الفَوارِسُ وَالرَجلُ |
وَلَمّا تَناءَت بِالقَراباتِ مِنهُمُ | حَوادِثُ تَمريها الوَقائِعُ وَالأَزلُ |
وَمالَت قَناةُ الدينِ فيهِم وَثُقِّفَت | قَناةُ الرَدى وَاِستَعذَبَ المُهَجَ القَتلُ |
نَضى سَيفُهُ فيهِم بِحَقنِ دِمائِهِم | وَسَفكِ دِماءٍ عِندَها ضَحِكَ التَبلُ |
أَقامَ عَلى أَقطارِها شاهِدُ الرَدى | طَلَيعَةَ رَأيٍ غِبُّهُ العَفوُ وَالبَذلُ |
إِذا شاءَ أَعطَتهُ الأُنوفَ مَقودَةً | صَوارِمُ بيضٍ أَو رُدَينِيَّةٌ ذُبلُ |
هُنالِكَ أَضحَكنَ العِدى عَن نُفوسِها | وَقَد ضَحِكَت دَهياءُ أَنيابُها عُصلُ |
مَرى لَهُمُ خِلفَينِ بِالحَتفِ وَالنَدى | لِكُلِّ يَدٍ مِن نَزعِ ساعِدِها سَجلُ |
بَعيدُ الرِضى لا يَستَميلُ بِهِ الهَوى | وَلا يَتَعاطى الجِدَّ مِن رَأيِهِ الهَزلُ |
إِذا اِفتَرَّتِ الثَغرَ الخُطوبُ اِنبَرى لَها | بِعابِسَةٍ مُفتَرُّها الأَسرُ وَالقَتلُ |
وَتَستَغرِقُ الشورى بَديهَةُ رَأيِهِ | وَإِن كانَ مَضروباً عَلى قَلبِهِ الشُغلُ |
شِهابُ أَميرُ المُؤمِنينَ الَّذي بِهِ | أَضاءَ عَمودُ القَصدِ وَاِحتَزَبَ العَدلُ |
إِذا ضُيِّعَ الرَأيُ اِستَشَفَّ كَأَنَّهُ | شَواهِقُ رَضوى لَيسَ في خُلقِهِ دَخلُ |
رَقيبٌ عَلى غَيبِ الأُمورِ وَرَجمِها | بِرَأيٍ قَويمٍ مِنهُ ما الغَصبُ وَالخَتلُ |
يَقومُ بِباغي الدينِ يَحيى وَجَعفَرٌ | إِذا لُحِيَ الإِسلامُ وَاِضطَرَبَ الحَبلُ |
مَتّى شِئتَ رَفَّعتَ الرِواقَ عَلى الغِنى | إِذا أَنتَ زُرتَ الفَضلَ أَو أَذِنَ الفَضلُ |