على جواد الحلم الأشهب |
أسريت عبر التلال |
أهرب منها من ذراها الطوال |
من سوقها المكتظ بالبائعين |
من صبحها المتعب |
من ليلها النابح و العابرين |
من نورها الغيهب |
من ربها المغسول بالخمر |
من عارها المخبوء بالزهر |
من موتها الساري على النهر |
يمشي على أمواجه الغافية |
أواه لو يستيقظ الماء فيه |
لو كانت العذراء من وارديه |
لو أن شمس المغرب الدامية |
تبتل في شطيه أو تشرق |
لو أن أغصان الدجى تورق |
أو يوصد الماخور عن داخليه |
** |
على جواد الحلم الأشهب |
و تحت شمس المشرق الأخضر |
في صيف جيكور السخي الثري |
أسريت أطوي دربي النائي |
بين الندى و الزهر و الماء |
أبحث في الآفاق عن كوكب |
عن مولد للروح تحت السماء |
عن منبع يروي لهيب الظماء |
عن منزل للسائح المتعب |
** |
جيكور جيكور أين الخبز و الماء |
الليل وافى و قد نام الأدلاّء |
و الركب سهران من جوع و من عطش |
و الريح صر و كل الأفق أصداء |
بيداء ما في مداها ما يبين به |
درب لنا و سماء الليل عمياء |
جيكور مدّي لنا بابا فندخله |
أو سامرينا بنجم فيه أضواء |
** |
من الذي يسمع أشعاري |
فان صمت الموت في داري |
و الليل في ناري |
من الذي يحمل عبء الصليب |
في ذلك الليل الطويل الرهيب |
من الذي يبكي و من يستجيب |
للجائع العاري |
من ينزل المصلوب عن لوحه |
من يطرد العقبان عن جرحه |
من يرفع الظلماء عن صبحه |
و يبدل الأشواك بالغار |
أواه يا جيكور لو تسمعين |
أواه يا جيكور لو توجدين |
لو تنجبين الروح لو تجهضين |
كي يبصر الساري |
نجما يضيء الليل للتائهين |
** |
نزع و لا موت |
نطق و لا صوت |
طلق و لا ميلاد |
من يصلب الشاعر في بغداد |
من يشتري كفيه أو مقلتيه |
من يجعل الأكليل شوكا عليه |
جيكور يا جيكور |
شدّت خيوط النور |
أرجوحة الصبح |
فأولمي للطيور |
و النمل من جرحي |
هذا طعامي أيها الجائعون |
هذي دموعي أيها البائسون |
هذا دعائي أيها العابدون |
أن يقذف البركان نيرانه |
أن يرسل الفرات طوفانه |
كي نشرق الظلمة |
كي نعرف الرحمة |
جيكور يا جيكور |
شدت خيوط النور |
أرجوحة الصبح |
فأولمي للطيور |
و النمل من جرحي |
** |
هذا حرائي حاكت العنكبوت |
خيطا إلى بابه |
يهدي إلي الناس إني أموت |
و النور في غابه |
يلقي دنانير الزمان البخيل |
من شرفة في سعفات النخيل |
جيكور يا جيكور خلّ و ماء |
ينساب من قلبي |
من جرحي الواري |
من كل أغواري |
أواه يا شعبي |
جيكور يا جيكور هل تسمعين |
فلتفتح الأبواب للفاتحين |
و لتجمعي أطفالك اللاعبين |
في ساحة القرية هذا العشاء |
هذا حصاد السنين |
الماء خمر و الخوابي غذاء |
هذا ربيع الوباء |
** |
أقوى من الأسوار هذا الجواد |
أقوى جواد الحلم الأشهب |
لأن الحديد المغتذي بالحداد |
و انخذل الموكب |
جيكور ماضيك عاد |
... |
هذا صياح الديك ذاب الرقاد |
و عدت من معراجي الأكبر |
الشمس أم السنبل الأخضر |
خلف المباني رغيف |
لكنها في الرصيف |
أغلى من الجوهر |
و الحبّ هل تسمعين |
هذا الهتاف العنيف |
ماذا علينا إن عبد اللطيف |
يدري بأنّا ما الذي تحذرين |
و انخطفت روحي وصاح القطار |
ورقرقت في مقلتيّ الدموع |
سحابة تحملني ثم سار |
يا شمس أيامي أما من رجوع |
... |
جيكور نامي في ظلام السنين |