المجنون
مدة
قراءة القصيدة :
3 دقائق
.
أطار عني النوم صوت في الدجى | كأنه دمدمة الشّلال |
يصرخ، والريح تردّد الصدى | في أذن الفضاء والتلال |
يا ليل هنيهة قبالي | تر البرايا وأر الليالي |
أنا الشادي ، أنا الباكي، | أنا العاري، أنا الكاسي |
أنا الخمرة والدنّ، | أنا الساقي، أنا الحاسي |
خلعت ثوبا لم تفصّله يدي | وهمت في الوادي بلا سريال |
وخلتني انطلقت من سلاسلي | وخلصت ذاتي من الأوحال |
فلم أزل أرسف في أغلالي | ولم أزل في حندس المحال |
فما أبكي من الغربة | عن جار وعن خدن |
فقد يرجع جيراني | وتبقى غربتي عني |
عرفت في النهار كل مقبل | ومدبر، وما عرفت حالي |
واستترت عني السهول والربى | تحت الدجى ، والبحر ذو الأهوال |
لكنما لم تستتر_ آمالي | عني ولا نقصي ولا كمالي |
ولا ضعفي، ولا عزمي ، | ولا قبحي، ولا حسني |
فكم أهرب من نفسي | وما لي مهرب مني |
فقلت من هذا ؟ فقال صحبي | موسوس يهذي من الخيال |
يأوي إلى الأدغال في نهاره | كأنه جزء من الأدغال |
وفي الدجى له صراخ عال | كأنه والليل في نضال |
كأن الليل يوثقه | بأغالا وأمراس |
ويضرب جسمه العاري | بسوط الظالم القاسي |
ما أن رآه أحد إلاّ رآه | شاخص الطرف إلى الأعالي |
كأنما يرقب ركبا صاعدا | أو هابطا وليس غير الآل |
كأنما يخشى على الهلال | وسائر الشهب من الزوال |
فصاح الصوت : ما أرجوه | في نفسي وما أحذر |
فهما رحب الأفق | فنفسي الأفق الأكبر |
ليس جلال الليل ما أدهشني | وإنما أدهشني جلالي |
ولا جمال الشهب ما حيّرني | وإنما حيّرني جمالي |
إن كان بي شوق إلى وصال | فإنّما شوقي إلى خيالي |
توشّحت الضحى والليل | في أنسي وفي حزني |
فما زاد الدجى خوفي | ولا زاد الضحى أمني |
لم هاجر الناس فأصناف الورى | من السلاطين إلى الموالي |
إلى ذوي العلم ، إلى أهل الغنى | من واصل وهاجر وسال |
وحاضر وسابق وتال | في قبضتي ((اليمنى)) بلا جدال |
تلاقى الأحمق الجاهل | والعالم في كفي |
ومن كان له إلف | ومن كان بلا إلف |
وفي يدي ((الشمال)) أشكال المنى | وصور اليقين والضلال |
وكلّ ما لعاقل أو جاهل | من لذة أو ألم قتّال |
وسائر الأمور والأحوال | وكلّ شيء قال شخص : ذا لي |
وكان الليل قد أزمع | أن يحدو مطاياه |
فساد الصمت في الوادي | كأن الموت يغشاه |
فسرت والفجر دليلي باحثا | في الغاب والسفوح والتلال |
فلم أجد غير صريع هامد | منطرح في جانب الشّلال |
((لا شيء)) في قبضته الشمال | وليس في اليمنى سوى ((صلصال)) |