أيا نيل
مدة
قراءة القصيدة :
4 دقائق
.
وقفت ضحى في شاطيء النيل وقفة | يضنّ بها إلاّ على النيل شاعره |
تهلّل حتى يبدو ضميره | و عبّس حتى كاد يشكل ظاهره |
فثمّ جلال يملأ النفس هيبة | و ثمّ جلال يملأ العين باهره |
فطورا أجيل الطرف في صفحاته | و طورا أجيل الطرف فيما يجاوره |
و ألحظ شمس الأفق و هي مطله | تساير فيها ظلّها إذ تسايره |
فأحسبها فيه تساهمني | و تحسبني فيها الغرام أشاطره |
إذا هي ألقت في حواشيه نورها | رأى التبر يجري في حواشيه ناظره |
أطالت به لاتحديق حتى كأنّما | تحاول منه أن تبين سرائره |
فيا لهما إلفين باتا بعزل | يخامرها من حبّه ما يخامره |
يروح النسيم الرّطب في جنباته | يداعبه طورا و طورا يحاوره |
و تقبض من مبسوطه نفحاته | كما قبض الثوب المطرّز ناشره |
فيصدف عنه و هو مقطب | كأنّ عدوّا بالنسيم يحاذرة |
كأنّي به تدانت سطوره | أوائله قد شكّلت و أواخره |
إذا ما جلا للناظرين رموزه | تجلّى لهم ماضي الزمان و حاضره |
أيا نيل نبئني أحاديث من مضوا | لعلّ شفاء النفس ما أنت ذاكره |
حيالك صبّ بالخطوب مهدّد | جوانحه رهن الهموم و خاطره |
أطاع شجونا لو أطاع فؤاده | عليها لفاضت بالنجيع محاجره |
يحثّ إليّ الدهر كلّ رزيئة | على عجل حتى كأنّي واتره |
و ما أنا بالعبد الذي يرهب العصا | و لكنّني حرّ تروع بوادره |
أيا نيل فامنحني على الحقّ قوّة | فما سوّد الضرغام إلاّ أظافره |
و هبني بأسا يسكن الدهر عنده | فقد طالما جاشت عليّ مناخره |
إذا لم تكن عون الشجيّ على الأسى | فخاذله فيه سواء و ناصره |
قني البأس وامنع شعبك الضّعف يتّقي | و ينصفه من حسّاده من يناكره |
هو الدهر من ضدّين ذلّ و عزّة | فمن ذلّ شاكيه و من عزّ شاكره |
و للقادر الماضي العزيمة حلوة | و للعاجز الواهي الشكيمة حازره |
و ما للناس إلا القادرون على العلى | و ليست صنوف الطير إلاّ كواسر |
ألم تره منذ استلينت قناته | تمشّت |
فأرهق حتى ما يبين كلامه | و قيّد حتى ليس تسري خواطره |
و لو ملكوا الأقدار استغفر الذي | له الملك يؤتيه الذي هو آثره |
لما تركوا شمس النهار يزوره | سناها ، و لا زهر النجوم تسامره |
يريدون أن يبقى و يذهب مجده | و كيف بقاء الشعب بادت مآثره ؟ |
فغورست في مصر يسدّد سهمه | إليه و قنّاص الوحوش يضافره |
يلجّون في إعناته فإذا شكا | يصيحون أنّ الشعب قد ثار ثائره |
لقد هزأوا لما تنّبه بعضه | فلم ذعروا لما تنبّه سائره ؟ |
يقولون جان لا يحلّ فكاكه | و لو أنصفوه حمل الإثم أسره |
عجبت لقوم ينكرون شعوره | و هاتا مجاليه و تلك مظاهره |
ألم يك في يوم القناة ثباته | دليلا على أن ليس توهى مرائره ؟ |
يعزّ على المصريّ أن يحمل الأذى | و حاضره يأبى الهوان و غابره |
لئن تك للتاريخ و الله زينة | فما زينة التاريخ إلاّ مفاخره |
رعى الله من أبنائه من يذود عن | حماه ، و من أضيافه من يظاهره |
هم بعثوا فيّ الحياة جديده | فشدت أواخيه و عزّت أواصره |
و هم أسمعوا الأيّام صوتا كأنّما | هو الرعد تدوي في السماء زماجره |
و هم أطلقوا أقلامهم حين أصبحت | مكبلة أقلامه و محابره |
كذلك إن يعدم أخو الظلم ناصرا | فلن يعدم المظلوم حرا يناصره |