عبد اللّه البستاني
مدة
قراءة القصيدة :
3 دقائق
.
يا ميّتا فيه جمال الحياة | ما حاز منك اللحد إلاّ الرفات |
أنت الفتى الباقي بآثاره | ما أنت بالمرء إذا مات مات! |
وكيف يمتدّ إليك الردى | وذاتك الحسناء في ألف ذات؟ |
إذا اختفى في الورد لون الضحى | فالذنب ذنب الأعين الناظرات |
يصوّح الزهر ويبقى الشّذى | ويذهب المرء وتبقى الصفات |
يا نائما أغفى عن الترّهات | إنّي وجدت الموت في الترّهات |
أإن مضى الشيء تقول انقضي | إذن، فمن أين تجيء الحياة؟ |
أليس دنيا الصحو دنيا الكرى | ومثل ظلّ العيش ظلّ الممات؟ |
تقسّم الأشياء أفهامنا | وليست النخلة إلاّ النواة |
وفي الغد الأمس ولكنّنا | للجهل قلنا الدهر ماض وآت |
بعض الردى فيه نجاة الفتى | وربّما كان الرّدى في النجاة |
يا قرويّا عظمت نفسه | حتى ترضّتها نفوس العتاة |
وحسدته الصيد في كوخه | وحسدت قريته العاصمات |
تلك السجايا لم تزل بيننا | ساطعة كاالأنجم الزاهرات |
وعلمك الزاخر باق لنا | ما بقيت في الأرض أمّ اللغات |
في أنفس الناس وألبابهم | وفي بطون الير الخالدات |
وفي تلاميذك أهل الحجى | والأدب الجم الجميل السّمات |
من شاعر كالروض أشعاره | تسمع همس الحبّ فيه الفتاة |
وسامر تحسب أقواله | مسروقة من مقل الغانيات |
وكاتب تشرق ألفاظه | كالدّرر المختارة المنتقاة |
وصحب أخلاقهم كالمنى | يروون عنك الحكم الغاليات |
لم يخترمك الموت يا دوحة | باسقة قد خلّفت باسقات |
يا حجّة الفصحى ودهقانها | وبحرها الطامي وشيخ الثقات |
((ألضاد)) من بعدك في مأتم | حاضرها والأعصر الغابرات |
فليس في لبنان غير الأسى | وليس غير الحزن حول الفرات |
فمن يعزّي جبلا واحدا | عزّى الرواسي في جميع الجهات |
سلختها سبعين من أجلها | في عالم الطّرس ودنيا الدواة |
ألناس من حولك في قيلهم | وأنت كالعابد وقت الصلاة |
غنيت بالضاد وأسرارها | عن الغواني والطّلا والسقاة |
أنت الذي ردّ إليها الصبا | إنّ الهوى يجترح المعجزات |
فاختلجت أوضاعها بالمنى | وجال ماء الحسن في المفردات |
ولهجت باسمك آفاقها | وردّدته في البوادي الحداة |
وحنّت النوق إلى سمعه | وطربت من ذكره الصافنات |
فيا شبابا يطلبون العلى | إنّ العلى للأنفس الماضيات |
ويا فقيرا يتمنّى الغنى | هلاّ تمنّيت غنى المكرمات؟ |
ويا سراة يبذلون اللّهى | هذا فقير كان يعطي السراة! |
من روحه لا فيض أمواله | إنّ هبات الروح أسمى الهبات |
لا يقتضي قاصده حمده | ويشكر العافي الذي قال: هات |
وإن مضى العافون عن بابه | سارت عطاياه وراء العفاة |
فكان كالكوكب يمشي على | ضيائه الرّكب وذئب الفلاة |
وكان كالغيث إذا ما همى | أصاب في الأرض الحصى والنبات |
وكان كالينبوع يرتاده | ذو الشيم الحسنى وذو السيّئات |
وكالفضاء الرّحب في حلمه | يضطرب البازي به والقطاة |
يا صاحب ((البستان)) نم آمنا | فإنّ الموت زوال الشكاة |
ما غاب ماء غاب تحت الثّرى | فأطلع النبت وأحيا الموات |