ذكريات ...
مدة
قراءة القصيدة :
3 دقائق
.
يا " ذكرياتُ " تَحَشَّدي فِرقا | تسَعُ الخيالَ وتملأُ الأُفُقا |
وتأهَّبي زُمراً تجهزني | محضَ الأسى ، والذُّعرَ ، والقلقا |
هُزِّي الرِّتاجَ عليَّ أُحكِمُه | وتقحَّمي البابَ الذي انغلقا |
الليلُ صُبِّي في قرارتهِ | من وحشةٍ ما يفزَعُ الغَسَقا |
والريحُ خلِّيها اذا صفِرَت | في البيت تُوسِعُ من به فَرقَا |
خَلِّي الصغار من الأسى فَزَعاً | يتساءلون : من الذي طَرَقا |
ودَعي الكِبار يرَوْنَ مدخنَةً | فيه ولا يجدون محترِقا |
والنَوم من فَزَعِ " الرؤى " يبساً | رُدِّيه ، او بدمائها غَرِقا |
ليعودَ مما " تنفُثين " به | مِسخاً فلا نَوماً ولا أرَقا |
والصبحُ رُدِّيه لَمبْسِمه | شَرِقاً وبالعبرات مُختنِقاً |
ثم اطلِعي من كلِّ زاوية | ذاك الجبينَ ووجهَه الطَلِقا |
حتى إذا انتصف الأصيل به | فتكوّري في صُلبه شَفَقا |
ثم اسكُبي نَضْحَ الدماء به | ثم ابعَثي من نَشْرها عَبِقا |
وتمزّقي قِطَعاً مضرّجةً | تمتصُّ من نَضَحاتِه عَلَقا |
فكأن فيها الصُلْبَ منغلقاً | بجراحه ، والصدرَ منخرقا |
يا ذكريات تجسَّدي بَدَناً | غضَّ الصِّبَا ، وتعطَّري خُلُقا |
عُريانَ : لا خَتَلا ، ولا وَغَراً | ضَحْيانَ : لا صَلَفاً ، ولا مَلَقا |
لم تتركي من كلِّ شاردةٍ | نَمَطاً ، ولا من نأمةٍ نَسَقا |
ثم ابدَهيني كلَّ آونةٍ | منها بما يستامُني رَهَقا |
يا ذكرياتٌ كلُّها حُرقٌ | تَطَأ الفُؤادَ ، وتلهبُ الحَدَقا |
من لي بشِعرٍ خالقٍ شجناً | للناس يُعجزهم بما خَلَقا |
هي صُورة حمراءُ من شَجني | تُدمي اليَراع وتُرعب الوَرَقا |
ليَرىَ الذين تجاهَلوا برَمَاً | أسيانَ : كيفُ يُكابد الحُرَقا |
من لي باطيافٍ تُراوحني | بالهمِّ مُصطبَحاً ومُغتبَقا |
متسلسلات كلما وَجَدَتْ | فيها فراغاً ، أفَرغَتْ حَلقا |
مستجمعات كلَّ خاطرةٍ | ما جدَّ من عهدٍ وما خَلِقا |
ما كان مثلَ القبر مُختفياً | تُبديه مثلَ النجم مُنبثِقا |
فَرِحاً ومكتئباً ومختلِطاً | بهما ، ومُتَّحداً ، ومفترِقا |
من لي بها وكأنَّها بشرٌ | عن نفسه يَروي اذا نطَقا |
من لي باشباحٍ أنوءُ بها | رَسْفَ السجين بقيَدِه عَلِقا |
حتى اذا انصَرَمَت بدا شَبَحٌ | حُلوٌ يكادُ يُطيرني نَزَقا |
طوراً نَروح معاً على ظَمَاً | منها ، وطوراً نستَقي غَدَقا |
يوماً بقَعر البيت يُوغرنا | حَنَقاً ، قضاءٌ مُوغِر حَنِقا |
وهُنيهة نرتاد مُرتفِعاً | من هَضْب " لبنانٍ " ومُنْزَلِقا |
من لي بها تَعتادُ قارئها | فَرَقاً ، كما تَعتادني فَرَقا |
وتردُّ – مثلي – عيشَه رَنِقاً | وتَسُدُّ – مثلي – حَولَه الطُرقا |
من لي بشِعرٍ خالقٍ حُرَقاً | تطأ الفؤادَ وتُلهِبُ الحَدَقا |
ليريُهم القلبينِ قد لَصِقا | صِنويَن ، كيف اذا هُما افتَرَقا |
واذا هما – والموت بينهما - | مدّا من الجْيدينِ فاعتَنَقا |
وتساءَلا : ما ضرَّ لو سلكا | كَفَناً معاً ، وبحبله عَلِقا |
حتى اذا استبقى احرُّهما | رَمَقاً ، واسلَمَ خِدنُهُ رَمَقا |
وحثا التُرابَ بوجهه قَدَرٌ | عبّا لكل مُفارق طَبَقا |
وانداحَتِ الدنيا بناظرِه | حتى لظَنَّ رحابَها نَفَقا |
ومضى حسابُّهما برُمَّته | ما انفكَّ من دَين وما انغَلَقا |
صَفَقَ اليدين كأنَّ مرتجِعاً | يرجُو لصاحِبه بما صَفَقا |
وكأنما يُعطي الشقيقَ دماً | ان الشقيقَ بدمعه شَرِقا |
وكأنما انشقَّ الضريحُ له | بـ " رعى السحابُ ضريحَه وسَقَى " |