عتاب مع النفس ..
مدة
قراءة القصيدة :
4 دقائق
.
ءعتَبْتُ وماليَ مِن مَعتبِ | على زَمَنٍ حُوَّلٍ قُلَّبِ |
أُنلصِقُ بالدهر ما نجتوي | ونختصُّ نحن بما نجتبي ؟! |
كأنَّ الذي جاء بالمَخْبثاتِ | غيرُ الذي جاء بالطَّيب! |
وما الدهرُ إلا أخو حَيدةٍ | مُطلٌ على شرَفٍ يرتبي |
يُسجّلُ معركةَ الكائناتِ | مثلِ المُسجّل في مَكتب |
فما للزمانِ وكفّي إذا | قَبضتُ على حُمةَ العقرب؟! |
وما للَّيالي ومغرورةٍ | تُجَشِّمُني خَطرَ المركب؟ |
بِنابيَ، مِن قبلِ نابِ الزمان | ومن قبل مِخلبه مِخلبي |
تَفَرَّى أديميَ ، لم أحَترِس | عليه احتفاظاً ولم أحدَب! |
بناءٌ أُقيمَ بجَهد الجُهود | وَسهرةِ أُمٍّ ورُعْيا أب |
وأضْفَتْ عليه الدروسُ الثِقالُ | لوناً من الأدب المُعْجِب |
عَدوتُ عليه فهدَّمتُه | كأن ليس لي فيه من مطلب! |
يداي َ أعانت يدَ الحادثات | فَرُنِّقَ طوع يدي مشربي |
أجِد وأعلمُ عِلمَ اليقين | بأني من الدهر في ملعب! |
وأنّ الحياةَ حَصيدُ الممات | وان الشروقَ أخو المغرب! |
وإني على قدْر ما كان | بالفُجاءاتِ مِن قَسوةٍ كان بي |
بَعثْنَ البَواعثَ يَصْطَدنَني | وأبصرتُ مَنجى فلم أهرب! |
وثارتْ مُخّيلتي تَدَّعي | بأنَّ التَنزُّلَ مَرعى وبي |
وأن الخيانةَ ما لا يجوزُ | وأنَّ التقلّبَ للثعلب |
وأنْ ليس في الشرِّ من مغنم | يُعادِلُ ما فيه مِن مَثْلَب |
ولما أُخِذْتُ بها وانثنيتْ | نزولاً على حُكمها المُرهِب |
ووَطَّنْتُ نفسي ، كما تشتهي | على مَطْعمٍ خَشِنٍ أجْشَب |
مشى للِمثالبِ ذو فِطنةٍ | بقوَّةِ ذي لِبد أغلب |
جَسورٍ رأي أنّ مَن يَقتحمْ | يُحكَّمْ، ومن يَنكمشْ يُنْهَب |
وأفرغَها من صُنوفِ الخِداعِ | والغشَّ في قالبٍ مُذْهَب |
فرفَّتْ عليه رَفيفَ الأقاح | في مَنبِت نَضرٍ مُعشِب |
تُسمَّى خَلائقَ محمودةً | ويُدعَ ى أبا الخُلُقِ الأطيب! |
وراحَ سليماً من الموبقات | ورُحتُ كذي عاهةٍ أجرب! |
ولم أدرهِها عِظَةً مُرَّةً | بأني متى أحَترِسْ أُغلَب |
ولكنْ زَعمتُ بأن الزمانَ | دانٍ يُسفُّ مع الهيدَب |
ويومٍ لَبستُ عليه الحياةَ | سوداء كاللَّيلة الَغْيهَب |
أرى بَسمةَ الفجرِ مثلَ البُكاء | وَشدْوَ البَلابل كالمَنْعب! |
وبِتُّ عكوفاً على غُمَّتي | حريصاً على المنظر المُكْرِب! |
وَبعثرتُ هاجعةَ الذكريات | أُفَتّشُ عن شَبَحٍ مُرعِب! |
حَملتُ همومي على مَنكِبٍ | وهمَّ سوايَ على مَنكِب |
ولاشيتُ نفسيَ في الأبعدين | أُفكّرُ فيهمْ ، وفي الأقرب! |
ولمَّا فَطَنتُ على حالة | تَليقُ بمنتحِرٍ مُحرِب.. |
نسيتُ بأني اقَترفْتُ الذنوبَ | وانصَعتُ أبحثُ عن مُذنِب! |
أخذتُ بمخنَق هذا الزمان | لم يفتَكِرْ بي ولم يحسِب! |
ويومٍ تَنَعَّمْتُ مِن لَذَّةٍ | متى لم أُنعَّمْ بها تذهب |
ولمَّا انطوتْ مثلَ أشباهِها | وكلُّ مَسيلٍ الى مَنضَب.. |
تَخيَّلتُ حِرصاً بأن الزمان | عدوُّ اللُبانةِ والمأرَب |
وأنّ الطبيعةَ والكائناتِ | ما يَستبينُ وما يَختبي |
تألبنَ يَسلُبْني فُرصةً | من العُمْرِ إنْ تنألا تَقْرُب! |
وأن الزمانَ مشى مُسرعاً | يُزاحمُ مَوكُبهُ مَوكبي ! |
وأن الكواكبَ طُرّاً سعُدْنَ | ولم يَشْقَ منها سوى كوكبي ّ ! |
وأنيَ لو كنت في غَمرةٍ | مِن الفكر أو خاطرٍ مُتعِب |
لقَلَّلَ من خَطوةِ جاهداً | كمشْيَةِ مُثْقلةٍ مُقرب! |
ورُحتُ أُشبِّهُ ما فاتني | من العيش بالبارق الخُلَّب |
مُغاَلطَةً ، إنّ شرَّ العَزاءِ | تعليلُ نفسك بالمُكذَب! |
وإني على أن هذا المزاج | رمانيَ بالمُرهِق المُنْصِب |
وكنتُ على رُغم عُقْمِ الخليِّ | أهوى حياةَ خليٍّ غبي |
لأحمِلُ ، للفُرَص السانحاتِ | وللأرْيحيَّة، نفْسَ الصبي |
طليقاً من التَبِعات الكثارِ | حُرَّ العقيدة والمذهب |
طَموحاً وأعرفُ عُقْبى الطُموح | فلا بالدَّعِيِّ ولا المُعْجَب |
تَمَتَّعْتُ في رَغدٍ مُخصِب | وهُذّبتُ في يَبَسٍ مُجدِب |
و أفضَلُ من رَوَحاتِ النعيم | على النفس مَسغبَةُ المُترِب |
فانْ جِئتُ بالمُوجعِ المشتكي | فقد جئتُ بالمُرقِص المُطرِب! |
دَع الدهرِ يذهبْ على رِسْلهِ | وسرْ أنتَ وحدكَ في مَذهب |
ولا تَحتفِل بكتاباتهِ | أرِدْ أنت ما تشتهي يُكتب ! |
فانْ وَجَدَتْ دَرَّةً حُلوةً | يداك ، فدُونَكَها فاحلِب |
فانَّ الحماقةَ أنْ تَنثني | مع الواردينَ ولم تشرَب |
تَسَلَّحْ بما اسطعتَ من حيلةٍ | إلى الذئبِ تُعزَى ، أو الأرنب |
وإنْ تَرَ مَصلحةً فاصدقنَّ | وإنْ لم تَجِدْ طائلاً فاكذب! |
ولا بأسَ بالشرِّ فاضرِبْ به | إذا كان لابُدَّ من مَضرَبَ |