آلام...
مدة
قراءة القصيدة :
6 دقائق
.
ألفت حرّك لا شكوى و لا سهد | يا جمرة في حنايا الصدر تتّقد |
مرّي على كبدي حمراء دامية | يبقى الحنين إذا تسلم الكبد |
و ما أضيق بهمّ حين يطرقني | لقد تقاسم حبّي البؤس و الرّغد |
إنّي أدلّل آلامي و أمسحها | مسح الشفيق و أجلوها و أنتقد |
حتّى تطلّ على الدنيا بزينتها | حسناء تبدو عليها نعمة ودد |
بعض الخطوب ظلام لا صباح له | و بعضها الفجر فيه النّور و الرشد |
تفجّر الخير منه روضة أنفا | تدعو إلى ظلّها وانين قد جهدوا |
إذا هم جرعوا من مائها جرعا | توثّبت عزمات فيهم جدد |
و مدلجين أضاء الحزن ليلهم | حتّى إذا انطفأت أحزانهم قعدوا |
حادوا عن المحنة الكبرى و لو صحبوا | نيرانها الحمر ما ضلّوا و لا انفردوا |
فيم التنكّر للآلام قاسية | إذا تباعد في ميدانها الأمد |
ألطالعون على الدنيا بنصرهم | لولا الفواجع هل شدّوا و هل نهدوا |
إذا ونوا راح يذكي من عزائمهم | حقد هو العدّة الشهباء و العدد |
سقاهم خمرة الآلام فاضطرموا | يستلهمون من الآلام و احتشدوا |
أمّا الشعوب و قد ضجّت عواصفها | فصلحب النّصر فيها الثاكل الحرد |
لقد تلاقى على الغايات من ظفروا | بالملك في زحمة الدنيا و من حقدوا |
إنّ الألى أنكر الأحزان سامرهم | لغو من الناس لا ذموّا و لا حمدوا |
إذا تباكوا من البلوى فما عرفوا | حزن المحبّين في البلوى و لا وجدوا |
الظامئون و ظنّوا أنّهم ثملوا | و الغائبون و ظنّوا أنّهم شهدوا |
*** | |
لا يبعد الله أحبابا فجعت بهم | و ما علالة قلبي بعدما بعدوا |
الناشئون علة نعماء مترفة | تقيّلوا الرمل في الصحراء و اتّسدوا |
تلك الجسوم التي حزّ الحرير بها | حريرها في العراء الموحش الزرد |
صادين للموت إيمانا و موجدة | فكلّما لاح منه منهل وردوا |
على الصحاصح هامات معطّرة | و في الرّمال بنان أفردت و يد |
في كلّ منزلة قبر تلمّ به | هوج الرّياح و ينأى الأهل و الولد |
مشتّتين فمن أجسادهم مزق | على الأديم و من مرّانهم قصد |
مصارع بعطور الحقّ زاكية | كأنّما سكبوا فيها اعتقدوا |
حنا السراب عليها و هي ظاكئة | حرّى الجوانح لا غمر و لا ثمد |
بموحش من رمال البيد منبسط | يضلّ في شاظئيه الصّبر و الجلد |
مسحت دمعي من ذكراهم بيد | و أمسكت كبدي ألاّ تذوب يد |
*** | |
يا خمرة الحزن هذي الكأس مترعة | للشاربين و هذا الشاعر الغرد |
إنّ الندامى على عهد الحبيب بهم | لا جانبوا النّشوة الكبرى و لا زهدوا |
لا أوحش الله قلبي من مواجعه | و لا تحوّل عن نعمائها الحسد |
و لا شفى الله جرحا في سريرته | نديان ينطف منه الخمر و الشهد |
فجّرت قلبي رثاء ما وفين به | حقّ الزعيم قواف كالضحى شرد |
الناقلات إلى الأجيال ما ظلموا | من الأباة و ما راعوا و ما اضطهدوا |
صلى الاله على قبر يطوف به | كبيت مكة من حجّوا و من قصدوا |
أغفى أبو طارق بعد السّهاد به | و خلّف الهمّ و البلوى لمن سهدوا |
ضاو من السقم ضجّت في شمائله | عواصف الحقّ و الأمواج و الزبد |
إذا أثير نضا عنه مواجعه | كما تفلّت من أشراكه الأسد |
يروع في مقلتيه بارق عجب | و عالم عبقريّ السحر منفرد |
يغالب البشر أسقاما نزلن به | يأبى له الكبر أن يأسى لها أحد |
داء ملح و نفس لا تذلّ له | حرب تكافأ فيها البأس و العدد |
تلك البشاشة أبلى الدّاء نضرتها | فراح يلمح في نعمائها الكمد |
كالغيم يحجب حسن الشمس طالعة | و ما تحوّل عنها الحسن و الرأد |
نعمت منك بساعات معطّرة | كأنّها الحلم دان و هو مبتعد |
و صحبة كقديم الرّاح لو جليت | لليائسين حميّا كأسها سعدوا |
*** | |
يا خدنة من قراع الدهر دامية | ألا يهدهد من آلامك الأبد |
خيل الزعيم تنزّى في شكائمها | ما فاتها قنص في الحيّ أو طرد |
عرينة الحقّ في الشهباء منجبة | يروع أنّى التفتّ الظفر و اللّبد |
إذا الزعيم تولّى عن شبولتها | حمى الشبولة إخوان له نجد ... |
أمّا الشباب فما خانوا رسالته | عند الكفاح و لا حادوا و لا جحدوا |
إذا دجت ظلمات اليأس حالكة | شقّ الدجى كوكب من ذكره يقد |
حول الزعامة فتيان غطارفة | لا ينقض الدّهر ما شدّوا و ما عقدوا |
الساخرون من الأقزام يضحكهم | أن راح يلبس جلد الضيغم النقد |
المؤمنون إذا ما بايعوا صدقوا | و الصابرون فإن جدّ الوغى صمدوا |
*** | |
سقتهم كفّ إبراهيم صافية | من خمرة الحقّ تروي كلّ من يرد |
ففي الدّماء سعير من سلافتها | عجلان يهدأ أحيانا و يتّئد |
بين الجوانح إلاّ أنّه أنف | و في الشمائل إلاّ أنّه صيد |
أذكى أبو طارق في الشرق جمرتها | حمراء تلتهم الجلّى و تزدرد |
إذا ونت و هتفنا باسمه جمحت | تعيد سيرتها الأولى و تطّرد |
فذكره الأمل الهادي إذا انتبهوا | و طيفه الحلم الهاني إذا رقدوا |
زعامة الحقّ لا شوهاء يرفعها | على الرّمال الهوى و الزور و الفند |
*** | |
مالي أرى الفرس الشقراء عارية | على المرابط لا تطغى فتنجرد |
آب المغيرون جنّت خيلهم مرحا | و آن أن يستريح الفارس النجد |